الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

أنَّ رجلًا شكا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَسوة قلبِه، فقال له: «‌أَدْنِ اليتيم مِنك، وامسحْ برأسِهِ، وأطعمه من طعامك؛ يَلِنْ قلبُك، وَتَقْدِرْ على حاجتك»


رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق برقم: (661) واللفظ له، والبيهقي في شُعَب الإيمان برقم: (10174) مطولاً عن أبي الدرداء -رضي الله عنه-.
وبنحوه عند أحمد برقم: (7576)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (250)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (854).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«قَسْوة»:
القسوة: غِلَظُ القلب، وهي من ‌قسوة الحَجَر، قال الله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَة} البقرة: 74. مقاييس اللغة، لابن فارس (5/ 87).
وقال الأزهري -رحمه الله-:
القَسْوَة فِي القلب: ذَهاب اللِّين ‌وَالرَّحْمَة ‌والخشوع ‌مِنْهُ. تهذيب اللغة (9/ 180).

«اليتيم»:
الذي ‌مات ‌أبوه ‌حتى ‌يبلغ ‌الحُلُم..، ولا يقال لمن ماتت أُمّه: إنه يتيم، قال الزجاج: هذا في الإنسان، أما في غير الإنسان فيُتْمُه مِن قِبَل أُمِّه.تفسير الرازي (3/ 587).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الْيُتْمُ في الناس: ‌فَقْدُ ‌الصبي ‌أباه ‌قبل ‌البلوغ، وفي الدواب: فَقْدُ الأم...، وإذا بلغا (أي: الذكر والأنثى) زال عنهما اسم اليُتْمِ حقيقة، وقد يُطلقُ عليهما مجازًا بعد البلوغ، كما كانوا يسمون النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو كبير: يتيم أبي طالب؛ لأنه ربّاه بعد موت أبيه. النهاية في غريب الحديث(5/ 291-292).

«يَلِنْ»:
أي: يترطَّب ويسهل. التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي (1/ 22).
واللينُ: ضد الخشونة، يقال: لَانَ الشيء ‌يَلِيْنُ ‌لِينًا، وشيء لَيِّنٌ ولَيْنٌ مخفَّفٌ منه، والجمع: ‌أَلْيِنَاءُ. الصحاح، للجوهري (6/ 2198).


شرح الحديث


‌قوله: «أنَّ رجلًا شكا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قَوْله: «شَكَا» من شَكَوْت فلَانًا أشكوه ...: إِذا أخْبرت عَنهُ بِسوء فعله. عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 251).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
الشكوى والشكاية: الإخبار عن مكروه أصاب. لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (5/ 352).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
شكا يشكو: إذا تضرر مِن شيء وطلب إزالته عنه. شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/ 1114).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
والشكوى لا تكون إلا من علة. شرح صحيح البخاري (1/ 224).

قوله: «قسوة قلبه»:
قال المُلّا علي القاري -رحمه الله-:
«‌قَسْوَةَ ‌قلبه» أي: قَسَاوَتُه وشِدَّتُه، وقلَّة رِقَّته، وعدم أُلْفَتِهِ ورحمته. مرقاة المفاتيح (8/ 3130).

فقال له: «‌أَدْنِ اليتيم منك»:
قال السيوطي -رحمه الله-:
من غريب الحديث: «أدْنِ اليتيم»: قربه من نفسك وقلبك. جامع الأحاديث (2/ 109 بترقيم الشاملة آليا).
قال المناوي -رحمه الله-:
(في شرح رواية: «ارحم اليتيم») «ارحم اليتيم» أي: الذي مات أبوه، فانفرد عنه، والْيُتْمُ: الانفراد، ومنه: ‌الدُّرَّة ‌الْيَتِيمَة (الدّرّة المنفردة التي لا مثل لها، واليتيمة: درّة مشهورة في البيت الحرام أكبر من بيضة الحمامة، وهي من عجائب الدّنيا) للمنفردة في صفائها، والرملة اليتيمة (اليَتِيْمَةُ من الرمْلِ: المُنْقَطِعَةُ المُنْفَرِدَةُ)، ذكره في الكشاف.
وذلك بأن تَعْطِف عليه، وتحنو حُنُوًّا يقتضي التفضُّل عليه والإحسان إليه، كناية عن مزيد الشفقة والتلطُّف به. فيض القدير (1/ 108).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«ارحم اليتيم» قال العلقمي: الرحمة لغةً: رِقَّة القلب، تقتضي التفضيل، فالمعنى: تفضَّل على اليتيم بشيء من مَالِكَ. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 29).

قوله: «وامسح برأسه»:
قال المُلّا علي القاري -رحمه الله-:
لتتذكر الموت، فتغتنم الحياة؛ فإن القسوة منشؤها الغفلة. مرقاة المفاتيح (8/ 3130).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وامسح رأسه» تلطفًا وإيناسًا، أي: بالدهن؛ إصلاحًا لشعره، أو باليد؛ لما جاء في حديث آخر يُشْعِر بإرادة مسح رأسه مع ذلك باليد، وهو ما رواه أحمد والترمذي عن أبي أمامة مرفوعًا: «من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله، كان له بكل شعرة مَرَّتْ عليها يده حسنة» وإسناده كما قال ابن حجر: ضعيف.
وإطلاق الأخبار شامل لأيتام الكفار، ولم أرَ من خصَّها بالمسلم، وفي حديث... عن ‌الْحَبْرِ ابن عباس رضي الله عنهما: أن اليتيم يمسح رأسه من أعلاه إلى مقدمه، وغيره بعكسه.
قال زين الدين الحافظ العراقي: وورد في حديث ابن أبي أوفى أنه يقال عند مسح رأسه: «جبر الله يُتمَك، وجَعَلَك خَلَفًا من أبيك». فيض القدير (1/ 108).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وامسح رأس اليتيم» أي: من خلف إلى قُدَّام، عكس غير اليتيم، أي: افعل به ذلك إيناسًا وتلطفًا به؛ فإن ذلك يُلَيِّنُ القلب، ويُرضي الرب. فيض القدير (3/ 28).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«وامسح رأسه» تلطُّفًا أو إيناسًا، أو بالدهن، وسيأتي حديث: «امسح رأس اليتيم هكذا إلى مقدم رأسه» أي: من المؤخّر إلى المقدّم «ومن له أب هكذا إلى مؤخر رأسه» أي: من مقدّمه إلى مؤخّره. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 29).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وامسح رأسه» يحتمل: أنَّ المراد بالدهن، أو لطفًا به، وإظهار البِرِّ به. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 294).
وقال الشيخ عطية سالم -رحمه الله-:
وكأنَّ سائلًا يسأل فيقول: يا رب ما الذي يعيد لقلوبنا حياتها؟ وما الذي يذهب عنها قسوتها؟ فيقول: انظروا إلى ذوي الحاجات بعين العطف والرأفة والشفقة، ومُدُّوا إليهم أيديكم بالعطاء، وفي الحديث: «‌أنَّ رجلاً شكا قسوة قلبه لرسول الله فقال: امسح رأس اليتيم»، وهل المراد: مجرد مسح رأسه؟ وهل هذا المسكين حالقٌ شعرَه أو لا؟ وليس المراد: مجرد إمرار اليد على رأسه، بل الغرض من هذا: التلطُّف والرأفة والرفق به، ومؤانسته، وإذهاب البؤس عنه، وأن تشعره بأنه منك، وأنت له.
إذًا المراد بمسح رأس اليتيم: هو الإشفاق والرأفة به، وإشعاره بالحفاظ على حسه وشعوره، وتشعره بأنه فرد من أفراد المجتمع، إنْ فَقَدَ أبويه فأنت له أب، وهذا من باب العطف على الناس، والرحمة بهم. شرح الأربعين النووية (73/ 9).

قوله: «وأطعمه من طعامك»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وأطعمه ‌من ‌طعامك» أي: مما تملكه من الطعام، أو لا تؤثر نفسك عليه بنفيس الطعام وتطعمه دونه، بل أطعمه مما تأكل منه. فيض القدير (1/ 108).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وأطعمه من طعامك» أعطه منه. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 294).

قوله: «يَلِنْ قلبك»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«يَلِينَ قلبك» يترطَّب ويتسهَّل، قال الزمخشري: من المجاز: رجل لَيِّنُ الجانب، ولان لقومه، وألان لهم جناحه، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} آل عمران: 159، وهو لَيِّنُ الأعطاف الجوانب، ‌وَطِيءُ الأكناف. فيض القدير (1/ 108).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«يَلِينَ قلبك» أي: لقبول امتثال أوامر الله وزواجره. فيض القدير (3/ 28).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يلين قلبك» والمراد به: خلاف القسوة، وهو القبول عن أوامر الله، والتأني عن زواجره. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 236).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
ولين القلب مطلوب للمؤمن؛ لأنه قد استعاذ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ قلب لا يخشع؛ وذلك لقسوته، والقلوب القاسية مذمومة في القرآن. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 294).

قوله: ‌ «وَتَقْدِرْ على حاجتك» وفي رواية: «‌وَتُدْرَكَ ‌حاجتك»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وتُدْرِكْ ‌حاجتك» أي: تظفر بمطلوبك. فيض القدير (1/ 108).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«‌وَتُدْرَكَ ‌حاجتك» أي: فإنك إنْ أحسنتَ إليه، وفعلتَ ما ذُكر يحصل لك لين القلب، وتظفر بالبغية، وفيه: حثٌّ على الإحسان إلى اليتيم ومعاملته بمزيد الرعاية والتعظيم، وإكرامه لله تعالى خالصًا. فيض القدير (1/ 108).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وهذا عام في كل يتيم، سواء كان عنده أو لم يكن، وأما إذا كان عنده وهو كافله فيجب عليه أن يربيه تربية أولاده، ولا يُقصر في الشفقة عليه والتلطف به، ويؤدبه أحسن تأديب ويعلمه أحسن تعليم، ويراعي غبطته في ماله وتزويجه وتزوجه. شرح المشكاة (10/ 3187).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«وتُدْرِكْ ‌حاجتك» أي: تصل إلى ما تطلبه. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 29).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وتُدْرِكْ ‌حاجتك» تنال مطلوبك من الحوائج. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 294).


ابلاغ عن خطا