«إذا الرَّجل دَعا زوجتَه لحاجَتِه فلْتَأْتِه، وإن كانت على التَّنُّور».
رواه أحمد برقم: (16288)، والترمذي برقم (1160) واللفظ له، والنسائي في الكبرى برقم (8922)، من حديث طلق بن علي -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (301)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1202).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«دَعا»:
الدعاء: كالنداء، لكن النداء قد يقال: إذا قال: يا، أو أيا، ونحوه، من غير أن ينْضَمَّ له الاسم، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم، كـ(يا فلان) وقد يُستعمل كلٌّ محلَّ الآخر. المفردات، للراغب (ص: 315).
«لحاجته»:
الحاجة: جمعها حَاجٌ، بحذف الهاء، وحاجات وحوائجٌ. المصباح المنير (1/155).
وقال الملا علي القاري-رحمه الله-:
لحاجته: أي: المختصة به، كِناية عن الجماع. مرقاة المفاتيح(4/272).
«التَنُّور»:
التَّنُّور: بفتح الفوقية، وتشديد النون. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/112).
وهو الذي يُخْبَزُ فيه، وافَقَتْ فيه لغة العرب لغة العجم، وقال أبو حاتم -رحمه الله-: ليس بعربي صحيح، والجمع: التَّنَانِير. المصباح المنير (1/77).
ويقال: إنه في جميع اللغات كذلك. النهاية في غريب الحديث (1/ 199).
شرح الحديث
قوله: «إذا الرَّجل دَعا زوجته»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«إذا دعا الرجل زوجته» كذا في النُّسَخ بإثبات التاء، وهي لغة، واللغة الفصيحة المشهورة التي جاء بها القرآن حَذْف التاء، وهي لغة أهل الحجاز، قال المصنف: وثبت إلحاق التاء في أحاديث في الصحيح. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/112).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إذا الرجل دعا زوجه»: هنا التركيب من قبيل: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت} التكوير: 1. مرقاة المفاتيح (5/2126).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إذا دعا الرجل زوجته» أو أَمَتَهُ بالأَوْلَى. التنوير شرح الجامع الصغير (2/46).
قوله: «لحاجته فلْتَأْتِهِ»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«لحاجته» التي يستحقها عليها، «فلْتَأْتِهِ» فورًا. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/112).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لحاجته»: أي: المختصة به، كناية عن الجماع، «فلتأته»: أي: لِتُجِبْ دعوته. مرقاة المفاتيح (5/2126).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
أي: فلتُجِبْ دعوة الزوج، وإن كانت مشتغلة بالخبز، مع أنه شغل شاغل، لا يُتَفَرَّغُ منه إلى غيره. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/377).
وقال عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«فلتأته» أي: لِتُجِبْ دعوته. تحفة الأحوذي (4/272).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«فلتأته» أي: فلْتُمَكِّنه من نفسها وجوبًا، حيث لا عذر. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 117).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فليأتها» (رواية أحمد) أي: له أن يأتيها، ويقضي حاجته منها، وإن كانت هي مشتغلة بحاجتها، وليس لها الاعتذار بذلك، وإن كانت الحاجة ضرورية كالتَّنُّور، فإنَّ الإنسان إذا غفل عنه يتلف الخبز، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على المسند (4/38).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «لحاجته» كناية عن الجماع، «فلتأته» أي: فلْتُمَكِّنه من نفسها وجوبًا فورًا حيث لا عذر. فيض القدير (1/343).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «حاجته» أي: جِمَاعها، كنَّى بها عنه لمزيد حيائه، وأما قوله لمن اعترف بالزنا: «أَنِكْتَهَا؟» فللاحتياط في تحقق موجب الحَد، بحيث يكون اللفظ لا يقبل المجاز ولا التأويل.
«فليأتها» فلْيُجَامِعْهَا ولْتِطِعْهُ. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/68).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «لحاجته» وهو البِضَاع، «فلتأته» على أيّ حال. التنوير شرح الجامع الصغير (2/46).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«لحاجته» أي: للغَشَيَان. شرح المصابيح (4/ 17).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
دليل على تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ولا خلاف فيه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} البقرة: 228، والمرأة في ذلك بخلاف الرَّجل، فلو دعت المرأة زوجها إلى ذلك لم يجب عليه إجابتها، إلَّا أن يقصد بالامتناع مضارَّتها، فيحرم ذلك عليه.
والفَرْقُ بينهما: أن الرَّجل هو الذي ابتغاها بماله، فهو المالك للبُضْعِ، والدرجة التي له عليها هي السلطنة التي له بسبب تملُّكه.
وأيضًا فقد لا ينشطُ الرَّجل في وقت تَدْعُوه، فلا ينتشر، ولا يتهيأ له ذلك، بخلاف المرأة. المفهم (13/ 24).
قوله: «وإن كانت على التَّنُّور»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«وإن كانت على التَّنُّور» الجملة الشرطية وصْلِيَّة، وهي في محل الحال. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/112).
وقال عبد القادر الجيلاني -رحمه الله-:
وإذا دعا امرأته للجماع، فأبت عليه، كانت عاصية لله تعالى، وعليها وِزْرٌ. الغنية لطالبي طريق الحق (1/106).
وقال الذهبي -رحمه الله-:
فالواجب على المرأة أن تَطْلُبَ رضا زوجها، وتَجْتَنِب سخطه، ولا تمتنع منه متى أرادها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلتأته، وإن كانت على التنور».
قال العلماء -رحمهم الله-: إلا أنْ يكون لها عذر من حيض أو نفاس، فلا يحل لها أن تَجِيْئَهُ، ولا يحل للرجل أيضًا أن يطلب ذلك منها في حال الحيض والنفاس، ولا يجامعها حتى تغتسل. الكبائر (ص: 174).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «وإن كانت على التنور» ذَكَرَه تتميمًا ومبالغة. شرح المشكاة (7 /2333).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وإن كانت على التنور» أي: وإن كانت تَخْبِزُ على التنور، مع أنه شغل شاغل، لا يُتَفَرَّغُ منه إلى غيره إلا بعد انقضائه. مرقاة المفاتيح (5/2126).
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وإن كانت على التنُّور» يعني: وإن كانت تَخْبِزُ، وقد ضَربت الخبزَ على التنُّور.
يعني: إذا دعاها الزوجُ فَلْتَأتِه، وإن كان خُبزُها يحترقُ في التنُّور، وهذا بشرط أن يكونَ ذلك الخبزُ للزوج؛ لأنَّ الزوجَ إذا دعاها في هذه الحالة فقد رضيَ بإتلافِ مالِهِ، وتَلَفُ المالِ أسهلُ من وقوع الزوج في الزِّنا إن لم تُجبْه الزوجةُ. المفاتيح في شرح المصابيح (4/88-89).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
خصَّها بعضهم بما إذا كانت تَخْبِزُ خبز الزوج، ولا حاجة إلى ذلك، بل الغرض الْمَسُوق له الكلام وهو الائتمار، وعدم التوقُّف في امتثال أمره في الشق الثاني أَوْفر وأتم.
فالمعنى: أن الواجب عليها المسارعة إليه، وإن خافت نقصان مالها، ومشقة جسمها، فإنها إذا ذهبت إليه، واحترق خُبْزُهَا، فلعلها تبقى يومها جائعة، أو تتكلف بإعداد الطعام مرة أخرى.
وفيه: دلالة على اختيار أيسر الإثمين إذا ابْتُلِيَ بهما، فإن إضاعة المال وعصيان الزوج ذنْبَان لا محالة، ثم على تلك القاعدة يتفرع جُملة من مسائل الفقه. الكوكب الدري على جامع الترمذي (2/255-256).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
قال العلقمي -رحمه الله-: ولعل مَحَلّ الإجابة ما إذا لم يلزم عليه تَلَف الطعام ونحوه؛ لكون الخبز في التنور ويمضي زمنٌ يَتْلَفُ فيه. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/117).
وقال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله-:
قوله: «وإن كانت على التنور» أي: وإن كانت مشغولة بشغل ضروري ربما يضيع به مالٌ كالخبز، وهذا إذا كان الخبز للزوج؛ لأنه إذا دعاها في هذه الحالة فقد رضي بإتلاف مال نفسه، كذا قالوا.
ويحتمل: أن يكون المراد: وإن كان في مدةٍ ومكانٍ لا يمكن فيه قضاء الحاجة، وفيه مبالغة تعليقًا بالمحال، واللَّه أعلم.
وقد جاء في حديث آخر: «لا تمنع المرأةُ نفسَها عن زوجها وإن كانت على ظهر قَتَبٍ»، والقَتَبُ: محركة للجمل، كالإكاف لغيره، وهو حثٌّ على مُطاوعة الأزواج، ولو في حال الركوب، فكيف في غيرها؟! لمعات التنقيح (6/122).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وإن كانت على» إيقاد «التنور» الذي يُخبَزُ فيه؛ لتعجيل قضاء ما عرض له، فيرتفع شغل بالِه، ويتمخض تعلُّق قلبه.
فالمراد بذكر التنور: حثُّها على تمكينه وإن كانت مشغولة بما لا بد منه كيف كان، وهذا حيث لم يترتب على تقديم حظِّه منها إضاعة مال، أو اختلاف حال.
وقيل: فيه إن الأحب أن يبيت الرجل مع زوجته في فراش واحد، وفي أخذه من ذلك بُعد لا يكاد يصح. فيض القدير (1/343).
قال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«وإن كانت على تنُّور» أي: وإن كانت تخبز على التنور، مع أنه شغل شاغل، فالمراد: أنه يلزمها أن تطيعه، وإن كانت في شغل لا بد منه، حيث لا عذر كحيض، ولا إضاعة مال، كاحتراق الخبز. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/68).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وإن كانت على التنور» أي: في أشْغَلِ أحوالها، وتقدم الحديث في «إذا أراد أحدكم من زوجته حاجته فليأتها، وإن كانت على تنور»، فهو مأمور أن لا يُدافِعَ نفسه، بل يقضي حاجته منها عند حصولها، وهي مأمورة ألا تمنع نفسها عنه بحال من الأحوال. التنوير شرح الجامع الصغير (2/46).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«وإن كانت على التنور» أي: لِتُجِبْ دعوته وإن كانت تخبز على التنور، وهذا بشرط أن يكون الخبز للزوج؛ لأنه إذا دعاها في هذه الحالة فقد رضي لإتلاف مال نفسه، وتَلَفُ المال أسهل من وقوع الزوج في الزنا. شرح المصابيح (4/ 17).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «إذا الرَّجل دَعا زوجته لحاجته فلتأْتِه، وإن كانت على التَنُّور» لتعجل قضاء ما عُرِضَ له، فيرتفع شغل باله، ويتخلص تعلُّق قلبه، وهذا كما روى مسلم في قصة زينب أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها، وهي تَمْعَسُ مَنِيْئَةً لها، أي: تَدْلُكُ جلدًّا، فقضى حاجته بها، وتَرَكَتْ ما كانت فيه؛ لما هو أهم منه، أو لما يفوت، وما هي فيه لا يفوت، وتتفرّغ هي لشغلها، ويتفرّغ قلب الرجال، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «فإن ذلك يردُّ ما في نفسه». عارضة الأحوذي (5/87).
وقال الشيخ ابن جبرين -رحمه الله-:
«ولو كانت على التنور» والتنور: هو الذي يُخْبَز فيه.
يعني: ولو خَشِيَتْ أن يَفْسُد ذلك الخبز ويحترق، فإن عليها أن تأتي إليه، وهذا مبالغة في الإسراع، وعدم التأني. شرح عمدة الأحكام (60/ 18).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
وفي الحديث: دليل على وجوب طاعة الزوج، وتقديمه على شغلها. تطريز رياض الصالحين (ص: 207).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وهذا يدل على عِظَمِ حق الزوج على زوجته، وأن حق الزوج على زوجته عظيم، يجب عليها أن تقوم به، كما يجب عليه أن يقوم بحقها، كما قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة: 228. شرح رياض الصالحين (3/150).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)