الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«‌لا ‌يزال ‌الدِّين ‌ظاهرًا ما عَجَّلَ الناس الفِطْرَ؛ لأن اليهود والنصارى يُؤَخِّرُون».


رواه أحمد برقم: (9810)، وأبو داود برقم: (2353)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«ظاهرًا»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: غالبًا وعاليًا، أو واضحًا ولائحًا. مرقاة المفاتيح (4/1387).


شرح الحديث


قوله: «‌لا ‌يزال ‌الدَّين ‌ظاهرًا»:
قال عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«لا يزال الدِّين ظاهرًا» ظهور الدِّين مستلزم لدوام الخير. تحفة الأحوذي (3/314).
وقال السندي -رحمه الله-:
«ظاهرًا» أي: شعائره، أو غالبًا منصورًا، وعدوه مقهورًا. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (2/638).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «لا يزال الدِّين ظاهرًا» الخ، أي: لا يزال الدين الإسلامي غالبًا على غيره من الأديان مدة تعجيل الناس فطرهم في الصيام؛ امتثالًا للسنة، ووقوفًا عند حدودها، غير مُغَالِين فيها بعقولهم، بإتيانهم بما يُغَيِّر قوانينها الثابتة عنه -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم-، فهم بخير ما داموا محافظين على هذه السُّنة، وإذا خالفوها كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (10/ 76).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-
وفُسر قوله: «ظاهرًا» بأنه: غالِب، وفُسر بأنه: قوي، وفُسر بتفسيرات متقاربة، والمقصود بذلك: كون المسلمين يتمسكون بدينهم، ويأخذون بشرائع دينهم، فهذا يدل على قوة إيمانهم، وعلى قوة يقينهم. شرح سنن أبي داود (272/9).

قوله: «ما عَجَّلَ الناس الفطر»:
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
وفي قوله: «ما» هي الشرطية، نحو قولك: افعل، إلا أن الجزاء ههنا مقدَّم على الشرط، وليس جزاء إنما هو إخبار، مستأنف الجزاء محذوف، وقد دل المذكور أولًا.
التقدير: ما عجَّل الناس الفطر لا يزالوا بخير. الشافي في شرح مسند الشافعي (3/198).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«ما» ظرفية، أي: مدة فِعْلهم ذلك امتثالًا للسُّنة، واقفين عند حدِّها، غير متنطعين بعقولهم ما يُغَيِّر قواعدها. فتح الباري (4/199).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ما» مصدرية ظرفية، مصدرية؛ لأن ما بعدها يُؤَوَّل مصدرًا، وظرفية؛ لأنه يُقَدَّر فيها مدة تَحَوُّل ما بعدها إلى مصدر: (عَجَّلُوا تعجيلًا)، هنا الظرف: مدة، فيكون التقدير: لا يزال الناس بخير مدة تعجيلهم الفطر. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 191).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
و«الفطر» المراد به: الفطر من الصيام، وأَطْلَقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- «الفطر»، أي: ما يُفْطَرُ به، فإذا عجَّلوا الفطر بأي شيء يُفْطِرُ الصائم فهم لا يزالون بخير. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 191).
وقال السندي -رحمه الله-:
«ما عَجَّل الناس» أي: مدة تعجيلهم، فـ«ما» ظرفية، والمراد: ما لم يؤخروا عن أول وقته بعد تحقق الوقت. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (2/638).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
المراد بالناس هنا: الصائمون، فهو عام أريد به الخاص، خاص من وجهين: الصائمون، المسلمون؛ لأن الكفار وإن صاموا ليس لهم صيام ولا يُقبل منهم؛ لاشتراط الإسلام في كل عبادة؛ لأن الكافرين ليسوا في خير حتى وإن صاموا وجاعوا وعطشوا. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 191).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
تعجيل الفطر بعد تَيَقُّن الغروب: مستحب باتفاق، ودليله هذا الحديث. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (2/26).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
عند تحقق غروب الشمس برؤية أو شهادة. شرح الموطأ(2/٢٣٢)
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
من السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور، والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس، ولا يجوز لأحد أن يُفطر وهو شاكٌّ هل غابت الشمس أم لا؛ لأن الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج عنه إلا بيقين، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} البقرة:187، وأول الليل مغيب الشمس كلها في الأفق عن أعين الناظرين، فمن شكَّ لزمه التمادي حتى لا يشك في مغيبها، قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أقبل الليل من ههنا –يعني: المشرق-، وأدبر النهار من ههنا –يعني: المغرب-، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»، متفق عليه. التمهيد (21/ 97).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واتفق العلماء على أن محل ذلك (أي: الإفطار) إذا تحقَّق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عَدْلَين، وكذا عَدْل واحد في الأرجح. فتح الباري (4/199).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
قال الْمُهَلَّب: والحكمة في ذلك: ألا يُزاد في النهار من الليل، ولأنه أرفق بالصائم، وأقوى له على العبادة. فتح الباري (4/199).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
والحكم في تعجيله: أنه مبادرة إلى أمر الله. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/301).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
إنما كان ذلك لأن التعجيل أحفظ للقوَّة، وأرفع للمشقة، وأوفق للسُّنة، وأبعد عن الغلو والبدعة، وليَظْهَر الفرق بين الزمانين في حكم الشرع. المفهم (3/157).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
أما تعجيل الفطر والحضِّ عليه فلأمرين:
أحدهما: منصوص عليه في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزال الدِّين ظاهرًا ما عَجَّلَ الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون»، فجعل -صلى الله عليه وسلم- العلة في التعجيل مخالفة أهل الكتاب في التأخير.
الأمر الثاني: مستنبَط، وهو أنه -صلى الله عليه وسلم- إنما حضَّ على التعجيل للفطر؛ لئلا يُزاد في النهار ساعة من الليل، فتكون زيادة في فروض الله تعالى، ولأن ذلك أرفق بالصائم، وأقوى على الصيام. العدة في شرح العمدة (2/882-883).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
فتعجيل الإفطار فيه مصلحة وهي عدم إنهاك النفس، وعدم إتعابها، وعدم المشقة عليها بطول المكث في الصيام الذي يكون عليها معه مشقة، وأيضًا فيه المخالفة لليهود والنصارى. شرح سنن أبي داود (272/9).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وفيه: دليل على الـمُتَشَيِّعة الذين يؤخرون إلى ظهور النجم، ولعل هذا هو السبب في كون الناس لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر؛ لأنهم إذا أخَّروه كانوا داخلين في فعل خلاف السُّنة، ولا يزالون بخير ما فعلوا السُّنة. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (2/26).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وما تقدم من الزيادة عند أبي داود (يعني به ما: أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما: «وتأخير أهل الكتاب له أمد؛ وهو ظهور النجم») أولى بأن يكون سبب هذا الحديث؛ فإن الشيعة لم يكونوا موجودين عند تحديثه -صلى الله عليه وسلم- بذلك. فتح الباري (4/199).
وقال العيني -رحمه الله-:
قلتُ: يحتمل أن يكون أنه -صلى الله عليه وسلم- كان عَلِم بما يصدر في المستقبل من أمر الشيعة في ذلك الوقت؛ بِإِطْلَاعِ الله -عزَّ وجلَّ- إياه. عمدة القاري (11/ 67).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
فالمراعَى نِيَّة التعجيل لا صُورة التعجيل، ردًا على من يؤخره إلى اشتباك النجوم؛ احتياطًا على الصوم، حتى لو اشتغل الرجل بأمرٍ ما عن الفطر مع اعتقاد الفطر وقد انقضى الصوم بدخول الليل لم يدخل في كراهية تأخير الفطر، وكذلك من اشتغل بأداء عبادة كالصلاة وغيرها كما فعل عمر وعثمان، فإنه لا يدخل في كراهية تأخير الفطر. المسالِك في شرح مُوطأ مالك (4/172).
وقال المازري -رحمه الله-:
ظاهره أنه -صلى الله عليه وسلم- أشار إلى أن فساد الأمور يتعلق بتغيُّر هذه السُّنة التي هي تعجيل الفطر، وأن تأخيره ومخالفة السُّنة في ذلك كالعِلْمِ على فساد الأمور. المعلم بفوائد مسلم (2/47).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وفيه: أن متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي الطريق المستقيم، من تعَوَّجَ عنها فقد ارتكب المعوج من الضلال ولو في العبادة.شرح المشكاة (5/ 1584).

قوله: «لأن اليهود والنصارى يؤخِّرون»
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لأن اليهود والنصارى يُؤَخِّرُون» أي: الفطر إلى اشتباك النجوم، وتبعهم الأرفاض (الرافضة) في زماننا. مرقاة المفاتيح (4/1387).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «لأن اليهود والنصارى يُؤَخِّرُون» في هذا التعليل دليل على أن قوام الدِّين الحنيفي على مخالفة الأعداء من أهل الكتابين، وأن في موافقتهم ثَلْمًا للدِّين، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} المائدة:51. شرح المشكاة (5/1589).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فإن اليهود» إلخ تعليل لما ذكر بأن فيه مخالفة لأعداء الله، فما دام الناس يراعون مخالفة أعداء الله تعالى ينصرهم الله ويُظْهِر دِيْنَهم. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/519).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وفي تعليله بأن «اليهود والنصارى يُؤَخِّرُون» إشارة إلى أن قوام الدِّين وغلبته في مخالفة أعدائه. لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (4/435).
وقال السهارنفوري-رحمه الله-:
قوله: «يُؤَخِّرُون» أي: الفطر إلى ظهور النجم، نقل في الحاشية عن "فتح الودود": تعليل لما ذكر بأن فيه مخالفة أعداء الله تعالى، ويظهر دينهم ما دام الناس يراعون مخالفة أعداء الله تعالى.بذل المجهود في حل سنن أبي داود(8/٤٩٤)
وقال الشيخ عبد الله العتيبي -حفظه الله-:
من علامات أهل البدع أنهم يُؤَخِّرُون الفطر حتى تشتبك النجوم، وقد روي حديث: «لا تزال أمتي بخير ما لم تُؤَخِّر الفطور حتى تشتبك النجوم»، فتأخير الصلاة والفطر حتى تشتبك النجوم من علامات أهل البدع، وقد نسبه المصنف للشيعة في تأخير الفطر، والشيعة أهلٌ لكل شَرٍّ. شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري (ص: 150).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه: الحث على تعجيله (أي الفطر) بعد تحقق غروب الشمس. شرح صحيح مسلم (7/208).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
وفيه: الحث على اتباع السُّنة وترك مخالفتها، وأن فساد الأمر بتركها. العدة في شرح العمدة (2/883).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وفي هذا: فضل تعجيل الفطر وكراهة تأخيره. الاستذكار(3/287).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يستفاد من الحديث أولًا: مشروعية الفطر؛ لأن ما رُتِّبَ الفضل على صفة من صفاته فهو كذلك مشروع؛ لتعذر الوصف دون الأصل أو دون الموصوف، فهنا رَتَّبَ الخير على تعجيل الفطر، إذًا الفطر مشروع. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 191).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
ومن فوائد الحديث: تفاضل الأعمال، ووجه ذلك: أنه رَتَّبَ هذا الجزاء على تعجيل الفطر، ولولا أنه أفضل من تأخيره ما رَتَّبَ الفضل عليه، فيؤخذ منه تفاضل الأعمال. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/192).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
ومن فوائد الحديث: محبة الله -عزَّ وجلَّ- لمبادرة عباده بإتيان رُخَصه، كيف ذلك؟ لأن الله جعلهم في خيرٍ ما عجَّلوا الفطر، فأثابهم على ذلك، وهذا يدل على محبته لهم -سبحانه وتعالى-؛ لأن الدلالة على الصفة تكون بالمطابقة أو بالتضمن وبالالتزام، فإذا كان الله يثيب على هذا فهو يحبه.فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/192).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
هل يؤخذ منه فائدة وهي: كراهة التَّنَطُّع في الدِّين؟
نعم؛ لأن تعجيل الفطر ينافي التَّنطُّع، والمتنطِّع يقول: لا أُفْطِرُ حتى يؤذن مؤذن الحي الذي أنا فيه، هذا مُتَنَطِّعٌ، بعض الجهلاء يرى الشمس غابت بعينه ولكنه لا يفطر، لماذا؟
يقول: ما أذَّن، والعبرة بغروب الشمس وليست بالأذان. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 193).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا