الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«تَعَوَّذُوا باللهِ من جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشَّقَاءِ، وسُوءِ القضاءِ، وشَمَاتةِ الأعداءِ»


رواه البخاري برقم: (6616)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«تَعَوَّذُوا»:
أي: اطلبوا من الله الإِعَاذَة. فيض القدير، للمناوي (1/ 492).
قال ابن الجوزي -رحمه الله-:
«تعوَّذوا»: بمعنى: الْجَأُوا إليه، ولُوْذُوا به. كشف المشكل (3/ 457).

«جَهْد»:
هو بالضم: الوسع والطاقة، وبالفتح: المشقة، وقيل: المبالغة والغاية. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/ 320).
الجيم والهاء والدال: أصله المشقة، ثم يحمل عليه ما يقاربه. مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 486).

«البلاء»:
الاختبار، يكون بالخير والشَرِّ. مجمل اللغة لابن فارس (ص133).

«دَرَك»:
يُروى بفتح الراء وبإسكانها. المفهم(7/ 35).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
الدَّركُ: اللَّحاقُ والوصُولُ إِلَى الشَّيْءِ. النهاية في غريب الحديث(2/ 114).
وقال ابن فارس -رحمه الله-:
الدال والراء والكاف: أصل واحد، وهو لحوق الشيء بالشيء ووصوله إليه. مقاييس اللغة(2/ 269).

«الشَّقاء»:
«الشَّقاء» و«الشقاوة»: بالفتح: ضد السعادة. مختار الصحاح، للرازي (ص167).
«الشَّقاء»: الشدة والعسر. تهذيب اللغة، للأزهري (9/ 168).
«والشَّقاء»: الهلاك. وقد يذكر ويراد به الأسباب التي تؤدي إلى الهلاك، كالنَّصَبِ وغيره. كشف المشكل، لابن الجوزي (3/ 457).

«شماتة»:
«الشماتة» فرح العدو بِبَلِيَّةٍ تَنْزِلُ بِمُعَادِيْهِ. العين للخليل بن أحمد (6/ 247).


شرح الحديث


قوله: «تَعَوَّذُوا بالله»:
العوذ: الالتجاء، كالعياذ والمَعاذ والتعوُّذ والاستعاذة. لمعات التنقيح، للذهلوي(5/ 236).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«تَعَوَّذُوا» أمر ندب «بالله» أي: لا بغيره. مرقاة المفاتيح (4/ 1703).
وقال العيني -رحمه الله-:
لا يصح التَّعَوُّذ إلا بمن قدر على إزالة ما استُعِيْذ به منه. عمدة القاري (23/ 160).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وهذه جوامع، ينبغي للمؤمن التعوُّذ بالله منها، كما تعوَّذ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما دعا بذلك -صلى الله عليه وسلم- معلمًا لأمته ما يُتَعوَّذ بالله منه، فقد كان أَمَّنَه اللهُ من كل سوء. شرح صحيح البخاري (10/ 110).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقد اختلف القراء في أن الأفضل: أعوذ بالله، أو أستعيذ بالله، والأكثر على الثاني لقوله تعالى: {‌فَإِذَا ‌قَرَأْتَ ‌الْقُرْآنَ ‌فَاسْتَعِذْ ‌بِاللَّهِ} النحل: 98، وقد وردت الأخبار والآثار بالأول أيضًا، وهذه في قراءة القرآن، وأما في الأدعية المأثورة فقد وقع بلفظ أعوذ، والمعنى واحد، ولكن الكلام في اللفظ. لمعات التنقيح (5/ 236).

قوله: «جَهْد البلاء»:
قال ابن هبيرة -رحمه الله-:
«وجَهْد البلاء» شدته، وقلَّ ما يعرض البلاء لمؤمن إلا ويُكفِّر حُوبًا الحُوبُ –بالضم-: الإثم أو يرفع درجة، فإذا اشتد خيف منه؛ فلذلك استعاذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 409).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
وتأويل «جَهْد البلاء» عند العلماء: أنها الحالة التي يُمْتَحَن بها الإنسان حتى يختار عليها الموت ويتمناه. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 575).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«من جَهْد البلاء» ... أي: مشقته إلى الغاية، وشِدَّته إلى النهاية... وقد يطلق على المشقة أيضًا، وهي المصائب التي تصيب الإنسان في دينه أو دنياه، ويعجز عن دفعها، ولا يصبر على وقوعها...، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه فسَّره بقِلَّة المال وكثرة العيال، كأنه أراد أشد أنواعه؛ ولذا ورد: «كاد الفقر أن يكون كفرًا». مرقاة المفاتيح (4/ 1703).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«من جَهْد البلاء» أي: الحالة الشاقَّة، قيل: هو حالة يختار فيها الموت على الحياة، وقيل: قِلَّة المال وكثرة العيال، والصواب: أنه أَعَمُّ. لمعات التنقيح (5/ 236).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «من جَهْد البلاء» ... ، وقد روي عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه فسَّره: بقِلَّة المال وكثرة العيال، وقيل: الحالة الشاقَّة، قيل: لا بد في تفسير ابن عمر من قيد مع عدم الصبر، ووجود الجزع والفزع؛ لئلا يُشْكِل بأكثر أحوال الأنبياء والأولياء، وكذا قوله: الحالة الشاقَّة، وإلا فأشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فتأمل. الفتوحات الربانية (7/ 198).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
استعاذ -صلى الله عليه وسلم- من جَهْد البلاء؛ لأن ذلك مع ما فيه من المشقة على صاحبه قد يحصل به التفريط في بعض أمور الدِّين، وقد يضيق صدره بحمله فلا يصبر، فيكون ذلك سببًا في الإثم. تحفة الذاكرين (ص: 446).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«جَهْد البلاء» أي: من «البلاء» الذي يبلو، «الجَهد»: أي: الطاقة، والبلاء نوعان: بلاء جسمي كالأمراض، وبلاء ذكري معنوي بأن يبتلى الإنسان بمن يتسلط عليه بلسانه، فينشر معايبه، ويخفي محاسنه، وما أشبه ذلك، هذا من «البلاء» الذي يشق على الإنسان، وربما يكون مشقة هذا على الإنسان أبلغ من مشقة جهد البدن، فيتعوذ الإنسان بالله من «جهد البلاء»، أما البلاء البدني فأمره ظاهر أمراض في الأعضاء، أوجاع في البطن، في الصدر، في الرأس، في الرقبة، في أي مكان، هذا من «البلاء» وربما يكون أيضًا من «البلاء» قسم ثالث: وهو ما يبتلي الله به العبد من المصائب العظيمة الكبيرة، فمن الناس {مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ‌اطْمَأَنَّ ‌بِهِ ‌وَإِنْ ‌أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} الحج: 11، وإذا أصابه خير وراحة وطمأنينة اطمأنَّ، وإذا أصابه فتنة دينية أو دنيوية انقلب على وجهه، تجد إيمانه مثلًا متزعزع، أدنى شبهة تَرِد عليه تصرفه عن الحق، تجده لا يصبر، أدنى بلاء يصيبه يصرفه عن الحق، فيتسخط على قضاء الله وقدره، وربما يقع في قلبه أشياء لا تليق بالله -عزَّ وجلَّ- من أجل هذا البلاء. شرح رياض الصالحين (6/ 23- 24).
وقال ياقوت الحموي -رحمه الله-:
قال أبو عثمان (أي: الجاحظ): ليس «‌جَهد ‌البلاء» مَدّ الأعناق وانتظار وقع السيف؛ لأن الوقت قصير، والحسّ مغمور، ولكن «‌جهد ‌البلاء» أن تَظْهَر الْخُلَّة (الفاقة والحاجة)، وتطول المدة، وتعجز الحيلة، ثم لا تعدم صديقًا مُؤَنِّبًا، وابن عم شامتًا، وجارًا حاسدًا، ووليًا قد تحوَّلَ عدوًّا، وزوجة مُختلِعَة، وجارية مُسْتَبِيْعة (التي سألت سيدها أن يبيعها)، وعبدًا يحقرك، وولدًا ينتهرك. معجم الأدباء (5/ 2103).
وقال ابن شمس الخلافة -رحمه الله-:
قال الأحنف (ابن قيس): ‌جَهد ‌البلاء خمسة: خادم بطيء، وحطب رطب يُوقَد منه، وبيت يَكِفُ (أي: يُقَطِّرُ فِي المطرِ)، وخِوَان (ما يُوضَع عليه الطعام عند الأكل) يُنْتَظَر، وجِلْواز (الشرطي الذي يكون بين يدي الأمير، ويأتمر بأمره) على الباب يدُقُّ. الآداب النافعة (ص: 15).

وقوله: «ودَرَك الشَّقَاءِ»:
قال ابن هبيرة -رحمه الله-:
«ودَرَك الشَّقَاءِ»: هو لحوق الشقاء. الإفصاح (6/ 409).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
الدَرَك: اسم من الإدراك، لما يلحق الإنسان من تَبِعَة، قال تعالى: {لَا ‌تَخَافُ ‌دَرَكًا ‌وَلَا ‌تَخْشَى} طه:77، وقد يُحَرَّك ويُسَكَّن. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 104).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «ودَرَك الشقاء» الدَّرك: واحد دركات جهنم، و«الشقاء» بمعنى: الشقاوة، يعني: ونعوذ بك من موضع أهل الشقاوة، وهو جهنم، أو من موضع يحصل لنا فيه شقاوة، و«الدَّرك» بمعنى: الإدراك أيضًا، وهو وجدان الشيء، وبلوغ شيء إلى شيء أو إلى مكان، فعلى هذا يكون معناه: ونعوذ بك من أن تَبْلُغَنَا الشقاوة. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 232).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
والشَّقاء -بالفتح والمد-: الشدة والعسر، وهو يتناول الدينية والدُّنيوية. الكواكب الدراري (23/ 86).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
«ودرك الشقاء» إدراكه الإنسان، وهو ما يدركه في دنياه من شدة المعيشة، ووصول الضرر من جهدها، والشقاء يمد ويقصر. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (30/ 173).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«والشقاء» -بفتح الشين- بمعنى: الشقاوة نقيض السعادة، ويجيء بمعنى: التعب كقوله تعالى: {طه * ‌مَا ‌أَنْزَلْنَا ‌عَلَيْكَ ‌الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} طه: 1 - 2، ... أو هو مصدر إما مضاف إلى المفعول أو إلى الفاعل، أي: من دَرَك الشقاء إِيَّانَا، أو من دركنا الشقاء، وقيل: المراد بالشقاء: الهلاك، ويطلق على السبب المؤدي إليه. مرقاة المفاتيح (4/ 1703).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
هو شدة المشقة في أمور الدنيا، وضيقها عليه، وحصول الضرر البالغ في بدنه أو أهله أو ماله، وقد يكون باعتبار الأمور الأخروية، وذلك بما يحصل عليه من التَّبِعَة والعقوبة بسبب ما اكتسبه من الوزر، واقترفه من الإثم.
استعاذ -صلى الله عليه وسلم- من ذلك لأنه النهاية في البلاء، والغاية في المحنة، وقد لا يصبر مَن امتحنه الله به؛ فيجمع بين التعب عاجلًا والعقوبة آجلًا. تحفة الذاكرين (ص: 446).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«دَرَك الشقاء» أي: ومن أن يدركك «الشقاء»، والشقاء: ضد السعادة، والسعادة سببها العمل الصالح، والشقاء: سببه العمل السيئ، فإذا استعذت بالله من «درك الشقاء» فهذا يتضمن الدعاء بألا تعمل عمل الأشقياء. شرح رياض الصالحين (6/ 23- 24).

قوله: «وسوء القضاء»:
قال ابن هبيرة -رحمه الله-:
«وسوء القضاء» ضد حسن القضاء، فيجوز أن يكون المراد به الجَوْر في الحُكْم، وأن يحكم الحاكم بأحكام زائغة عن الحق، فيكون على معنى قول مَن قال: والقضاء خطر، أي: والحُكْم خطر. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 409).
وقال النووي -رحمه الله-:
يدخُلُ فيها (يعني: سوء القضاء) سوء القضاء ‌في ‌الدِّين ‌والدّنيا ‌والبَدن ‌والمال والأهل وقد يكون ذلك في الخاتمة. شرح صحيح مسلم (17/ 31).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «وسُوء القضاء» عن بعضهم: هو ما يسوء الإنسان، ويوقعه في المكروه، على أن لفظ السُوء مُنصرف إلى المقضي عليه دون القضاء...شرح المشكاة (6/ 1912).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
و«سُوء القضاء» أي: المقضي؛ إذ حُكْم الله كله حَسَن. الكواكب الدراري (23/ 86).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وسُوء القضاء» أي: ما ينشأ عنه سُوء في الدين والدنيا والبدن والمال والخاتمة، فمعناه كما قال بعضهم: ما يسوء الإنسان ويوقعه في المكروه...، وقال غيره: القضاء: الحُكْم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر: الحُكْم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل. مرقاة المفاتيح (4/ 1703- 1704).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «وسُوء القضاء» هو ما يسوء الإنسان ويحزنه من الأقضية المقدرة عليه؛ وذلك أعم من أن يكون في دينه أو في دنياه، أو في نفسه أو في أهله أو في ماله، وفي الاستعاذة منه -صلى الله عليه وسلم- من ذلك: ما يدل على أنه لا يخالف الرضا بالقضاء، فإن الاستعاذة من سوء القضاء هي من قضاء الله -سبحانه وتعالى- وقدره؛ ولهذا شرعها لعباده، ومن هذا ما ورد في قنوت الوتر السابق بلفظ: «وقني شر ما قضيتَ».
والحاصل: أنها قد وردت السُّنة الصحيحة ببيان أنَّ القضاء باعتبار العباد ينقسم إلى قسمين: خير وشر، فإنه قد شرع لهم الدعاء بالوقاية من شره، والاستعاذة منه، ولا ينافي هذا ما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- في بيان معنى الإيمان لمن سأله عنه بقوله: «أنْ تُؤمِن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره» كما هو ثابت في الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- وغيرهما من طرق، فإنه يمكن أن يكون الإنسان مؤمنًا بما قضاه الله -سبحانه وتعالى- من خير وشر مستعيذًا بالله من شر القضاء؛ عملًا بمجموع الأدلة، فحديث الإيمان بالقضاء كما دل على أنه من جملة ما يصدق عليه مفهوم مطلق الإيمان؛ دل على أن القضاء منقسم إلى ما هو خير، وإلى ما هو شر، كما قال: «والقدر خيره وشره»، ثم بيَّن -صلى الله عليه وسلم- بما وقع منه من الاستعاذة من شر القضاء أن ذلك جائز للعباد، بل سنة قويمة وصراط مستقيم. تحفة الذاكرين (ص: 447).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومن «سُوء القضاء» «سُوء القضاء» يحتمل معنيين:
المعنى الأول: أن أقضي قضاءً سيئًا.
والمعنى الثاني: أن الله يقضي على الإنسان قضاء يسوؤه، و«القضاء» يعني: الحُكْم، فالإنسان ربما يحكم بالهوى، ويتعجَّل الأمور، ولا يتَأَنَّى، ويضطرب، هذا سوء قضاء، كذلك القضاء من الله، قد يقضي الله -عزَّ وجلَّ- على الإنسان قضاء يسوؤه ويحزنه، فتستعيذ بالله -عز وجل- من «سُوء القضاء». شرح رياض الصالحين (6/ 23- 24).

قوله: «وشماتة الأعداء»:
قال ابن هبيرة -رحمه الله-:
أما «شماتة الأعداء» فإن أعدى الأعداء إبليس، ولا شماتة له أعظم من دخول الإنسان النار، وأن ينصرف من بين يدي ربه، وقد يئس من رحمته، فهذا هو أفظع الشماتة، وما دون هذا من شماتة أعداء أهل الدنيا؛ فإنه صعب مؤلم، كنِكَاءِ أي: قَشْر القَرْح الجُرْح بالقَرْح، والله يعيذنا من ذلك في الدنيا والآخرة بكرمه وجوده. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 409).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
في هذا الحديث: أن الكلام المسجوع إذا لم يكن عن تكلُّف لم يكره.
فإن قيل: هل تنفع الاستعاذة مما قُضِيَ؟ فالجواب: أنها مما قُضِيَ أيضًا، فقد يُقضى على الإنسان بلاء ويسبق في القضاء أنه يدعو فيدفع عنه، فيكون في القضاء الدافع والمدفوع.
وفائدة الدعاء: التعبد به وإظهار الفاقة من العبد. كشف المشكل (3/ 458).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«وشماتة الأعداء» هي ظفرهم به، أو فرحهم بما يلحقه من الضرر والمصائب. المفهم (7/ 35).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«وشماتة الأعداء» أي: نعوذ بك من أن تلحقنا مصيبة في ديننا أو دنيانا يفرح بها أعداؤنا. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 232).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«الشماتة» هي الحزن بفرح العدو والفرح بحزنه، وإنما دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك تعليمًا لأمته، وهذه دعوة جامعة. الكواكب الدراري (23/ 86).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
«وشماتة الأعداء» فرحهم بما يدرك عدوهم من مكروه.
قيل: وهي من أصعب البلاء، ألا ترى قول هارون لأخيه -عليهما السلام-: {‌فَلَا ‌تُشْمِتْ ‌بِيَ ‌الْأَعْدَاءَ} الأعراف: 150. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (30/ 173).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: قولوا: نعوذ بك من أن تصيبنا مصيبة في ديننا أو دنيانا حيث يفرح أعداؤنا، وكذا عُلِم أن الكلمات الأربع جامعة مانعة لصرف البلاء، وأن بينها عمومًا وخصوصًا من وجه، كما في كلام البلغاء والفصحاء. مرقاة المفاتيح (4/ 1703- 1704).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والخصلة الأخيرة تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة مستقلة، فإن كل أمر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سُوء القضاء، وجهة المعاد وهو دَرَك الشقاء؛ لأن شقاء الآخرة هو الشقاء الحقيقي، وجهة المعاش وهو جَهْد البلاء، وشماتة الأعداء تقع لكل منهما. فيض القدير (3/ 257).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «وشماتة الأعداء» أي: أعداء الدين والدنيا المتعلقة بالدين، وأما إذا كان رجل مثلًا له من الدنيا ما يسرف ويبطر ويفسق ويظلم، فيشمت بزوالها الأعداء فلا استعاذة عنه. لمعات التنقيح (5/ 237).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «شماتة الأعداء» أي: فرحهم بنكبة تنزل بالمعادي، فهو استعاذة مما يوجب فرحهم. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 282).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وشماتة الأعداء» الشماتة الفرح، أي: من فرح العدو، وهو لا يفرح إلا لمصيبة تنزل لمن يكره، والتعوذ من السبب وهي: المصائب التي يفرح بها العدو؛ إلا أنه أقيم المسبب مقام السبب، ونكتة ذلك: أبانه أن شماتة العدو أهم في الاستعاذة من المصيبة، واعلم أن شماتة الأعداء من عطف الخاص على ما يَعُمُّه، فإن جهد البلاء مما يشمت به الأعداء، وسوء القضاء كذلك، ودَرَك الشقاء، فتخصيصه بعد ما يَعُمُّه من الألفاظ الثلاثة عبارة لِعِظَمِ شأنه. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 69).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
استعاذ -صلى الله عليه وسلم- من «شماتة الأعداء» لعظم موقعها، وشدة تأثيرها في الأنفس البشرية، ونفور طباع العباد عنها، وقد يتسبب عن ذلك تعاظم العداوة الْمُفْضِية إلى استحلال ما حرمه الله -سبحانه وتعالى-. تحفة الذاكرين (ص: 447).
وقال الكرماني -حمه الله-:
هذه كلمة جامعة؛ لأن المكروه إما أن يلاحظ من ‌جهة ‌المبدأ وهو «سوء القضاء» أو من جهة المعاد وهو «درك الشقاء» إذ شقاوة الآخرة هو الشقاء الحقيقي، أو من جهة المعاش؛ وذلك إما من جهة غيره وهو «شماتة الأعداء» أو من جهة نفسه وهو «جهد البلاء» -نعوذ بالله من ذلك-. الكواكب الدراري (22/ 151).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومن «شماتة الأعداء» «الأعداء» جمع عدو، وقد ذكر الفقهاء ضابطًا للعدو، فقالوا: من سره ما ساء في شخص أو غمه فرحه فهو عدوه، كل إنسان يسره ما ساءك أو يغمه فرحك فهو عدو لك، و«شماتة الأعداء» أن الأعداء يفرحون عليك، يفرحون بما أصابك، والعدو لا شك أنه يفرح في كل ما أصاب الإنسان من بلاء، ويحزن في كل ما أصابه من خير، فأنت تستعيذ بالله -عز وجل- من «شماتة الأعداء»؛ فأمرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن نتعوذ بالله من هذه الأمور الأربعة، فينبغي للإنسان أن يمتثل أمر الرسول، وأن يستعيذ بالله منها؛ لعل الله أن يستجيب له، -والله الموفق-. شرح رياض الصالحين (6/ 25).


ابلاغ عن خطا