الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا طهَّرَهُ قبل موته، قالوا: يا رسول الله، وما طهُوْر العبد؟ قال: عمل صالح يُلْهِمه إياه حتى يقبضه عليه».


رواه الطبراني في الكبير برقم: (7900)، من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (306).



شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«طهَّره»:
التَّطهُّر: التَّنَزُّه والكفُّ عن الإثم، وما لا يجمُل، ورجل طاهر الثياب أي: مُنَزَّه، والتطهر: التَّنَزُّه عما لا يحل، وهم قوم يتطهَّرون، أي: يتنزَّهُّون من الأدناس. لسان العرب (4/506).

«يُلْهِمه»:
الإلهام: مِنْ (لَهَم) وهو الإعلام الخفي بها يُلقى في النفس إلقاءً. معجم لغة الفقهاء (ص: 87).
وقال ابن منظور-رحمه الله-:
وألهمه الله خيرًا: لَقَّنَه إياه، واستلهمه إيَّاه: سأله أن يُلْهِمَه إيَّاه، والإلهام: ما يُلقى في الروع. لسان العرب(12/555).
وقال ابن الأثير-رحمه الله-:
والإلهام: أن يُلْقِي الله في النفس أمرًا يبعثه على الفعل أو الترك، وهو نوع من الوحي، يخص الله به من يشاء من عباده. النهاية في غريب الحديث (4/282).

«يقبضه»:
القبض: خلاف البسط، قبضه يقبضه قبضًا...،وقُبِضَ المريضُ: إِذا تُوُفِّيَ، وإِذا أَشرف على الموت. لسان العرب (7/213).


شرح الحديث


قوله: «إذا أراد الله بعبد خيرًا طهَّرَهُ قبل موته»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
إرادته تعالى الخير بعبده تَفَضُّلٌ منه وإحسانٌ؛ جزاء على عمل صالح أسلفه العبد، أو نية حسنة، أو هو محضُ فضلٍ منه تعالى.
فإرادته الخير من باب تيسير اليسرى، الذي أفاده قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} الليل: 5-7، فإرادته الخير لعبده، كزيادة الهدى لمن اهتدى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} محمد: 17.
فكل ما في هذه الأحاديث من إرادته الخير، فهي من باب تيسير اليسرى، كما في الآيات: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} النساء: 27، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} النساء: 28، وإرادته تعالى بعبده الشرّ لا يكون إلا عقوبةً له على قبيح أسلفه، وهو تيسيرًا لعسرى، التي أفادها قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} الليل: 8-10، وأفادها قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} المائدة: 41، ومثل: {يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ} آل عمران: 176، ونحو هذه الآيات التي يفسرها المعتزلي بالخذلان، وهو الإضلال. التنوير شرح الجامع الصغير (1/517- 518).

قوله: «قالوا: يا رسول الله، وما طُهُوْر العبد؟»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إذا أراد الله بعبد خيرًا طهَّره قبل موته، قالوا» له: «وما طُهور العبد؟» أي: ما المراد بتطهيره؟ فيض القدير (1/257).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«وما طهور العبد؟» أي: ما المراد بتطهيره؟ السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/81).

قوله: «قال: عمل صالح يُلْهِمه إياه، حتى يقبضه عليه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«قال: عمل صالح يُلْهِمه» أي: يُلْهِمه الله تعالى «إياه».
والإلهام: ما يُلقى في الروع بطريق الفيض، ويدوم كذلك «حتى يقبضه عليه» أي: يميته وهو مُتَلَبِّس به.
فمن أراد الله به خيرًا طهَّره من المادة الخبيثة قبل الوفاة، حتى لا يحتاج لدخول النار؛ ليطهره، فيُلْهِمه الله تعالى التوبة، ولزوم الطاعات، وتجنُّب المخالفات.
أو يُصاب بالمصائب، وأنواع البلاء المكفرات؛ ليَطْهُر من خبائثه، مع كراهته لما أصابه {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} البقرة: 216؛ ولهذا كان الأب أو الأم يسوق لولده الحجَّام، أو الطبيب ليعالجه بالمراهم المؤلمة الحادَّة، ولو أطاع الولد لما شُفِيَ. فيض القدير (1/257).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«قال: عمل صالح يُلْهِمه» بضم أوله، أي: يُلْهِمه الله «إيَّاه»، ويستمر «حتى يقبضه عليه» أي: يميته، وهو مُتَلَبِّس به. التيسير شرح الجامع الصغير (1/64).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
إن أراد الله به خيرًا طهَّره من المادة الخبيثة قبل الموافاة، فيوافيه يوم القيامة مُطَهَّرًا، فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار، فيُطَهِّره منها بما يُوَفِّقه له من التوبة النصوح، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.
ويمسك عن الآخر التطهير، فيلقاه يوم القيامة بمادة خبيثة ومادة طيبة، وحكمته تعالى تأبى أن يجاوره أحد في داره بخبائثه، فيدخله النار طُهْرَة له، وتصفية وسَبْكًا، فإذا خلصت سَبِيْكَةُ إيمانه من الخبث صَلُحَ حينئذٍ لجواره، ومُسَاكنة الطيبين من عباده. زاد المعاد (1/ 68).
وقال الحكيم الترمذي -رحمه الله-:
فهذا عبد أدركته دولة السعادة، فأصاب حظه ومراده بعدما قطع عمره في رفض العبودية وتعطيلها، وعطَّل الحدود، وأهمل الفرائض، فلما قرب أوان شخوصه إلى الحق أدركته السعادة بذلك الحظ الذي كان سبق له، فاستنار الصدر بالنور، وانكشف الغطاء، فأدركته الخشية، وعظمت مساوئه عنده، فاستقام أمره، فعمل صالحًا قليلًا، فأُعطِيَ جزيلًا. نوادر الأصول (1/395).
وقال عبد الرحمن خليف:
والناس في ختم أعمارهم بالصالحات صنفان:
صنف يأتيه الموت وهو مُتَلَبِّس بإحدى الطاعات من غير قصد منه؛ ليلقى الموت على تلك الحال.
وصنف يرجو الله أن يختم له حياته حالَمَـا يكون قائمًا بطاعة معينة، أو عند إتمامه لها، رجاء منه أن يبعث يوم القيامة على تلك الحال، وأن يلقى ربه عليها، وقد حقَّق الله بفضله هذا الرجاء لكثير من عباده، فإنه سبحانه قال: {ويَسْتَجِيبُ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} الشورى ٢٦. مشاهد الناس عند الموت (ص: 143)

وينظر للاستفادة الرواية الأخرى من (هنا)

ومن (هنا)


ابلاغ عن خطا