الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«‌لا ‌يزال ‌الناس ‌بخير ما عجَّلوا الفِطر».


رواه البخاري برقم: (1957)، ومسلم برقم: (1098)، من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-. 


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «‌لا ‌يزال الناس»:
قال الكماخي -رحمه الله-:
«لا يزالُ الناس»، أي: الصائمون. المهيأ في كشف أسرار الموطأ (2/ 212).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
المراد بالناس هنا: الصائمون، فهو عام أريد به الخاص، خاص من وجهين: الصائمون المسلمون؛ لأن الكفار وإن صاموا ليس لهم صيام ولا يقبل منهم؛ لاشتراط الإسلام في كل عبادة؛ لأن الكافرين ليسوا في خير حتى وإن صاموا وجاعوا وعطشوا. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 191).

قوله: «‌بخير»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: موصوفين بخير كثير، أو المراد بالخير: ضد الشر والفساد. مرقاة المفاتيح (4/1381).
وقال النووي -رحمه الله-:
معناه: لا يزال أمر الأُمة منتظمًا، وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة، وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه. شرح صحيح مسلم (7/208).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
أي: لا يزالون ملتبسين بخير وصلاح مدة تعجيلهم الفطر؛ لأنه دأب سيد المرسلين؛ ليحصل الحضور في الصلاة بفراغ قلب.الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (12/393).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم النجدي -رحمه الله-:
أي: لا يزال أَمر هذه الأُمّة معظَّمًا، وهم بخير، ما داموا محافظين على هذه السُّنة، وقوام الدِّين على مخالفة الأعداء.حاشية الروض المربع، شرح زاد المستقنع(3/432).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «لا يزال الناس بخير» من اتباع السنة وغيرها. التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (6/293).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«لا يزال الناس بخير» في دينهم. التنوير شرح الجامع الصغير (11/184).

قوله: «ما عَجَّلوا الفطر»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
«ما» ظرفية، أي: مدة فعلهم ذلك امتثالًا للسنة، واقفين عند حدِّها؛ غير مُتَنَطِّعِين بعقولهم ما يُغَيِّرُ قواعدها. فتح الباري (4/199).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ما» مصدرية ظرفية، مصدرية لأن ما بعدها يؤوَّل مصدرًا، وظرفية لأنه يُقَدَّر فيها مدَّة تحوِّل ما بعدها إلى مصدر: (عجَّلوا تعجيلًا)، هنا الظرف: مدَّة، فيكون التقدير: لا يزال الناس بخير مدَّة تعجيلهم الفطر. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 191).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
في قوله: «ما عجَّلوا الفطر» هي الشرطية، نحو قولك: افعل، إلا أن الجزاء ههنا مقدم على الشرط، وليس جزاء، إنما هو إخبار مستأنف الجزاء محذوف، وقد دل المذكور أولًا.
التقدير: ما عجل الناس الفطر لا يزالوا بخير. الشافي في شرح مسند الشافعي (3/198).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ما عجلوا الفطر»: أي: ما داموا على هذه السنة، ويسن تقديمه على الصلاة؛ للخبر الصحيح به. مرقاة المفاتيح (4/1381).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«الفطر» المراد به: الفطر من الصيام، وأطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- «الفطر»، أي: ما يفطر به، فإذا عجلوا الفطر بأي شيء يفطر الصائم فهم لا يزالون بخير. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 191).
وقال الباجي -رحمه الله-:
تعجيل الفطر: أنْ لا يؤخر بعد غروب الشمس على وجه التَّشدد والمبالغة واعتقاد أَنه لا يجزئ الفطر عند غروب الشمس على حسب ما تفعله اليهود، وأما مَن أَخّر فطره باختيارهِ لأمرٍ عَنَّ له مع اعتقادهِ أن صومه قد كمُل عند غروب الشمس؛ فلا يُكره له ذلك، رواه ابن نافع عن مالك في المجموعة.المنتقى شرح الموطأ(2/42).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب: مستحب باتفاق، ودليله هذا الحديث. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (2/26).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
اتفق العلماء على: أن محل ذلك (أي: الإفطار) إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين، وكذا عدل واحد في الأرجح. فتح الباري (4/199).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
من السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور، والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس، ولا يجوز لأحد أن يفطر وهو شاكٌّ هل غابت الشمس أم لا؛ لأن الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج عنه إلا بيقين، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} البقرة:187، وأول الليل مغيب الشمس كلها في الأفق عن أعين الناظرين، فمن شك لزمه التمادي حتى لا يشك في مغيبها، قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أقبل الليل من ههنا -يعني: المشرق-، وأدبر النهار من ههنا -يعني: المغرب-، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم» متفق عليه. التمهيد (21/ 97).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
أجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم - فرضًا وتطوعًا-، وأجمعوا أن صلاة المغرب من صلاة الليل، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: {أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} البقرة: 187. الاستذكار(10/42).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
الحكم في تعجيله: أنه مبادرة إلى أمر الله، وأوفق وأرفق بالصائم. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/301).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال المهلب: والحكمة في ذلك: أن لا يزاد في النهار من الليل، ولأنه أرفق بالصائم، وأقوى له على العبادة. فتح الباري (4/199).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
إنما كان ذلك: لأن التعجيل أحفظ للقوَّة، وأرفع للمشقة، وأوفق للسنة، وأبعد عن الغلو والبدعة، وليظهر الفرق بين الزمانين في حكم الشرع. المفهم (3/157).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
أما تعجيل الفطر والحضُّ عليه فلأمرين:
أحدهما: منصوص عليه في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون»، فجعل -صلى الله عليه وسلم- العلة في التعجيل مخالفة أهل الكتاب في التأخير.
الأمر الثاني: مستنبط، وهو أنه -صلى الله عليه وسلم- إنما حضَّ على التعجيل للفطر؛ لئلا يُزَاد في النهار ساعة من الليل، فتكون زيادة في فروض الله تعالى، ولأن ذلك أرفق بالصائم، وأقوى على الصيام. العدة في شرح العمدة (2/882-883).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
فيه: دليل على الـمُتَشَيِّعة الذين يؤخرون إلى ظهور النجم، ولعل هذا هو السبب في كون الناس لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر؛ لأنهم إذا أخروه كانوا داخلين في فعل خلاف السُّنة، ولا يزالون بخير ما فعلوا السُّنة. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (2/26).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ما تقدم من الزيادة عند أبي داود (يعني به: ما أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما، وتأخير أهل الكتاب له أمد وهو ظهور النجم] أولى بأن يكون سبب هذا الحديث، فإن الشيعة لم يكونوا موجودين عند تحديثه -صلى الله عليه وسلم- بذلك. فتح الباري (4/199).
وقال العيني -رحمه الله-:
قلتُ: يحتمل أن يكون أنه -صلى الله عليه وسلم- كان عَلِم بما يصدر في المستقبل من أمر الشيعة في ذلك الوقت بإطلاع الله -عزَّ وجلَّ- إياه. عمدة القاري (11/ 67).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
هذه هي الخصلة (أي: التأخير) التي لم يرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-...، ولو أن بعض الناس صنع هذا الصنيع وقصده في ذلك: تأديب النفس، ودفع جماحها، أو مواصلة العشاءين بالنوافل غير معتقد فيما يعتقده أولئك الفئة الزائغة يعني به: الشيعة من القول بوجوبه لم يضرره ذلك، ولم يدخل به في جملتهم، كيف ويصحح هذا التأويل الحديث الصحيح الذي رواه أبو سعيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تواصلوا، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر».
وتأخير الإفطار -نظرًا إلى سياسة النفس- أمر قد صنعه كثير من الربانيين، وأصحاب النظر في الأحوال والمعاملات. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/463).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أقول: بل يضره حيث يفوته السنة، وتعجيل الإفطار بشربة ماء لا ينافي التأديب والمواصلة، مع أن التحصيل إظهار العجز المناسب للعبودية، ومبادرة إلى قبول الرخصة من الحضرة الربوبية. مرقاة المفاتيح (4/1381).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
أقول: يشابه هذا التأخير تقدم صوم يوم أو يومين على صوم رمضان. شرح المشكاة (5/ 1584).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ويؤيده ما صح أن الصحابة كانوا أعجل الناس إفطارًا وأبطأهم سحورًا. مرقاة المفاتيح (4/1381).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
فالمراعى نِيَّة التعجيل لا صُورة التعجيل؛ ردًّا على من يؤخره إلى اشتباك النجوم احتياطًا على الصوم، حتى لو اشتغل الرجل بأمر ما عن الفطر مع اعتقاد الفطر وقد انقضى الصوم بدخول الليل لم يدخل في كراهية تأخير الفطر، وكذلك من اشتغل بأداء عبادة كالصلاة وغيرها كما فعل عمر وعثمان، فإنه لا يدخل في كراهية تأخير الفطر. المسالِك في شرح مُوطأ مالك (4/172).
وقال المازري -رحمه الله-:
ظاهره أنه -صلى الله عليه وسلم- أشار إلى أن فساد الأمور يتعلق بتغير هذه السنة التي هي تعجيل الفطر، وأن تأخيره ومخالفة السنة في ذلك كالعلم على فساد الأمور. المعلم بفوائد مسلم (2/47).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
فيه: الحث على اتباع السنة وترك مخالفتها، وأن فساد الأمر بتركها. العدة في شرح العمدة (2/883).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
في هذا: فضل تعجيل الفطر وكراهة تأخيره. الاستذكار (3/287).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
لأن فيه مخالفة أهل الكتاب، وكانوا يؤخرون الإفطار إلى اشتباك النجوم. شرح المشكاة (5/ 1584).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يستفاد من الحديث: أولًا: مشروعية الفطر؛ لأن ما رُتِّبَ الفضل على صفة من صفاته فهو كذلك مشروع؛ لتعذُّر الوصف دون الأصل أو دون الموصوف، فهنا رتب الخير على تعجيل الفطر، إذًا الفطر مشروع.
ثانيًا: مشروعية تعجيل الفطر، ولكن متى يكون؟ يكون إذا تحقق غروب الشمس بالاتفاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس»، فلا بد من تحققها، أو غلب على ظنه غروب الشمس، إذا غلب على ظنه عدم الغروب فلا يعجل، إذا شك وتردد لا يجوز، إذا علم عدم الغروب يحرم، فيحرم في ثلاث مسائل ويشرع في مسألتين: يحرم إذا علم عدم الغروب، إذا شك في الغروب، إذا ترجح عنده عدم الغروب، إذا علم عدم الغروب فالأمر واضح، إذا ظن عدم الغروب فكذلك أيضًا إذا شك؛ فلماذا لا يجوز الفطر كما يجوز الأكل فيما إذا شك في طلوع الفجر؟ لأن هناك الأصل بقاء الليل، وهنا الأصل بقاء النهار، فلا يجوز مع الشك، يجوز إذا تيقن غروب الشمس، يعني: شاهدها غابت، وهذا واضح بدليل الكتاب والسُّنة: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} البقرة: 187، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم»، إذا غلب على ظنه جاز أن يفطر؛ بل يشرع أن يفطر، ودليل ذلك حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- قالت: «أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم طلعت الشمس».
ووجه الدلالة من الحديث: أنهم لو تيقنوا غروبها ما طلعت، فدل هذا على أنهم عملوا بغلبة الظن، إذا كان الإنسان في حُجْرَة ليس لها نوافذ، وغلب على ظنه أن الشمس غابت، نقول: إن كان هناك قرينة فإنه يعمل بها، فإذا غلب على ظنه أفطر، وإن لم يكن قرينة ولكن إن تباطأ (أي: يطول) النهار فقط فإنه لا يفطر، والسبب في ذلك: أنه قد يشتد جوعه فيتباطأ النهار، لكن إذا كان عنده عادة مثلًا، أن من عادته أنه إذا صلى العصر وقرأ إلى غروب الشمس خمسة أجزاء وقرأها اليوم؛ فله أن يفطر بغلبة الظن.
العمل بالساعات يدخل في غلبة الظن أو في اليقين؟ غلبة الظن، لكن لا شك أنها مرجحة، وهل يحتاط الإنسان بالنسبة للساعة، يعني: قال: أخشى أن تكون مقدمة مثلًا؟ نعم، إذا كان يخشى فيحتاط. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 191-192).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
فيه: أن متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي الطريق المستقيم من تَعَوَّجَ عنها فقد ارتكب الْمُعْوَجَّ من الضلال، ولو في العبادة.شرح المشكاة (5/ 1584).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه: الحث على تعجيله بعد تحقُّق غروب الشمس. شرح صحيح مسلم (7/208).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
في هذا الحديث: يخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الناس إذا عجلوا الفطر فإنهم في خير مصاحبين له، والخير ملازم لهم. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 191).  

وينظر الحكمة من تعجيل الفطر(هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا