الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«فَصْلُ ما بين صيامِنَا وصيامِ أهلِ الكتابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ».


رواه مسلم برقم: (1096)، من حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«فَصْلُ»:
الفَصْلُ: الفَرْقُ. المفهم، للقرطبي (3/156).

«أهل الكتاب»:
هم: اليهود والنصارى. معجم لغة الفقهاء (ص: 95).

«السَّحَر»:
آخر الليل قُبيل الصبح، والجمع أسْحَار. لسان العرب، لابن منظور (4/350).


شرح الحديث


قوله: «فَصْلُ»:
قال التوربشتي -رحمه الله-:
«فَصْلُ» بالصاد المهملة، ومن الناس مَن يُصَحِّفُ فيه بالضاد المنقوطة. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/463).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
معنى «فَصْلُ» أي: فَرْقُ، والفَصْلُ بالصاد: الفَرْقُ بين الشيئين. إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/33).
وقال النووي -رحمه الله-:
معناه: الفارق والْمُمَيِّزُ بين صيامنا وصيامهم: السحور؛ فإنهم لا يتسحرون، ونحن يُستَحَبُّ لنا السحور. شرح النووي على مسلم (7/207).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
أي: الأمر الفاصل بين صيام المسلمين وصيام أهل الكتاب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (20/372).

قوله: «ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
و«ما» موصولة، والإضافة: من إضافة الموصوف إلى الصفة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (20/373).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ما» زائدة أُضِيف إليها الفَصْلِ بمعنى: الفَرْق. مرقاة المفاتيح (4/1381).
وقال السندي -رحمه الله-:
والمعنى: الأمر الفارق الذي يَفْرُق بين صيامنا وصيامهم: «أكلة السَّحر». حاشية السندي على سنن النسائي (4/146).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
يعني: كان الطعام والشراب والجماع حرامًا على بني إسرائيل ليلة صيامهم بعد النوم، وكذا كان الحكم في بدء الإسلام، ثم أذن الله بهذه الأشياء ما لم يطلع الصبح. شرح مصابيح السنة (2/514).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أهل الكتاب» أي: اليهود والنصارى. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (20/373).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
لأن أهل الكتاب يصومون من نصف الليل، فيأكلون قبل منتصف الليل لا يأكلون في السحر، أما المسلمون -ولله الحمد- فيأكلون في السَّحَر في آخر الليل.
والتمييز بين المسلمين والكفار أمر مطلوب في الشرع؛ ولهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بهم، قال: «خالفوا المجوس وفِّرُوا اللِّحَى وحُفُّوا الشوارب» يعني: أَرْخُوا اللِّحى لا تَقُصُّوها ولا تحلقوها، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من تشبه بقوم فهو منهم»، وينبغي أن يُؤَخَّر السحور إلى قبيل طلوع الفجر ولا يتقدم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزال الناس بخير ما عَجَّلُوا الفِطْرَ وأَخَّرُوا السحور». شرح رياض الصالحين (5/284).

قوله: «أكلة السَّحَر»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «أَكلَة السَّحَرِ» كذا في رواية المصنِّف (مسلم) وأبي داود، وفي رواية النسائي: «أَكْلَة السَّحُور». البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (20/ 555).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
روايتنا عن مُتْقِنِي شيوخنا «أَكْلَةُ» -بفتح الهمزة-، وهي مصدر أَكَلَ أكْلَةً، كضرب ضربة. المفهم (3/155).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله- أيضًا:
والمراد بها: أَكْلُ ذلك الوقت.
وقد روي «أُكْلَةُ» بضم الهمزة، وفيه بُعْد؛ لأن الأُكْلَةَ بالضم هي اللقمة، وليس المراد أن المتسحر يأكل لقمة واحدة، ويصح أن يقال: إنه عبر عمَّا يُتَسَحَّرُ به باللقمة لِقِلَّتِهِ. المفهم (3/156)
وقال السندي -رحمه الله-:
والرواية في الحديث أكلة بالضم والفتح صحيح، وقيل: الرواية المشهورة الفتح. حاشية السندي على سنن النسائي (4/146).
وقال النووي -رحمه الله-:
«وأكْلَةُ السَّحَر» هي السحور، وهي بفتح الهمزة هكذا ضبَطْنَاه، وهكذا ضبَطَهُ الجمهور، وهو المشهور في روايات بلادنا، وهي عبارة عن المرة الواحدة من الأكل، كالغُدْوة والعُشْوَة، وإن كثر المأكول فيها.
وأما «الأُكلة» بالضم فهي اللقمة. شرح النووي على مسلم (7/207).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«أَكْلَةُ السّحور» بفتح الهمزة، وصوابه ووجهه، والرواية فيه بضمها، وبالضم إنما هي بمعنى: اللقمة الواحدة، وبالفتح الأكل مرة واحدة، وهو الأشبه هنا. إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/32).
وقال النووي -رحمه الله-:
ولعله (أي القاضي عياض) أراد رواية أهل بلادهم فيها بالضم. شرح النووي على مسلم (7/207).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قال العراقي: لو قيل: الأشبه هنا الضم لم يبعُد؛ لأن الفضل يحصل بلقمة واحدة، لا تتوقَّف على زيادة. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 485).
وقال السندي -رحمه الله-:
و«الأُكْلَةُ» بالضم لا تخلو عن إشارة إلى أنه يكفي اللقمة في حصول الفَرْقِ، قيل: وذلك لحرمة الطعام والشراب والجماع عليهم إذا ناموا، كما كان علينا في بدء الإسلام، ثم نُسِخَ فصار السحور فارقًا، فلا ينبغي تركه. حاشية السندي على سنن النسائي (4/146).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
و«الأَكْلَةُ» بفتح الهمزة للمرَّة، وهي الرواية، وبالضم بمعنى اللقمة، وتُوَافق رواية السحور بالفتح، لكن الرواية ها هنا بالفتح. لمعات التنقيح (4/422- 423).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أَكْلَةُ السَّحَرِ» أي: تَنَاوُل الطعام وقت السَّحر. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (12/390).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
معنى هذا الكلام: الحث على التسحر.
وفيه: الإعلام بأن هذا الدِّين يُسْرٌ لا عُسْرَ فيه، وكان أهل الكتاب إذا ناموا بعد الإفطار لم يحل لهم مُعَاودة الأكل والشرب، وعلى مثل ذلك كان الأمر في أول الإسلام ثم نَسَخَ الله -عزَّ وجلَّ- ذلك، ورخَّصَ في الطعام والشراب إلى وقت الفجر بقوله: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} البقرة: 187. معالم السنن (2/103-104).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
والمعنى: أن السحور هو الفارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب؛ لأن الله أباح لنا ما حرَّم عليهم من ذلك، ومخالفتنا إياهم في ذلك تقع موقع الشكر لتلك النعمة. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/463).
وقال الشيخ عبد الله الجبرين -رحمه الله-:
أي: هي الفارقة بين صيامنا الذي هو صيام الإسلام، وصيامهم الذي هو صيام اليهودية، أَكْلَةُ السَّحر، فهي الفاصلة بيننا وبينهم. شرح عمدة الأحكام (31/ 9).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومِن بركة السحور أيضًا: أنَّ فيه الفصل بيننا وبين صيام أهل الكتاب؛ فإنَّ فَصْلَ ما بيننا وبين أهل الكتاب -كما في صحيح مسلم-: «أكْلَةُ السَّحُور»، وهذا لا شك أنه من بركاته، فكل شيء يميز المسلم من الكافر سواء في اللباس، أو في الحُلي، أو في أي شيء، فإنه خير وبركة؛ لأنه لا خير في موافقة المشركين أبدًا، أو اليهود والنصارى في أي شيء، أما في العبادات فهذا قد يؤدي إلى الشرك والكفر، وأما في العادات؛ فلأن التشبه بهم في الأمور الظاهرة قد يوصل إلى التشبه في الأمور الباطنة. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 195-196).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
فيه: الحض على السحور، وأجمع الفقهاء على أن السحور مندوب إليه ليس بواجب. إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/32).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وهذا الحديث يدل: على أن السحور من خصائص هذه الأُمَّة، ومما خفف به عنهم. المفهم (3/156).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وفيه: التصريح بأنَّ السحور من خصائصنا، وأنَّ الله تعالى تفضَّل به، وميَّزه من الرُّخَص على هذه الأُمَّة، ما لم يتفضل به على غيرها من الأمم. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 42).
وقال فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: التصريح بأنَّ السحور من خصائص هذه الأُمَّة، وأنَّ الله تعالى تفضَّل به علينا، كما تفضَّل بغيره من الرُّخَص. تطريز رياض الصالحين (ص: 693).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
وهذا فيه: توكيد السحور؛ لأن فيه مخالفة لأهل الكتاب، وأنَّ هذا مما يتميز به المسلمون عن أهل الكتاب. شرح سنن أبي داود (ص: 2).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فوائد الحديث:
منها: بيان استحباب السُّحور.
ومنها: فيه بيان أن الصوم شريعة قديمة، فُرِضَ على أهل الكتاب، وهو ما دل عليه الكتاب، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} البقرة:183.
ومنها: بيان أن أهل الكتاب ما كان لهم السحور، فكانوا لا يأكلون ولا يشربون بعد النوم، كما كان ذلك في أول الإسلام، حيث إن مَن نام لا يحل له إذا استيقظ أن يأكل ويشرب ويجامع أهله، حتى نسخه الله تعالى بقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } إلى أن قال: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} البقرة: 187 الآية.
ومنها: بيان ما منَّ الله تعالى به على هذه الأُمَّة من التخفيف والتيسير، ورفع الإِصْرِ والأغلال التي كانت على بني إسرائيل، فشَرَعَ لهم السحور؛ حتى يتَقَوَّوْا به على الصوم، وجَعَلَه فاصلًا بين صومهم وبين صوم أهل الكتاب.
ومنها: بيان أن ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- كله سهل ويُسْر، فقد رفع الله تعالى بسببه كل العُسْر، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} الأعراف: 157، إلى أن قال: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الأعراف: 157. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (20/556-557).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وهذا يدل على أن الفصل بين العبادتين أمرٌ مقصود للشارع. اقتضاء الصراط المستقيم (1/208).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
فنَدَبَ الشرع إلى السحور لستة أوجه:
أحدها: استعمال رخصة الشرع في قوله: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} البقرة:187، وفي الحديث: «إن الله تعالى يحب أن يُؤْخَذ بِرُخَصِهِ كما يُحِب أن يُؤْخَذ بعزائمه».
والثاني: لظهور الفَرْقِ، فإن صاحب الشرع كان يأمر بمخالفة أهل الكتاب.
والثالث: لبيان أن هذا الدين سَمْحٌ سَهْلٌ.
والرابع: ليظهر رفق الحق بهذه الأُمَّة، فيبدو أثر حُبِّه لها في اللطف بها.
والخامس: ليتقوى الصائم على أداء الفرض.
والسادس: لدفع ما يوجب التأفُّف بالتكليف. كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/110-111).
وقال الشيخ سليمان اللهيميد -حفظه الله-:
فوائد الحديث:
1. الحديث دليل على استحباب السحور وتأكُّده؛ لأن فيه مخالفة لأهل الكتاب.
2. الحديث دليل على استحباب مخالفة الكفار.
3. ينبغي للمسلم أنْ يتعبَّد الله بمخالفة الكفار.إعانة المسلم في شرح صحيح مسلم (ص: 19).


ابلاغ عن خطا