الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«مَن كان مُتَحَرِّيَهَا، فليترحها ليلةَ سبْعٍ وعشرينَ، وقال: تَحَرَّوْهَا ليلة سبْعٍ وعشرينَ» يعني: ليلةَ القدْرِ.


رواه أحمد برقم: (4808) ورقم: (6474)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-:
صحيح الجامع برقم: (2920). 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مُتَحَرِّيَهَا»:
أي: طَالِبَهَا وقاصِدَها؛ لأن التَّحرِّي: القَصْدَ والاجتهاد في الطلب. عمدة القاري (11/ 131).
قال الفيومي -رحمه الله-: يُقال: تحرَّيتُ الشيءَ قَصَدتُهُ، وتحرَّيتُ في الأمر: طلبتُ أَحْرَى الأمرين، وهو أَوْلَاهُمَا. المصباح المنير (1/ 133).

«ليلةَ القدْرِ»:
أي: ذاتَ القَدْرِ العظيم، وسُميت بذلك لِعِظَمِ شأنها وفضلها، كما قال تعالى: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} القدر: 3، وقيل: لأن الأشياء تُقدَّر فيها، كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4. مطالع الأنوار على صحاح الآثار (5/ 312).


شرح الحديث


قوله: «مَن كان مُتَحَرِّيَهَا»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «مَن كان مُتَحَرِّيَهَا» أي: طَالِبَهَا، مجتهدًا فيها. المفهم (3/ 251).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «مَن كان مُتَحَرِّيَهَا» يعني: مَن كان قاصدًا لها، يقال: تحرَّيتُ الشيءَ، إذا قصدتُهُ وتَعَمَّدْتُهُ. شرح صحيح البخاري (4/ 153).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«مَنْ كان مُتَحَرِّيَهَا» أي: طالِبًا لليلة القدر، وقاصدها، أو مُرِيدًا طَلَبَهَا في أَحْرَى الأوقات بالطَّلب. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (21/ 542).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «مَن كان مُتَحَرِّيَهَا» أي: مجتهدًا في طلبها؛ ليَحُوزَ فضلها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 444).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«مَن كان مُتَحَرِّيَهَا» أي: طالبًا لليلة القَدْر، وقاصِدَها، أو مُريدًا طَلَبَهَا في أَحْرَى الأوقات بالطَّلب، مِن تَحَرَّى الشيءَ إذا قَصَدَ حَرَاهُ، أي: جَانِبُهُ، أو طلبُ الأَحْرَى. مرقاة المفاتيح (4/ 1436).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
قوله: «مَن كان مُتَحَرِّيَهَا» يدل على أنَّ قيام ليلة القدر نافلة، غير واجب، ولكنَّها فضل. الاستذكار (3/ 416).

قوله: «فليَتَحَرَّهَا ليلةَ سبْعٍ وعشرينَ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فَلْيَتَحَرَّهَا ليلة سبعٍ وعشرين»؛ فإنَّها فيها أقرب. به أَخَذَ أكثر الصوفية، وقطع به بعضهم إنْ وافقت ليلة جُمعة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 444).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فَلْيَتَحَرَّهَا» أي: فليتعمَّد طلبها، والتَّحرِّي: القصد والاجتهاد في الطلب، والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (21/ 542).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ويدل هذا الحديث، وما كان مثله: على أنَّ الأغلب فيها ليلة سبع وعشرين، ويمكن أنْ تكون ليلة ثلاث وعشرين. الاستذكار (3/ 416).

قوله: «وقال: تَحَرَّوْهَا ليلة سبْعٍ وعشرينَ»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «تَحَرَّوْهَا» أي: اطْلُبُوهَا، أي: احرصوا على طلب ليلة القَدْر. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (11/ 220).
وقال العيني -رحمه الله- أيضًا:
ففي هذا الحديث: أنَّها في هذه الليلة بعينها؛ ولكن لَمَّا جاء عن ابن عمر عن النبي -عليه السلام-: «تَحَرَّوْهَا في السبع الأواخر من رمضان» كما مرَّ ذكره في أول الباب، وجاء عنه أيضًا: «تَحَرَّوْهَا ليلة سبع وعشرين»، وجاء عنه أيضًا: «أنها في كل رمضان»، وجب توجيه ذلك كله.
أما قوله: «في كل رمضان» فقد مَرَّ الكلام فيه مستوفىً.
وأما قوله: «في السبع الأواخر» فهو متضمِّن لقوله: «ليلة سبع وعشرين»، إلا أنَّ قوله: «ليلة سبع وعشرين» فيه تعيين لذلك، ثم هذا يُحتمل: أنْ يكون في عامٍ بعينه، ويُحتمل: أنْ يكون كذلك في كل الأعوام، ولكن كل ذلك على وجه التَّحرِّي، لا على وجه اليقين. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (11/ 246).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وإلى أنَّ ليلة القدر ليلة السابع والعشرين ذهب جماعة من أهل العلم، وقد حكاه صاحب الحِلْيَة القَفَّال من الشافعية عن أكثر العلماء.
وقد اختلف العلماء فيها على أقوال كثيرة، ذُكِرَ منها في فتح الباري ما لم يذكره غيره. نيل الأوطار (4/ 322).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
والحاصل: أنَّ أكثر الروايات دالَّة على ترجيح كونِ ليلةَ القدر ليلة سبع وعشرين.
ومما يدل على ذلك: ما استشهد به ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- بمحضر عمر، والصحابة معه -رضي اللَّه عنهم-، واستحسنه عمر، وقد رُوي من وجوه متعدِّدة، فروى عبد الرزاق في كتابه عن مَعْمَرٍ، عن قتادة وعاصم: أنهما سمعا عكرمةَ يقول: قال ابنُ عباس: دعا عمرُ بنُ الخطاب -رضي اللَّه عنه- أصحابَ محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسألهم عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر. قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- لعمر -رضي اللَّه عنه-: إني لأعلم، أو إني لأظن أيَّ ليلة هي، قال عمر: وأي ليلة هي؟ قلتُ: سابعة تمضي، أو سابعة تبقى من العشر، فقال عمر: ومن أين علمت ذلك؟ قال: فقلتُ: إنَّ اللَّه تعالى خلق سبع سماوات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، وإنَّ الدهر يدور على سبع، وخُلق الإنسان من سَبعْ، ويأكل من سبع، ويسجد على سبع، والطوافُ بالبيت سبع، ورميُ الحجارة سبع؛ لأشياء ذكرها، فقال عمر: لقد فَطِنْتَ لأمرٍ ما فَطِنَّا له. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (4/ 38-39).
وقال الشيخ عطية سالم -رحمه الله-:
وهنا يقف العلماء أمام هذه النصوص الصحيحة: ليلة واحد وعشرين وفيها المطر، وليلة ثلاث وعشرين أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل الْمُسِنَّ بالنزول فيها، وليلة سبع وعشرين رؤياهم تواطأت فيها، فكيف يكون هذا مع أنَّ إحدى وعشرين تغاير ثلاثًا وعشرين، وتغاير سبعًا وعشرين، فهل هذا تناقض أو تعارض؟
قالوا: ليس فيه تناقض ولا تعارض، وإنما في السَّنة التي سألوا فيها أولًا كانت في ليلة واحد وعشرين، وفي السَّنة التي رأوا فيها الرؤى كانت في ليلة سبع وعشرين، وفي السَّنة التي سأل فيها الجُهَنِي، وقد صارت معروفة عند أهل المدينة بليلة الجهني؛ لأنه كان ينزل في العصر، وينيخ دابته، فيصلي العصر، ويبقى إلى أنْ يصلي الفجر، ودابته عند الباب، فيركب، ويرجع إلى مكانه، فعرفت بليلة الجهني، كانت في ليلة ثلاث وعشرين، فقالوا: كل حادثة كانت ليلة القَدر في سَنَتِهَا في ذلك التاريخ.
فإذًا: هي ليست بثابتة، ومن هنا قال الشافعي وغيره: إنَّ ليلة القدر ليست مربوطة ومعينة بليلة واحدة من الوتر من العشر الأواخر، بل هي تتنقَّل وتدور في الوتر من العشر الأواخر، فمرةً تكون في ليلة واحد، ومرةً تكون في ليلة ثلاث، ومرةً تكون في ليلة تسع وعشرين، ومرةً تكون في ليلة خمس، ومرةً تكون في ليلة سبع، فهي ليست مرتبطة وثابتة في ليلة من الليالي، ولكنها تتنقل في الوتر من العشر الأواخر.
وهذا أحسن ما يُجْمَعُ به بين النصوص، وهو يساعد على المعنى الذي قالوه في الحكمة من إخفائها؛ ليجتهد الناس في كل العشر الأواخر. شرح بلوغ المرام (158/ 7).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وقال الشافعي: والذي عندي -والله أعلم- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجيب على نحو ما يُسأل عنه، يقال له: نلتمسها في ليلة كذا؟ فيقول: التمسوها في ليلة كذا، فعلى هذا نوع اختيار كل فريق من أهل العلم.
والذاهبون إلى سبع وعشرين هم الأكثرون.
ويُحتمل: أنَّ فريقًا منهم علم بالتوقيف، ولم يُؤذَن له في الكشف عنها؛ لِمَا كان في حكمة الله البالغة في تعْمِيَتِهَا على العموم؛ لئلا يتَّكِلُوا، وليزدادوا جدًّا واجتهادًا في طلبها؛ ولهذا السِّر أُري رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أُنْسِي. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1621).
وقال ابن العربي -رحمه الله- بعد أن سرد الأقوال في تحديدها:
فهذه ثلاثة عشر قولًا، الصحيح منها: أنَّها لا تُعلم، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم - قد حضَّ على رمضان، وحضَّ بالتخصيص على العشر الأواخر، وكان -صلى الله عليه وسلم- فيها يُحْيِي لَيْلَهُ، ويُوقِظُ أهلَه، ويَشُدُّ الْمِئْزَرَ، وصدق -صلى الله عليه وسلم- أنها في العشر الأواخر.
وفي الأحاديث: دليل بيِّن على أنها مُنتقلة غير مخصوصة بليلة؛ لأن رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- خرجت في عامٍ ليلة إحدى وعشرين، واستفتاه رجل ليختار له عند عجزه عن عموم الجميع، فاختار له ليلة ثلاث وعشرين، وما كان -عليه السلام- ليبخس المستشير حظَّه منها. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 537).

قوله: «يعني: ليلةَ القدْرِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «يعني: ليلة القَدْر» تفسير للضمير من الراوي. مرقاة المفاتيح (4/ 1442).
وقال محمد الخطيب الشربيني -رحمه الله-:
سُمِّيت بذلك لعِظَمِهَا وشرفها وقَدْرِها، مِن قولهم: لفلان قَدْرٌ، أي: شرف ومنزلة...، وقيل: سُمِّيت بذلك لأنَّ للطاعة قَدْرًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا، وقيل: لأنه أُنْزِلَ فيها كتابًا ذا قَدْر، على رسول ذي قَدْر. السراج المنير (4/ 565).
وقال محيي الدِّين شيخ زاده -رحمه الله-:
ثم إنَّ شَرَفَها يُحتمل: أنَّ يكون راجعًا للفاعل فيها، على معنى: أنَّ مَن أتى فيها بالطاعة صار ذا قَدْر وشرف، ويُحتمل أنْ يرجع إلى نفس العمل. حاشية محيي الدِّين شيخ زاده على تفسير البيضاوي (3/680).
وقال الشهاب الخفاجي -رحمه الله-:
وتسميتها بذلك -أي بليلة القَدْر-: فالقَدْر إمَّا بمعنى: التقدير؛ لتقدير الأرزاق والآجال فيها، والمراد: إظهار تقديره للملائكة؛ إذ التقدير أزلي.
أو القَدْر بمعنى: الشَّرف؛ لشرفها، أو شرف المنزَّل فيها، أو شرف الطاعة فيها، أو شرف مَن يُحْيِيهَا. حاشيه الشهاب على تفسير البيضاوي (8/ 383).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
فهي ليلة عظيمة شريفة جليلة عند الله تعالى، لها مزايا عظيمة، نُلخِّص فيما يلي بعضها:
أولًا: يُنزِلُ الله تعالى فيها الملائكة من السماء إلى الأرض، ويَنزلون ومعهم الخير والبركة والرَّحمة والأمان، ويتقدمهم الروح الأمين: جبريل -عليه السلام-.
ثانيًا: ابتدأ في هذه الليلة الشريفة نزول القرآن، الذي هو أعظم مِنَّة ورحمة على المسلمين.
ثالثًا: يحِلُّ فيها السلام والأمان، مِن أول تلك الليلة المباركة حتى الصباح، قال تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} القدر: 5.
رابعًا: تُقدَّر فيها الأمور للعام القابل، فتُفْصَلُ تلك الأمور من الآجال والأرزاق والحوادث، وغير ذلك، تُفصَلُ من اللوح المحفوظ، وتتلقاها الملائكة الكَتَبَةُ؛ ليجري تنفيذها بأمر الله تعالى، قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4.
خامسًا: العبادة فيها خير من ألف شهر فيما سواها من الأوقات، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} القدر: 3.
سادسًا: جاء في البخاري (2014) ومسلم (760) أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه».
سابعًا: الدعاء فيها مستجاب، فقد روى الترمذي (2435) عن عائشة أنَّها قالت: قُلتُ: يا رسول الله، أرَأيتَ إنَّ علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلةَ القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللَّهمَّ إنَّك عفوٌ تُحب العفو فاعف عنِّي». توضيح الأحكام من بلوغ المرام (3/586- 587).

وينظر للاستفادة الرواية الأخرى من (هنا)


ابلاغ عن خطا