«أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان لا يُصَلِّي المغرب حتَّى يُفْطِرَ، ولو على شَرْبَةٍ من ماءٍ».
رواه ابن خزيمة برقم: (2063)، والحاكم برقم: (1577)، وابن حبان برقم: (3505)، وأبو يعلى الموصلي برقم: (3792)، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4858)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1076).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كانَ لا يُصَلِّي المغربَ حتَّى يُفْطِرَ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «كان لا يصلي المغرب» وهو صائم «حتى يفطر». التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 500).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
فهو سُنَّته وهَدْيُه: تقديم الإفطار على المغرب، والرُّطَب على التمر والماء. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 606).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
الصَّائم يُفْطِرُ عَقِبَ الغروب قبل صلاة المغرب، ويدل على ذلك ما رواه أبو يعلى والبزار عن أنس بن مالك قال: «ما رأيتُ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قطُّ صلى المغرب حتى يُفْطِرَ، ولو على شيء يسير من ماء»، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.
فهذا الحديث يدل على فِطْرِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الصَّلاة، والحديث الذي ذكرهُ المصنف -رحمه الله- يدل على أنَّ الصحابة كانوا يُفْطِرُون عَقِب الغرُوب، يعني: قبل الصَّلاة. شرح سنن أبي داود (3/ 101).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وفيه: إشارة إلى كمال المبالغة في استحباب تعجيل الفطر، وأما ما صح أنَّ عمر وعثمان -رضي الله عنهما- كانا برمضان يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود، ثم يفطران بعد الصلاة، فهو لبيان جواز التأخير؛ لئلا يُظَنَّ وجوب التعجيل.
ويمكن أنْ يكون وجْهُهُ: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يُفْطِرُ في بيته، ثم يخرج إلى صلاة المغرب، وأنهما كانا في المسجد، ولم يكن عندهما تمر ولا ماء، أو كانا غير مُعْتَكِفَيْنِ، ورأَيَا الأكل والشرب لغير المعتكف مَكْرُوهَيْنِ، لكنَّ إطلاق الأحاديث ظاهر في استثناء حال الإفطار، والله أعلم. مرقاة المفاتيح (4/ 1385).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وروى عبد الرزاق عن ابن جُرَيْجٍ قال: سمعتُ عروة بن عياض يُخْبِرُ عبد العزيز بن عبد الله: أنَّه يُؤْمَرُ أنْ يفطر قبل أنْ يصلي ولو على حَسْوَة.
وروى أيضًا عبد الرزاق عن صاحبٍ له عن عوف عن أبي رجاء قال: كنتُ أَشْهَدُ ابنَ عباس عند الفطر في رمضان، فكان يُوضَعُ له طعامه، ثم يَأْمُرُ مُراقبًا يُراقِب الشمس، فإذا قال: قد وَجَبَتْ، قال: كُلُوا، ثم قال: كنَّا نُفْطِرُ قبل الصلاة.
وليس ما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن: «أنَّ عمر وعثمان كانا يُصَلِّيان المغرب حين يَنظران إلى الليل الأسود قبل أن يُفْطِرا، ويُفْطِران بعد الصلاة» بمخالِفٍ لما رُوي من تعجيل الفطر؛ لأنهما إنما كانا يراعيان أمر الصلاة، وكانا يُعَجِّلان الفطر بعدها، من غير كَثْرَةِ تَنَفُّل؛ لما جاء مِن تعجيل الفطر، ذكره الداودي. شرح صحيح البخاري (4/104- 105).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وكان -صلى الله عليه وسلم- يُفْطِرُ قبل أنْ يصلي، وكان فِطْرُهُ على رُطَبَات إنْ وَجَدها، فإنْ لم يجدها فعلى تمرات، فإنْ لم يجد فعلى حَسَوات من ماء. زاد المعاد (2/ 48).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الذي في الهدي النبوي(أي في زاد المعاد): «أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان يُفْطِرُ قبل أنْ يصلي» لم يَذْكُرْ أي: ابن القيم عنه غير ذلك.
وكأنَّه ما عرف هذان الصحابيان ذلك مِن فِعْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّه إذا دخل الليل كان وقتًا لتعجيل الإفطار، وإلا لم تصح الصلاة. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 292).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وأما ما صح أنَّ عمر وعثمان -رضي الله عنهما- كانا برمضان يُصَلِّيَانِ المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود، ثم يُفْطِران بعد الصلاة، فهو لبيان جواز التأخير؛ لئلا يُظَنَّ وجوب التعجيل. مرعاة المفاتيح (6/ 472).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
روي عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أنَّ عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يُفْطِرَا، ثم يُفْطِرَا بعد الصلاة؛ وذلك في رمضان.
ورواية مَعْمَرٍ لهذا الحديث عن ابن شهاب بخلاف هذا اللفظ، ذكر عبد الرزاق عن مَعْمَرٍ عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنَّ عمر وعثمان كانا يصليان المغرب في رمضان قبل أنْ يفطرا.
وقد روي عن ابن عباس وطائفة أنهم كانوا يُفْطِرون قبل الصلاة.
وروى الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن ابن المسيب قال: كتب عمر إلى أمراء الأجناد: ألا تكونوا مُسْرِفِين بِفِطْرِكُم، ولا منتظرين بصلاتكم اشتباك النجوم.
وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال الدِّين ظاهرًا ما عَجَّلَ الناس الفطر؛ لأنَّ اليهود يُؤخِّرون».
وأجمع العلماء على أنَّه إذا حلَّت صلاة المغرب فقد حلَّ الفطر للصائم فرضًا وتطوعًا، وأجمعوا أنَّ صلاة المغرب من صلاة الليل، والله -عز وجل- يقول: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} البقرة: 187. الاستذكار (3/ 287-288).
وقال الباجي -رحمه الله-:
فكان عمر وعثمان إذا رأيا سواد الليل في أُفُقِ المشرق تَيَقَّنَا غروب الشمس في أُفُقِ المغرب يشرعان في صلاة المغرب؛ لأنه لا خلاف أن تعجيلها مشروع، فكانا يبدآن بالعبادة، فإذا فرغا من الصلاة أفطرا، وليس هذا بتأخير للفطر؛ لأن التأخير إنما كُرِهَ ممن أخَّره إلى اشتباك النجوم، على وجه المبالغة، ولم يُؤخِّر للمبادرة إلى عبادة. المنتقى شرح الموطأ (2/ 42).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وفي التعجيل (للإفطار) ردٌّ على الشيعة الذين يُؤخِّرون إلى ظهور النجوم. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (13/ 400).
وقال الشيخ عبد الرحمن السحيم -رحمه الله-:
مِن فقه الرجل: المبادرة إلى الإفطار ولو بشيء يسير قبل صلاة المغرب، وعدم تأخير الإفطار احتياطًا. إتحاف الكرام بشرح عمد الأحكام (42/ 1).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
يُستَحَبُّ للصائم أنْ يُفْطِرَ قبل أنْ يصلي، روى الطبراني عن أنس «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان صائمًا لم يصلِّ حتى يأتيه برُطَبٍ وماءٍ، فيأكل ويشرب، وإذا لم يكن رُطَب لم يصلِّ حتى يأتيه بتمر وماء»، وقال: تفرَّد به سليمان بن عبد الرحمن عن يحيى. شرح سنن أبي داود (10/356- 357).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
هل يُفْطِرُ قبل أنْ يصلي المغرب أو بعدها؟
الجواب: قبل الصلاة؛ لأنه لو أَخَّر إلى ما بعد الصلاة كان مُؤخِّرًا للفطر. الشرح المختصر على بلوغ المرام (الطهارة والصلاة والصوم) (7/ 16).
وقال الشيخ العبَّاد -حفظه الله-:
وكان ذلك قبل أنْ يصلي، يعني: أنَّه لا يُؤخِّر الإفطار إلى بعد الصلاة؛ لأن هذا فيه موافقة لليهود والنصارى، وإنما عليه أنْ يُبادِرَ بالإفطار بعد تحقُّق الغروب. شرح سنن أبي داود (ص: 2).
قوله: «ولو على شَرْبَةٍ من ماءٍ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«ولو على شَرْبَةٍ من الماء» إنْ لم يجد غيرها، فقد كان يُفْطِرُ بتمرات، فإنْ لم يجد فبالماء، فالسُّنة المسارعة إلى الإفطار عند تحقُّق الغروب. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 500).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«على شَرْبَةٍ من ماء» فيه: أنَّ الإفطار يَصْدُقُ بأَحْقَر شيء، كالتسحُّر. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 40).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ويجب على مَن وجد التمر أنْ يفطر عليه، فإنْ لم يجد فعلى الماء، وإلا فهو عاصٍ لله تعالى إنْ قامت عليه الحجة فعانَدَ، ولا يَبْطُل صومه بذلك؛ لأن صومه قد تم، وصار في غير صيام. المحلى بالآثار (4/ 455).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
ويجب أنْ يُفْطِرَ على تمر، فإنْ لم يجد فعلى ماء. الإقناع (1/ 200).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
ولعل مراده (أي: ابن المنذر) تأكيده، نعم ذهب إليه ابن حزم، على مقتضى الحديث، قال: فإنْ لم يفعل فهو عاصٍ، ولا يَبْطُلُ صومه بذلك.
والحكمة فيه: ما في التمر من البركة، والماء أفضل المشروبات، وقيل غير ذلك. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (13/ 397).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قال بعض المتأخرين: هذا مذهب ابن حزم، وأخشى أنْ يكون تصحَّف قول ابن المنذر -ويحب بالحاء- من الناقل، انتهى، ولا حاجة إلى حمله بالتصحيف، إذا حُمِلَ الأمر على الوجوب فيما صح وثبت. شرح سنن أبي داود (10/ 354).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وكان يَحُضُّ على الفِطْرِ بالتمر، فإنْ لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شَفَقَتِهِ على أُمَّتِهِ، ونُصْحِهِم، فإنَّ إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خُلُوِّ المعدة أدْعَى إلى قبوله، وانتفاع القُوَى به، ولا سيما القوة الباصِرة، فإنها تقوى به، وحلاوة المدينة: التمر، ومُرَبَّاهم عليه، وهو عندهم قوتٌ وأُدْمٌ، ورُطَبُهُ فاكهة.
وأما الماء فإنَّ الكبد يحصل لها بالصوم نوعُ يُبْسٍ، فإذا رطبَتْ بالماء كَمُلَ انتفاعُها بالغذاء بعدَه؛ ولهذا كان الأَوْلَى بالظمآن الجائع أنْ يبدأ قبل الأكل بِشُرْبِ قليلٍ من الماء، ثم يأكل بعده.
هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب. زاد المعاد (2/ 48).
وينظر للاستفادة الرواية الأخرى من (هنا)