«لا يغتسلُ رَجُلٌ يومَ الجمعة، ويتطَهَّرُ ما استطاعَ مِنْ طُهْرٍ، ويَدَّهِنُ مِن دُهْنِهِ، أو يَمَسُّ مِن طِيبِ بيتِهِ، ثم يَخْرُجُ فلا يُفَرِّقُ بينَ اثنينِ، ثم يُصَلِّي ما كُتِبَ له، ثم يُنْصِتُ إذا تكلَّمَ الإمامُ، إلَّا غُفِرَ له ما بينَهُ وبينَ الجُمُعَةِ الأخرى».
رواه البخاري برقم: (883)، من حديث سلمان الفارسي -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يَدَّهِنُ»:
بتشديد الدال بعد المثنَّاة التحتية، من باب الافتعال، أي: يَطَّلي بالدُّهن؛ ليُزِيل شَعَثَ رأسِه ولحيته به. إرشاد الساري (2/ 161).
«يُنْصِتُ»:
الإِنصاتُ: السُّكُوتُ لاستِماعِ شيءٍالعين(7/١٠٦)
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
يُقالُ: أنْصَت يُنْصِتُ إنْصاتًا، إذا سَكَت سُكوتَ مُسْتمِع. النهاية (5/ 62).
شرح الحديث
قوله: «لا يغتسلُ رَجُلٌ يومَ الجُمُعةِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لا يغتسلُ» بالرفع. مرقاة المفاتيح (3/ 1028).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«رَجُلٌ» ومثله المرأة، كما أفاده الحديث الصحيح: «مَن أتى الجمعة من الرجال أو النساء فليغتسل». فتح الإله في شرح المشكاة (5/238).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «لا يغتسل رَجُلٌ يوم الجمعة» غُسْلًا شرعيًّا. إرشاد الساري (2/ 161).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«لا يغتسل رَجُلٌ يوم الجمعة» ويدخل وقتُ هذا الغسل بطلوع الفجر، وتقريبه من الزوال أَوْلى. دليل الفالحين (5/ 304).
قوله: «ويتطَهَّرُ ما استطاعَ مِنْ طُهْرٍ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ويتطهَّرُ» وفي نسخة صحيحة «فيتطهر» أي: يتنظف، «ما استطاع» أي: ما قدر، «من طُهْر» التنوين للتكثير. مرقاة المفاتيح (3/ 1028),
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«ما استطاع من طُهْرٍ» (ما) اسم موصول بمعنى (الذي) و «مِن طُهْرٍ» بيان لـ(ما). المنهل الحديث في شرح الحديث (1/ 202).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
«ويتطهَّر ما استطاع» يعني: إنْ لم يمنعه من ذلك مانعٌ، ووَجَدَ الطِّيْبَ، وقال الداودي: يعني: إنْ استطاع الغُسْل، وإلا تطَهَّر بالوضوء. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/ 404).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«من طُهْرٍ» بالتنكير للمبالغة في التنظيف، أو المراد به التنظيف: بأخذ الشارب والظُّفر والعانة، أو المراد بالغسل: غسل الجسد، وبالتطهير: غسل الرأس وتنظيف الثياب، ولأبي ذر وابن عساكر عن الحموي والمستملي: «مِن الطُّهر». إرشاد الساري (2/ 161).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«من طُهْرٍ» التَّنكير فيه للتَّكثير، يشمل قصَّ الشَّارِب، وقلْم الظُّفُر، وحَلْق العانَة، وتنظيف الثِّياب. اللامع الصبيح (4/ 260)
قوله: «ويَدَّهِنُ مِن دُهْنِهِ»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«ويدَّهن من دهنه» بتشديد الدال بعد المثناة التحتية، من باب: الافتعال أي: يَطَّلِي بالدهن؛ ليُزيل شَعَثَ رأسه ولحيته به. إرشاد الساري (2/ 161).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قوله: «مِن دُهنه» بضم الدال، أي: الطِّيِّب الرائحة، بل وغيره، قبيل الغُسْل؛ ليكون ذلك أنظف وأنقى للشَّعْر. فتح الإله في شرح المشكاة (5/239).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «ويدَّهن» المراد به إزالة شَعَثِ الشَّعْرِ به، وفيه إشارة إلى التزيُّن يوم الجمعة. كوثر المعاني الدراري (10/ 30).
وقال الطحطاوي -رحمه الله-:
قوله: «ويَدَّهِنُ مِن دُهْنِه» لعل المراد به نحو الزيت، فإنه مأمور به في البلاد الحارة، كما يدل عليه حديث: «كُلُوا الزيت، وادَّهِنُوا به». حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 339).
قوله: «أو يَمَسُّ مِن طِيبِ بيتِهِ»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«أو يَمَس» بفتح المثناة التحتية والميم. إرشاد الساري (2/ 161).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«أو» في «أو يمس» للشكِّ من الراوي، يعني: شكَّ الراوي أنَّ رسول الله -عليه السلام- قال: «ويدَّهن من دُهْنِه» أو قال: «وَيمَسُّ من طِيبه» ومعنى الدُّهْن هنا: الطِّيب. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 321).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«أو يمسُّ» هنا بمعنى الواو؛ لأن المطلوب اجتماعهما. فتح الإله في شرح المشكاة (5/239).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أَوْ يَمَسُّ» قيل: «أو» للتنويع، والمعنى: إنْ لم يجد الدهن يَمَسَّ. مرقاة المفاتيح (3/ 1028).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «مِن طِيْبِ بيته» إنْ لم يجد دُهنًا...،وأضاف الطِّيب إلى البيت إشارة إلى أنَّ السُّنة اتخاذ الطِّيْبِ في البيت، ويجعل استعماله له عادة. إرشاد الساري (2/ 161).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «مِن طِيْبِ بيته» قيَّده إما تَوْسِعَة، كما ورد في حديث أبي سعيد «ومَسَّ من طِيبٍ إنْ كان عنده»، أو استحبابًا؛ ليُؤْذِن بأنَّ السُّنة أنْ يتخذ الطِّيْبَ لنفسه، ويجعل استعماله عادة له، فيدخر في بيته، فلا تختص الجمعة بالاستعمال. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1273).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قوله: «مِن طِيْبِ بيته» يُفسِّره الرواية الآتية: «ومَسَّ مِن طيبٍ إنْ كان عنده».
وفيه: إشارة إلى أنَّ الأَوْلَى للإنسان ألا يُخْلِي بيتَه من طِيْبٍ، وأنْ يَعْتَادَ استعمالَه للجمعة وغيرها من كل اجتماع، ومن ثم قال أئمتنا: يتأكَّد لمن يجتمع بالناس أنْ يتطيب ويتنظف ما استطاع. فتح الإله في شرح المشكاة (5/239).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فإنَّ المراد بقوله: «مِن طِيْبِ بيته» حقيقةُ بيت الرَّجُل، وهو أعم مِن أنْ يكون متزوجًا أو عزبًا، ولا ينافيه «مِن طِيْبِ امرأته»؛ لأن طيبها غالبًا مِن عنده، ويطلق عليه أنَّه مِن طِيْبِ بيته، فإنَّ الإضافة تصح لأدنى ملابسة. مرقاة المفاتيح (3/ 1028).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
ومن المعلوم أنَّ التطيب مُستحب دائمًا، لكن أُكِّد زيادة تأكيد في خصوص وقت إرادة حضور الجمعة. مرقاة المفاتيح (3/ 1028).
قوله: «ثم يَخْرُجُ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ثم يخرج» أي: ابتغاءً لوجه الله تعالى، لا لسُمْعة ورياء، ولا لخَوْفٍ وحياء. مرقاة المفاتيح (3/ 1028).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«ثم يخرجُ» زاد ابن خزيمة عن أبي أيوب: «إلى المسجد»، ولأحمد من حديث أبي الدرداء: «ثم يمشي وعليه السكينة». إرشاد الساري (2/ 162).
قوله: «فلا يُفَرِّقُ بينَ اثنينِ»:
قال الدماميني -رحمه الله-:
التفرقةُ تتناول أمرين: أحدُهما: التخطِّي، والثاني: أنْ يُزَحزحَ كلًّا منهما عن مكانه، ويجلسَ بينهما، وكلاهما ممنوع؛ فإنَّ السابق استحق مجلسَه، فليس للطارئ أن يَحُولَ بينَه وبينه. مصابيح الجامع(2/ 446-447).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فلا يُفَرِّق» بتشديد الراء المكسورة «بين اثنين» كالوالد والولد، أو الصاحِبَين المسْتَأْنِسَين، أو لا يُفرِّق بين اثنين لا فُرْجَة بينهما، فيحصل الأذى لهما. مرقاة المفاتيح (3/ 1028).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «فلا يُفرِّق بين اثنين» في حديث ابن عمر عند أبي داود: «ثم لم يتخطَّ رقاب الناس» وهو كناية عن التبكير، أي: عليه أنْ يُبكِّر فلا يتخطَّى رقاب الناس، أو المعنى: لا يُزاحِم رَجُلين فيدخل بينهما؛ لأنه ربما ضيَّق عليهما، خصوصًا في شدة الحرِّ، واجتماع الأنفاس. إرشاد الساري (2/ 162).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «ولا يُفَرِّقَ بين اثنين» أي: ولا يجلسُ بين الاثنين اللَّذين يجلِسان متقارِبَين، بحيث لا يكونُ بينهما موضعُ جلوسِ واحدٍ، ويحتملُ أن يكونَ معناه: ولا يتخطَّى رقابَ الناس. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 321).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فلا يُفرِّق بين اثنين» كناية عن التبكير، أي: عليه أنْ يُبكر، فلا يتخطى رقاب الناس، ويفرِّق بين اثنين، أو يكون عبارة عن الإبطاء، أي: لا يُبْطِئ حتى لا يفرِّق. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1273).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
ويصح أنْ يُراد به ظاهره، مِن طَلَبِ عدم التخطِّي، والنهي عن التخطي نفسه، وإنْ لم يُبكِّر، بأنْ يجلس آخر الناس، ولا يتخطَّى أحدًا منهم. فتح الإله في شرح المشكاة (5/239).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال ابن أبي صُفرة: سألتُ الأصيلي عنه (أي: عن قوله: «فلا يُفرِّق بين اثنين») قال لي: يريد أنَّه قائم يصلي النافلة على قدميه، ولم يفرِّق بين قدميه.
وفيه نظر، فإنَّه ذكر الصلاة بعد التَّفرقة، ولو كان كما قال لقال: ثمَّ يصلي غير مُفرِّق بين اثنين، وممن كَرِهَ التخطي: القاسم بن مخيمرة، وسعيد بن المسيب، وعروة وابن سيرين وأبو مسعود وشريح وسلمان الخير وأبو هريرة وكعب الحَبْر.
وقال الحسن: لا بأس أنْ يتخطَّى رقاب الناس إذا كان في المسجد سَعة. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/ 405).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وقيل: معناه: لا يوقِعُ المخالفَة بينهما بالنميمة. شرح المصابيح لابن الملك (2/ 229).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فلا يفرِّق بين اثنين» أي: إلا عند تقصيرهما، بأنْ تركا فُرْجَة بين أيديهما، ففرَّق بينهما بِسَدِّها، فلا يضرُّ ذلك في حصول ما يأتي من الثواب له. دليل الفالحين (5/ 304).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقيَّد مالكٌ والأوزاعي الكراهة بما إذا كان الخطيب على المنبر، قال الزين ابن المنير: التفرقة بين اثنين يتناول القعود بينهما، وإخراج أحدهما والقعود مكانه، وقد يطلق على مجرد التخطي، وفي التخطي زيادة رَفْعِ رجليه على رؤوسهما، أو أكتافهما، وربما تعلَّق بثيابهما شيء مما برجليه، وقد استُثني من كراهة التخطي: ما إذا كان في الصفوف الأُوَلِ فُرْجَة، فأراد الداخل سَدَّهَا، فيُغتفر له؛ لتقصيرهم. فتح الباري (2/ 392-393).
قوله: «ثم يُصَلِّي ما كُتِبَ له»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«ثم يصلِّي ما كُتب له»...وفي حديث أبي الدرداء: «ثم يركع ما قُضِي له»، وفي حديث أبي أيوب: «فيركع إنْ بَدَا له».
وفيه: مشروعية النافلة قبل صلاة الجمعة. إرشاد الساري (2/ 162).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«ما كُتِبَ له» أي: ما رزقه الله تعالى مِن صلاةِ السُّنَّةِ والنوافل. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 321).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«ثم يصلِّي ما كُتِبَ له» أي: ما فُرِضَ عليه من الجمعة، أو ما قُدِّرَ له منها، ومن النوافل، لِمُرِيْدِ فضل يوم الجمعة، شُرِعَت حتى حالة الاستواء الذي هو قت كراهة في غيره. فتح الإله في شرح المشكاة (5/239).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قال ابن حجر: أي: ما فُرِضَ عليه من الجمعة، وهو غير صحيح؛ لقوله الآتي: «ثم يُنْصِت»، ولقوله: «له»، فالصواب كما في الحديث الآتي: «مَا قُدِّرَ له» أي: مِن سُنَّة الجمعة، وهي أربع، أو غيرها من القضاء أو النوافل، وأَقَلُّه ركعتان تحية المسجد إنْ لم يكن الإمام في الخطبة، ويشير إليه قوله: «ثم يُنْصِتُ». مرقاة المفاتيح (3/ 1029).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
المأثور عن الصحابة كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر، فمنهم من يصلي عشر ركعات، ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة، ومنهم من يصلي ثمان ركعات، ومنهم من يصلي أقل من ذلك؛ ولهذا كان جماهير الأئمة مُتَّفِقين على أنه ليس قبل الجمعة سُنة مؤقتة بوقتٍ مُقَدَّرة بعدد؛ لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أو فعله، وهو لم يسن في ذلك شيئًا، لا بقوله، ولا فعله، وهذا مذهب مالك، ومذهب الشافعي، وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذهب أحمد، وذهب طائفة من العلماء إلى أنَّ قبلها سُنة، فمنهم من جعلها ركعتين، كما قاله طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد، ومنهم من جعلها أربعًا، كما نُقل عن أصحاب أبي حنيفة وطائفة من أصحاب أحمد، وقد نُقل عن الإمام أحمد ما استدل به على ذلك، وهؤلاء منهم من يَحتج بحديث ضعيف، ومنهم من يقول: هي ظُهْرٌ مقصورة، وتكون سُنة الظهر سُنَّتَها، وهذا خطأ من وجهين:
أحدهما: أن الجمعة مخصوصة بأحكام تُفَارِق بها ظُهْرَ كل يوم باتفاق المسلمين، وإن سُميت ظُهرًا مقصورة، فإن الجمعة يُشترط لها الوقت، فلا تقضى، والظُّهر تقضى، والجمعة يشترط لها العدد والاستيطان، وإذن الإمام، وغير ذلك، والظُّهر لا يشترط لها شيء من ذلك، فلا يجوز أن تُتَلقى أحكام الجمعة من أحكام الظُّهر، مع اختصاص الجمعة بأحكام تُفارِق بها الظُّهر، فإنه إذا كانت الجمعة تُشارك الظُّهر في حُكْمٍ، وتُفارقها في حُكم لم يمكن إلحاق مورد النزاع بأحدهما إلا بدليل، فليس جعل السُّنة مِن موارد الاشتراك بأَوْلَى مِن جعلها من موارد الافتراق.
الوجه الثاني: أن يقال: هَبْ أنها ظُهرٌ مقصورة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصلي في سَفَرِهِ سُنة الظهر المقصورة، لا قبلها، ولا بعدها، وإنما كان يصليها إذا أتم الظهر، فصلى أربعًا، فإذا كانت سُنته التي فعلها في الظهر المقصورة خلاف التامة، كان ما ذكروه حجة عليهم لا لهم. مجموع الفتاوى (24/189- 190).
قوله: «ثم يُنْصِتُ إذا تكلَّمَ الإمامُ»:
قال السيوطي -رحمه الله-:
«ثم يُنْصِتُ إذا تكلَّمَ الإمامُ» زاد ابن خزيمة: «حتى تُقضى الصلاة». التوشيح شرح الجامع الصحيح (2/ 830).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «ثم يُنْصِتُ» بضم أوله مِن: أَنْصَتَ، وفتْحه مِن: نَصَتَ، أي: سَكَتَ «إذا تكلَّم الإمام» أي: شرع في الخطبة. إرشاد الساري (2/ 162).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«إذا تكلَّم الإمامُ» أي: إذا قرأ الإمامُ الخطبةَ. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 321).
وقال عبيد الله المباكفوري -رحمه الله-:
«إذا تكلَّم الإمامُ» أي: شرع في الخطبة.
فيه: أنَّ من تكلَّم حال تكلُّم الإمام لم يحصل له من الأجر ما في الحديث.
وفيه: دليل على جواز الكلام قبل تكلُّم الإمام. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 457).
قوله: «إلَّا غُفِرَ له ما بينَهُ وبينَ الجُمُعَةِ الأخرى»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» المراد بها الماضية، أو المستَقْبَلة، والأول أَوْلى؛ لأن الغفران بالسَّابق أحرى. مرقاة المفاتيح (3/ 1029).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
لكن في رواية الليث عن ابن عجلان عند ابن خزيمة: «ما بينه وبين الجمعة التي قبلها». إرشاد الساري (2/ 162).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «وبينه» أي: بَين يوم الجمعة هذا، وبين يوم الجمعة الأخرى، فإن قلتَ: ما المراد بالأخرى: الماضية قبلها أو المستقبلة بعدها؟
قلتُ: يحتملهما؛ لأن الأحرى تأنيث الآخَر، بفتح الخاء، لا بكسرها، فلا يلزم أن تكون متأخِّرة، ولا يقال: المغفرة إنما هي بعد وقوع الذنب لا قبله؛ لأنا نقول: لا نُسَلِّم ذلك، قال تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} الفتح: 2. الكواكب الدراري(6/ 9-10).
وقال الكوراني -رحمه الله- مُعلِّقًا:
والعجَبُ أنَّه استدل على الاحتمال بأنها الأخرى -بفتح الخاء (من لفظ الآخر)- فلا يلزم أنْ تكون متأخِّرة، ولم يدرِ أنَّ هذا صريح في خلاف مراده؛ لأن الآخَر -بفتح الخاء- معناه: أشد تأخُّرًا، فيلزم أنْ تكون الأخرى هي المتأخِّرة قطعًا، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} الأعراف: 39. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (3/ 13).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وثواب الجمعة الأخرى: يحتمل السابقة على جُملة الصلاة، والمتأخِّرة عنها، ومؤداهما واحد، أي: إنَّ ثواب ذلك يكفر خطأ أسبوع.
والمراد من الذنوب الْمُكَفَّرة: الصغائر المتعلقة بحق الله -سبحانه وتعالى-. دليل الفالحين (5/ 304).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: استحباب الغسل والطِّيْبِ يوم الجمعة.
وكراهة التفريق بين الاثنين.
وفيه: أنَّ مَن فعل ذلك وَأَنْصَتَ في الخُطبة غُفر له. تطريز رياض الصالحين (ص: 506).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
ويُستفاد من الحديث ما يأتي:
1. استحباب الغسل للجمعة غسلًا شرعيًّا.
2. استحباب التطهر، وتنظيف الثياب وأخذ الشارب والظفر، وغير ذلك.
3. استحباب الادِّهان والتطيب.
4. كراهة التخطي لرقاب الناس يوم الجمعة...
5. مشروعية التنفل قبل صلاة الجمعة بما شاء؛ لقوله: «ثم يصلي ما كُتِبَ له» على أنها بمعنى: ما قُدِّرَ له.
6. طلب الإنصات إذا شرع الإمام في الخطبة، وحُكْمُه أنَّه واجب؛ لورود الأمر بذلك.
7. جواز النافلة نِصْف النهار وقت الزوال يوم الجمعة.
8. أنَّ ما تقدَّم من الأمور السبعة المذكورة في الحديث يُكفِّر الذنوب. المنهل الحديث في شرح الحديث (1/ 204-205).