الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إذا صَلَّيْتُمْ بعدَ الجمعة فَصَلُّوا أربعًا»، زادَ عمرٌو في روايته: قال ابنُ إدريسَ: قال سُهَيْلٌ: «فإنْ عَجِلَ بِكَ شيءٌ فَصَلِّ ركعتينِ في المسجدِ، وركعتينِ إذا رَجَعْتَ».


رواه مسلم برقم: (881)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«عَجِلَ بِكَ»:
بكسر الجيم: من باب: تَعِبَ؛ أي: حملك على الاستعجال. البحر المحيط الثجاج (17/ 399).
وقال ابن دريد -رحمه الله-:
والعَجَلُ: ضدُّ البُطْءِ. جمهرة اللغة(1/ 482).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
عَجِلْتُ إلى الشيءِ: سَبَقْتُ إليه. المصباح المنير (2/ 394).


شرح الحديث


قوله: «إذا صَلَّيْتُمْ بعد الجمعة فَصَلُّوا أربعًا»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «إذا صليتم» أي: إذا أردتم صلاة النافلة، «بعد» فراغكم من «الجمعة، فصلوا أربعًا» أي: كملوا أربع ركعات، فلا تقتصروا على ركعتين؛ لئلا تلتبس الجمعة بالظهر -التي هي أربع- على الجاهل، أو لئلا يتطرَّق أهل البدع على صلاتها ظهرًا أربعًا. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (10/ 377).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعًا» أي: إذا أردتم أن تصلوا نفلًا؛ كما قال في الرواية الأخرى: «مَن كان مصلِّيًا بعد الجمعة فليصلِّ أربعًا». المفهم (2/ 518).
وقال المازري -رحمه الله-:
لعله إشارة إلى كراهة الاقتصار على ركعتين بعدها؛ لئلا يلتبس بالظهر التي هي أربع، وهذا التأويل على رواية «مَن كان منكم مصلِّيًّا»، وأما رواية: «إذَا صلى فليصلِّ» فلعله يكون معناه: إنْ شاء التنفُّل، بدليل الحديث الآخر. المعلم بفوائد مسلم (1/ 477).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فصلوا أربعًا» أي: ندبًا. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 347).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
صَرَفَ الأمرَ عن الوجوب: الأحاديثُ الصريحة في نفي وجوب ما زاد على المكتوبات الخمس. دليل الفالحين (6/ 598-599).
وقال النووي -رحمه الله-:
في هذه الأحاديث: استحباب سُنة الجمعة بعدها، والحث عليها، وأنَّ أقلها ركعتان، وأكملها أربع، فنبَّه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «إذا صلى أحدكم بعد الجمعة، فليصلِّ بعدها أربعًا» على الحث عليها، فأتى بصيغة الأمر، ونبَّه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن كان منكم مُصلِّيًا» على أنَّها سنة ليست واجبة، وذكر الأربع لفضيلتها، وفعل الركعتين في أوقات بيانًا؛ لأن أقلها ركعتان، ومعلوم أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في أكثر الأوقات أربعًا؛ لأنه أمرنا بهن، وحثَّنا عليهن. شرح صحيح مسلم (6/169-170).
وقال العيني -رحمه الله-:
قال أبو يوسف: يصلي أربعًا بتسليمة، وركعتين آخرين بتسليمة أخرى. شرح أبي داود (4/ 474).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
قال أحمد: إنْ شاء صلى بعد الجمعة ركعتين، وإنْ شاء صلى أربعًا، وفي رواية: إنْ شاء ستًّا. المغني (2/ 219).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
السنة الراتبة التي بعدها (أي: الجمعة): ركعتان بالبيت؛ لقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الجمعة لا يصلي بعدها شيئًا حتى ينصرف إلى بيته، فيصلي ركعتين»، وفي حديث أبي هريرة أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا صلى أحدكم الجمعة فليصلِّ بعدها أربعًا».
فاختلف العلماء -رحمهم الله- هل سُنة الجمعة أربع ركعات بسلامين أم ركعتان؟ فمنهم مَن قال: إنها أربع ركعات؛ لأن هذا هو الذي أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما الركعتان فهما فعله، وأمره مُقدَّم على فعله، فتكون أربع ركعات، ومنهم مَن قال: هي ركعتان فقط؛ لأن هذا هو الذي ذكره ابن عمر -رضي الله عنهما-، وأما الأربع فليست براتبة، ومنهم من فصَّل فقال: إنْ صلى في المسجد سُنة الجمعة صلى أربعًا، وإنْ صلى بالبيت صلى ركعتين، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه-، ومنهم مَن قال: يَجمع بين هذا وهذا، فيصلي أربعًا بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويصلي ركعتين بفعله، فتكون السُّنة بعد الجمعة ست ركعات -والله الموفق-. شرح رياض الصالحين (5/ 138).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
وهذه الأربع ظاهرها أنَّها تُصلَّى بتسليم واحد، وقيل: تُصلَّى بتسليمين على ركعتين، فأما مَن قال بالأول فقال: هذا هو ظاهر الحديث، ومَن قال بالثاني قال: إنَّ الأحاديث المطلقة تُحْمَلُ على الأحاديث المقيَّدة، وهو أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «وصلاة الليل والنهار مثنى مثنى»؛ فإنَّ هذه الكلمة: «والنهار» اختلف فيها الحفاظ، ولكن الراجح: أنَّها ثابتة، وعلى هذا: فتكون مقيدة لكل الأحاديث المطلقة.
والغريب أنَّ الذين قالوا: إنَّها تُصلى أربعًا بسلام واحد، أيَّدوا مناسبة ذلك، قالوا: لئلا يظن إذا سلَّم من ركعتين أنه أتم الجمعة ظهرًا، أي: أنَّ هاتين الركعتين إتمام للجمعة، ولكننا نقول: هذه المناسبة تُعْكَسُ عليكم، إذا قيل: إنَّه يصلى أربعًا، فيُقال: إنَّ الرجل صلى الجمعة، ثم صلى ظهرًا ثانيًا، وهذا القول بأنْ يصلي ركعتين ركعتين أبعد عن إعادة الظهر، وأبعد عن إلحاقها؛ لأن الإلحاق هنا ممتنع بواسطة السلام. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 355).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
والسُّنة أنْ يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها، كما ثبت عنه في الصحيح: أنَّه -صلى الله عليه وسلم- «نهى أنْ تُوصل صلاة بصلاة حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام»؛ فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس يَصِلُ السلام بركعتي السُّنة، فإنَّ هذا ركوب لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا من الحكمة: التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة. مجموع الفتاوى (24/ 202-203).

قوله: «زادَ عمرٌو في روايته: قال ابنُ إدريسَ: قال سُهَيْلٌ: فإنْ عَجِلَ بِكَ شيءٌ فَصَلِّ ركعتينِ في المسجدِ، وركعتينِ إذا رَجَعْتَ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «زاد عمروٌ» الناقد «في روايته: قال» لنا «ابن إدريس قال» لنا «سُهيل» بالسند السابق، أي: زاد عمرو على أبي بكر لفظة: «فإنْ عَجِلَ بك» يا أبا هريرة «شيء» من الأشياء، أي: فإنْ أخذك استعجال إلى الخروج بسبب أمرٍ عارضٍ من الأمور كمريض، لا مُتَعَهِّدَ له، أو إنقاذ مُشْرِفٍ على الهلاك؛ «فصلِّ ركعتين في المسجد، وركعتين إذا رجعت» إلى منزلك أو بيتك. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (10/ 377-378).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «زاد عمروٌ في روايته...» إلخ، يعني: أنَّ شيخه عمرًا الناقد، زاد في روايته ما لفظه: «قال ابن إدريس: قال سهيل: فإن عَجِلَ بك شيء...» إلخ، والمعنى: أنك إنْ استعجلتَ فلم تتمكَّن من إكمال أربع ركعات بعد الجمعة في المسجد، فصلِّ ركعتين فيه، وركعتين في بيتك، وفيه إشارة إلى تأكد الأمر بأربع ركعات.
وقوله: «قال ابن إدريس: قال سهيل...» إلخ، ظاهره أنَّه من كلام سهيل موقوفًا عليه، وليس مرفوعًا، وتدل على ذلك رواية أبي داود، ولفظه: «قال: فقال لي أبي: يا بني، فإنْ صليتَ في المسجد ركعتين، ثم أتيتَ المنزل، أو البيت، فَصَلِّ ركعتين» انتهى.
ورواية أبي داود صريحة في أنَّ سهيلًا أمره به أبوه، وظاهر رواية المصنف: أنه أمر به ابن إدريس، ولعله أمره به أبوه، ثم هو أمر به ابن إدريس -والله تعالى أعلم-.
وقوله أيضًا: «فإنْ عَجِلَ بك شيء» أي: حملك على الاستعجال -والله تعالى أعلم-. البحر المحيط الثجاج (17/ 398-399).
وقال الخطيب البغدادي -رحمه الله-:
هكذا روى عبد الله بن إدريس الأودي هذا الحديث عن سُهيل بن أبي صالح، والمرفوع من المتن قوله: «مَن كان مُصلِّيًا بعدَ الجمعةِ فليُصلِّ أربعًا» هذه الكلمات حسب هي قول النبي -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم-، وأما ما بعدها من ذكر الركعتين، فهو قول أبي صالح السَّمَّان، صاحب أبي هريرة، أدرجه عبد الله بن إدريس في حديثه، وقد بيَّن ذلك زهير بن معاوية وحماد بن سلمة في روايتهما عن سُهيل هذا الحديث، وميَّزا قوْلَ النَّبيِّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- من قول أبي صالح. الفصل للوصل المدرج في النقل (1/ 277).
وقال التهانوي -رحمه الله-:
وتوهَّم بعضُ الناس أنَّ عمرًا زاد ذلك في الحديث المرفوع، وليس كذلك، بل هو من قول سُهيل، صرح بذلك أبو داود في سننه ولفظه: «قال -أي: سُهيل-: فقال لي أبي -هو أبو صالح-: يا بني، فإنْ صليتَ في المسجد ركعتين ثم أتيتَ المنزل أو البيت، فصلِّ ركعتين. إعلاء السنن (3/12).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الحديث دليل على شرعية أربع ركعات بعد الجمعة، والأمر بها، وإنْ كان ظاهره الوجوب، إلا أنَّه أخرجه عنه ما وقع في لفظة من رواية ابن الصباح: «مَن كان مصلِّيًا بعد الجمعة فليصلِّ أربعًا»
أخرجه مسلم، فدل على أنَّ ذلك ليس بواجب، والأربع أفضل من الاثنتين؛ لوقوع الأمر بذلك، وكثرة فعله لها -صلى الله عليه وسلم-. سبل السلام (1/ 409).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
إنْ صلى في المسجد صلى أربعًا، وإنْ صلَّى في بيته صلى ركعتين. المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 129).
وقال الصنعاني -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: وعلى هذا تدل الأحاديث، وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر: «أنَّه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعًا، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين»، وفي الصحيحين عن ابن عمر «أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته». سبل السلام (1/ 409).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
السُّنة بعد الجمعة أن يصلي أربعًا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن كان مصليًا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعًا»، وإذا صليتم بعد الجمعة صلوا أربعًا، والسُّنة أنْ يصلي تسليمتين بعد الجمعة، هذا هو الأفضل، وإن صلّى تسليمة واحدة كفى، والأفضل أربع، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم - أَنّه كان يصلي في بيته بعد الجمعة ركعتين، ولكن أمره آكد، فقد أَمر بأربع، فأمره آكد، فالسُّنة والأفضل أنْ يصلي أربعًا ‌سَواء ‌في ‌المسجد ‌أو ‌في بيته تسليمتين بعد الجمعة. مجموع الفتاوى(30/٢٧٠)
وقال العراقي -رحمه الله-:
الأفضل في سنة الجمعة التي بعدها: فعلها في البيت كسائر الرواتب، وبه قال أصحابنا والجمهور، وذهب مالك وأصحابه إلى أنَّ الأفضل للإمام أنْ لا يتنفَّل بأثرها في المسجد، وَوُسِّعَ في ذلك للمأموم. طرح التثريب (3/ 44).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
ووجه ذلك (أي: أفضلية كونها في البيت) -والله أعلم-: أنَّه لما كانت الجمعة ركعتين لم يُصَلِّ بعدها صلاة مثلها خشية أنْ يُظن أنَّها التي حُذفت منها، وأنَّها واجبة، فلما زال عن موطن القصد صلى في بيته. شرح صحيح البخاري (2/ 526).
وقال ابن حجر -رحمه الله- مُعلِّقًا:
وعلى هذا: فينبغي أنْ لا يتنفَّل قبلها ركعتين متصلتين بها في المسجد؛ لهذا المعنى. فتح الباري (2/ 426).


ابلاغ عن خطا