«كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُدْرِكُهُ الفجرُ في رمضانَ من غيرِ حُلْمٍ، فيغتسلُ ويصومُ».
رواه البخاري برقم: (1930) واللفظ له، ومسلم برقم: (1109)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
ورواه البخاري برقم: (1932)، ومسلم برقم: (1109) عن أم سلمة -رضي الله عنها-.
وفي رواية للبخاري برقم: (1926) «كان يُدْرِكُهُ الفجرُ وهو جُنُبٌ من أَهلِهِ، ثم يغتسلُ، ويصومُ»، من حديث عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يُدْرِكُهُ الفجرُ»:
يُدْرِكُهُ: بضم أَوله، أي: يطلع عليه الفجر. الفيض الجاري بشرح صحيح البخاري، العجلوني (11/ 184).
«حُلْمٌ»:
بضم الحاء، وسُكون اللام، وهو ما يراهُ النائم في نومه، وخصَّصه العُرف ببعض ذلك، وهو رؤية الجِمَاع. تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، السيوطي (ص: 73).
وقال المناوي -رحمه الله-:
الحُلُم: بضمتين، أو بضم فسكون. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 38).
شرح الحديث
قولها: «كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُدْرِكُهُ الفجرُ في رمضانَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يدركه الفجر» أي: الصبح. مرقاة المفاتيح (4/1389).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
«يدركه الفجر» الثَّاني. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (3/ 507).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
«في رمضان» أي: في بعض الأحيان. مرقاة المفاتيح (4/1389).
قولها: «من غير حُلْم»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
(مِن) جنابة (غير حُلُمٍ) بضمتين ويجوز سكون اللام، وأسقط الموصوف وهو (جنابة)؛ اكتفاء بالصفة عنه لظهوره. إرشاد الساري (3/371).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«من غير حُلْم»... وهو صفة مميزة أي: من غير احتلام، بل مِن جماع، فإن الثاني أمر اختياري، فيُعْرَفُ حكم الأول بطريق الأَوْلَى، بل ولو وقع الاحتلام في حال الصيام لا يضر، مع أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- سالمون من الاحتلام؛ لأنه علامةُ تَأَتِّي الشيطان في حال المنام. مرقاة المفاتيح (4/1389).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«حُلُم» بضم الحاء واللام وسكونها، أي: من جَنابةٍ غير حُلُمٍ، فاكتفَى بالصِّفة عن الموصوف لظُهوره، فيلزمه أنَّ الأنبياء يحتلِمُون، لكنْ الأشْهَرَ امتناعه؛ لأنه مِن تَلاعُب الشَّيطان، وهم معصومون. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (6/ 400).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
الاحتلام يُطلق على الإنزال، وقد يقع الإنزال من غير رُؤية شيء في المنام. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (3/ 508).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقولهما (أي: عائشة وأم سلمة): «من غير حُلْم» يفيد فائدتين:
إحداهما: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُجَامِع ويؤخر غُسْلَه حتى يطلع الفجر؛ ليُبيِّن المشروعية، كما قال: «عمدًا فعلتُه يا عمر».
وثانيهما: دفْعُ توهُّم من يتوهَّم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحتلم في منامه؛ فإن الحلم من الشيطان، والله قد عصمه منه. المفهم (3/167).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قولها: «من غير احتلام»، إشارة إلى جواز الاحتلام عليه، وإلا لما كان للاستثناء معنى، وَرُدَّ بأن الاحتلام من الشيطان، وهو معصوم منه.
وأُجِيْبَ: بأن الاحتلام يُطلق على الإنزال، وقد يقع الإنزال بغير رؤية شيء في المنام. فتح الباري (4/ 144).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«من غير احتلام» وصفٌ تقييدي؛ إذ جَنَابَتُه -صلى الله عليه وسلم- لا تكون بالاحتلام؛ إذ هو من تلاعب الشيطان، ولا وصلة له إليه -صلى الله عليه وسلم-، أو تخصيصي؛ بناء على أن الاحتلام نوعان: عن امتلاء البدن: وهو لكونه من العوارض البشرية جائز في حقه، وعن تلاعب الشيطان: وهو الممتنع عليه كسائر الأنبياء -صلى الله عليه وعليهم وسلم-. دليل الفالحين (7/ 53).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
ولا يلزم من الاحتلام أن يكون في حقهم من تلاعب الشيطان حيث يكون فيضًا مجردًا، أو في مَحَلٍّ حلالٍ؛ فإن الأنبياء -صلى الله عليهم وسلم- منزَّهُون من تلاعب الشيطان. العدة في شرح العمدة (2/849).
وقال ابن العطار -رحمه الله- أيضًا:
إنما ذكَرتَا (عائشة وحفصة) ذلك لإزالة اللبس وزيادة الإيضاح؛ حيث يقع في الذهن احتمال الاحتلام في النوم؛ فإنه على غير اختيار من الجُنُبِ، فيكون سببًا للرخصة، بخلاف جَنَابَة الْمُجَامِعِ. العدة في شرح العمدة (2/849).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وأرادت بالتقييد بالجماع: المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدًا يفطر، وإذا كان فاعل ذلك عمدًا لا يفطر فالذي يَنسى الاغتسال أو ينام عنه أَوْلَى بذلك. فتح الباري (4/ 144).
رواية: «وهو جُنُبٌ من أَهلِهِ»:
قال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «وهو جُنُبٌ من أهله» أي: من الجماع، لا من الاحتلام. تحفة الأحوذي (3/ 411).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
قوله: «وهو جُنُبٌ من» جماع «أهله»؛ إزالةً لاحتمال دعوى كونِ جنابته من احتلامٍ. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (3/ 507).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
فائدة قوله: «من أهله»: دفع احتمال الاحتلام. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/ 276).
قولها: «فيغتسل ويصوم»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فيغتسل» أي: بعد طلوع الفجر. مرعاة المفاتيح (6/485).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله- أيضًا:
«ويصوم» أي: يتم صومه. مرعاة المفاتيح (6/485).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
وإنَّما فَعَل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك وإنْ كان الأفضلُ الغسلَ قبل الفجر؛ بيانًا للجواز. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (3/ 508).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فيغتسل ويصوم» قال عامة العلماء: من أصبح جُنبًا اغتسلَ وأتمَّ صومه، وقيل: يبطل، وقال إبراهيم النخعي: يبطل الفرض دون النفل. شرح المصابيح (2/ 521).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: لو جامَعَ أحدٌ قبلَ الصبح ولم يغتسل إلا بعد الصبح فلا بأسَ عليه، ولا خللَ في صومه عند الأئمة الأربعة.
وقال بعض التابعين: يَبْطُل صومُه، وقال إبراهيم النَّخَعي: يَبْطُل الفرضُ دون النفل. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 26).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
ومذهب الجمهور الأخذ بحديث أم سلمة وعائشة، وهو الذي يُفْهَمُ من ضرورة قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} البقرة: 187، فلما مد الله إباحة الجماع إلى الفجر عُلِمَ بالضرورة أن الفجر يطلع عليه وهو جُنُب، فإن الغسل إنما يتأتى بعد الفجر. شرح سنن أبي داود (10/ 437).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قد أجمع عامة العلماء: على أنَّه إذا أصبح جُنبًا في رمضان فإنه يتم صومه، ويُجْزِئُه، غير أنَّ إبراهيم النخعي فرَّق بين أن يكون ذلك منه في الفرض، وبين أن يكون في التطوع، فقال: يُجْزِئُه في التطوع، ويقضي في الفريضة. معالم السنن (2/ 115).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
واتفق الفقهاء على العمل بهذا الحديث، وصار ذلك إجماعًا أو كالإجماع...، فإنَّ الاحتلام في المنام آتٍ على غير اختيار من الجُنُب، فيمكن أنْ يكون سببًا للرخصة، فبيَّن في هذا الحديث: أنَّ هذا كان مِن جماع؛ ليزول هذا الاحتمال، ولم يقع خلاف بين الفقهاء المشهورين في مثل هذا، إلا في الحائض إذا طهرت وطلع عليها الفجر قبل أن تغتسل، ففي مذهب مالك في ذلك قولان -أعني في وجوب القضاء-، وقد يدل كتاب الله أيضًا على صحة صوم من أصبح جُنبًا؛ فإن قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُم لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم} البقرة: 187 يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم مطلقًا، ومن جملته الوقت المقارب لطلوع الفجر، بحيث لا يسع الغسل، فتقتضي الآية الإباحة في ذلك الوقت، ومن ضرورته: الإصباح جُنبًا، والإباحة لسبب الشيء إباحة للشيء. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/ 11).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وقد أجمعوا على أنَّ من أصبح صائمًا وهو جُنُب أن صومه صحيح، وأنَّ المستحب أن يغتسل قبل طلوع الفجر. شرح مسند أبي حنيفة (1/ 52).
وقال ابن مفلح -رحمه الله-:
ومَن أصبح جُنبًا ثم اغتسل صح صومه، ومع أنه يُسَنُّ قبل الفجر أي: الغسل. الفروع (5/ 17).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قال أصحابنا: يتأكَّد عليه أنْ يغتسل قبل الفجر؛ خروجًا من الخلاف، وخشية من وصول الماء إلى باطن الأُذن والدُّبر، ومن ثم كان الأحوط له غَسْلُ هذه المواضع إنْ لم يتهيأ له الغسل الكامل.
ولو احتلم نهارًا قبل صلاة العصر سُنَّ له المبادرة بالغسل؛ ليؤدي الصوم على أكمل الحالات. فتح الإله في شرح المشكاة (6/484).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
المقصود من ذكر هذا الحديث: الدلالة على صحة صوم الجُنُب، سواء كان من احتلام، أو جماع، وكان فيه اختلاف بين الصحابة والتابعين، فذهب أبو هريرة إلى أنه مَن أدركه الصبح جُنبًا فلا يصم، ورواه عن الفضل بن عباس وأسامة بن زيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورواه مالك وقال: أفْطَر، فلما بلغه حديث عائشة وأم سلمة رجع إليه، وترك حديث الفضل ورآه منسوخًا؛ لأنه في أول الأمر حين كان الجماع مُحَرمًا في الليل بعد النوم، كما كان الطعام والشراب محرمًا ثم نُسِخ ذلك ولم يعْلَمْهُ أبو هريرة، فكان يفتي بما عَلِمَهُ حتى بلغه الناسخ فرجع إليه، وهذا أحسن ما قيل فيه؛ ولذلك يقال جوابًا عمن قال به بعد أنْ بلغهم ورجعوا، قال طاوس وعروة والنخعي: إنْ عَلِمَ بجنابته لم يصح وإلا فيصح، وحُكي مثله عن أبي هريرة، وحُكي أيضًا عن الحسن البصري والنخعي: أنه يجزئه في صوم التطوع دون الفرض، وحُكي عن سالم بن عبد الله والحسين بن صالح: أنه يصومه ويقضيه، ثم ارتفع الخلاف ووقع الإجماع على صحة صوم الجُنب، مع أنه قد قيل: إنَّ أبا هريرة لم يرجع عن قوله بعدم صحة صوم الجُنب، لكن الصحيح رجوعه، كيف والحديث بصحة صوم الجُنب موافق للقرآن العزيز؛ فإنَّ الله تعالى أباح الأكل والمباشرة إلى طلوع الفجر، قال الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} البقرة: 187، والمراد بالمباشرة: الجماع إجماعًا؛ ولهذا قال تعالى: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} البقرة:187، فاقتضى ذلك جواز الجماع إلى طلوع الفجر، ولزم منه أن يصبح جُنُبًا ويصح صومه؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} البقرة: 187، فلما أتم الصوم، وأُبِيْحَ الجماع في ليلة الصوم مطلقًا إلى الوقت المقارِن لطلوع الفجر لزم الإصباح جُنبًا، وإذا دلَّ القرآن وفعلُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- على جواز الصوم لمن أصبح جنبًا، وجب المصيرُ إليه، وصار ناسخًا لما قبله.
وقد أُجيب عن حديث الفضل وأسامة على تقدير عدم نسخه: بأنه إرشاد إلى الأفضل أنه يغتسل قبل الفجر، ولو خالف جاز، وهذا جواب أصحاب الشافعي عن الحديث، ومذهبهم في حكم المسألة، فإن قيل: كيف يكون الاغتسال أفضل وهذا الحديث الصحيح على خلافه؟
فالجواب: أنه -صلى الله عليه وسلم- فعله لبيان الجواز، وفِعْلُهُ -صلى الله عليه وسلم- الشيء بيانًا لجوازه أفضل في حقه؛ حيث إنه مأمور بالبيان؛ كما توضأ -صلى الله عليه وسلم- مرة مرة، وطاف على البعير، مع أنَّ الوضوء ثلاثًا والطواف ماشيًا أفضل؛ لأنه المتكرر من فِعْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-، ونظائر ذلك كثيرة.العدة في شرح العمدة (2/847-849).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
أجمع فقهاء الأمصار على الأخذ بحديث عائشة وأم سلمة فيمن أصبح جُنبًا أنه يغتسل ويتم صومه. شرح صحيح البخاري (4/49).
وقال النووي -رحمه الله-:
فقد أجمع أهل هذه الأمصار على صحة صوم الجُنُب، سواء كان من احتلام أو جماع، وبه قال جماهير الصحابة والتابعين، وحُكي عن الحسن بن صالح إبطاله، وكان عليه أبو هريرة، والصحيح أنه رجع عنه...، وقيل: لم يرجع عنه، وليس بشيء.
وحُكي عن طاوس وعروة والنخعي: إنْ عَلِمَ بجنابته لم يصح وإلا فيصح، وحُكي مثله عن أبي هريرة، وحكي أيضًا عن الحسن البصري والنخعي: أنه يجزئه في صوم التطوع دون الفرض، وحُكي عن سالم بن عبد الله والحسن البصري والحسن بن صالح: يصومه ويقضيه، ثم ارتفع هذا الخلاف، وأجمع العلماء بعد هؤلاء على صحته، كما قدمناه، وفي صحة الإجماع بعد الخلاف خلاف مشهور لأهل الأصول، وحديث عائشة وأم سلمة حجة على كل مخالف، والله أعلم.
وإذا انقطع دم الحائض والنفساء في الليل ثم طلع الفجر قبل اغتسالهما صح صومهما، ووجب عليهما إتمامه، سواء تَركَت الغسل عمدًا أو سهوًا، بعذر أم بغيره، كالجُنُب، هذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافة، إلا ما حُكي عن بعض السلف، مما لا نعلم صح عنه أم لا. شرح النووي على مسلم (7/222- 223).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماء أيضًا في الحائض تطهر قبل الفجر وتترك التطهر حتى تصبح، فجمهورهم على وجوب تمام الصوم عليها وإجزائه، سواء تركته عمدًا أو سهوًا، وشدَّد محمد بن مسلمة فقال: لا يُجْزِئها وعليها القضاء والكفارة، وهذا كله في المفرِّطَة الْمُتَوانية أي: المقصِّرة، فأما التي رأت الطُّهْرَ فبادرت فطلع عليها الفجر قبل تمامه فقد قال مالك: هذا كمن طلع عليها وهى حائض يومها يوم فطر، وقاله عبد الملك (أي: ابن الماجشون)، وقد ذكر بعضهم قول عبد الملك هذا في الْمُتَوانِيَة، وهو أبعد من قول ابن مسلمة. إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 49-50).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
ويُشترط أن ينقطع حيضها قبل طلوع الفجر؛ لأنه إن وُجِدَ جزء منه في النهار أفْسَدَ الصوم، ويُشترط أن تنوي الصوم أيضًا من الليل بعد انقطاعه؛ لأنه لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل. مرعاة المفاتيح (6/487-488).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
ظاهر الحديث موافق لنص الكتاب {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} البقرة:187 إلى قوله: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} البقرة:187؛ لأن المباشرة إذا كانت مباحة إلى الانفجار (أي: طلوع الفجر) لم يمكنه الاغتسال إلا بعد الصبح. شرح المشكاة (5/ 1591).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
إنما احتاجت عائشة لقولها: «من غير حلم» مع أنَّ الأنبياء لا يَحْتلمون؛ لأنَّ هذا النفي ليس على إطلاقه، بل المراد أنهم لا يحتلمون برؤية جماع؛ لأن ذلك من تلاعب الشيطان بالنائم، وهم معصومون عن ذلك، وأما الاحتلام بمعنى نزول المني في النوم من غير رؤية وِقَاع، فهو غير مستحيل عليهم؛ لأنه ينشأ عن نحو امتلاء البدن، فهو من الأمور الخَلْقية أو العادية التي يستوي فيها الأنبياء وغيرهم. فتح الإله في شرح المشكاة (6/484).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: دليل على صحة الصوم من الجُنُب، سواءً كان عامدًا أو ناسيًا، وسواء كان صيامه فرضًا أو تطوعًا.
وفيه: دليل على جواز تأخير الغسل إلى بعد طلوع الفجر، ويقاس على ذلك الحائض، والنفساء إذا انقطع دمها ليلًا ثم طلع الفجر قبل اغتسالها صح صومها. تطريز رياض الصالحين (ص: 698).
وقال الشيخ البسَّام -رحمه الله-:
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجامع في الليل، وربما أدركه الفجر وهو جُنُب لم يغتسل، ويتم صومه ولا يقضي، وهذا الحكم في رمضان وغيره، وهذا مذهب جمهور العلماء، ولم يخالفهم إلا قليل ممن لا يُعْتَدُّ بخلافهم، وقد حكى بعضهم الإجماع على هذا القول.
ويؤخذ من الحديث:
1. صحة صوم من أصبح جُنبًا من جماع في الليل.
2. يقاس على الجماع الاحتلام بطريق الأَوْلَى؛ لأنه إذا كان مرخَّصًا فيه من المختار، فغيره أولى.
3. أنه لا فرق بين الصوم الواجب والنفل، ولا بين رمضان وغيره.
4. جواز الجماع في ليالي رمضان، ولو كان قبيل طلوع الفجر.
5. فضل نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وإحسانهن إلى الأُمَّة، فقد نقَلْنَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من العلم الشيء الكثير النافع، لا سيما الأحكام الشرعية المنزليَّة التي لا يطَّلع عليها إلا هن من أعمال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فرضي الله عنهن وأرضاهن. تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص:318- 319).
وقال الشيخ عبد الرحمن السحيم -رحمه الله-:
فيه مسائل :
* العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فليس ذلك خاص بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقد روى مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنَّ رجلًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: «يا رسول الله، تُدركني الصلاة وأنا جُنُب أفأصوم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وأنا تُدركني الصلاة وأنا جُنُب فأصوم، فقال: لستَ مثْلَنا يا رسول الله، قد غَفَر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخّر، فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعْلَمُكم بما أتَّقِي».
* «يُدركه الفجر» يعني: وقت الفجر، فيلزمه الصوم وهو جُنُب، لا أنها تُدركه الصلاة فيتأخر عنها.
* «وهو جُنب من أهله» تُفسّره الروايات الأخرى، ومنها: «يُصبح جُنُبًا من جماعٍ ولا مِن حُلُم» فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يحتلم؛ لأن الاحتلام من الشيطان، لا يعني ذلك أن الذي يُدركه الفجر من احتلام أنه لا يجوز له الصيام، فليس الحُكم خاص بمن أصابته الجنابة من أهله، وإنما أن ذلك كان باختياره، فغيره الذي لا يقع باختياره كالمحتلم أولى بأن يُعذر.
* «ثم يغتسل ويصوم» لا علاقة للصيام بالجنابة، فلو أن إنسانًا لا يستطيع الاغتسال، أو كان فاقدًا للماء، فإن صومه صحيح، وعليه التيمم للصلاة لا للصيام.
* من أدركه الفجر وهو جُنُب فإنه يصوم، ولا يُفطر يومه ذلك، ولا يجب عليه قضاء.
* لا فرق بين صوم النفل وصوم الفرض في ذلك.
* ومثله الحائض، فإنها إذا طهرت قبل الفجر فإنها تصوم ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، لكن إذا لم تطهر ولم ينقطع الدم إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا يلزمها الإمساك، وعليها القضاء.
* تيسير الإسلام، ويُسر الدِّين، وإنما يكون اليُسر في الدِّين والتيسير على العباد فيما يسَّر الله فيه. إتحاف الكرام بشرح عمد الأحكام (29/ 1).