«التَمِسُوها في العَشْرِ الأَواخِرِ من رمضانَ، ليلةَ القَدْرِ، في تاسِعَةٍ تَبْقَى، في سابعةٍ تَبْقَى، في خامسةٍ تَبْقَى».
رواه البخاري برقم: (2021)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وبنحوه في مسلم برقم (1167)، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«التَمِسُوهَا»:
أي: اطلبوها. إرشاد الساري، القسطلاني(1/ 138).
قال محمد الركبي -رحمه الله-:
الالتِمَاسُ: الطَّلَبُ، والتَّلَمُّسُ: التَّطَلُّبُ مَرةً بعد أُخرى. النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (1/ 178).
شرح الحديث
قوله: «التَمِسُوهَا»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «التمسوها» الضمير المنصوب مُبْهَم، يُفسِّره قوله: «ليلةَ القدر»، كقوله تعالى: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاواتٍ} البقرة: 29، وهو غير ضمير الشأن؛ إذ مُفسِّره لا بد أنْ يكون جُمْلَةً، وهذا مفرد. إرشاد الساري (3/ 434).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «التمسوها» أي: اطلبوها. شرح أبي داود (5/ 288).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «التمسوها» أي: ليلة القدر. تحفة الأحوذي (3/ 426).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «التمسوها» أي: اطلبوها؛ إذ لو كان المراد رفع وجودها، لم يأمرهم بالْتِمَاسها. إرشاد الساري (1/ 138).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فهي باقية إلى يوم القيامة، بدليل قوله: «التمسوها». التوضيح لشرح الجامع الصحيح (3/ 166).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «التمسوها» من الالتماس، وهو الطلب. عمدة القاري (1/ 280).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «التمسوها» هو أمرٌ على جهة الإرشاد إلى وقتها، وترغيبٌ في اغتنامها؛ فإنها ليلة عظيمة، تُغفر فيها الذنوب، ويُطْلِعُ الله تعالى فيها مَن شاء من ملائكته على ما شاء من مقادير خَليقته، على ما سبق به عِلْمُه؛ ولذلك عظَّمها سبحانه بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} القدر: 2، إلى آخر السورة. المفهم(3/ 250).
قوله: «في العَشْرِ الأَوَاخِرِ من رمضانَ»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «في العشر الأواخر»... وأوَّلها ليلة الحادي والعشرين، إلى آخر ليلة التاسع والعشرين. مرعاة المفاتيح (7/ 128).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
واخْتَلَفَ الناس اختلافًا كثيرًا في ليلة القَدْرِ هل كانت مخصوصة بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو لا؟
فالجمهور: على أنها ليست مخصوصة، ثم اختلفوا: هل هي مُتنقِّلة في الأعوام أو ليست مُتنقِّلة؟ ثم الذين قالوا: إنها ليست مُتنقِّلَة اختلفوا في تعيينها، فمِنْ مُعَيِّنٍ ليلة النصف من شعبان، ومِن قائلٍ: هي ليلة النصف من رمضان، ومِن قائلٍ: هي ليلة سبع عشرة، ومِنْ قائلٍ: هي ليلة تسع عشرة، ثم ما من ليلةٍ من ليالي العشر إلا وقد قال قائل: بأنها ليلة القدر، وقيل: هي آخر ليلة منه، وقيل: هي مُعيَّنة عند الله تعالى، غير مُعيَّنة عندنا، وهذه الأقوال كلها للسَّلف والعلماء؛ وسبب اختلافهم اختلاف الأحاديث كما ترى.
قلتُ: والحاصل من مجموع الأحاديث، ومما استقر عليه أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طَلَبِها: أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها مُتنَقِّلة فيه، وبهذا يجتمع شتات الأحاديث المختلفة الواردة في تعيينها، وهو قول مالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وغيرهم على ما حكاه أبو الفضل عياض، فاعتَمِد عليه، وتَمَسَّك به. المفهم (3/ 251).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافًا كثيرًا، وتحصَّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولًا، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركَتَا في إخفاء كل منهما؛ ليقَعَ الجِدُّ في طلبهما ثم سرد الأقوال. فتح الباري (4/262- 263).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
يُستحب طلَبُها في جميع ليالي رمضان، وفي العشر الأواخر آكد، وفي ليالي الوتر منه آكد.
وقال أحمد: هي في العشر الأواخر، وفي وَتْرٍ من الليالي، لا يُخْطِئُ إن شاء الله، كذا رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. المغني (6/ 203).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأجْمَعَ مَن يُعتَدُّ به على وجودها، ودوامها إلى آخر الدهر؛ للأحاديث الصحيحة المشهورة. شرح النووي على مسلم (8/ 57).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وشذَّ قومٌ فقالوا: إنها كانت خاصة للنبي -عليه السلام- ثم رُفِعَت، واحتجوا بالحديث الذي جاء فيه: أنه أُعْلِمَهَا -عليه السلام- حتى تَلاحَى تخاصم رجلان فرُفِعَت، ومعنى هذا عندنا: أنَّه رُفِعَ عنه عِلْمُ عَينِها، كما قال في الحديث: «فأُنْسِيتُهَا».
وفيه: شؤم الخصام والتَّلاحِي، وعقوبة العامة بذنب الخاصة، وأنَّ نسيان مثلُ هذا على النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- مما لم يُؤمَر بتبليغه، ولا هو من باب البلاغ. إكمال المعلم (4/ 146).
وقال الباجي -رحمه الله-:
وقوله: «فالتمسوها في العشر الأواخر»، و«التمسوها في كل وِتْرٍ» تحديدٌ لها بما يمكنه أنْ يَحُدَّها بها، فحضَّ على قيام العشر الأواخر؛ تَحَرِّيًّا لها، ثم بيَّن أنها إنما تكون في الوتر منه؛ وبيَّن ذلك ليَتَحَرَّاهَا في الوتر مَن عَجَزَ عن قيام جميع العشر، كما بيَّنها في العشر الأواخر لمن عجز عن قيام رمضان، وحضَّ على قيام جميع رمضان لمن عجز عن قيام جميع العام. المنتقى شرح الموطأ (2/ 87).
قوله: «ليلةَ القَدْرِ»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«ليلة القَدر» بالنصب على البدل من الضمير في قوله: «التمسوها»، ويجوز رفْعُهُ خبرُ مبتدأ محذوف، أي: هي ليلةُ القدر. إرشاد الساري (3/ 434).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: وسُمِّيت ليلة القَدر لِمَا يُكتب فيها للملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السَّنة، كقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4، وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} القدر: 4، ومعناه: يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعلِ ما هو مِن وظيفتهم، وكل ذلك مما سَبَقَ عِلْمُ الله تعالى به، وتقديرُه له، وقيل: سُمِّيت ليلة القدر لِعِظَمِ قدْرِها وشَرَفِهَا. شرح النووي على مسلم (8/ 57).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
ليلة القَدر مختصَّة بهذه الأُمَّة، زادها الله شرفًا، فلم تكن لِمَنْ قَبْلَهَا، وسُمِّيت ليلة القدْر، أي: ليلة الحُكْم والفَصْل، هذا هو الصحيح المشهور، قال الماوردي وابن الصباغ وآخرون: وقيل: لِعِظَمِ قَدْرِها. المجموع شرح المهذب (6/ 447).
وقال المظهري -رحمه الله-:
سُمِّيت ليلةُ القَدْر بهذا الاسم؛ لأن معنى القَدْر: عظيمُ الشأن والمنزلة، هذه الليلةُ عظيمةُ القَدْرِ والمنزلةِ، وقيل: سُميت هذه الليلةُ بليلة القَدْرِ؛ لِمَا يجري فيها مِن قضاء الله وقَدَره أكثر مما يجري سائرَ الليالي. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 52).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
ويُحتمل: أنها سُمِّيت ليلة القدر لتقدير الله ما كان ينزل فيها من القرآن أيام حياة النبي -عليه السلام-، إلى مِثْلِهَا من العام المقبل. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 480-481).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وقيل: لِعِظَمِ قَدْرِهَا وشَرَفِهَا، أو لأن مَن أتى بقِيَامها صار ذا قَدْرٍ. شرح سنن أبي داود (6/ 614).
وقال القاضي البيضاوي -رحمه الله-:
وسُمِّيت الليلة ليلة القدر: إما لأنها ليلة تقدير الأمور؛ فإنه تعالى بيَّن فيها لملائكته ما يحدث إلى مثلها من العام القابل، كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4، وإما لِخَطَرِهَا وشرفها على سائر الليالي. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 511).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
اختلف العلماء لِمَ سُميت ليلةَ القدر؟
فقيل: المعنى: أنها ليلةُ الشرف والمنزلة والفضيلة، فسمَّاها بهذا لنزول القرآن جُمْلَةً إلى سماء الدنيا، وثباتِ خيرها ودَوَامِه، وهو معنى البركة في قوله تعالى: {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} الدخان: 3.
وقيل: لأنها ليلةُ تقديرِ الأمور وقضائِها؛ مِن قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4، وقيل: المراد بهذه الآية: ليلةُ النصف من شعبان.
ومعنى ذلك -واللَّه أعلم-: إظهارُ ما قَدَّره اللَّه تعالى في أَزَلهِ من ذلك لحَمَلةِ وَحْيِهِ، وملائكةِ سمواته، ونفوذُ أمره بذلك لهم ووَحْيِهِ، أو إظهارُ ما شاء مِن أفعاله الدالة على ذلك عندهم، وإلا فقَدَرُ اللَّه وسابقُ علمِه بالآجال والأرزاق، وقضاؤه بما كان ويكونُ لا أوَّلَ له.
وقيل: سماها ليلة القدر لأنها يتنزل فيها مِن فَضْلِ اللَّه، وخزائن مِنَنِهِ ما لا يُقْدَرُ قَدْرُه، قلتُ: وفي هذا التعليل الأخير عندي نظر.
ثم اختلفوا في سرِّ كونها خيرًا من ألف شهر، وتخصيصها بهذه المدة، فقيل: إنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذَكَرَ رجلًا من بني إسرائيل حملَ السلاحَ في سبيل اللَّه ألفَ شهر، فعَجِبَ المؤمنون من ذلك، وتقاصَرَتْ إليهم أعمالُهم، فأُعْطُوا ليلةً هي خيرٌ من مدة ذلك الغازي.
وقيل: إنَّ الرجل كان فيما مضى ما كان يقال له: عابدٌ حتى يعبد اللَّه ألفَ شهر، فأُعطوا ليلةً إن أَحْيَوها كانوا أحقَّ بأن يُسَمَّوا عابدين من أولئك العُبَّاد.
وروى مالك في مُوَطَّئِهِ أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُري أعمالَ الناس قَبْلَهُ، أو ما شاء اللَّه من ذلك، فكأنه تقاصرَ أعمارَ أُمَّتِهِ أن لا يبلغوا من العمل مثلَ الذي بلغَ غيرُهم في طول العمر، فأعطاه اللَّه ليلةَ القدر خير من ألف شهر.
قلتُ: هذا أحدُ الأحاديث الأربعة الواقعة في الموطأ المطْعُونِ فيها، على ما نَقَلَهُ ابن بزيزة في شرح الأحكام لِعَبْدِ الحقِّ -رحمهما اللَّه-، وغيرُه. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (3/ 492-494).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
عظَّم القرآن (يعني في قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} القدر: 1) من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنْ أُسند إنزاله إليه، وجَعَلَهُ مختصًّا به دون غيره.
والثاني: أنَّه جاء بضَمِيْرِهِ دون اسمه الظاهر؛ شهادة له بالنباهة، والاستغناء عن التنبيه عليه.
والثالث: الرفع مِن مقدار الوقت الذي أُنزل فيه. الكشاف (4/ 786).
قوله: «في تاسِعَةٍ تَبْقَى»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«في تاسعةٍ تبقى» بدل من قوله: «في العشر الأواخر».
وقوله: «تبقى» صفة لـ«تاسعة»، وهي ليلة إحدى وعشرين؛ لأن المحقَّق المقطوع بوجوده بعد العشرين تسعة أيام؛ لاحتمال أنْ يكون الشهر تسعةً وعشرين؛ وليوافق الأحاديث الدالة على أنها في الأوتار. إرشاد الساري (3/ 434).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«في تاسِعَةٍ تبقى» أي: في ليلةٍ يبقى بعدَها تسع ليالٍ، وهي ليلة إحدى وعشرين. فيض القدير (3/ 438).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «في تاسعةٍ» بدل من قوله: «في العشر الأواخر».
«تبقى» صفة لما قبله من العدد، أي: يُرجى بقاؤها. مرقاة المفاتيح (4/ 1437).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإنْ قلتَ: أهي ليلة الحادي والعشرين أم ليلة الثالث والعشرين؟
قلتُ: الْحَادِيَة؛ لأن المحقَّقَ المقطوع بوجوده بعد العشرين من رمضان تسعة أيام؛ لاحتمال أنْ يكون الشهر تسعًا وعشرين؛ وليوافق الأحاديث الدالة على أنها في الأوتار. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (9/ 160).
وقال الكوراني -رحمه الله- أيضًا:
قال بعض الشارحين: فإنْ قلتَ: التاسعة في «تاسعةٍ تبقى» أهي الحادية والعشرون أو الثانية والعشرون؟
قلتُ: الحادية؛ لأن تحقق الوجود من رمضان تسعة أيام؛ لاحتمال نقصان الشهر.
وهذا الذي قال لغوٌ من الكلام؛ وذلك أنَّ الليلة الثانية والعشرين غير محتملة؛ لأنه صرَّح مرارًا بأنها في الأوتار، والنقصان إنما يظهر في آخر الشهر. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/ 338).
وقال العيني -رحمه الله-:
وقال بعضهم: إنما يصح معناه ويوافق ليلة القدر وترًا من الليالي إذا كان الشهر ناقصًا، فأما إنْ كان كاملًا فإنها لا تكون إلا في شَفْعٍ، فتكون التاسعة الباقية ليلة اثنين وعشرين، والخامسة الباقية ليلة ست وعشرين، والسابعة الباقية ليلة أربع وعشرين، على ما ذكره البخاري عن ابن عباس، فلا يُصادِفُ واحدة منهن وترًا. شرح أبي داود (5/ 286).
قوله: «في سابعةٍ تَبْقَى»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «في سابعةٍ تبقى» بَدَلٌ وصِفَةٌ أيضًا، وهي ليلة ثلاث وعشرين. إرشاد الساري (3/ 434).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«في سابعةٍ تبقى» أي: ليلة تبقى بعدها سبعُ ليالٍ، وهي ليلة ثالث وعشرين. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 476).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
وهذا بناء على المحقَّق من أنَّ الشهر تسعة وعشرون، وإلا فُسِّر الأول: بليلة الثاني والعشرين، والثاني: بليلة الرابع والعشرين، والثالث: بليلة السادس والعشرين، لكن لا تُصادف واحدة منهن وترًا. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (4/ 453).
قوله: «في خامسةٍ تَبْقَى»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«في خامسةٍ تبقى» وهي ليلة خمس وعشرين، وإنما يصح معناه ويُوافِق ليلة القدر وترًا من الليالي على ما ذُكِرَ في الأحاديث إذا كان الشهر ناقصًا، فأما إذا كان كاملًا فلا يكون إلا في شَفْعٍ؛ لأن الذي يبقى بعدها ثمان، فتكون التاسعة الباقية ليلة اثنتين وعشرين، والسابعة الباقية بعد ست ليلة أربعٍ وعشرين، والخامسة الباقية بعد أربع ليلة السادس والعشرين، وهذا على طريقة العرب في التاريخ إذا جاوزوا نصف الشهر، فإنما يُؤرِّخُون بالباقي منه، لا بالماضي منه. إرشاد الساري (3/434- 435).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «وسابعةٍ تبقى، وخامسةٍ تبقى...» الظاهر: أنَّه أراد التاسعة والعشرين، والسابعة والعشرين، والخامسة والعشرين. مرقاة المفاتيح (4/ 1437).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
«في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى» الأُوْلَى هي ليلة إحدى وعشرين، والثانية هي ليلة ثلاث وعشرين، والثالثة ليلة خمس وعشرين، هكذا قال مالك.
وقال بعضهم: إنما يصح معناه ويوافق ليلة القدر وِترًا من الليالي إذا كان الشهر ناقصًا، فلا يكون إلا في شفع، فيكون السابعة الباقية ليلة أربع وعشرين على ما ذكره البخاري بعدُ عن ابن عباس، ولا تُصادِف واحدة منهن وترًا، وهذا على طريقة العرب في التاريخ إذا جاوزوا نصف الشهر، فإنما يُؤرِّخُون بالباقي منه، لا بالماضي. مصابيح الجامع (4/ 418).
وقال محمد أنور شاه الكشميري -رحمه الله-:
قوله: «في تاسعةٍ تَبْقَى...» إلخ، واعلم أنَّ الأحاديثَ في الأمر بإِحياء العشر وَرَدَتْ بنَحْوَين: إمَّا بالإِحياء بمجموعه، أو الإِحياء بأوتارِه خاصةً، ولم تَرِدْ بإِحياء الأَشْفَاع خاصةً.
ثم إنَّ التاسعة والسابعة والخامسة أَشْفَاعٌ، إنْ كان الشهر ثلاثين، وإلا فهي أوتارٌ، والأسهلُ عندي أنْ يُقَال: إنه يُبْنَى على اختلاف تعديدها، فإن عَدَدْتَهَا من الأول إلى الآخر تكون هذه أشفاعًا، وإن عَدَدْتَهَا من الآخر إلى الأول تكون أوتارًا، وهذه صورتها:
21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 9 - 8 - 7 - 6 - 5 - 4 - 3 - 2 - 1
فالثانيةُ والعشرون شفعٌ من وجهٍ، ووِتْرٌ من وجهٍ، فإنْ أَخَذْتَ الحساب من الأول، فهي شَفْعٌ، وإنْ أَخَذْتَهُ من الآخر، فهي وِتْرٌ، فإنها التاسعةُ، كما ترى فيما صوَّرْنَاهُ، وقِسْ عليها الباقيةَ، فإن ليلة الثلاثين شَفْعٌ على الحساب المعروف، ووِتْرٌ على غير المعروف، وهذا وإن لم يَقْرَعْ سمعَكَ، لكنه يُحْتَمَلُ أن يكونَ مرادًا، فإنه كما وَرَدَ الإِبهامُ في أيامها، كذلك يُمْكِنُ أن يكونَ وَرَدَ في حسابها أيضًا، فهو إبهامٌ في إبهامٍ، وعلى هذا تبيَّن الجوابُ عمّا ذَكَرَهُ البخاريُّ عن ابن عباس: «الْتَمسُوها في أربعٍ وعشرين»؛ فإنها سابعةٌ، وهي وِتْرٌ إن أُخِذَتْ في الحساب من الآخر، وللحافظ ههنا كلامٌ غير واضحٍ، والأسهلُ ما قُلْنَا. فيض الباري على صحيح البخاري (3/ 379).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «في تاسعةٍ تبقى...» إلخ، الذي يظهر في توجيهه: أنْ يكون المراد: التاسعة والعشرين، والسابعة والعشرين، والخامسة والعشرين، كما ذُكِرَ في الرواية الأخرى، من حديث عبادة بن الصامت في الفصل الثالث، فيكون الترديد بين الأوتار الثلاثة من أوتار العشر الأخير.
أو يكون المراد من التاسعة والسابعة والخامسة: التسعة والسبعة والخمسة كما في حديث أبي بكرة في الفصل الثاني، فيكون الترديد بين الأوتار التي وقعت في تسعة أيام باقية من العشر الأخير، وهي أربع ليال، والأوتار التي وقعت في سبعة أيام، وهي ثلاث ليال، والأوتار التي في خمسة أيام، وهي ليلتان، واللَّه أعلم.
وقد يقال: «تاسعةٍ تبقى» الليلة الثانية والعشرون؛ فإنها تاسعة، والرابعة والعشرون سابعة منها، والسادسة والعشرون خامسة منها، وهذا له وجه إنْ كان ذهب أحدٌ إلى أنَّ هذه الليالي ليلة القدر، نعم قد نُقِلَ في فتح الباري قولٌ شاذٌّ في أربعة وعشرين، والله أعلم. لمعات التنقيح (4/ 505).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
والمعنى: اطْلُبُوها وتحرُّوها في ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان، كلَيْلَةِ الحادي والعشرين، وليلة الثالث والعشرين، وليلة الخامس والعشرين، ويُقاس عليها ليلة السابع والعشرين، وليلة التاسع والعشرين؛ لأنها أوتار. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (3/ 245).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وهذا دالٌّ على الانتقال -كما اخترناه- من وترٍ إلى شفع، وعكسه؛ لأنه -عليه السلام- لم يأمر أُمَّتَهُ بالتماسها في شهر كامل دون ناقص، بل أطْلَقَ طَلَبَهَا في جميعه التي قدَّر بها الله تعالى على التمام مرة، وعكسه، فثبت انتقالها في العشر الأواخر، قيل: وإنما خاطَبَهم بالبعض: لأنه ليس على تمام الشهر على يقين. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (13/601- 602).
وقال المازري -رحمه الله-:
قال أبو سعيدٍ (الخدري): إذا مَضَتْ واحدة وعشرون فالتي تليها اثنَتَان وعشرون، وهي التاسعة، وإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة.
جعَلَ أبو سعيد في ظاهر تأْوِيله التاسعةَ ليلة اثنتين وعشرين، والسابعةَ ليلة أربعٍ وعشرين، وهذا على تمام الشهر، وتأوَّل غيره الحديث على أن التاسعةَ ليلة أَحَدٍ وعشرين، والسابعة ليلة ثلاث وعشرين، قال بعضهم: وهذا إنما يصح على أنَّ الشهر ناقص، وقيل: إنما يصح أنْ يكون المراد لسبع بَقِينَ سواها، وقد رُوي في بعض الأحاديث: «في تاسعةٍ تبقى، وسابعةٍ تبقى، وخامسةٍ تبقى»، وهذا يتضح تأويله على نقصان الشهر إذا كان المطلوب الوِتْرَ، والأحاديث مختلفة، وقد قيل: إنها تختلف باختلاف الأعوام. المعلم بفوائد مسلم (2/65- 66).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)