الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

«مَن لم يُبَيِّت الصيامَ قبلَ طلوعِ الفجرِ فلا صيامَ له».


رواه النسائي برقم: (2331) واللفظ له. ورواه أحمد برقم: (26457)، وأبو داود برقم: (2454)، والترمذي برقم: (730)، بلفظ: «مَن لم ‌يُجْمِعِ الصيامَ قبلَ الفجرِ فلا صيامَ لهُ» ورواه ابن ماجة برقم:(‌1700) بلفظ: «لا صيام لمن لم ‌‌يَفْرِضْهُ من الليل»، وكلهم من حديث حفصة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (6534 ـ 6538)، إرواء الغليل برقم: (914).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يُبَيِّت»:
أي: يَنْوِيْهِ من الليل. النهاية في غريب الحديث والأثر (1/170).
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
أي: من لم ينْوِ الصيام من الليل. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (21/ 250).


شرح الحديث


قوله: «من لم يُبَيِّت الصيام»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «من لم يُبَيِّت الصيام» يَعْزِم عليه ويفرضه. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 396).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «من لم يبيت الصيام» يعني: نية الصيام. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/185).
وقال الشيخ عبد الرحمن العقل -حفظه الله-:
والنية محلها القلب، فمن خطر بباله أنه صائم غدًا فقد نوى...، ومن دلائل النية: قيام الصائم للسحور، وتهيئته له وإن لم يقم. شرح كتاب الصيام من البلوغ (ص: 13).

قوله: «قبل طلوع الفجر»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«قبل طلوع الفجر» أي: ينويه من الليل. فيض القدير (6/222).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والمراد بالفجر هنا: الفجر الصادق؛ لأن الفجر فجران: فجر كاذب وفجر صادق، والذي تترتب عليه أحكام الصيام وأحكام الصلاة هو الفجر الصادق، وبينه وبين الفجر الكاذب حوالي ساعة، أو ساعة وربع، أو أقل من ساعة، حسب اختلاف الفصول. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/185).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
وقوله: «قبل الفجر» يعني: ولو في آخر الليل؛ لأن البيتوتة في الأصل هي النوم في الليل. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/185).

قوله: «فلا صيام له»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «فلا صيام له»، «لا» نافية للجنس، و«صيام» اسمها، و«له» خبرها. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/185).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فلا صيام له» أي: صحيح، فهو نفي للحقيقة الشرعية وإن وُجِدَ الإمساك، وحَمَلَه من يُجوِّز الصوم بالنية نهارًا مطلقًا على نفي الكمال. فيض القدير (6/222).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «لا صيام» نكرة في سياق النفي فيَعُم كل صيام، ولا يخرج عنه إلا ما قام الدليل أنه لا يشترط فيه التَّبييت.
والظاهر أن النفي متوجِّه إلى الصحة؛ لأنها أقرب الْمَجَازَيْن إلى الذات، أو مُتوجِّه إلى نفي الذات الشرعية، فيصلح الحديث للاستدلال به على عدم صحة صوم من لا يُبَيِّت النية، إلا ما خُصَّ كالصورة المتقدمة وهي صوم النفل. نيل الأوطار (4/ 233).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فلا صيام له» ظاهره نفلًا كان أو فرضًا، وفيه خلاف. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 396).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
والحاصل: أنَّ الأصل عموم حديث التَّبْيِيت، وعدم الفَرْقِ بين الفرض والنفل والقضاء والنذر، ولم يقم ما يرفع هذين الأصلين، فتعيَّن البقاء عليهما. سبل السلام (1/ 562).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
وأما حديث عائشة وهو: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: فإني إذًا صائم، ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا: أُهْدِي لنا حَيْسٌ، فقال: أَرِيْنِيْهِ، فلقد أصبحت صائمًا، فأكل» رواه مسلم...، فالجواب عنه: أنَّه أعم من أنْ يكون بيَّت الصوم أو لا، فيُحْمَل على التَّبْييت؛ لأن المحتمل يرد إلى العام، ونحوه، على أنَّ في بعض روايات حديثها: «إني كنتُ أصبحتُ صائمًا». سبل السلام (1/ 562).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
واحتج ابن القصار بعموم هذا القول (حديث حفصة هذا)، ولم يُفرِّق بين فريضة ولا نافلة، واحتج أيضًا بقوله: «الأعمال بالنيات»، وكل جزء من النهار الإمساك فيه عمل، فلا يصح بغير نية في الشرع.
ولنا: أنْ نقيس الصيام على الصلاة؛ لأنه لم يختلف فرضها ونفلها في باب النية، قالوا في حديث سلمة بن الأكوع: إن صوم عاشوراء منسوخ، فنُسِخَت شرائطه، فلا يجوز رَدُّ غيره إليه، وحديث عائشة رواه طلحة بن يحيى، واضْطُرب في إسناده، فرواه عنه طائفة عن مجاهد عن عائشة، ورَوَتْهُ طائفة عنه عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين، ومنهم من لا يقول فيه: «إذًا إني صائم»، قال ابن القصار: يحتمل أن يكون معناه: أن يسألهم -عليه السلام- عن الغداء؛ ليَعْلَمَ هل عندهم شيء، وهم يظنون أنه يتغدى، وهو ينوي الصوم ليقول لهم: اجعلوه للإفطار، فتسكن نفسه إليه، فلا يتكلَّف ما يفطر عليه، فلما قالوا له: «لا»، قال: «إني صائم إذًا» أي: إني كما كنتُ، أو إني بمنزلة الصائم.
ويحتمل: أنْ يكون عَزَمَ على الفطر لِعُذْرٍ وجده، فلما قيل له: ليس عندنا شيء، تمَّم الصوم، وقال: «إني صائم كما كنتُ»، وإذا احتمل هذا كله لم تُخَصّ الظواهر به، والأصول تشهد لما قلنا. شرح صحيح البخاري (4/ 47).

قوله: «مَن لم يُجمعِ الصِّيامَ»:
قال الترمذي -رحمه الله-:
معنى هذا عند بعض أهل العلم: لا صيام لمن لم ‌يُجْمِعِ الصيام قبل طلوع الفجر في رمضان، أو في قضاء رمضان، أو في صيام نذر إذا لم ينوه من الليل لم يُجْزِه.
وأما صيام التطوع فمباح له أن ينويه بعد ما أصبح، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. سنن الترمذي (3/99).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «فلا صيام له» أي: لا صيام صحيح له.
ووجه ذلك: أن الصوم لا بد أن يشتمل على جميع النهار، ومن لم ينو إلا بعد طلوع الفجر ولو بجزء يسير فقد مضى جزءٌ من يومه لم ينوه ولم يَصُمْهُ، وحينئذٍ لا يصح، وعليه فيكون هذا الحديث وإن كان فيه خلاف في رفعه ووقفه فإن النظر يقتضيه؛ لأن الله يقول: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ} البقرة: 187، من أين؟ من الفجر {إِلَى الَّليْلِ} البقرة: 187، وعلى هذا من لم ينو قبل الفجر ولو بلحظة فإنه لم يتم صومه؛ لأنه مضى عليه جزء من النهار لم يصمه. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/185).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقد اختُلِفَ في ذلك (أي: في جواز إحداث نية الصوم من النهار): فذهب أبو حنيفة والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور إلى جواز ذلك في النفل.
وخَصَّ طائفة منهم جواز ذلك بما قبل الزوال، منهم الشافعي في أحد قوليه.
وذهب مالك وابن أبي ذئب والليث والْمُزَني إلى أنه لا يصح صوم إلا بنية من الليل.
وذهب الكوفيون إلى أن كل ما فرض من الصوم في وقت معين فإنه لا يحتاج إلى تبييت نية، ويُجزئه إذا نواه قبل الزوال، وهو قول الأوزاعي، وإليه ذهب عبد الملك بن الماجشون، ورواه عن مالك فيمن لم يعلم برمضان إلا في يومه.
وذهب مالك في المشهور عنه والشافعي وأحمد وعامتهم إلى أن الفرض لا يُجزئ إلا بنية من الليل، وهذا هو الصحيح، بدليل ما رواه النسائي عن حفصة، والدارقطني عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل». المفهم (3/196).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واحتج الجمهور لاشتراط النية في الصوم من الليل بما أخرجه أصحاب السنن من حديث عبد الله بن عمر عن أخته حفصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من لم يُبيِّت الصيام من الليل فلا صيام له» لفظ النسائي، ولأبي داود والترمذي: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له»، واختُلف في رفعه ووقفه، ورجَّح الترمذي والنسائي الموقوف بعد أن أطنب النسائي في تخريج طُرُقه، وحكى الترمذي في العِلل عن البخاري ترجيح وقفه، وعَمِلَ بظاهر الإسناد جماعة من الأئمة، فصحَّحوا الحديث المذكور، منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن حزم.
وروى له الدارقطني طريقًا آخر، وقال: رجالها ثقات، وأبْعَدَ مَن خَصَّه من الحنفية بصيام القضاء والنذر، وأبْعَد من ذلك تفرقة الطحاوي بين صوم الفرض إذا كان في يومٍ بعينه كعاشوراء، فتُجْزِئ النية في النهار، أو لا في يوم بعينه كرمضان فلا يجزئ إلا بنية من الليل، وبين صوم التطوع، فيُجْزئ في الليل وفي النهار.
وقد تعقَّبه إمام الحرمين بأنه كلام غَثٌّ لا أصل له، وقال ابن قدامة: تعتبر النية في رمضان لكل يوم في قول الجمهور، وعن أحمد أنه يُجزئه نية واحدة لجميع الشهر، وهو كقول مالك وإسحاق، وقال زُفَرُ: يصح صوم رمضان في حق المقيم الصحيح بغير نية، وبه قال عطاء ومجاهد، واحتج زُفَرُ بأنه لا يصح فيه غير صوم رمضان؛ لتَعَيُّنِه، فلا يفتقر إلى نية؛ لأن الزمن معيار له، فلا يُتصور في يوم واحد إلا صوم واحد.
وقال أبو بكر الرازي: يلزم قائل هذا أن يُصحِّح صوم الْمُغْمَى عليه في رمضان إذا لم يأكل ولم يشرب؛ لوجود الإمساك بغير نية، قال: فإن الْتَزَمَهُ كان مستشنعًا، وقال غيره: يلزمه أنَّ مَن أخَّر الصلاة حتى لم يبقَ من وقتها إلا قدرها، فصلى حينئذٍ تطوعًا أنه يجزئه عن الفرض.
واستدل ابن حزم بحديث سلمة على أنَّ مَن ثبت له هلال رمضان بالنهار جاز له استدراك النية حينئذٍ، ويُجزئه، وبناه على أن عاشوراء كان فرضًا أولًا، وقد أُمروا أن يمسكوا في أثناء النهار، قال: وحُكْمُ الفرض لا يتغير، ولا يخفى ما يَرِدُ عليه مما قدمناه، وألحق بذلك مَن نسي أن ينوي من الليل؛ لاستواء حكم الجاهل والناسي. فتح الباري (4/142- 143).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال الشافعي والأصحاب: يصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال، وشذَّ عن الأصحاب الْمُزَني وأبو يحيى البلخي فقالا: لا يصح إلا بنية من الليل، وهذا شاذ ضعيف، ودليل المذهب والوجه في الكتاب.
وهل تصح بنية بعد الزوال؟ فيه قولان: أصحهما باتفاق الأصحاب وهو نصُّه في معظم كتبه الجديدة وفي القديم: لا يصح، ونَصَّ في كتابين من الجديد على صحته، نَصَّ عليه في حرملة، وفي كتاب اختلاف علي وابن مسعود -رضي الله عنهما-، وهو من جملة كتب الأم، قال أصحابنا: وعلى هذا يصح في جميع ساعات النهار، وفي آخر ساعة، لكن يشترط أن لا يتصل غروب الشمس بالنية، بل يبقى بينهما زمن، ولو أدنى لحظة، صرَّح به البندنيجي وغيره.
ثم إذا نوى قبل الزوال أو بعده وصححناه، فهل هو صائم من وقت النية فقط، ولا يُحْسَب له ثواب ما قبله، أم من طلوع الفجر ويثاب من طلوع الفجر؟
فيه وجهان مشهوران، ذكر المصنف دليلهما، أصحهما عند الأصحاب: من طلوع الفجر، ونقَلَهُ المصنِّف والجمهور عن أكثر أصحابنا المتقدمين، قال الماوردي والمحاملي -في كتابيه المجموع والتجريد- والمتولي: الوجه القائل: يُثاب من حين النية، هو قول أبي إسحاق المروزي، واتفقوا على تضعيفه، قال الماوردي والقاضي أبو الطيب في المجرد هو غلط؛ لأن الصوم لا يتبعض، قالوا: وقوله: لأنه لم يقصد العبادة قبل النية، لا أثر له، فقد يُدْرِكُ بعض العبادة ويُثاب، كالمسبوق يُدرك الإمام راكعًا، فيحصل له ثواب جميع الركعة باتفاق الأصحاب، وبهذا ردوا على أبي إسحاق، والله أعلم. المجموع شرح المهذب (6/292- 293).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ومَن نَسي أنْ ينوي من الليل في رمضان، فأي وقت ذكر من النهار التالي لتلك الليلة، سواء أكل وشرب ووطئ، أو لم يفعل شيئًا من ذلك، فإنه ينوي الصوم من وقته إذا ذكر، ويُمسك عما يمسك عنه الصائم، ويجزئه صومه ذلك تامًّا، ولا قضاء عليه، ولو لم يبقَ عليه من النهار إلا مقدار النية فقط.
فإنْ لم ينوِ كذلك فلا صوم له، وهو عاصٍ لله تعالى، متعمد لإبطال صومه، ولا يقدر على القضاء. المحلى بالآثار (4/ 290).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قلتُ: شُبْهَتُهُ (أي: ابن حزم) حديث عاشوراء، ولا حُجة له فيه؛ إذ المراد التشبُّه لحق الوقت، يوضحه ما رواه أحمد، عن سلمة: «مَن كان اصطبح فليُمسك، ومَن كان لم يصطبح فليتم صومه». التوضيح لشرح الجامع الصحيح (13/ 155).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
اختلف الناس فيمن أصبح مفطرًا في أول يوم من رمضان، ثم علم أنَّ الهلال رُئي البارحة على أقوال:
منهم من قال: ينوي صوم يومه ويجزئه، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبه نأخذ، وبه جاء النص الذي قدمنا.
ومنهم من قال: لا يصوم؛ لأنه لم ينو الصيام من الليل، ولم يروا فيه قضاء، وهو قول ابن مسعود كما ذكرنا، وبه يقول داود وأصحابنا.
ومنهم من قال: يأكل بَقِيَّتَهُ ويقضيه، وهو قول رويناه عن عطاء.
ومنهم من قال: يمسك فيه عما يمسك الصائم، ولا يجزئه، وعليه قضاؤه، وهو قول مالك والشافعي، وقال به أبو حنيفة فيمن أكل خاصة، دون من لم يأكل؛ وفيمن علم الخبر بعد الزوال فقط، أكل أو لم يأكل، وهذا أسقط الأقوال؛ لأنه لا نص فيه، ولا قياس، ولا نعلمه من قول صاحب، ولا يخلو هذا الإمساك -الذي أمروه به- من أن يكون صومًا يُجزئه، وهم لا يقولون بهذا، أو لا يكون صومًا ولا يجزئه، فمن أين وقع لهم أن يأمروه بعملٍ يتعب فيه ويتكلَّفه ولا يجزئه؟
وأيضًا: فإنه لا يخلو من أن يكون مُفْطِرًا أو صائمًا؛ فإن كان صائمًا فَلِمَ يقضيه إذن؟ فيصوم يومين وليس عليه إلا واحد، وإن كان مفطرًا فَلِمَ أمروه بعمل الصوم؟ وهذا عجب جدًّا، وحسبنا الله ونعم الوكيل. المحلى بالآثار (4/ 293-294).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
والحاصل: أن الصوم فرْضه ونفْله لا يصح إلا بنية من الليل، إلا ما خُصَّ بحديث. البحر المحيط الثجاج شرح صحيح مسلم(21/238).
وقال المغربي -رحمه الله-:
والحديث يدل على أنه لا يصح الصوم إلَّا بتبييت النية، ويُبَيِّتها بأن ينوي في أيِّ جزء مِن آخر الليل، وأول وقتها من الغروب عند الأكثر.
وقال بعضُ أصحاب الشافعي: من النصف الأخير، ولا وجه له.
وتقدم النية على الصوم هو على نحو سائر العبادات، فإنَّ تبييتها مقارِنٌ لأول جزء، أو مُتقدِّمةٌ مُستَصْحِبٌ حُكْمها، وهو موافق لحديث: «الأعمال بالنية»؛ فإنَّ ابتداء الصوم عمل، فلا بد أنْ يكون مصحوبًا بالنية، وآخر النهار غير منفصلة عن الليل بفاصل يتحقق، فلا يتحقق إلَّا إذا كانت النية واقعة في جزء من الليل. البدرُ التمام شرح بلوغ المرام (5/23).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
قوله: «مَن لم يُبَيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له»، فلم يخص في هذا فرضًا ولا سُنة من نفل، وهذا حديثٌ فَرْدٌ في إسناده، ولكنه أحسن ما رُوي مرفوعًا في هذا الباب.
والاختلاف في هذا الباب عن التابعين اختلاف كثير، ولم يختلف عن ابن عمر، ولا عن حفصة أنهما قالا: لا صيام إلا لمن نواه قبل الفجر. الاستذكار (3/ 286).
وقال المظهري -رحمه الله-:
فالقضاءُ والكفارةُ والنذرُ المُطلَق، فصيامُ هذه الأشياءِ لا تصح إلا بنية، قبل الصبح، لكل يومٍ نيةٌ جديدةٌ.
وأما صومُ رمضان إذا لم يكن قضاءً، والنذرُ المعيَّن زمانُه؛ فعند الشافعي وأحمد: لا يصح أيضًا إلا بنيةٍ لكل يوم قبل الفجر.
وعند أبي حنيفة: يجوز في هذَين النوعَين النيةُ بعد الصبح، وقبلَ الزوال لكل يومٍ نيةٌ واحدةٌ.
وعند مالك: يجوز لجميع رمضان نيةٌ واحدةٌ، مثل أن يقول الرجل في أول ليلة من رمضان: نويتُ أن أصومَ هذا الشهرَ، فتكفيه هذه النيةُ لصوم جميع رمضان، وأما النافلةُ يجوز صومُها بنيةٍ من الليل والنهار قبلَ الزوال بالاتفاق. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 21).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
وتُعتبر النية لكل يوم، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر، وعن أحمد أنه تُجزئه نية واحدة لجميع الشهر إذا نوى صوم جميعه، وهذا مذهب مالك وإسحاق؛ لأنه نوى في زمن يصلح جنسه لنية الصوم، فجاز كما لو نوى كل يوم في ليلته.
ولنا: أنه صوم واجب، فوجب أن ينوي كل يوم من ليلته كالقضاء؛ ولأن هذه الأيام عبادات لا يفسد بعضها بفساد بعض، ويتخلَّلها ما ينافيها، فأشبهت القضاء، وبهذا فارقت اليوم الأول. المغني (3/ 23).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وفيه: بيان أنَّ من تأخرت نيته للصوم عن أول وقته، فإن صومه فاسد.
وفيه: دليل على أنَّ تقديم نية الشهر كُله في أول ليلة منه لا يجزئه عن الشهر كُله؛ لأن صيام كل يوم من الشهر صيام منفرد بنفسه، متميز عن غيره، فإذا لم ينوه في الثاني قبل فجره، وفي الثالث كذلك حصل صيام ذلك اليوم صيامًا لم يجمع له قبل فجره، فبطل، وهو قول عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر، وإليه ذهب الحسن البصري، وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل.
وقال أصحاب الرأي: إذا نوى الفرض قبل زوال الشمس أجزأه ، وقالوا في صوم النذر والكفارة والقضاء: إن عليه تقديم النية قبل الفجر.
وقال إسحاق: إذا قدم للشهر النية أول ليلة أجزأه للشهر كله، وإن لم يجدد النية كل ليلة.
وقد زعم بعضهم أنَّ هذا الحديث غير مسند؛ لأن سفيان ومَعْمرًا قد وقفاه على حفصة.
قلتُ: وهذا لا يضر؛ لأن عبد الله بن عمرو بن حزم قد أسنده، وزيادات الثقات مقبولة. معالم السنن (2/133- 134).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
اختلف العلماء هل يلزم لكل يوم نية أو يكفي نية واحدة أول يوم من رمضان؟
على قولين:
الأول: أنه يجزئ الصائم نية واحدة لجميع الشهر، ما لم يقطع صومه بسفر أو مرض، وهذا مذهب مالك وإسحاق ورواية عن أحمد؛ لأن صوم الشهر عبادة واحدة لا بد منها، والرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «ولكل امرئ ما نوى» وهذا نوى صيام الشهر والتتابع، فله ما نوى.
القول الثاني: أنه يلزم الصائم نية مستقلة لكل يوم، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور عنه، واستدلوا بحديث الباب بقوله: «قبل الفجر»، وقوله: «من لم يُبَيِّت»، وظاهر ذلك أن لكل ليلة نية مستقلة؛ لأن صوم كُل يوم عبادة مستقلة، يدل على ذلك: أن فساد صيام بعض أيام الشهر لا يفسد بعضها الآخر؛ ولأنه يتخلل صوم أيام الشهر ما ينافيها، إذ يباح في الليل الطعام والشراب والجماع. منحة العلام في شرح بلوغ المرام(5/20).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والظاهر وجوب تجديدها (أي: النية) لكل يوم؛ لأنه عبادة مستقلة مُسْقِطَةٌ لفرض وقتها، وقد وَهِمَ من قاس أيام رمضان على أعمال الحج باعتبار التعدد للأفعال؛ لأن الحج عمل واحد، ولا يتم إلا بفعل ما اعتبره الشارع من المناسك، والإخلال بواحد من أركانه يستلزم عدم إجزائه. نيل الأوطار (4/ 233).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
وثمرة الخلاف (أي: من اشتراط النية لِكل يوم) تظهر فيمن نام بعد العصر في رمضان ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر من الغد، فعلى القول الأول يصح صومه لهذا اليوم؛ لأن النية الأولى في أول الشهر كافية، والأصل بقاؤها، وعلى القول الثاني لا يصح صومه؛ لأنه لم يبيِّت صيام هذا اليوم من الليل. منحة العلام في شرح بلوغ المرام(5/21).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومن فوائده (أي: الحديث) أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ لأنه لا يمكن استيعاب جميع النهار إلا بنية قبل الفجر، وإلا فالأصل ابتداء الإمساك من طلوع الفجر لا قبله؛ لأن الله يقول: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} البقرة: 187، لكن لما كان لا يتم استيعاب جميع النهار إلا بنية قبل الفجر صارت النية قبل الفجر واجبة، وهذا من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ونظير ذلك: قولهم في الوضوء: إنه لا يمكن استيعاب غسل الوجه إلا بجزء من الرأس، فلا بد أن يتناول الماء شيئًا ولو كالشعرة من الرأس، وكذلك قالوا في مسح الرأس. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/186).


ابلاغ عن خطا