الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا أَفْطَرَ قال: ذهبَ الظَّمَأُ، وابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وثَبَتَ الأجرُ إنْ شاءَ اللَّهُ».


رواه أبو داود برقم: (2357)، والنسائي في الكبرى برقم: (3315)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (4678)، مشكاة المصابيح برقم: (1993).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الظَّمَأُ»:
مَهْمُوز الآخر، ومَقْصُورًا، وهو الْعَطش. الأذكار، للنووي (ص: 190).

«وابْتَلَّتِ العُرُوقُ»:
أي: زالت يُبُوسِيَّة العروق التي حصلت من غاية العطش. فتح الودود في شرح سنن أبي داود، للسندي (2/ 640).


شرح الحديث


قوله: «كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا أَفْطَرَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر» أي: بعد الإفطار. مرقاة المفاتيح (4/ 1386).

قوله: «ذهبَ الظَّمَأُ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «ذهب الظمأ» مهموز الآخر، وهو العطش، قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} التوبة: 120، أي: الكائن عن عدم شُرْبِ الماء؛ لمجيء وقت جواز الشرب. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 298).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «ذهب الظمأ» أي: زال العطش الذي كان بي. شرح المصابيح (2/ 518).
وقال النووي -رحمه الله-:
الظمأ مهموز الآخر، مقصور: وهو العطش، قال الله تعالى: {ذلكَ بأنهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمأُ} التوبة: 120، وإنما ذكرتُ هذا وإن كان ظاهرًا؛ لأني رأيتُ مَن اشتبه عليه، فتوهَّمَه ممدودًا. الأذكار (ص: 190).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «ذهب الظمأ» هو مهموز مقصور وممدود، والقَصْرُ لُغَةُ القرآن، قوله تعالى: {لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ} التوبة: 120، وهو العطش، أو شِدَّتُه. لمعات التنقيح (4/434- 435).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
خُصَّ ذهاب الظمأ مع أنه قد ذهب الجوع؛ لأن الالتذاذ بالماء في البلاد الحارَّة كالمدينة ومكة أشد؛ ولأنه أول ما يُفْطِرُون به، والإخبار بذلك شكرًا على النعمة، بإنالة الْمُسْتَلَذّ بعد المنع عنه شرعًا. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 343).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
والظمأ هو: العطش الذي كان موجودًا من قبل بسبب الصيام، وهو يذهب بشرب الماء. شرح سنن أبي داود (13/ 88).
وقال الشيخ المحسن العبَّاد -حفظه الله- أيضًا:
وهل هذا الإخبار خاص بمن حصل له ذلك في حال الصيف، أم يقوله الذي صام وإن لم يشعر بجفاف عُرُوقٍ ولا ظمأ؟
الجواب: الذي يبدو أنَّه يقال مطلقًا؛ لأن الظمأ يُوجَد، ولكنه يتفاوت، وهذا الذِّكْر يقال قبل الإفطار أو بعده، والأمر في هذا واسع. شرح سنن أبي داود (13/ 93).

قوله: «وابْتَلَّتِ العُرُوقُ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«وابتلَّت العروق» التي يَبِسَتْ بالظمأ. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 298).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «وابتلَّت العروق» أي: بزوال اليُبُوسَةِ الحاصلة بالعطش. مرقاة المفاتيح (4/ 1386).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وابتلَّت العُروق» لم يقل: ذَهَبَ الجوع أيضًا؛ لأنَّ أرض الحجاز حارَّة، فكانوا يصبرون على قلة الطعام، لا العطش، وكانوا يُمْتَدَحُون بِقِلَّةِ الأكل، لا بِقِلَّةِ الشرب. فيض القدير (5/ 107).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «وابتلَّت العروق» أي: بما وصل إليها من الطعام والشراب، فذهب عنها ما كان بها من الجفاف بالصوم. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (10/ 81).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«وابتلَّت العروق» بزوال اليُبُوسَة الحاصلة بالعطش؛ أي: زال التعب. شرح المصابيح (2/ 518).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وابتلَّت العروق» أي: زالت يُبُوسَةُ عروقي التي حصلت من غاية العطش، بأنْ شربتُ الماء.
وهذا تحريضُ الناس على العبادة؛ يعني: لا يبقى التعبُ على الإنسان، ويبقى له الأجرُ، فَلْيَحْمِلِ الإنسانُ التعبَ على نفسه؛ ليَحْصُلَ له غنيمةُ الأجر، وهذا الدعاء يُقرَأ بعد الإفطار بالماء. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 23).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وابتلَّت العروق» الظاهر: أنَّ هذا الدعاء مخصوص بشرب الماء، لا بأكل التمر، ونحوه. شرح سنن أبي داود (10/ 361).

قوله: «وثَبَتَ الأجرُ إنْ شاءَ اللَّهُ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وثبت الأجر» أي: زال التعب، وحصل الثواب، وهذا حثٌّ على العبادات، فإنَّ التعب يَسِيْرٌ؛ لِذَهَابِه وزواله، والأجر كثير؛ لثباته وبقائه...
«إنْ شاء الله» مُتعلِّق بالأخير على سبيل التَّبَرُّك، ويصح التعليق؛ لعدم وجوب الأجر عليه تعالى، ردًّا على المعتزلة، أو لئلا يَجْزم كل أحد، فإنَّ ثبوت أجر الأفراد تحت المشيئة.
ويمكن أنْ يكون (إن) بمعنى (إذ) فتتعلَّق بجميع ما سبق. مرقاة المفاتيح (4/ 1386).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «ثبت الأجر» بعد قوله: «ذهب الظمأ» استبشار منهم؛ لأن مَن فاز بِبُغْيَتِهِ، ونال مطلوبه بعد التعب والنَّصَب، وأراد أنْ يَسْتَلِذَّ بما أدركه مَزِيْدَ اسْتِلْذَاذ، ذكر تلك المشقة، ومن ثم حَمِدَ أهل السعادة في الجنة بعد ما أفلحوا بقولهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُور} فاطر: 34. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1588).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «وثبت الأجر» على الصوم، لا يُقال: كان الأولى تقديم ثبوت الأجر؛ لأنا نقول: قَدَّم ما قد تحقَّق حصوله من الأمرين وتيقن، وثبوت الأجر مُتوقِّف على مشيئة الله؛ ولذا قال: «إن شاء الله»، أو لأنه سَلَكَ طريقه الترقي.
وفيه: أنَّ العبد لا يَثِق ولا يَقْطَع بحصول الأجر على فِعْلٍ من أفعال البِرِّ.
ويحتمل: أنَّ التقييد للثبوت، لا لنفس حصول الأجر، فإنَّه قد يحصل، ثم تَعْقُبُه ما يُبْطِله. التنوير شرح الجامع الصغير (8/343- 344).
قال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«وثبت الأجر» أجر الصوم، إن شاء الله تعالى. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 298).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «وثبت الأجر» أي: زال التَّعَب، وبقى الأجر «إن شاء الله» ثُبُوته بأنْ يُقبل الصَّوْم، ويتولَّى جزاءه بنفسه، كما وعد. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 240).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«وثبت الأجر» أي: حصل الثواب «إن شاء الله تعالى»، وهذا حثٌّ على العبادات؛ فإنَّ التعبَ يسير؛ لذهابه وزواله، والأجرَ كثير؛ لبقائه وثباته. شرح المصابيح (2/ 518).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وثبت الأجر إن شاء الله»، والتعليق بالمشيئة راجع إلى ثبوت الأجر؛ لا لما قبله. شرح سنن أبي داود (10/ 361).
وقال السندي -رحمه الله-:
والمقصود: أنَّه زال التعب «وثبت الأجر»، وهو تسهيل للصوم على النفس، وتشجيعها عليه، ولتحريض الناس عليه، و«إن شاء الله» إما للتبرك، أو لأن المدار على القبول، وهو خَفِيٌّ عن العبد، وإنما هو في حيز الرجاء. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (2/ 640).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «وثبت الأجر إن شاء الله» ذكر المشيئة للتبرك أو للتعليق؛ فإنَّ ثبوت الأجر لغيره -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- مفوَّض لمشيئة الله تعالى، فلا يُدرى أَقِبِلَ الله صومَه أم رَدَّه؟
وفي هذا دلالة على مشروعية ذكر هذه الكلمات بعد الفطر من الصيام؛ ولعل ذلك لشكر النعمة التي هي زوال المشقة عنه، والحصول على الثواب العظيم. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (10/ 81).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
قوله: «وثبت الأجر إن شاء الله» يعني: أنَّ العمل الصالح قد تم وانتهى، وأنَّ الأجر قد حصل، وهذا ليس دعاءً وإنما هو إخبار؛ لأن الجُمَلَ قبله كلها إخبار.
وقوله: «إن شاء الله» يعني: حتى لا يكون الإنسان جازمًا بالشيء، وليس الأمر كما تقوله المعتزلة من أنَّ الجزاء إنما هو عوض عن العمل، وأنه ليس هناك فضل، بل الفضل لله -عز وجل- في الجزاء على الأعمال، وليست القضية قضية معاوضة بين الله -عز وجل- والناس، بل الله مُتَفَضِّل عليهم بالأجر والثواب، كما أنه هو المتَفَضِّل عليهم بالعمل الذي كان سببًا في الأجر والثواب، فالله -عز وجل- تَفَضَّل عليهم بالتوفيق للعمل، وتَفَضَّل عليهم بالجزاء على العمل، فلله الفضل أولًا وآخرًا على التوفيق للأعمال الصالحة، وعلى حصول الأعمال الصالحة. شرح سنن أبي داود (ص: 2).


ابلاغ عن خطا