الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«أهلُ الجنةِ عشرونَ ومائةُ صَفٍّ، ثمانونَ منها من هذه الأُمَّةِ، وأربعونَ من سائرِ الأممِ».


رواه أحمد برقم: (22940)، والترمذي برقم: (2546)، وابن ماجه برقم: (4289)، من حديث بُرَيْدَة بن الحُصَيْب -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2527)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1740).


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «‌أهلُ ‌الجنةِ ‌عشرون ‌ومائةُ صفٍّ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌أهل ‌الجنة ‌عشرون ‌ومائة صف» أي: قَدْرُها، أو صُوِّرُوا صُفُوفًا. مرقاة المفاتيح (9/ 3592).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أهل الجنة عشرون ومائة صف» كأنه بالنظر إلى اصطفافهم في الموقف، أو اصطفاف مساكنهم في الجنة. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 295).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أهل الجنة عشرون ومائة صف» أي: مقدارها؛ أي: لو جُعِلوا صفوفًا لكانت صفوفهم مقدار هذا العدد. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (26/ 238).

قوله: «ثمانون منها من هذه الأمة»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ثمانون» أي: صفًّا، «منها» أي: من جملة العدد، كائِنُونَ «من هذه الأُمَّة». مرقاة المفاتيح(9/3592).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ثمانون منها من هذه الأُمَّة» فهم ثُلُثَا أهل الجنة. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 295).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «منهم ثمانون من هذه الأُمَّة» فصار الثلثان من أهل الجنة من هذه الأُمَّة. حاشية السندي على مسند أحمد (5/335).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «ثمانون منها من هذه الأُمَّة» فإن قلتَ: كيف التوفيق بين هذا وبين ما ورد من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده أرجو أن تكونوا رُبُعَ أهل الجنة»، فكبَّرنا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «أرجو أن تكونوا ثُلُثَ أهل الجنة»، فكبَّرنا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «أرجو أن تكونوا نِصْفَ أهل الجنة».
قلتُ: يحتمل: أن يكون الثمانون صفًّا مساويًا في العدد للأربعين صفًّا، وأن يكونوا كما زاد على الربع والثلث، يزيد على النصف؛ كرامة له -صلى الله عليه وسلم-. شرح المشكاة الكاشف عن حقائق السنن (11/ 3567).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- معقبًا على كلام الطيبي:
وهذا هو الأظهر، على أن النصف قد يُطْلَق ولم يُرَد به التساوي في العدد والصف؛ ولذا يُوصف بالأقل والأكثر. مرقاة المفاتيح (9/ 3592).
وقال عبد الحق الدِّهلوي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة»؛ لأنه يحتمل: أن يكون رجاه -صلى الله عليه وسلم- ذلك، ثم زِيْدَ وبُشِّر من عند اللَّه تعالى ‌بالزيادة ‌بعد ‌ذلك، وأما قول الطيبي: يحتمل: أن يكون الثمانون صفًّا مساويًا في العدد للأربعين صفًّا فبعيد؛ لأن الظاهر من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أهل الجنة عشرون ومائة صف» أن تكون الصفوف متساوية، واللَّه أعلم. لمعات التنقيح (9/ 126-127).
وقال المناوي -رحمه الله-:
لا يُناقِضُه حديث أنهم شَطْرُ أهل الجنة؛ لأنه رَجَا أولًا أن يكونوا نِصْفًا فزاده الله. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 383).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
فكأنه -صلى الله عليه وسلم- لما رَجَا رحمة ربه أن تكون أُمَّتُه نصف أهل الجنة أعطاه ما ارتجاه وزاده، وهو نحو قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} الضحى: 5. فتح الباري (11/ 388).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
ووجه الجمع: أنَّه طَمِعَ أن تكون أُمَّتُه الشَّطرَ، فأُعطي ذلك وزيادةً، وأَعْلَمَه بذلك، فلا تنافي. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (9/ 434).
وقال النووي -رحمه الله-:
وقع في هذا الحديث: «شَطْر أهل الجنة»، وفي الرواية الأخرى: «نصف أهل الجنة»، وقد ثبت في الحديث الآخر: «أن أهل الجنة عشرون ومائة صفٍّ، هذه الأُمَّة منها ثمانون صفًّا»، فهذا دليل على أنهم يكونون ثُلُثَي أهل الجنة، فيكون النبي -صلى الله عليه وسلم- أخْبَرَ أولًا بحديث الشطر، ثم تفضَّل الله -سبحان- بالزيادة، فأُعْلِم بحديث الصفوف، فأَخْبَرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك؛ ولهذا نظائر كثيرة في الحديث معروفة، كحديث: الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، وبخمس وعشرين درجة، على إحدى التأويلات فيه. شرح النووي على مسلم (3/ 95-96).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وقد جاء في الحديث الآخر: «إنَّ أهل الجنة مائةٌ وعشرون صفًّا، هذه الأُمَّة منها ثمانون صفًّا»، فهذا دليل على أنهم يكونون ثُلُثَي أهل الجنة، ولا يُشْكِل ذلك على حديث الباب، بل يكون أَخْبَرَ بما في حديث الباب أولًا، ثم زاده الله في العطاء، فأَخْبَرَ به بعدُ، وله نظائر كحديث: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بخمس وعشرين»، وفي رواية: «سبع وعشرين». دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (4/ 334).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
فقال -عليه الصلاة والسلام-: «أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة»، ولا يُعارض هذا ما في الترمذي وحسَّنه عن بريدة مرفوعًا: «أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأُمَّة، وأربعون منها من سائر الأُمَمِ»؛ لأنه ليس في حديث الباب الجزم بأنهم نِصْف أهل الجنة فقط، وإنما هو رجاء رَجَاهُ لأُمَّتِه، ثم أعْلَمَه الله تعالى بعد ذلك أن أُمَّتَهُ ثلثا أهل الجنة. إرشاد الساري(5/ 340-341).
وقال البرهان الحلبي -رحمه الله-:
قوله: «إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ» جرت عادة الناس أن يسألوا: ما وجهُ الجمع بين هذا الحديث، والحديث الآخر...: «أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ ومائة صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ»، وهذا يقتضي أن تكون أُمَّتُه -عليه السلام- الثُّلُثَين؟
والجواب: لعله أخبر -عليه السلام- بأنهم النصفُ، ثم أطْلَعَه الله على أنهم الثلثان.
أو إن الثمانين صف هم النصف المذكور في الحديث، ولا يلزم منه تساوي الصفوف في العدد.
أو غير ذلك، فإني كنتُ أحفظُ جوابًا غير هذين لا أسْتَحْضِره الآن، وهاذان فُتوحٌ. الحواشي على سنن ابن ماجه (5/ 188-189).
وقال السفيري -رحمه الله-:
أُمَّةُ ‌محمد ‌في ‌الجنة ‌أكثر ‌من ‌نِصْفِ أهل الجنة، ويدلّ عليه ما رواه الترمذي عن بُرَيْدَة مرفوعًا وحسَّنه: «أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأُمَّة، وأربعون منها من سائر الأمم»، أفاد هذا الحديث أنهم أكثر من النصف، وأنهم ثلثا أهل الجنة. شرح البخاري (2/ 280).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
في الترمذي من حديث بُرَيدة بن الحُصَيب الأسلمي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأُمَّة، ‌وأربعون ‌من ‌سائر ‌الأمم» قال الترمذي: هذا حديث حسن، والذي في (الصحيح) من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث بَعْثِ النار: «والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا شَطْرَ أهل الجنة» ولم يزد على ذلك.
فإما أن يقال: هذا أصح، وإما أن يقال: النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- طَمِعَ هو أن تكون أُمَّتُه شَطْرَ أهل الجنة، فأَعْلَمَهُ ربه تعالى أنهم ثمانون صفًّا من مائة وعشرين، فلا تَنَافِي بين الحديثين، والله أعلم. زاد المعاد (1/ 21).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: لمَ لمْ يُخْبِرْ ابتداءً بهذا العدد؟
قلتُ: إما أن أراد الترقِّي في البشارة، أو لم يكن عالمًا إلا على التدريج، فكما أخبره الله وأعْلَمَهُ أَخْبَرَ وأعْلَمَ. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/ 249).
ومن الطريف ما قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فيكونون ثُلُثَي أهل الجنة، وأرجو أنَّ ثُلُثَي هذه الأُمَّة في الجنة جماعة الحنفية؛ لكثرتهم بالنسبة إلى المالكية والشافعية والحنبلية، وإنْ كان الكُلّ على مِلة الحنيفية. شرح مسند أبي حنيفة (1/ 369).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
«أهل الجنة مائة وعشرون صفًّا، هذه الأُمَّة منها ثمانون صفًّا»، فإلى هذا تناهى ما وقفنا عليه مما رُوي عن رسول الله -عليه السلام- في هذا الباب، مما شرَّف الله تعالى به نبيَّه في أُمَّتِه، وأعطاه مما لم يُعْطِه غيره من أنبيائه -صلوات الله عليه وعليهم-. بيان مشكل الآثار (1/ 195).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وأخبر أنَّ الجنة مائة وعشرون صفًّا، وأنَّ هذه الأُمَّة ثمانون صفًّا، فتكون هذه الأُمَّة بمقدار الثلثين، لكن كيف يكون مقدار الثلثين؟ لا بد من سبب، من أسباب ذلك: كثْرَةُ النَّسْلِ في الأُمَّة، فإذا كَثُرَ النَّسْلُ في الأُمَّة كثرت الأُمَّة. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (4/ 431).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
في رواية: «ثُلُثَا»، وفي رواية «ثمانون صفًّا من مائة وعشرين» هم أهل الجنة. الحلل الإبريزية (4/ 262).

قوله: «وأربعون من سائر الأمم»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وأربعون» أي: صفًّا «من سائر الأمم»، والمقصود بيان تكثير هذه الأُمَّة، وأنهم ثُلُثَان في القسمة. مرقاة المفاتيح (9/ 3592).
وقال أبو عبدالله القرطبي -رحمه الله-:
ورُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يكون الخلائق يوم القيامة مائةً وعشرين صفًّا، طُوْلُ كل صف مسيرة أربعين ألف سَنة، وعَرْضُ كل صفٍّ عشرون ألف سنة، قيل له: يا رسول الله: كم المؤمنون؟ قال: ثلاثة صفوف، قيل له: والمشركون؟ قال: مائة وسبعة عشر صفًّا، قيل له: فما صفة المؤمنين من الكافرين؟ قال: المؤمنون كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود».
ذكر هذا الخبر القتيبي (ابن قتيبة) في عيون الأخبار له (لم نجده في أصل ابن قتيبة) وهو غريب جدًّا، مخالف لصفوف المؤمنين الوارد في الأحاديث. التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 831).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قد يُحمل هذا (أي: حديث: أن المؤمنين ثلاثة صفوف، والمشركين مائة وسبعة عشر صفًا) على حالة الموقف، والأول (أي: حديث أهل الجنة عشرون ومائة صف) على حالة الانفصال، ودخول الجنة. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (19/ 356).


ابلاغ عن خطا