الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«مَنْ حافظَ على أربعِ ركعاتٍ قبل الظُّهْرِ، وأربعٍ بعدها، حَرُمَ على النَّارِ».


رواه أبو دواد برقم: (1269) واللفظ له، والترمذي برقم: (428)، والنسائي برقم: (1816)، وابن ماجه برقم: (1160)، من حديث أُمّ حبيبة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (6195)، مشكاة المصابيح برقم: (1167).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مَنْ حافظَ»:
أي: داوم وواظَب. مرقاة المفاتيح، للقاري (3/ 893) 


شرح الحديث


قوله: «مَنْ حافظَ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«مَن حافظ» واظَب. التنوير شرح الجامع الصغير (10/195- 196).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «مَن حافظ» أي: داوَم ووَاظَب. مرعاة المفاتيح (4/ 144).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: «مَن رَكَعَ أربعَ ركعاتٍ» ظاهر قوله: «مَن ركَعَ» أنَّ التحريم على النار يحصل لمن صلى ولو مرة واحدة، لكن الرواية الآتية بلفظ: «مَن حافَظَ على أربع ركعات» تدلُّ على أنه لا يحصل هذا الفصل إلا لمن داوم عليها. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (18/ 199).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وظاهر قوله: «مَن صلى» أنَّ التحريم على النار يحصل بمرة واحدة، ولكنه قد أخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهما بلفظ: «مَن حافظ»، فلا يحرم على النار إلا المحافِظ. نيل الأوطار (3/ 23).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير - حفظه الله-:
قوله: «مَن حافظ» تدل على أنه يحصل على الجزاء المذكور إذا حافظ عليها في عُمُره كله. مهمات في الصلاة شرح كتاب الصلاة من البلوغ (13/ 6).

قوله: «على أربعِ ركعاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وأربعٍ بعدها»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«على أربع ركعات قبل صلاة الظهر» وقد تقدم ذكرها في الهمزة في قوله: «أربع» وأنها عقيب الزوال، وأنه لا يقعد فيهن، «و» حافَظَ «على أربع» ركعات «بعدها» يُحتمل: أن منها نافلة الظُّهر، ويُحتمل: أنها غيرها، وأنها متصلة. التنوير شرح الجامع الصغير (10/195- 196).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«على أربعٍ قبل الظهر وأربعٍ بعدها» يُحتمل: أنها غير الركعتين المذكورتين سابقًا، ويُحتمل: أنَّ المراد أربعٌ فيها الركعتان اللتان مرَّ ذكرهما. سبل السلام (1/ 336).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«على أربعِ ركعات قبل الظُّهر، وأربعٍ بعدها» ركعتان منها مؤكدة، وركعتان مُستحبة، فالأُولى بتسليمتين، بخلاف الأولى. مرقاة المفاتيح (3/ 893).
وقال العيني -رحمه الله-:
اختُلف في الأربع التي قبل الظهر هل هي بتسليمة واحدة أم بتسليمتين؟
فعندنا (الأحناف)بتسليمة واحدة، وعند الشافعي بتسليمتين، احتج هو بحديث ابن عمر الذي ذُكِر في أبواب التطوع، واحتج أصحابنا بحديث أبي أيوب الأنصاري الذي يأتي الآن، وهو صريح أنه ليس فيهن إلا تسليمة واحدة، وحديث ابن عمر ليس بأربع، وإنما هو ركعتان صلاهما -عليه السلام- بيانًا للجواز.
وأما الأربع التي بعد الظهر فالثنتان منها مؤكدة، وتكميلها أربعًا مستحب، وينبغي أن تكون بتسليمة واحدة، قياسًا على الأربع التي قبلها؛ ولأنها من نوافل النهار، فالأربع بتسليمة أفضل. شرح أبي داود (5/ 160-161).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وفيه: أنَّ رواتب الظُّهر أربع قبلها، وأربع بعدها، لكن المؤكد ركعتان قبلها، وركعتان بعدها. فيض القدير (6/ 114).
وقال النووي -رحمه الله- بعد أنْ ذَكَرَ الأحاديث الواردة في السنن الراتبة:
فهذه جملة من الأحاديث الصحيحة في السنن الراتبة مع الفرائض، قال أصحابنا وجمهور العلماء بهذه الأحاديث كلها، واستحبوا جميع هذه النوافل المذكورة في الأحاديث السابقة، ولا خلاف في شيء منها عند أصحابنا إلا في الركعتين قبل المغرب، ففيهما وجهان لأصحابنا: أشهرهما لا يستحب، والصحيح عند المحققين: استحبابهما بحديثَي ابن مُغَفَّل وبحديث ابتدارهم السَّواري بها، وهو في الصحيحين.
قال أصحابنا وغيرهم: واختلاف الأحاديث في أعدادها محمول على توسعة الأمر فيها، وأنَّ لها أقل وأكمل، فيحصل أصل السُّنة بالأقل، ولكن الاختيار فعل الأكثر الأكمل، وهذا كما سبق في اختلاف أحاديث الضُّحى، وكما في أحاديث الوِتْر، فجاءت فيها كلها أعدادها بالأقل والأكثر وما بينهما؛ ليدل على أقل المُجْزِئ في تحصيل أصل السُّنة، وعلى الأكمل والأوسط، والله أعلم. شرح النووي على مسلم (6/ 9).
وقال العيني -رحمه الله-:
والتوفيق بين الحديثين: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بعد الظهر ركعتين مرة، وصلى بعد الظهر أربعًا مرة؛ بيانًا للجواز، واختلاف الأحاديث في الأعداد محمول على توسعة الأمر فيها، وأن لها أقل وأكثر، فيحصل أقل السُّنة بالأقل، ولكن الاختيار فعل الأكثر الأكمل.
وقد عدَّ جمْعٌ من الشافعية الأربع قبل الظهر من الرواتب، وحُكي عن الرافعي أنه حكى عن الأكثرين: أنَّ راتبة الظهر ركعتان قبلها، وركعتان بعدها، ومنهم مَن قال: ركعتان من الأربع بعدها راتبة، وركعتان مستحبة باتفاق الأصحاب...، ثم الأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة عندنا؛ لما روى أبو داود والترمذي في الشمائل عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تُفتَح لهن أبواب السماء».
وعند الشافعي ومالك وأحمد: يصليها بتسليمتين، واحتجوا بحديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- «أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يُصليهن بتسليمتين»، والجواب عنه: أن معنى قوله: «بتسليمتين» يعني: بتَشَهُّدين، فسَمَّى التشهد تسليمًا؛ لما فيه من السلام، كما سمى التشهد؛ لما فيه من الشهادة، وقد روي هذا التأويل عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-. عمدة القاري (7/ 233).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «قبل الظُّهرِ» فيه: أنَّ السُّنة قبل الظهر أربع ركعات، وهذا على سبيل الأفضلية، فلا يُعارِض ما ثبت في حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى قبل الظهر ركعتين، كما تقدَّم البحث في ذلك، «وأربَعًا بعدها» قيل: ركعتان منها مؤكَّدتان، وركعتان مستحبَّتان. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (18/ 199).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ويمكن أنْ يُراد بالأربع التي قبل الظهر: الأربع الرواتب، ويمكن أنْ يكون المراد: أربعًا غير الرواتب، أما «أربع بعدها» فتدخل فيها الراتبة التي بعد الظهر، وهي ركعتان. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 230).
وقال الشيخ عطية محمد سالم -رحمه الله-:
إذَنْ: مَن وفَّقه الله وأعانه، وحافظ على أربع قبل الظهر، وأربع بعدها، فهذا سبيل خير أوْسَع من الذي قبله، وإذا اقتصر على اثنتين واثنتين، فقد أتى بأقل التطوع، وإذا زاد إلى أربع، نقول: أتى بأكثر ما جاء به النص. شرح بلوغ المرام (76/ 7.
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«أربع قبل الظهر، وأربع بعدها» الأربع القبلية هي الراتبة، واثنتين من الأربع البعدية راتبة، وزيادة ركعتين، فإذا زاد ركعتين على الاثنتين البعدية بعد الظهر حصل له ثوابٌ آخر، لكنها ليست راتبة. مهمات في الصلاة شرح كتاب الصلاة من البلوغ (13/ 6).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير - حفظه الله- أيضًا:
وعن أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها...» وفي حديثها الأول: «أربع قبل الظهر، وركعتين بعدها»...فهل نقول: إنَّ الرواتب عشرٌ، كما جاء في حديث ابن عمر، أو تنتا عشرة كما جاء في الرواية الأولى من حديث أم حبيبة، أو في حديثها الثاني «أربع قبل الظهر، وأربع بعدها» فتكون الرواتب أربع عشرة؟
منهم مَن يُرجِّح حديث ابن عمر، وهذا هو المشهور عند الحنابلة، أنَّ الرواتب عشر، ومنهم مَن يُرجِّح حديث أم حبيبة فيقول: إنَّ الرواتب اثنتا عشرة؛ عملًا بالزيادة، وأما «أربع قبل الظهر، وأربع بعدها»، فالذي يظهر أنَّ الأربع بدلًا من الثنتين بعد الظهر ليست من الرواتب؛ لأنه في حديثها الآخر ركعتين، وفي حديث ابن عمر ركعتين بعد الظهر. شرح المحرر في الحديث (27/ 26).

قوله: «حَرُمَ على النَّارِ»:
قال السندي -رحمه الله-:
ظاهره: أنْ لا يدخل أصلًا، وحمْلُه على هذا بعيد، ويكفي في ذلك الإيمان، وعلى هذا فلعل مَن داوم على هذا الفعل يوفقه الله تعالى للخيرات، ويغفر له الذنوب كلها. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 354).
وقال السندي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «حرُم على النار» على بناء المفعول، وفي رواية الترمذي: «حرَّمه الله» على بناء الفاعل.
والمعنى: أي حَفِظَهُ ومَنَعَهُ منها، أو لا تَقْرَبه النار، كما لا يَقرب الإنسان ما حَرُمَ عليه، وإلا فلا تكليف على النار حتى يكون شيء عليه حرامًا أو حلالًا، والله تعالى أعلم. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (2/ 42).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «حرُم على النار» أي: نار جهنم، وفي رواية: «حرَّمه اللهُ على النار». فيض القدير (6/ 114).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«حرُم على النَّار» أي: نار الخلود. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 413).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
كناية عن أنه لا يقربها، ولا يدنو منها، كما أنَّ المحَرَّمَ لا يُقْرَب منه. التنوير شرح الجامع الصغير (10/195- 196).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«حرَّمه الله على النار» أي: مَنَعَهُ عن دخولها، كما يُمنع الشيءُ المحرَّم ممن حرُم عليه. سبل السلام (1/ 336).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«حرَّمه الله على النار» أي: مُطلقًا أو مُؤبَّدًا. مرقاة المفاتيح (3/ 893).
وقال الشيخ عطية محمد سالم -رحمه الله-:
قوله: «حرُم على النار» هذا دعاء أم إخبار؟ بعض العلماء يقول: هذا إخبار من الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الله، وهو الصادق في خبره، المصدوق فيما أَخْبَر به، وبعضهم يقول: هذا دعاء، كأنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: اللهم حرِّمه على النار، وسواء كان إخبارًا فخَبَرُه صدق، أو دعاءً فدعاؤه مقبول عند الله. شرح بلوغ المرام (76/ 7.
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
في رواية: «لم تَمَسه النار»، وفي رواية: «حرَّمه الله على النار»، وفي أخرى: «حرَّم الله لَحْمَه على النار».
وقد اختُلف في معنى ذلك، هل المراد أنه لا يدخل النار أصلًا، أو أنه وإنْ قُدِّر عليه دخولها لا تأكله النار، أو أنه يحْرُم على النار أن تستوعب أجزاءه وإنْ مسَّت بعضه؟ كما في بعض طرق الحديث عند النسائي بلفظ: «فتمسُّ وجهَهُ النار أبدًا» وهو موافق لما في الحديث الصحيح: «وحرم على النار أن تأكل مواضع السجود» فيكون قد أطلق الكل، وأريد البعض مجازًا، والحمل على الحقيقة أولى، وأنَّ الله تعالى يحرم جميعه على النار، وفضل الله تعالى أوسع، ورحمته أعم. نيل الأوطار (3/ 23).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
حَمْلُ الحديث على ظاهره كما قال الشوكاني، وأشار إليه السندي -رحمهما اللَّه تعالى- هو الحق؛ لأنه لا مانع من ذلك؛ لأن من وفّقَه اللَّه لذلك يوفقه لسائر الخيرات، واللَّه تعالى أعلم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (18/ 199).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فإذا حافظ على أربعٍ قبل الظهر، وأربع بعدها، حرَّمه الله على النار، كما هو مقتضي هذا الحديث، وفي إسناده ما فيه. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 230).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والحديث يدل على تأكد استحباب أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعده، وكفى بهذا الترغيب باعثًا على ذلك. نيل الأوطار (3/ 23).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
وفيه: أنَّ راتبة الظهر أربعٌ قبلها، وأربعٌ بعدها، وتقدَّم أنَّ المؤكَد ركعتان قبلها، وركعتان بعدها. فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام (ص: 229).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: فضل المحافظة على هذه السنَّة. تطريز رياض الصالحين (ص: 642).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
الحديث دليل على فضل أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وأربع بعدها، وأنَّ ذلك مع أداء الفرائض، واجتناب المحارم من أسباب النجاة من النار، وما أخَفَّها وأسهلها إذا اعتادها المسلم، ورَوَّضَ نفسه عليها. منحة العلام شرح بلوغ المرام (ص: 219).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
وجاء في حديث أم حبيبة «مَن حافظ على أربعٍ قبل الظهر، وأربعٍ بعدها» ففيه زيادة ركعتان تطوعٌ غير راتبة، وكذا الأربع قبل العصر تطوعٌ لا راتبة، وكذا قبل المغرب والعشاء تطوعٌ لا راتبة. الحلل الإبريزية (1/ 356).


ابلاغ عن خطا