الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء ‌بِخبزٍ ‌وزيتٍ، فأَكَلَ، ثم قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: أفطرَ عندكم الصائمونَ، وأَكل طعامَكم الأبرارُ، وصلَّتْ عليكم الملائكةُ».


رواه أحمد برقم: (12406)، وأبو داود برقم: (3854) واللفظ له، والنسائي في الكبرى برقم: (6874)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.
ورواه ابن ماجه برقم: (1747)، من حديث عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-.
ورواه أحمد برقم: (12177)، والنسائي في الكبرى برقم: (6874)، بلفظ: «...وتنزَّلَت عليكم الملائكة»، بدلًا مِن «وصلت عليكم الملائكة»، من حديث أنس -رضي الله عنه-.

صحيح الجامع برقم: (1137 ، 4677)، صحيح سنن ابن ماجه برقم: (1747)، سلسلة الأحاديث الصحيحة: (3/٥٠٣).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«وصَلَّتْ»:
أي: استَغْفَرَتْ لكم. فيض القدير (2/ 54).


شرح الحديث


قوله: «جاء بِخبز وزيت، فأكل»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«فجاء بخبزٍ وزيتٍ» فيه: إحضار ما سهل، وأنَّه لا ينافي الجُود، فقد جاء أنَّ سعدًا كأبيه مِن أجْوَاد العرب.
«فأكل» أي: النبي -صلى الله عليه وسلم-. دليل الفالحين (7/ 68).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فجاء بخبزٍ وزيتٍ» الظاهر: أنَّه من أُدْمِ البيت، وهذا هو الأولى أنْ يُقدَّم للزائر ما حضر من أُدْمِ البيت، ولا يذهب إلى السوق ليشتري شيئًا فيطول انتظار الزائر، ويَشُقُّ عليه تكلُّفه وذهابه إلى السوق، أو أحَدٌ من جهته، «فَأَكَلَ» منه. شرح سنن أبي داود (15/ 534-535).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
أخرجه كذلك أبو داود عن مخلد بن خالد الشعيري عن عبد الرزاق ووقع في روايته: «فجاء بخبزٍ وزيتٍ»، قال الحافظ: وما أظنُّ الزيت إلّا تصحيفًا عن الزبيب. الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (4/ 343).

قوله: «ثم قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: أفطرَ عندكم الصَّائمونَ»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-» أي: بعد تمام الأكل: «أفطر عندكم الصائمون» أي: أثابكم الله إثابةَ مَن فَطَّرَ صائمًا، فهي خَبَرية لفظًا، دُعَائِيَّة معنىً. دليل الفالحين (7/ 68).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-» بعد فراغه من الأكل، وإنْ لم يسأله صاحب الطعام الدعاء، بل دعا له؛ لما ذُكِرَ في الحديث قبله: «أَثِيْبُوا أخاكم»، «أَفْطَرَ عندكم» فيه: أنَّ مَن حضر عند صاحب الطعام لا يَفْطُرُ من الصيام إلا مِن طعامه أو شرابه، ولقد كان بعضهم إذا دَعاهُ أحد لِيَفْطُرَ عنده يَحْتَرِصُ ألا يفطر إلا على طعامه، وإنْ دخل عليه وقت الإفطار قبل أنْ يأتي إليه، وتيسر له أَكل شيء فلا يفطر إلا عند من دعاه؛ ليَحُوزَ صاحبُ الطعام أجر مَن فطَّر صائمًا فله مثل أَجرهِ.
«الصائمون» يدل على أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان صائمًا، فأَفْطَر عنده، وقد صرَّح بذلك ابن ماجه فيما تقدَّم: «أفْطَرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند سعد».
وفيه: أنَّ الْمَزُوْرَ لا يَتَكلَّف لِزَائِرِهِ، وإنْ كان كبيرًا، فهذا سيد الخزرج زارَهُ سيد الأولين والآخرين، فأحضر له الخبز والزيت، ولو أُحْضِرَ هذا لآحاد الناس في هذا الزمان لاحْتَقَرَهُ الزائر والْمَزُوْرَ.
وفيه: أنَّ إظهار الصيام لفائدة ليس هو من الرياء، بل ليُدْخِلَ على قلبه السرور؛ بأنه يُكْتَبُ له مثل أجر صيام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. شرح سنن أبي داود (15/ 535).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وقوله: «أفْطَرَ عندكم الصائمون» دعا له بأنْ يفطر عنده الصائمون؛ لأن مَن فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، وإلا فإنَّه -صلى الله عليه وسلم- أَكَل ذلك الطعام وهو مُفْطِرٌ.
ففيه: أنَّه يقول المفطِر لِمَن أَطْعَمَهُ، ويقوله الصائم لمن فَطَّرَه. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 258).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أفطر عندكم الصائمون» خبر بمعنى الدعاء بالخير والبركة؛ لأن أفعال الصائمين تدل على اتساع الحال، وكثرة الخير؛ إذ مَن عَجَزَ عن نفسه فهو عن غيره أعْجَز. فيض القدير (5/ 107).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أفطر عندكم الصائمون...» هذا كان يقوله -صلى الله عليه وسلم- لمن يفطر عنده، أو مَن أكل عنده طعامًا مطلقًا، وهو دعاء لهم بإجراء الخير على أيديهم: من إطعام الأبرار، وما يتفرَّع عليه من صلاة الملائكة عليهم.
وورد بصيغة الإخبار تفاؤلًا، كما قالوا: مات فلان -رحمه الله-، على أحد احْتِمَالَيْهِ، كما عُرف في علم البيان.
ويُحتمل: أنَّه إخبار لهم، وليس المراد الإخبار بذلك؛ لأنهم عالِمُون به، ولا لازم الفائدة، فإنهم عالِمون أنه عالِمٌ به، بل الثناء عليهم؛ وليعطف عليه ما يُسبب عنه من الإخبار لهم. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 590).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«أفطر عندكم الصائمون» إخبار بمحبتهم للخير، فإنَّه لا يضيف الصائم إلا محبة، يحتمل: أنَّه دعاء بأنْ لا يزال يُفْطِرُ عندهم الصائمون، فيَتَوفَّر أجرهم، ويتَّسِع رزقهم؛ لأنه إذا دخل الضيف على قوم دخل بِرِزْقِهِ، وخرج بذنوبهم. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 345).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أما قوله: «أفطر عندكم الصائمون» فدعاء؛ لأن مجرد الإخبار به لا يفيد فائدة تامة، مع أنَّ الظاهر أنه ما كان وقت الإفطار، ولا يُنافيه تقييده في روايةٍ بقوله: «إذا أفطر عند قوم دعا لهم»، بل فيه تأييد له، فتأمَّل غايته، أنه قيد واقعي لا احترازي. مرقاة المفاتيح (7/ 2737).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
أما قوله: «أفطر عندكم الصائمون» فظاهرٌ في الدّعاء إنْ لم يكونوا صائمين، فافْهَم. لمعات التنقيح (7/ 289).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أفطر عندكم الصائمون» هو إما دعاء بالتوفيق حتى يفطر الصائمون عندهم، وإما بشارة بما حصل لهم من الخير.
واللام في (الصائمين) للجنس، وهو يُعَطِّلُ معنى الجمعية، على أنه يحتمل أنه أفطر هو وأصحابه. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 531-532).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
إنَّ قوله: «أفطر عندكم الصائمون» يكون بعد الفراغ من الأكل عند المضيف في الصيام وغير الصيام؛ وذلك أنْ يقوم كل واحد يدعو على حِدَة، وأما أنْ يدعو شخص، ويُؤمِّن الباقون على دعائه فلا نعلم في ذلك سُنة. شرح سنن أبي داود (20/ 169).

قوله: «وأَكَلَ طعامَكم الأبرارُ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «وأَكَلَ طعامَكم» أي: وشَرِبَ شَرَابَكُم «الأبرار»، صائمين ومفطرين، فمفاد هذه الجملة أَعمّ مما قبلها. فيض القدير (2/ 54).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «أَكَلَ طعامَكم الأبرار» دعا لهم بأنْ يُطْعِمُون الأبرار الذين في طعامهم تَقْوِيَة لهم على بِرِّهِمْ، وقد ورد حديث: «ولا يأكل طعامَك إلا تَقِيّ». التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 258).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وأَكَلَ طعامَكم الأبرار» جمع بَارٍّ، وهو الطائع التقي، وفي الحديث إشارة وتنبيه لصاحب الطعام أنْ لا يتقصَّد بدعوته إلا الأبرار الأتقياء دون العُصاة والفُسَّاق؛ لما روى المصنف (أبو داود) والترمذي: «لا تصْحَب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي». شرح سنن أبي داود (15/535- 536).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وظاهره: أنَّه يدعو الإنسانُ لمن أَطْعَمَهُ بهذا، سواءً كان في إفطاره عنده، أو غيره. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 298).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
والأبْرَارُ جمع بَارٍّ، وهو يُخَصُّ كثيرًا بالعُبَّاد والأولياء...، إنْ قلتَ: فيه تزكية النفس، وقد نُهي عنها.
قلتُ: ما هو إلا تفاؤل باتِّصاف آكِلِيْنَ طعامَهم بذلك، أو لأنهم بصيامهم قد فعلوا ما يفعله الأبرار، وتخلَّقوا بخُلُقهم، واتَّصفوا بما اتصفوا به، كأنه قيل: مَن تخلَّق بأخلاق الأبرار.
وعلى احتمال أنه دعاء، فهو طلب لهم أنْ لا يأكل طعامَهم إلا الأبرارُ، فإنهم الذين يُجَازَى على إطعامهم أحسن جزاء؛ لحديث: «ولا يأكل طعامك إلا تقي». التنوير شرح الجامع الصغير (2/590- 591).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وأَكَلَ طعامَكم الأبرار» يجوز أنْ يكون هذا دعاء منه -عليه الصلاة والسلام- للمُضيف، ويجوز أنْ يكون إخبارًا عنه، وهذان الوصفانِ موجودان في حقِّ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فإنَّه أبرُّ الأبرار، وأصحابُه الأبرار الأخيار.
وأما إذا تلفَّظ غيرُه بهذه الألفاظ عند أكل طعام أحدٍ تكون هذه الألفاظ دعاءً منه للمُضيف، ولا يجوز أنْ يكون إخبارًا؛ لأنه لا يجوز لأحدٍ أنْ يُخبِر عن نفسه أنَّه بَرٌّ. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 526-527).
وقال الصنعاني -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: فإنْ كان إخبارًا فظاهر، وإنْ كان دعاء فهو سؤال بأنَّ الله يجعل إطعامهم للأبرار؛ ليكثر أجورهم، وقد سلف «ولا يأكل طعامك إلا تقي». التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 345).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وأكل طعامكم الأبرار» دعاء، أو أخبار، والمصطفى أَبَرُّ الأبرار. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 240).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
ولعل إطلاق (الأبرار) وهو جَمْعٌ على نفسه -صلوات الله عليه- للتعظيم، كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} النحل: 120، وقوله: {شِهَابًا رَصَدًا} الجن: 9. الكاشف عن حقائق السنن (9/ 2870).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «أَكَلَ طعامَكم الأبرار» الظاهر: أنَّه دعاء لهم، والحَمْلُ على الإخبار بَعِيْدٌ، وعلى تقدير الحمْلِ عليه لا حاجة إلى جعله من قبيل {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} النحل: 120؛ لوجود غيره من الصحابة معه، وكان تشريفًا منه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتسميتهم أبرارًا، نعم لا يَحْسُنُ تسميتهم أنفسهم أبرارًا، وهذا أحد وجوه عدم حمْلِه على الإخبار؛ لأنه تعليم منه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه. لمعات التنقيح (7/ 289).

قوله: «وصلَّتْ عليكم الملائكةُ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وصلَّت عليكم الملائكة» أي: استَغْفَرَتْ لكم، وهذا قاله لسَعْد بن معاذ لما أفطر عنده في رمضان، وقيل: بل إنه سعد بن عبادة، ولا مانع من التعدُّد.
وأراد بالملائكة الموَكَّلِين بذلك بخصوصه إنْ ثبت، وإلا فالحَفَظَة، أو الْمُعَقِّبات، أو رَافِعِيّ الأفعال، أو الكل، أو بعض، غير ذلك.
وفيه: أنَّه يُندب بمن أفطر عند صائم أنْ يدعو له بذلك؛ بناء على أنَّ الجملة دُعَائِيَّة، وهو أقرب مِن جَعْلِهَا خبرية؛ وذلك مكافأة له على ضيافته إياه. فيض القدير (2/ 54).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وصلَّت عليكم الملائكة» يُحتمل: أنْ يكونوا الحَفَظَة، ويُحتمل غيرهم، والظاهر العموم، فإذا قالها الحَفَظَة، قالها مَن فوقهم، ثم مَن فوقهم. شرح سنن أبي داود (15/ 536).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وقوله: «وصَلَّت عليكم الملائكة» استغفرت لكم. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 258).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«وصلَّت عليكم الملائكة» أي: ترحَّمَت. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (11/ 576).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وهذا (الدعاء بِجُمَلِهِ الثلاث) يجوزُ أنْ يكونَ دعاءً منه -صلى الله عليه وسلم- للمُضيف وأهلِ بيتهِ، وأنْ يكونَ إخبارًا منه -صلى الله عليه وسلم- بذلك. شرح المصابيح (4/ 580).

وفي رواية: «...وتنزَّلت عليكم الملائكة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «وتنزَّلت»... أي: ملائكة الرحمة، بالبركة والخير الإلهي. فيض القدير (5/ 108).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وتنَزَّلَت عليكم الملائكة» أي: بالرحمة والخير والبركة. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 345).
وقال فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: إحضار ما سهل، وأنه لا ينافي الجود.
وفيه: استحباب الدعاء من الضيف عند فراغ الأكل. تطريز رياض الصالحين (ص: 705).


ابلاغ عن خطا