الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«أنها سألتْ رسو الله -صلى الله عليه وسلم-: أَنَتَزَاوَرُ إذا مِتْنَا ويَرى بَعْضُنَا بَعْضًا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تكونُ النَّسَمُ طيْرًا تَعْلُقُ بالشجرِ، حتى إذا كان يومُ القيامةِ دَخَلَتْ كلُّ نَفْسٍ في جسدِهَا».


رواه أحمد برقم: (27387)، والطبراني في الكبير برقم: (1072)، من حديث أُمّ هانئ الأنصارية -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (2989)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (679).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أَنَتَزَاوَرُ؟»:
أي: يزور بعضنا بعضًا. حاشية السندي على مسند أحمد (5/634).

«النَّسَمُ»:‌
بفتح ‌النون والسين: جمع نسمَة، وهي الروح أو النَّفس، مأخوذ من ‌‌النَّسَمِ وهو النَّفَس.مرقاة المفاتيح(9/٣٧٦٩).

وقال الزبيدي -رحمه الله-:
النَّسَمُ: نَفْسُ الرُّوح، كالنَّسَمَة...، وقيل: النَّسَم: جمع النَّسَمَة. تاج العروس(33/488).

«تَعْلُقُ»:
بفتح المثناة الفوقية، وسكون العين المهملة وضم اللام، أي: تأكل. التنوير شرح الجامع الصغير (3/572).


شرح الحديث


قولها: أنها سألتْ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أَنَتَزَاوَرُ إذا مِتْنَا ويرى بعضنا بعضًا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تكون النَّسَمُ طيرًا»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«تكون النَّسَمُ»...جمع نَسَمَة، وهي الرُّوح. التنوير شرح الجامع الصغير (5/91).
قال المناوي -رحمه الله-:
«تكون النَّسَمُ» بعد الموت «طيرًا» أي: على هيئة الطير، أو في حواصل الطير. فيض القدير (3/266).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«تكون النَّسَمُ» أي: الأرواح بعد الموت «طيرًا» أي: على شكل الطير أو في حواصل طير.التيسير بشرح الجامع الصغير (1/456).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
والنَّسَمَة تُطلَق على ذات الإنسان جسمًا وروحًا، وتُطلَق على الرُّوح مُفردًا، وهو المراد بها هنا...؛ لأن الجسم يفنى، ويأكله التراب. إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 307).
وقال المناوي -رحمه الله-:
تكون -النَّسَمَة- طيرًا بأنْ تتمثل بصورته، كتمثُّل المَلَك بشرًا سويًّا. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 310).
وقال السندي -رحمه الله-:
أي: الروح تتشكل وتتمثل بأمر الله تعالى طائرًا، كتمثل الملك بشرًا. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 443).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال الداودي: وقيل: تمثل أرواحهم طيرًا تسرح في الجنة، قال: وذُكر بإسناد ضعيف أنها تجعل في حواصل طير، ولا يصح في النقل ولا الاعتبار؛ لأنها إنْ كانت هي أرواح الطير، فكيف يكون في الحواصل دون سائر الجسد؟ وإن كان لها أرواح غيرها فكيف يكون لها روحان في جسد؟ وكيف تصل لهم الأرزاق التي ذكر الله تعالى؛ قال: وإنما الصحيح: أنَّ أرواحهم طائر تعلُق في شجر الجنة، أي: ترعى حتَّى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه، ويعرض عليه مقعده بالغداة والعشي. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (17/ 409).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنَّة، وأما أرواح الشهداء، ... في حَوَاصل طير خُضْر، فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين، فإنها تطير بأنفسها، فنسأل الله الكريم المنان أن يميتنا على الإيمان. مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (4/ 105).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
فقيل: المراد: هناك الشهداء، إذ هذه صفتهم؛ لقوله تعالى: {أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} آل عمران: 169، حسبما فسَّره في هذا الحديث، خصيصة بهم، وأنَّ غيرهم إنما يعرض عليه مقعده من الجنة أو النار بالغداة والعشي، كما جاء في حديث ابن عمر، وكما قال تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} غافر:46.
وقيل: بل المراد سائر المؤمنين المستوجبين لدخول الجنة دون عقاب، بدليل عموم الحديث وغير ذلك من الأحاديث.
وقيل: بل أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم. إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/307).

قوله: «تَعْلُقُ بالشَّجَرِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«تعْلُقُ» بالتأنيث والتذكير. مرقاة المفاتيح (3/1183).
قال المناوي -رحمه الله-:
«تَعْلُقُ بالشجر» أي: تأكل منه، والمراد: شجر الجنة. فيض القدير (3/266).
وقال السندي -رحمه الله-:
«تَعْلُقُ»... ومعناه: تأكل وترعى. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/443).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«تَعْلُقُ»... أي: تأكل تلك الطير بأفواهها. فيض القدير (2/422).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
ولعل الظاهر أن يقال: تَعْلُقُ من شجر الجنة، وتَعْدِيَتُهُ بالباء يفيد الاتصال والإلحاق، لعله كنَّى به عن الأكل؛ لأنها إذا اتصلت بشجرة الجنة وتشَبَّثَتْ بها أكلت من ثمارها. شرح المشكاة (4/1384).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
إذا فسَّرنا الحديث بأنَّ الروح تتشكَّل طائرًا، فالأشبه أنَّ ذلك في القُدرة على الطيران فقط لا في صورة الخِلْقَة؛ لأنَّ شكل الإنسان أفضل الأشكال. مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود (2/633).
وقال السندي -رحمه الله-:
هذا (الإشارة إلى كلام السيوطي -رحمه الله-) إذا كان الروح الإنساني له شكل في نفسه ويكون على شكل الإنسان، وأما إذا كان في نفسه لا شكل له؛ بل يكون مجردًا، وأراد الله تعالى أن يتشكل ذلك المجرد لحكمة ما؛ فلا يبعُدُ أن يتشكل أول الأمر على شكل الطائر، وأما على الثاني: فقد أورد عليه الشيخ علم الدين العراقي (هو: عبد الْكَرِيم بن عَليّ بن عمر الْأنْصَارِيّ ‌علم ‌الدّين ‌الْعِرَاقِيّ سبط الشَّيْخ أبي إسحاق الْعِرَاقِيّ الشَّافِعِي): أنه لا يخلو: إما أن يحصل للطير الحياة بتلك الأرواح أو لا، والأول عين ما تقوله التناسخية، والثاني: مجرد حبس للأرواح وتَسَجُّنٍ، وأجاب السبكي باختيار الثاني، ومنع كونه حبسًا وتَسَجُّنًا لجواز أن يُقدِّر الله تعالى في تلك الأجواف من السرور والنعيم ما لا يجدهُ في الفضاء الواسع.. حاشية السندي على سنن النسائي (4/108).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
ما قاله السبكي -رحمه الله- حسن جدًا. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (20/127).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
التضييق والانحصار لا يُتَصَوَّر في الروح، وإنما يكون في الجسد والروح إذا كانت لطيفة يتبعها الجسد في اللطافة؛ فتسير بجسدها حيث شاءت، وتتمتع بما شاءت، وتأوي إلى ما شاء الله لها، كما وقع لنبينا -عليه الصلاة والسلام- في المعراج ... ، وهذا في هذا العالم المبني على الأمر العادي غالبًا، فكيف وأمْر الروح وأحوال الآخرة كلها مبنية على خوارق العادات، وإنما رُكِّبَ للأرواح أبدان لطيفة عارية بدلًا عن أجسادهم الكثيفة مدة البرزخ؛ وسيلة لتمتع الأرواح باللذات الحسية من الأكل والشرب وغيرها؛ ليقع النعيم على الوجه الأكمل، وعلى طِبْقِ الحال الأول، وليس المراد: أنَّ أرواح المؤمنين في أجواف طير أحياء بأرواح أُخَر، حتى يلزم منه محذور عقلي، وهو كون الروحين في جسد واحد. مرقاة المفاتيح (3/1183).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وليس فيه ما ينكر، ولا بين الأمرين فرق، بل رواية «طير»، أو «أجواف طير» أصح معنى وأَبْيَنُ وجهًا، وليس بالأقْيِسَة والعقول في هذا تَحَكُّم، فكل من الْمُجَوِّزَات، فإذا أراد الله أنْ يجعل هذه الروح إذا خرجت من المؤمن والشهيد في قناديل أو أجواف طير أو حيث يشاء، كان ذلك، ولم يبْعُدْ، لا سيما مع القول: إنَّ الأرواح أجسام. إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 307).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«طائر» ظاهر أنَّ الروح يتشكَّل، ويتمثَّل بأمر الله تعالى طائرًا، كتمثُّل الملَك بشرًا.
وقيل: يحتمل: أنَّ المراد: أن الروح يدخل في بدن طائر، كما في روايات أخرى، وقد عرفتَ أن هذا في الشهداء، فالأول هو الصواب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (20/126).
وقال الحكيم الترمذي -رحمه الله-:
روي عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- كان يُحدِّث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إنما نَسَمَة المؤمن طائر يَعْلُقُ في شجر الجنة، حتى يرجعه الله تعالى يوم القيامة إلى جسده ثم يبعثه»؛ فليس هذا لأهل التخليط فيما نعلمه، إنما هو للصِّدِّيقين، وكان اسم المؤمن عندهم هكذا. نوادر الأصول (1/ 272).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وقد تَعَلَّق بهذا الحديث وأمثاله: بعض القائلين بالتناسخ وانتقال الأرواح، وتنعيمها في الصور الحسان المرفَّهة، وتعذيبها في الصور القبيحة المسخَّرة، وزعموا أنَّ هذا هو الثواب والعقاب، وهذا باطل مردود، لا يطابق ما جاءت به الشرائع من إثبات الحشر والنشر والجنة والنار. مرقاة المفاتيح (6/2465).

قوله: «حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«حتى إذا كان يوم القيامة» يعني: إذا نفخ في الصور النفخة الثانية، «دخلت كُلّ نفس في جسدها» الذي كانت فيه في الدنيا بأن يُعِيْدَ الله الأجساد كما كانت عند الموت، وتسْكُن أرواحها إليها.
قال الحكيم الترمذي -رحمه الله-:
لعل هذا -أي: كونها في جوف الطيور- في أرواح كمل المؤمنين. فيض القدير (3/ 266).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«حتى إذا كان يوم القيامة» أي: وُجِدَ وثبت، فهي (أي: كان) تامة. «دخلت كل نفسٍ في جَسدها». التنوير شرح الجامع الصغير (5/91).
وقال محمود خطاب السبكي-رحمه الله-:
(فهذا الحديث) يدل على أن أرواح المؤمنين شهداء وغير شهداء في الجنة إذا لم يحبسهم عنها كبيرة ولا دين، وبه قال أبو هريرة وابن عمر وأحمد والجمهور. إرشاد الخلق إلى دين الحق(7/244).


ابلاغ عن خطا