«عليكم بِغَدَاءِ السُّحور؛ فإنَّه هو الغَدَاءُ المبارَكُ».
رواه أحمد برقم: (17192)، والنسائي برقم: (2485) واللفظ له، من حديث المقدام -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4081)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (3408).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الغَدَاء»:
بفتح الغين المعجمة، والدال المهملة والمد، وهو ما يُؤكل قبل الزوال. مرقاة المفاتيح (6/ 477).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الغداء: الطعام الذي يُؤكل أوَّل النهار، فسُمي السُّحور غداء؛ لأنه للصائم بمنزلته للمُفْطِر.النهاية في غريب الحديث (3/346).
«السُّحور»:
بضم المهملة الأولى: ما يُتَسَحَّرُ به ولو بالماء. التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني (7/323).
وقيل: بالفتح اسمُ ما يُتَسَحَّرُ به من الطَّعام والشَّراب. وبالضَّم المصدرُ والفعلُ نفسُه. وأكثرُ ما يُرْوَى بالفتح. وقيل: إن الصواب بالضمِّ؛ لأنه بالفتح الطَّعَامُ، والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطَّعَامِ. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (2/ 347).
شرح الحديث
قوله: «عليكم بغداء السُّحور»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
قلتُ: إنما سماه غداء لأن الصائم يتقوى به على صيام النهار فكأنه قد تغَدَّى، والعرب تقول: غَدَا فلانٌ لحاجته إذا بَكَّرَ فيها؛ وذلك من لَدُنْ وقت السَّحر إلى طلوع الشمس. معالم السنن (2/ 104).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
الغَداء:... هو الطعام الذي يُؤكل وقت الغداة، كالعَشَاء ما يُؤكل بالعشي، وسُمي المأكول وقت السَّحر غداءً؛ لِقُرْبِ وقته من الغداة.
وفيه: دليل على أنَّ وقت الغداء قبل الفجر، فيحصل ببركته من القوة للأكل ما يحصل لمن أَكَلَهُ وقت الغداة.
والغُدْوَةُ: ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، وأما الغِذاء بكسر الغين وبالذال المعجمة، فهو ما يُغَذَّى به من الطعام والشراب. شرح سنن أبي داود (10/ 328).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
و«الغداء»... طعام الغُدْوة؛ ولما كان السَّحر قريبًا من الغُدْوَة سُمي طعامه الغداء، وفيه إشارة ما إلى تأخير التسحُّر، وهو المسنون، كتعجيل الإفطار. لمعات التنقيح (4/ 436).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
فقال قائل: فكيف يجوز أنْ يُسمَّى السَّحُور غداءً، وإنما سُمي سحورًا؛ لأنه مفعول في السَّحر، وسُمي الغداء غداءً؛ لأنه مفعول بالغداء، فكل واحد منهما خلاف صاحبه؟
فكان جوابنا له في ذلك: أنَّ كل واحد من السَّحُور ومن الغداء كما ذَكَر، غير أنَّه يُحتمل: أنْ يكون أحدهما سُمي باسم صاحبه لمجاورته إياه؛ ولقربه منه، فسُمِّي من أجل ذلك باسمه.
فقال: ولم لا حَمَلْتُمُوهُ على أنَّه كان ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الوقت الذي كان حُكْم الصيام فيه من طلوع الشمس إلى غروبها، فذكَر في ذلك ما قد حدثنا علي بن شيبة، حدثنا رَوْحُ بن عبادة، حدثنا حَمَّاد -يعني ابن سلمة-، عن عاصم بن بَهْدَلَةَ، عن زِرِّ بن حُبَيْشٍ، قال: تسحَّرتُ ثم انطلقتُ إلى المسجد، فمررتُ بمنزل حذيفة، فدخلتُ عليه، فأمر بِلِقْحَةٍ (الناقة أو الشاة الحلوب) فحُلبتْ، وبِقِدْر فسُخِّنتْ، ثم قال: كُلْ، فقلتُ: إني أريد الصوم، قال: وأنا أريد الصوم، قال: فأكلنا، ثم شربنا، ثم أتينا المسجد، فأُقيمت الصلاة، قال: هكذا فعل بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو صنعتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قلتُ: بعد الصبح؟ قال: نعم بعد الصبح، غير أنَّ الشمس لم تطلع.
قال: فكان في هذا الحديث أنَّ ذلك الطعام الذي كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان بعد طلوع الفجر، فسمَّاه غداءً، على ما في الحديثين الأولين.
فكان جوابنا له في ذلك: أنَّه قد يُحتمل: أنْ يكون ذلك كما ذكرتَ، وأنَّ ذلك الطعام غداء، وتصحيح ما في هذا الحديث، وما في الحديثين الأوَّلين أنْ يكون ذَكَرَ السَّحُور، وإن كان بعد طلوع الفجر يُسمَّى سحورًا، وإن كان غداءً؛ لقربه من السَّحُور، وما في الحديث الآخر من الغداء إنْ كان قبل طلوع الفجر سُمي غداءً؛ لقربه من الغداء، فهذا أَوْلَى ما حُمِلَتْ عليه هذه الآثار؛ حتى لا يدفع شيء منها شيئًا، ولا يضاد شيء منها شيئًا، والله نسأله التوفيق. شرح مشكل الآثار (14/ 125-127).
قوله: «فإنه هو الغداء المبارك»:
قال المباركفوري -رحمه الله-:
«الغداء المبارك» بفتح الغين المعجمة والدال المهملة والمد، وهو طعام يؤكل أول النهار، سُمِّي به السحور؛ لأنه للصائم بمنزلته للمفطر. مرعاة المفاتيح (6/477).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فإنه هو الغذاء المبارك» زاد الديلمي في روايته: «وإن لم يُصِبْ أَحدُكم إلا جُرعة ماء فليتسَّحر بها». فيض القدير(4/352).
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فإنه هو الغداء المبارك» الفاء للتعليل، أي: لأنه.. إلخ. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (20/371).
قال المناوي -رحمه الله-:
«فإنه الغذاء المبارك»: أَي: الكثير الخير؛ لما يحصل بسببه من قوةٍ وزيادةِ قُدْرَة على الصوم.فيض القدير(3/243).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
البركة: في الفعل، باستعمال السُّنَّة، لا في نفس الطعام. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 463).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فإنه هو الغذاء المبارك» الذي ينفع صاحبَه عامَّةَ يومه، أو المبارك لما فيه من الأجر. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 323).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«الغداء المبارك» قِيل: إنما سمي السحور غداء لمجاورته الغداة، وهذا ضعيف، وإنما سُمي به لأنه بدلًا منه، وقد يُسمى الشيء باسم بَدَلِهِ، وقال بعضهم: كان في وقتٍ كان الصيام فيه من طلوع الشمس إلى غروبها، وما كان هذا قط، وَوَهِمَ فيه الطحاوي؛ لأجل حديث حذيفة أنه «تسحر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الصبح إلا أن الشمس لم تطلع»، أراد به بعد تَبَيُّنِ الفجر؛ إِذْ كان السحور عندهم مشروبًا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا طلع الفجر والإناء في يد أحدكم فلا يضعه حتى يأخذ منه حاجته»، أو يريد به «بعد الصبح» أي بعد ابتدائه، ويعني به: الساطع المصعد. عارضة الأحوذي (3/228-229).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وقيل: سُمي مباركًا؛ لأنه يتضمَّن الاستيقاظ للذكر والدعاء، وربما توضأ.
«المبارك» سُمي بذلك؛ لأنه أعانه على العبادة، وهي صيام رمضان. شرح سنن أبي داود (10/ 328).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
وإنما قيل له: غَدَاءٌ؛ لأنه متصل بالغَدَاةِ، يعني: أن أول النهار متصل به وقريب منه؛ ولهذا يقال لصلاة الفجر: صلاة الغداة، والغداء يكون قبل الزوال؛ لأن الغداء يكون في وقت الغداة، ووقت الغداة هو قبل الزوال، وما بعد الزوال يقال له: عَشَاء؛ لأنه من العشي؛ فالعشي يبدأ بالزوال، والغداة تكون قبل الزوال.
وقيل للسحور: غداء؛ لأنه بمثابة الغداء، ولأنه متصل بالغداة. شرح سنن أبي داود (27/6).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وهذه البركة: يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية؛ فإنَّ إقامة السُّنة تُوجب الأجر وزيادته.
ويحتمل: أن تعود إلى الأمور الدنيوية؛ لقوة البدن على الصوم، وتيسيره من غير إجحاف به. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (2/9).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«المبارك» سماه مباركًا؛ لأن الصائم يتقوى به على الصوم، ويَنْشَطُ له، وتَخِفُّ عنه مشقَّتُه. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (20/369).
وقال السندي -رحمه الله-:
توصيف الطعام بالبركة باعتبار ما في أكْلِهِ من الأجور والثواب، والتقوية على الصوم، وما يتضمنه من الذِّكْر والدعاء في ذلك الوقت. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (2/ 632).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا)