«إن أَخْوَف ما أَخَاف عليكم: الشِّرك الأصغر» قالوا: وما الشِّرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرِّياء، يقول الله -عزَّ وجلَّ- لهم يوم القيامة إذا جُزِيَ الناسُ بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كُنْتُم تُراؤون في الدنيا، فانظروا هل تَجِدُون عندهم جَزَاءً؟».
رواه أحمد برقم: (23630)، ورقم: (23636)، عن محمود بن لبيد -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (1554)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (951).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الشِّرك»:
هو جعل شريك لله -سبحانه وتعالى- في ربوبيته وإلهيته، وأسمائه وصفاته، وهو أنواع. الكبائر، محمد بن عبد الوهاب (ص: 28).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والشرك: الكفر. النهاية(2/466).
وقال الفيومي-رحمه الله-:
والشرك: اسم مِنْ: أَشْرَكَ بالله، إذا كَفَرَ به. المصباح المنير(1/311).
«الرياء»:
هو إظهار العمل للناس ليروه، ويظنوا به خيرًا. المصباح المنير، للفيومي (1/246).
شرح الحديث
قوله: «إن أَخْوَف ما أَخَاف عليكم الشِّرك الأصغر»:
قال الخادمي -رحمه الله-:
قوله: «إنَّ أخوف» مبني للمفعول، كأشهر وأعذر، «ما أخاف عليكم»، عن أبي البقاء -رحمه الله- «أخوف» اسم «إنَّ»، و«ما» نكرة موصوفة، والعائد محذوف، تقديره: إنَّ أَخْوَفَ شيء أخافه.
وعن الطيبي -رحمه الله- أضاف (أفعل) إلى (ما) ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة لم يُوجد أخوف، وليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة شيئًا بعد شيء لم يُوجد أخوف. بريقة محمودية (2/169).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «أخوف ما أخاف عليكم» الخطاب للمسلمين؛ إذ المسلم هو الذي يُخاف عليه الشرك الأصغر، وليس لجميع الناس. القول المفيد شرح كتاب التوحيد (1/117).
وقال الشيخ ابن عثيمين في كيفية الجمع بين قوله -عليه الصلاة والسلام-: «والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي»، وقوله هنا: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»؟:
هو يخاطب فئة معينة، وإلا فالشرك سيقع في هذه الأمة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «لتتبِعُنَ سنن من كان قبلكم...»؛ لكن هؤلاء الْمُعَيَّنون هم الذين قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنهم. شرح كتاب الرقاق من صحيح البخاري (ص: 21).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-:
هذا من رحمته -صلى الله عليه وسلم- لأمته وشفقته عليهم، وتحذيره مما يخاف عليهم، فإنه ما من خير إلا دلَّهم عليه، وأمر به، وما من شر إلا وأخبرهم به، وحذرهم عنه...، ولما كانت النفوس مجبولة على محبة الرِّياسة والمنْزلة في قلوب الخلق إلا من سلَّم الله، كان هذا أخوف ما يخاف على الصالحين؛ لقوة الدَّاعي إلى ذلك، والمعصوم مَنْ عَصَمَهُ الله، وهذا بخلاف الدَّاعي إلى الشرك الأكبر، فإنه إما معدوم في قلوب المؤمنين الكاملين؛ ولهذا يكون الإلقاء في النار أسهل عندهم من الكفر. تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد (ص:91).
وقال الشيخ السدحان:
فإذا كان يُخاف على الصحابة -رضي الله عنهم- من هذا النوع، فكيف بمن بعدهم؟ وسُمي الأصغر؛ لأنه خفي، ولأن الناس يحتقرونه. فوائد من شرح كتاب التوحيد (ص: 16).
وقال محمد الغامدي:
وإذا كان هذا الشرك الأصغر مخوفًا على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع كمال عِلْمِهم، وقوة إيمانهم، فيكف لا يخافه وما فوقه من هو دونهم في العلم والإيمان بمراتب؟! حماية الرسول -صلى الله عليه وسلم- حمى التوحيد (ص: 366).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
«إن أخوف ما أخاف عليكم» أي: إن أخوف شيء أخاف أن تقعوا فيه، «الشرك الأصغر» أي: أن تلاحظوا غير اللَّه، وتُدْخِلوه مع اللَّه في عبادتكم. فقه الإسلام «شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام» (10/231).
قوله: «قالوا: وما الشِّرك الأصْغَر يا رسول الله؟»:
قال الخادمي -رحمه الله-:
هذا النداء إما إشارة إلى وجه السؤال والجواب؛ لأن مَن شأنه الرسالة يسأل عن مثل هذه الأمور، أو لمجرد التلذُّذ أو للاستشفاق، أو لكمال العناية على مضمون ما سُئل. بريقة محمودية (2/169).
قوله: «قال: الرِّياء»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فيه: دلالة على أنَّ التعبير بالشرك الأصغر، وقع في هذا الحديث أولًا، قال: «الرياء» أي: جنس الرياء والسمعة، من الظهور والخفاء. مرقاة المفاتيح (8/ 3342).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وحقيقة الرياء لغة: هو أن يُرِيَ غيره خلاف ما هو عليه.
وشرعًا: هو أن يفعل الطاعة أو يترك المعصية مع ملاحظة غير الله، أو يخبر بها، أو يحب الاطلاع عليها لقصدٍ دُنْيَوِيٍّ، إما مالٍ أو عَرَضٍ، وهو محرم إجماعًا.
وقد ذكره الله -سبحانه وتعالى- ونبَّه على قُبحه وتوعد مرتكبه بعقابه، كقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} الماعون:4 الآية، وقوله: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} الكهف:110، وغير ذلك.
والأحاديث الكثيرة المتعاضدة الْمُهَوِّلة لعقاب المرائي، والإجماع من الأمة على قبحه. البدرُ التمام شرح بلوغ المرام (10/268).
وقال المغربي -رحمه الله- أيضًا:
قد يطلق الرياء على أمر مباح، وهو طلبُ نحو الجاهِ بغير عبادة، كأن يقصد بزينته في لباسه الثناء عليه بالنظافة والجمال، ونحو ذلك، وكالإنفاق على الأغنياء ليُقَال: إنه سَخِيٌّ، فهذا ليس داخلًا في حقيقة الرياء المحرم. البدرُ التمام شرح بلوغ المرام (10/272).
قال الصنعاني -رحمه الله-:
...وقد ذَمَّه الله في كتابه، وجعله من صفات المنافقين في قوله: {يُرَاؤونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} النساء: 142، وقال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} الكهف: 110، وقال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} الماعون: 4، إلى قوله: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤونَ} الماعون: 6.
وورد فيه من الأحاديث الكثيرة الطيبة الدالة على عظمة عقاب المرائي، فإنه في الحقيقة عابد لغير الله، وفي الحديث القدسي: «يقول الله تعالى: من عمل عملًا أشرك فيه غيري فهو له كله، وأنا عنه بريء، وأنا أغنى الأغنياء عن الشرك». سبل السلام (2/ 662).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
واعلم أن الرياء يكون بالبدن؛ وذلك بإظهار النحول والاصفرار؛ ليُوْهِم بذلك شدة الاجتهاد والحزن على أمر الدين، وخوف الآخرة، وليدل بالنُّحُول على قلة الأكل، وبتَشَعُّثِ الشعر ودَرَنِ الثوب يُوْهِمُ أن همه بالدين ألهاه عن ذلك، وأنواع هذا واسعة، وهو معنى أنه من أهل الدين.
ويكون في القول بالوعظ في المواقف، ويذكر حكايات الصالحين؛ ليدل على عنايته بأخبار السلف، وتبَحُّرِهِ في العلم، ويتأسف على مقارفة الناس للمعاصي، والتَّأَوُّه من ذلك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بحضرة الناس، والرياء بالقول لا تنحصر أبوابه.
وقد تكون الْمُراءاة بالأصحاب والأتباع والتلاميذ، فيقال: فلان متبوع قدوة.
والرياء باب واسع إذا عرفت ذلك، فبعض أبواب الرياء أعظم من بعض لاختلافه باختلاف أركانه، وهي ثلاثة: الْمُراءى به، والْمُراءى لأجله، ونفس قصد الرياء، فقصد الرياء لا يخلو من أن يكون مجرَّدًا عن قصد الثواب، أو مصحوبًا بإرادته، والمصحوب بإرادة الثواب لا يخلو عن أن تكون إرادة الثواب أرجح، أو أضعف، أو مساوية، فكانت أربع صور:
الأولى: أن لا يكون قصد الثواب، بل فعل الصلاة مثلًا ليراه غيره، وإذا انفرد لا يفعلها، وأخرج الصدقة لئلا يقال: إنه بخيل، وهذا أغلظ أنواع الرياء وأخبثها، وهو عبادة للعباد.
الثانية: قصد الثواب، لكن قصدًا ضعيفًا، بحيث إنه لا يحمله على الفعل إلا مُراءاة العباد، ولكنه قصد الثواب، فهذا كالذي قبله.
الثالثة: تساوي القصدين، بحيث لم يبعثه على الفعل إلا مجموعهما، ولو خلا عن كل واحد منهما لم يفعله، فهذا تساوي صلاح قصده وفساده، فلعله يخرج رأسًا برأس، لا له، ولا عليه.
الرابعة: أن يكون اطلاع الناس مرجِّحًا أو مُقَوِّيًا لنشاطه، ولو لم يكن لما ترك العبادة.
قال الغزالي: والذي نظنه -والعلم عند الله-: أنه لا يحبط أصل الثواب، ولكنه ينقص، ويُعاقب على مقدار قصد الرياء، ويُثاب على مقدار قصد الثواب، وحديث: «أنا أغنى الأغنياء عن الشرك» محمول على ما إذا تساوى القصدان، أو أن قصد الرياء أرجح.
وأما الْمُراءى به، وهو الطاعات؛ فيقسم إلى الرياء بأصول العبادات، وإلى الرياء بأوصافها، وهو ثلاث درجات: الرياء بالإيمان، وهو إظهار كلمة الشهادة، وباطنه مكذب، فهو مخلد في النار في الدرك الأسفل منها، وفي هؤلاء أنزل الله تعالى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} المنافقون: 1، الآية.
وقريب منهم الباطنية الذين يظهرون الموافقة في الاعتقاد، ويبطنون خلافه، ومنهم الرافضة أهل التقية الذين يظهرون لكل فريق أنهم منهم تقية.
والرياء بالعبادات كما قدمناه، وهذا إذا كان الرياء في أصل المقصد، وأما إذا عرض الرياء بعد الفراغ من فعل العبادة لم يُؤثِّر فيه إلا إذا ظهر العمل للغير، وتحدّث به، وقد أخرج الديلمي مرفوعًا: «إن الرجل ليعمل عملًا سرًّا، فيكتبه الله عنده سِرًّا، فلا يزال به الشيطان حتى يتكلم به؛ فيُمْحَى من السر، ويكتب علانية، فإن عاد تكلم الثانية مُحي من السر والعلانية، وكتب رياء».
وأما إذا قارن باعث الرياء باعث العبادة، ثم نَدِمَ في أثناء العبادة، فأوجب البعض من العلماء الاستئناف؛ لعدم انعقادها، وقال بعضهم: يلغو جميع ما فعله إلا التحريم، وقال بعض: يصح؛ لأن النظر إلى الخواتم كما لو ابتدأ بالإخلاص وصحبه الرياء من بعده.
قال الغزالي: والقولان الآخران خارجان عن قياس الفقه، وقد أخرج الواحدي في أسباب النزول جواب جندب بن زهير لما قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «إني أعمل العمل لله، وإذا اطُّلِعَ عليه سَرَّني، فقال -صلى الله عليه وسلم-: لا شريك لله في عبادته»، وفي رواية: «إن الله لا يقبل ما شورك فيه» رواه ابن عباس، ورُوِيَ عن مجاهد أنه جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله، فيُذْكَر ذلك مني فيسُرُّني، وأُعْجَبُ به، فلم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم- له شيئًا حتى نزلت الآية، يعني: قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} الكهف: 110»؛ ففي الحديث: دلالة على أن السرور بالاطلاع على العمل رياء، ولكنه يعارضه ما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة وقال: حديث غريب قال: «قلتُ: يا رسول الله، بينما أنا في بيتي في صلاتي؛ إذ دخل عليَّ رجل، فأعجبني الحال التي رآني عليها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لك أجران»، وفي الكشاف من حديث جندب أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له: «لك أجران، أجر السر، وأجر العلانية»، وقد يرجح هذا الظاهر: قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} التوبة: 99، فدل على أن محبة الثناء من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تُنَافي الإخلاص، ولا تُعَدُّ من الرياء، ويُتَأَوَّلُ الحديث الأول بأن المراد بقوله: إذا اطُّلِعَ عليه سرني؛ لمحبته للثناء عليه، فيكون الرياء في محبته للثناء على العمل، وإن لم يخرج العمل عن كونه خالصًا، وحديث أبي هريرة ليس فيه تعرض لمحبة الثناء من المطلع عليه، وإنما هو مجرد محبة لما يصدر عنه، وعلم به غيره، ويحتمل: أن يراد بقوله: فيعجبه، أي: يعجبه شهادة الناس له بالعمل الصالح؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أنتم شهداء لله في الأرض»، وقال الغزالي: أما مجرد السرور باطلاع الناس إذا لم يبلغ أمره بحيث يُؤَثِّرُ في العمل، فبعيد أن يُفْسِد العبادة. سبل السلام (2/ 660-662).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الرياء: أن يُحْسِن الإنسان عبادته ليراه الناس، فيتقرب إليهم بذلك، وإن شئت فقل: أن يظهر الإنسان عبادته ليراه الناس فيمدحوه بذلك، سواء أظهرها على وجه حسن، أو على وجه عادِيٍّ، وسُمِّيَ رياء؛ لأن الإنسان يراعي فيه رؤية الناس.
وهل إذا كان يقول قولًا فيظهره للناس من أجل أن يمدحوه عليه، هل يدخل في هذا؟ نعم يدخل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به». فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (6/356).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
والرياء: أن يعبد الله ليراه الناس؛ فيمدحوه على كونه عابدًا، وليس يريد أن تكون العبادة للناس؛ لأنه لو أراد ذلك لكان شركًا أكبر.
والظاهر: أن هذا على سبيل التمثيل، وإلا فقد يكون رياء، وقد يكون سماعًا، أي: يقصد بعبادته أن يسمعه الناس، فيُثْنُوا عليه، فهذا داخل في الرياء، فالتعبير بالرياء من باب التعبير بالأغلب.
أما إن أراد بعبادته أن يقتدي الناس به فيها فليس هذا رياء، بل هذا من الدعوة إلى الله -عزَّ وجلّ-، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «فعلت هذا لتأْتَمُّوا بي، وتَعْلَمُوا صلاتي». القول المفيد شرح كتاب التوحيد (1/117).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
المرائي يُري الناس ما يطلب به الحظوة عندهم، وذلك أقسام:
الأول: الرياء في الدين، وهو أنواع:
أحدها: أن يكون من جهة البدن، بإظهار النُّحُول والصُّفار؛ لِيُرِيهم بذلك شدة الاجتهاد، وغلبة خوف الآخرة، وكذلك يرائي بِتَشَعُّث الشعر؛ ليُظْهِر أنه مستغرق في همِّ الدين، لا يتفرغ لتسريح شعره.
ويقرب من هذا خفض الصوت، وإغارة العينين، وذُبُول الشَّفتين؛ ليدل بذلك على أنه مواظب على الصوم...، فهذا الرياء من جهة البدن لأهل الدين.
وأما أهل الدنيا: فيُرَاؤون بإظهار السِّمن، وصفاء اللَّون، واعتدال القامة، وحسن الوجه، ونظافة البدن.
النوع الثاني: الرياء من جهة الزِّيِّ: كالإطراق حالة المشي، وإبقاء أثر السجود على الوجه، وغلظ الثياب، ولبس الصُّوف، وتَشْمِير الثياب كثيرًا، وتقصير الأكمام، وترك الثوب مُخَرَّقًا غير نظيف...
وأما أهل الدنيا: فمراءاتهم بالثياب النَّفِيَسة، والمراكب الحسنة، وأنواع التجميل في الملبس والمسكن وأثاث البيت، وهم في بيوتهم يلبسون الثياب الخَشِنَة، ويشتد عليهم أن يُرَوْا بتلك المنزلة.
النوع الثالث: الرياء بالقول، ورياء أهل الدين بالوعظ والتذكير، وحفظ الأخبار والآثار؛ لأجل المحاورة، وإظهار غزارة العلم، والدلالة على شدة العناية بأحوال السلف، وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس، وإظهار الغضب للمنكرات بين الناس، وخفض الصوت، وترقيقه بقراءة القرآن؛ ليدل بذلك على الخوف والحزن، ونحو ذلك.
وأما أهل الدنيا: فمراءاتهم بحفظ الأشعار والأمثال، والتفاصح في الكلام، ونحو ذلك.
النوع الرابع: الرياء بالعمل، كمُراءاة المُصَلِّي بطول القيام، وتطويل الركوع والسجود، وإظهار الخشوع، ونحو ذلك...
وأما أهل الدنيا: فمراءاتهم بالتبختر والاختيال، وتحريك اليدين، وتقريب الخُطَى، والأخذ بأطراف الذَّيل، وإمالة العِطْفَين؛ ليدلوا بذلك على الحشمة.
النوع الخامس: المراءاة بالأصحاب والزائرين، كالذي يتكلف أن يستزير عالمـًا أو عابدًا؛ ليقال: إن فلانًا قد زار فلانًا، وإن أهل الدين يترددون إليه. مختصر منهاج القاصدين (214-216).
وقال القسطلاني-رحمه الله-:
وليُعلم أنّ الرّياء يكون بالبَدن: كإطراقه رأَسه ليرى أَنه مُتخشّع، والهيئة: كإبقاء أَثر السجود، والثياب: كلُبسه خشنها وقصيرها جدًّا، والقول: كالوعظ وحفظ علوم الجَدل، وتحريك شفتيه بحضور الناس. وكُل واحد منها قد يراءى به باعتبار الدِّين، وباعتبار الدُّنيا وحكم الرّياء بغير العبادات حكم طالب المال والجاه.شرح صحيح البخاري(9/٢٨٧)
وقال المغربي -رحمه الله-:
والرياء ينقسم إلى أقسام، بعضها أشد من بعض.
فأقبح أقسامه ما كان في الإيمان، فإذا أرَى أنه مؤمنٌ وليس بمؤمن فهو حال المنافقين، الذين قال الله تعالى فيهم: {يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلًا} النساء:142.
ويقرب منهم: الباطنية الذين يظهرون أنهم موافقون في الاعتقاد، وهم يبطنون خلافه.
ويقرب من ذلك: من يفعل الفريضة إذا كان في الملأ، ويتركها في الخلاء؛ خوف الذم.
ويقرب من ذلك: الذي يفعل النوافل في الملأ؛ لئلا يُنتقص بعدم فعلها، ويتركها في الخلوة كسلًا، وعدم احتفال بما يُقَرِّبُه من الثواب.
ويقرب من ذلك: من يُحَسِّن فعل العبادة بالخضوع والخشوع واستكمال هيئاتها ومسنوناتها في الملأ، ويقتصر في الخلوة على فعل الواجب من ذلك؛ لئلا يُذَمّ على ذلك، وقد يُزَيِّن الشيطان لفاعل هذا بأنه إنما فعله؛ لئلا يقع الغير في عرضه، وفاته النظر الشديد بأنه كان الباعث له على الفعل هو النظر إلى الخلق؛ رجاء الثناء عليه. البدرُ التمام شرح بلوغ المرام (10/268-269).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
من فوائد الحديث: تحريم الرياء؛ لأنه من الشرك الأصغر، ولكن هل يدخل في الذنوب التي هي تحت المشيئة، أو نقول: لا بد من المجازاة عليه ما لم يَتُبْ منه؟
فيه خلاف، فمن العلماء من يقول: إنَّ قول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} النساء: 48.
يُرَادُ به: الشرك الأكبر؛ لقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِيْنَ مِنْ أَنْصَاْرٍ} المائدة:72.
وأما الشرك الأصغر: فإنه داخل في المشيئة، فتكون كل الذنوب وإن عَظُمَتْ ما عدا الكفر والشرك داخلة تحت المشيئة.
ومنهم من يقول: الشرك أعظم من الكبائر، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: لَأَنْ أحلف بالله كاذبًا أحب إِلَيَّ من أن أحلف بغيره صادقًا، مع أن الحلف بالله كاذبًا من كبائر الذنوب، فتكون سيئة الشرك سيئة قبيحة لا يمكن أن تدخل تحت المشيئة، ويؤيد هؤلاء قولهم بنفس الآية: {إِنَّ اللّهَ لَاْ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} النساء: 48.
قالوا: إن {أَنْ} هنا مصدرية، يُؤَوَّلُ ما بعدها بالمصدر، فيصير تقدير الآية: إن الله لا يغفر شركًا به، ويكون (شركًا) هنا نكرة في سياق النفي فَتَعُمّ.
وعلى كل حال: الشرك ولو كان أصغر صاحبه في خطر، يجب عليه أن يتوب منه، ومن جميع الذنوب، لكنه يتأكد في حقه؛ لأنه ليس داخلًا تحت المشيئة على رأي بعض العلماء. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (6/357-358).
وقال المغربي -رحمه الله-:
لا بد من تفصيل فيما يصحبه الرياء من الأعمال في صحته، وعدم صحته، وحاصل ذلك: أنه إذا كان الباعث على أداء العبادة هو ملاحظة غير المعبود لغرض دنيوي، فالعبادة غير صحيحة، ويجب على المرائي إعادتها.
فإذا كان الباعث مثلًا على فعل الصلاة أو غيرها هو محبة الثناء، أو غيره؛ فالصلاة باطلة؛ لأنه لم يَنْوِ العبادة للمعبود، وهذا هو الشرك الأصغر، وإنما لم يكن شركًا أكبر؛ لأنه لم يقصد بالعبادة تعظيم الْمُراءَى، وإنما قصد أن يُثْنِي عليه مثلًا.
وأما السجود لغير الله: فقد قصد به تعظيم المسجود له، وهذا هو السر في تسميته: الشرك الأصغر، وكان شبيهًا بالشرك الأكبر؛ لأن المرائي لما عَظُمَ قدر المخلوق عنده حتى حمله على الركوع والسجود لله، فكان ذلك المخلوق هو المعظم بالسجود من وجه، وهذا هو الشرك الخفي لا الجلي.
وإن كان الباعث على الطاعة هو الامتثال لأمر الله، وقصد محبة الثناء مثلًا، واجتمع الباعثان عند نية العبادة، ولم يستقل أحدهما بالانبعاث على الفعل، فكذلك لا تصح العبادة...
وإن كان كل واحد منهما مُسْتَقِلًّا، بحيث لو عدم باعث الرياء لفُعِل الفعل، فهذا مَحل النظر، ولعله يكون مثل الصلاة في الدار المغصوبة، وفيها الخلاف.
وأما إذا كان الباعث خالصًا، وورد عليه وارد الرياء، فإن كان بعد الفراغ من العمل لم يؤثر فيه، إلا إذا أظهر العمل للغير، وتحدث به...
قال الغزالي -رحمه الله- في هذا القسم: الأَقْيَسُ أن ثوابه على عمله باقٍ، ويعاقب على الرياء الذي قصده.
وأما إذا عرض عليه قصد الرياء في أثناء العبادة التي باعثها خالص، فإن تمحَّض قصدُ الرياء أفسدها، وأحبط ثوابها، وإن لم يتمحَّض، ولكن غَلَب قصد القربة، فهذا يتردَّد في إفسادها، ومال الحارث المحاسبي -رحمه الله- إلى أن العبادة تفسد.
قال الغزالي -رحمه الله-: والأظهر أن هذا القدر إذا لم يظهر أثره في العمل بحصول زيادة فيه، أنه لا يفسد العمل؛ لبقاء أصل النية الباعثة عليه، والحاملة على إتمامه.
وأما إذا كان باعث الرياء مقارنًا لباعث العبادة، ثم ندم في أثناء العبادة، فأوجب البعض الاستئناف؛ لعدم انعقادها، وقال بعضٌ: يلغو جميع ما فعله إلا التحريم.
وقال بعض: يصح؛ لأن النظر إلى الخواتم، كما لو ابتدأ بالإخلاص وصحبه الرياء من بعدُ.
قال: والقولان الأخيران خارجان عن قياس الفقه. البدرُ التمام شرح بلوغ المرام (10/269-270).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والرياء ينقسم باعتبار إبطاله للعبادة إلى قسمين:
الأول: أن يكون في أصل العبادة، أي: ما قام يتعبد إلا للرياء، فهذا عمله باطل مردود عليه؛ لحديث أبي هريرة في الصحيح مرفوعًا: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه».
الثاني: أن يكون الرياء طارئًا على العبادة، أي: أن أصل العبادة لله، لكن طرأ عليها الرياء، فهذا ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يدافعه، فهذا لا يضره، مثاله: رجل صلى ركعة، ثم جاء أناس في الركعة الثانية، فحصل في قلبه شيء؛ بأن أطال الركوع أو السجود أو تباكى، وما أشبه ذلك، فإن دافعه، فإنه لا يضره؛ لأنه قام بالجهاد.
القسم الثاني: أن يسترسل معه، فكل عمل ينشأ عن الرياء فهو باطل، كما لو أطال القيام أو الركوع أو السجود أو تباكى، فهذا كل عمله حابط، ولكن هل هذا البطلان يمتد إلى جميع العبادة أم لا؟ نقول: لا يخلو هذا من حالين:
الحالة الأولى: أن يكون آخر العبادة مبنيًا على أولها، بحيث لا يصح أولها مع فساد آخرها، فهذه كلها فاسدة.
وذلك مثل الصلاة، فالصلاة مثلًا لا يمكن أن يفسد آخرها، ولا يفسد أولها، وحينئذٍ تبطل الصلاة كلها إذا طرأ الرياء في أثنائها، ولم يدافعه.
الحالة الثانية: أن يكون أول العبادة منفصلًا عن آخرها، بحيث يصح أولها دون آخرها، فما سبق الرياء فهو صحيح، وما كان بعده فهو باطل، مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال، فتصدق بخمسين بنية خالصة، ثم تصدق بخمسين بقصد الرياء، فالأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة؛ لأن آخرها مُنْفَكٌّ عن أولها.
فإن قيل: لو حدث الرياء في أثناء الوضوء، هل يلحق بالصلاة، فيبطل كله، أو بالصدقة فيبطل ما حصل فيه الرياء فقط؟
فالجواب: يحتمل هذا وهذا، فيلحق بالصلاة؛ لأن الوضوء عبادة واحدة ينبني بعضها على بعض، ليس تطهير كل عضو عبادة مستقلة، ويلحق بالصدقة؛ لأنه ليس كالصلاة من كل وجه، ولا الصدقة من كل وجه؛ لأننا إذا قلنا: ببطلان ما حصل فيه الرياء، فأعاد تطهيره وحده لم يضر؛ لأن تكرار غسل العضو لا يبطل الوضوء، ولو كان عمدًا، بخلاف الصلاة، فإنه إذا كرر جزءًا منها كركوع أو سجود لغير سبب شرعي بطلت صلاته. القول المفيد شرح كتاب التوحيد (1/119-117).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
فإن قيل: هل الرياء حرام أم مكروه أم مباح؟
فالجواب: أن فيه تفصيلًا، وهو إما أن يكون بالعبادات أو بغيرها، فإن كان الرياء بالعبادات فهو حرام، فإن المرائي بصلاته وصدقته وحجته، ونحو ذلك عاصٍ آثم؛ لأنه يقصد بذلك غير الله تعالى المستحق للعبادة وحده، فالمرائي بذلك في سخط الله.
وأما إن كان بغير العبادات كطلب المال، فلا يحرم، من حيث إنه طلب منزلة في قلوب العباد...، وتحسين الثوب الذي يلبسه الإنسان عند الخروج إلى الناس، إنما هو ليراه الناس، وكذلك كل تَجَمُّل لأجلهم لا يقال: إنه منهي عنه. مختصر منهاج القاصدين (ص: 217).
قوله: «يقول الله -عزَّ وجلَّ- لهم يوم القيامة إذا جُزِي الناسُ بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كُنْتُم تُراؤون في الدنيا، فانظروا هل تَجِدُون عندهم جَزَاءً؟»:
قال الخادمي -رحمه الله-:
قوله: «يقول الله -عزَّ وجلَّ- يوم القيامة» للمرائين «إذا جُزي الناسُ بأعمالهم» أي: أُعطي كل أحد الجزاء في مقابلة أعماله «اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟» لأعمالكم. بريقة محمودية (2/169).
وقال السمرقَنْدي -رحمه الله-:
إنما يقال لهم ذلك؛ لأن عملهم في الدنيا كان على وجه الخِداع، فيُعامَلون في الآخرة على وجه الخِداع، وهو كما قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} النساء: 142، يعني: يجازيهم جزاء الخِداع، فيُبْطِل ثواب أعمالهم، ويقول لهم: اذهبوا إلى الذين عملتم لأجلهم، فإنه لا ثواب لأعمالكم عندي؛ لأنها لم تكن خالصة لوجه الله تعالى.
وإنما يستَوْجِب العبد الثواب إذا كان عمله خالصًا لوجه الله تعالى، فإذا كان لغيره فيه شركة، فالله بريء منه. تنبيه الغافلين (ص: 23).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
الأحاديث الواردة في كون الرياء مبطلًا للعمل موجبًا للإثم كثيرة جدًا، واردة في أنواع من الرياء، الرياء في العلم، والرياء في الجهاد، والرياء في الصدقة، والرياء في أعمال الخير على العموم، ومجموعها لا يفي به أيُّ مُصَنَّفٍ مستقل.
والرياء هو أضر المعاصي الباطنة، وأشرها، مع كونه لا فائدة فيه، إلا ذهاب أجر العمل، والعقوبة على وقوعه في الطاعة، فلم يذهب به مجرد العمل، بل لزم صاحبه، مع ذهاب عمله الإثم البالغ.
ومن كان ثمرة ريائه هذه الثمرة، وعجز عن صرف نفسه عنه، فهو من ضعف العقل، وحُمْقِ الطَّبع بمكان فوق مكان المشهورين بالحماقة. قطر الولي (ص: 441).
وقال المغربي -رحمه الله-:
الحديث فيه: دلالة على قُبح الرياء، وأنه من أعظم المعاصي المحبطة للأعمال، فإنه إذا كان أخوف الخوفات، كان أعظمها، وأخطرها.
وتسميته شركًا أصغر يدل على أنه في رُتْبَةٍ تلي الشرك الأكبر الذي هو الظلم العظيم، والوبال المهلك الوخيم. البدرُ التمام شرح بلوغ المرام (10/267).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
في هذا الحديث: شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته؛ لقوله: «أخوف ما أخاف عليكم».
وفيه: أيضًا: أنَّ السيئات تختلف؛ بعضها أشدُّ خطرًا من بعض؛ لقوله: «أخوف ما أخاف»؛ لأن «أخوف» اسم تفضيل، واسم التفضيل لا بد فيه من مُفَضَّلٍ ومُفَضَّلٍ عليه، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يخاف مِنَّا أن نعمل عملًا سيئًا، لكن يختلف خوفه، بعضه أشدُّ من بعض.
ومن فوائد الحديث: انقسام الشرك إلى قسمين: أصغر وأكبر، فهل هناك ضابط؟
نقول: الضابط: إنْ أردت ضابطًا حُكميًا، فهناك ضابط، وإن أردت ضابطًا ذاتيًا، يعني: حدًّا، فهناك أيضًا ضابط، أما الضابط الحُكمي فيقال: الشرك الأكبر ما يخرج به الإنسان من الملة، وهذا يُسمى تعريفًا بالحكم...
وأما التعريف بالحدِّ الذاتِيِّ، فيقال: الشرك الأصغر: ما كان وسيلة لأكبر غالبًا، فالرياء وسيلة للشرك الأكبر؛ لأنه يتدرج بالإنسان حتى يصل إلى عبادة الناس، هو الآن يعبد الله، لكن يُزَيِّنُ العبادة لِيَمْدَحهُ الناس عليها فيتقرب بالعبادة إلى الناس، لكنه يَجُرُّه الأمر إلى أن يعبد الناس؛ فلهذا نقول: هو شرك أصغر، ورأيت ابن القيم -رحمه الله- يعبر عن الشرك الأصغر بما يتعلق بالرياء، فيقول: يسير الرياء؛ لأن الرياء الكثير الأكبر هذا يحبط العمل، فإذا كان الإنسان يرائي في كل عبادة لم يَبْقَ عنده عبادة. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (6/357).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
فالواجب الحذر، وأن تكون العبادات لله وحده، من صلاة أو قراءة، أو صدقة، أو تسبيح، أو تهليل، أو غير هذا، يجب أن يكون لله وحده لا رياء ولا سمعة. فتاوى نور على الدرب (4/52).
وقال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-:
في الحديث: دليل على وجوب إخلاص النية لله -عزّ وجلّ-، وأن الإنسان لا يقصد مدح الناس، أو ثناء الناس، أو مطامع دنيا بأعماله الصالحة، وإنما يخلص النيّة لله -عزّ وجلّ-، يريد وجه الله، فإن عَمِل من أجل الرياء فعمله باطل. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/97).