الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إنَّ مِن أحسن النّاسِ صُوتًا بالقرآنِ، الذي إذا سمعتموه يقرأ حسِبْتُمُوه يخشى الله»


رواه ابن ماجه برقم: (1339) واللفظ له، والآجري في أخلاق أهل القرآن برقم: (83)، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1583)، صحيح سنن ابن ماجه برقم: (1339). 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يخشى»:
الخشية: الخوف. لسان العرب، لابن منظور (2/ 1169)


شرح الحديث


قوله: «إنَّ من أَحسن الناسِ صُوتًا بالقرآنِ»:
قال ابن بطال -رحمه الله-:
قال أبو عبيد: ومجمل الأحاديث التي جاءت في حُسن الصوت، إنما هو على طريق الحَزن، والتخويف، والتشويق. شرح صحيح البخاري (10 /275).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله-:
وعلى هذا المعنى: تحمل هذه الأحاديث التي ذكرناها في حسن الصوت، إنما هو طريق الحزن، والتخويف، والتشويق، يُبَيِّن ذلك حديث أبي موسى: أنَّ أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- استمعن قراءته، فأُخْبِرَ بذلك، فقال: «لو علمت لَشَوَّقت تشويقًا، أو حَبَّرْتُ تحبيرًا»؛ فهذا وجهه، لا الألحان المطرِّبَة الْمُلهية. فضائل القرآن (ص: 164).

قوله: «الذي إذا سمعتموه يقرأ حسِبْتُمُوه يخشى الله»:
قال الشيخ محمد الأمين الهَرري -رحمه الله-:
«سمعتموه يقرأ» القرآن «حسِبْتُمُوه» أي: ظننتموه «يخشى الله» تعالى؛ لقراءته بسكون وخضوع ووقار، والمراد: أنَّ المطلوب من تحسين الصوت بالقرآن: أن تُنْتِجَ قراءتُه خشيةَ الله، فمن رأيتم فيه الخشية، فقد حسَّن الصوت بالقرآن المطلوب شرعًا، فيُعدُّ من أحسن الناس صوتًا بالقرآن. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (8/ 220).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «حسِبْتُمُوه يخشى الله» أي: المطلوب من تحسين الصوت بالقرآن أن تُنْتِجَ قراءته خشية الله، فمن رأيتم فيه الخشية فقد حسَّن الصوت بالقرآن المطلوب شرعًا، فيُعدّ من أَحسن الناس صوتًا.حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 403).

وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «أحسن الناس قراءة الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله» يخافه فَيَرِقَّ قلبُه عند قراءة كتاب ربه، وكأن المراد: أحسنهم أجرًا وثوابًا، إلا أنه يأتي التصريح أن المراد: أحسنهم صوتًا. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 421).
وقال المناوي -رحمه الله- في رواية مشابهة:
«أحسن الناس قراءة» للقرآن القارئ، «الذي إذا قرأ رأيت» أي: علمت «أنه يخشى الله» أي: يخافه؛ لأن القراءة حالة تقتضي مطالعة جلال الله، وعرفان صفاته، ولذلك الحال آثار تنشأ عنها الخشية من وعيد الله، وزواجر تذكيره، وقوارع تخويفه، فمن تلبَّس بهذا الحال، وظهرت عليه هيبة الجلال، فهو أحسن الناس قراءة؛ لما دلَّ عليه حاله من عدم غفلة قلبه عن تدبر مواعظ ربه، وخشية الله سبب لولوج نور اليقين في القلب، والتلذذ بكلام الرب، ومن لم يكن كذلك فالقرآن لا يتجاوز حنجرته. فيض القدير (1/ 190).
وقال الكلاباذي -رحمه الله-:
قال: «إنَّ أحسن الناس صوتًا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى»؛ فقراءة القرآن من الخاشي زينة لصوته، فكأنه يقول: زَيِّنُوا قراءتكم بالخشية لله، وحسِّنوا أصواتكم بقراءة القرآن على خشية من قلوبكم، وروي عن النبي-صلى الله عليه وسلم- ذلك نصًا، كما ذكرناه من المعنى. بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار (ص: 59- 60).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
معنى: «حسن الصوت بِالقرآن»: أي: الصوت الذي يُحسِّنه القرآن، وقيل: معناه: الصوت الحزين؛ لما جاء: «فاقرؤوه بَحزنٍ»، وقيل: الذي يحسنه القرآن بما يظهر من صاحبه من الخشية، ومنه الحديث: «أحسنُ الناس صوتًا بالقرآن من إذا سمعته يقرأ علمت أنه يخشى الله»، وحمَلَهُ آخرون على ظاهره. إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 159).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
قال -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ أحسن الناس صوتًا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى»، ولا يخشاه حتى يعرفه، ولا يعرفه حتى يعامله، ولا يعامله حتى يقربه، ولا يقربه حتى يُعْنَىْ فيه، وينظر إليه، فعندها عرف سِرَّ الخطاب، واطَّلع على باطن الكتاب...، فالقرآن يُراد لاستجلاب هذه الأحوال إلى القلب، وللعمل به، والاهتداء بأنواره، وإلا فالمؤنة في تحريك اللسان بالحروف خفيفة؛ ولذلك قال بعض القُرَّاء: قرأتُ القرآن على شيخ فاضل، ولما ختمته عليه رجعتُ إليه لأقرأ ثانيًا، فانتهزني، وقال: جعلت القراءة عليَّ عملًا، اذهب فاقرأ على الله تعالى، فانظر ماذا يأمرك وينهاك؟ وماذا يفهمك؟ ولقد كان شغل الصحابة -رضي الله عنهم- في الأحوال والأعمال، لا في الأقوال. إتحاف السادة المتقين (4/ 554-555).
وقال المناوي -رحمه الله -:
زَيِّنُوا أصواتكم بالخشية لله حال القرآن. فيض القدير (4/ 68).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
القصد بالتّحزُّن به التَّخشُّع عند قراءته؛ لينشأ عن ذلك الخشية. فيض القدير (1/ 191).
وقال الجرجاني -رحمه الله-:
الخشية: تَأَلُّمُ القلب بسبب توقُّع مكروه في المستقبل، يكون: تارة بكثرة الجناية من العبد، وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته، وخشية الأنبياء من هذا القبيل. التعريفات (ص: 98).
وقال ابن كثير -رحمه الله-:
أحسن القراءة ما كان عن خشوع القلب، كما قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ليث، عن طاووس قال: «أحسن الناس صوتًا بالقرآن أخشاهم لله».
حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج، عن ابن طاووس، عن أبيه، وعن الحسن بن مسلم، عن طاووس قال: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أي الناس أحسن صوتًا بالقرآن؟ فقال: الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله».
وقد روي هذا متصلًا من وجه آخر، فقال ابن ماجه: حدثنا بشر بن معاذ الضرير، حدثنا عبد الله بن جعفر المديني، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ من أحسن الناس صوتًا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسِبْتُمُوه يخشى الله»، ولكن عبد الله بن جعفر هذا، وهو والد علي بن المديني، وشيخه: ضعيفان، -والله أعلم-.
والغرض أنَّ المطلوب شرعًا: إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن، وتفهُّمه، والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدَثَة المركَّبة على الأوزان والأوضاع الْمُلهية والقانون الموسيقائي، فالقرآن يُنَزَّه عن هذا، ويُجَلُّ ويعظَّمُ أن يُسْلَك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك، كما قال الإمام العلم أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله-. تفسير ابن كثير (1/ 64).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
المراد: تحسين الصوت من غير الخروج إلى الألحان الغنائية، وعدم التَّغَنِّي به. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 329-330).
وقال العيني -رحمه الله-:
قال ابن الأعرابي: كانت العرب تتغنى بالركبان إذا ركبت، وإذا جلست في الأفنية، وعلى أكثر أحوالها، فلمّا نزل القرآن أحبّ النبي -عليه السلام- أن يكون هَجِيراهم بالقرآن مكان التغني الركْبان ، وأول مَن قرأ بالألحان: عُبيدُ الله بن أبي بكرة، فورثه عنه عُبيد الله بن عمر؛ ولذلك يُقالُ: قراءة العُمري، وأخذ ذلك عنه: سعيد العلاف الإباضِي، وقال الشافعي: معناه: تحسين القراءة وترقيقها، وقال أبو عُبيد القاسم بن سلام: مَحملُ هذه الأحاديث التي ذكرناها في حُسْن الصَّوْت، إنما هو على طريق الحزن والتخويف والتشويق، فهذا وجهُه لا الألحان المطربة الْمُلْهية. شرح أبي داود (5/ 385).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قيل: التزيين بالخشية عند تلاوته، كما دلَّ له قول السائل: «مَنْ أحسن الناس صوتًا بالقرآن يا رسول الله؟ قال: من إذا سمعته رأيت أنه يخشى الله»، وقيل: لا، قلتُ فيه: بل هو حثٌّ على ترتيله ورعاية إعرابه، وتحسين الصوت به، وتنبيه على التَّحرُّز من اللَّحن والتصحيف، فإنه إذا قُرِئَ كذلك كان أوقع في القلب، وأشد تأثيرًا فيه. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 329).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فالزينة للصوت لا للقرآن...، يعني: زَيِّنُوا أصواتكم بالخشية لله حال القرآن، يرشد إلى ذلك قول السائل: «من أحسن الناس صوتًا بالقرآن يا رسول الله؟ قال: مَن إذا سمعته رأيت أنه يخشى الله».
وقيل: بل هو حثٌّ على ترتيله، ورعاية إعرابه، وتحسين الصوت به، وتنبيهٌ على التحرز من اللحن والتصحيف، فإنه إذا قرئ كذلك كان أوقع في القلب، وأشد تأثيرًا، وأرق لسامِعِه. فيض القدير (4/ 68).
وقال أبو عبدالله القرطبي -رحمه الله-:
روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أحسن الناس صوتًا من إذا قرأ رأيته يخشى الله تعالى». وروي عن زياد النميري: أنه جاء مع القراء إلى أنس بن مالك، فقيل له: اقرأ، فرفع صوته وطَرَّب، وكان رفيع الصوت، فكشف أنس عن وجهه، وكان على وجهه خرقة سوداء؛ فقال: يا هذا؟ ما هكذا كانوا يفعلون؟! وكان إذا رأى شيئًا ينكره كشف الخرقة عن وجهه.
وروي عن قيس بن عبادة أنه قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكرهون رفع الصوت عند الذكر.
وممن روي عنه كراهة رفع الصوت عند قراءة القرآن: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير والقاسم بن محمد، والحسن، وابن سيرين والنخعي وغيرهم، وكرهه مالك بن أنس وأحمد بن حنبل، كلهم كره رفع الصوت بالقرآن، والتطريب فيه...
وأجازت طائفة رفع الصوت بالقرآن، والتطريب به؛ وذلك لأنه إذا حسُن الصوت به كان أوقع في النفوس، وأسمع في القلوب، واحتجُّوا بقوله -عليه السلام-: «زَيِّنُوا القرآن بأصواتكم» رواه البراء بن عازب، أخرجه أبو داود والنسائي، وبقوله -عليه السلام-: «ليس مِنَّا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن» أخرجه مسلم، وبقول أبي موسى للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «لو أعلم أنك تستمع لقراءتي لحبرته لك تحبيرًا»، وبما رواه عبد الله بن مغفل قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته، فرَجَّع (أي: ردَّد) في قراءته.
وممن ذهب إلى هذا: أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وابن المبارك والنظر بن شميل، وهو اختيار أبي جعفر الطبري، وأبي الحسن ابن بطال، والقاضي أبي بكر ابن العربي وغيرهم. قلتُ: القول الأول أصح؛ لما ذكرناه، ويأتي. الجامع لأحكام القرآن(1/ 10-11).
وقال محمد عبد الغني المجددي -رحمه الله-:
فيه: جواز الاستدلال بظاهر الحال على مريرة البال (المريرة: عزَّة النفس وقوة العزيمة، والبال: القلب).إنجاح الحاجة شرح سنن ابن ماجه(ص: 95).


ابلاغ عن خطا