«مَن بَدَأَ بالسَّلامِ فهو أَوْلَى باللهِ ورسولِهِ».
رواه أحمد برقم: (22192)، والطبراني في المعجم الكبير برقم: (7743) من حديث أبي أُمَامة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6121)، ومشكاة المصابيح برقم: (4646).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«السَّلام»:
السَّلام يكون بمعنَى: السَّلامة، وقول النّاس: السَّلام عليكم، أي: السَّلامةُ من اللهِ عليكم. وقيل: هو اسمٌ من أسماءِ اللهِ، وقيل: السَّلامُ هو اللهُ، فإذا قيل: السَّلامُ عليكم فكأنّه يقول: اللهُ فوقكم.العين (7/ 265).
وقال الأزهري-رحمه الله-:
ومعنى السلام الذي هو مصدر سلَّمت: أنه دعاء للإنسان بأنْ يَسْلَم من الآفات في دينه ونفسه، وتأويله التخليص. تهذيب اللغة(12/ 309).
شرح الحديث
قوله: «مَن بَدَأَ بالسَّلامِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«مَن بَدَأَ بالسَّلام» على من لَقِيَهُ، أو دخل عليه. فيض القدير (6/ 93).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«مَن بدأ بالسلام» وذلك لما صَنَع من المبادرة إلى الطاعة، والمسارعة إليها؛ مع ما فيه من حمل المجيب على الرَّدِّ بالتسبُّب فيها. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 335).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
هذا في مَن يلقى صاحبه وهما شيئان في الوصف، أي: لا يكون أحدهما راكبًا، والآخر ماشيًا، أو ماشيًا والآخر قاعدًا، إلى غير ذلك، وإلا فالراكب يبدأ الماشي، والقائم القاعد، كما يفيده الحديث. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 579).
وقال المناوي -رحمه الله-:
يُندب إذا التقى اثنان أنْ يحرص كل منهما على أنْ يكون البادئ بالسلام، وأنْ يُسلِّم الراكب على الماشي، والماشي على الواقف، والصغير على الكبير، والقليل على الكثير، وإنْ عكس، فخلاف السُّنة، لا مكروه. فيض القدير (1/ 288).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الأولى مبادرة ذوي المراتب الدينية كأهل العلم والفضل احترامًا لهم، وتوقيرًا، وأما ذوي المراتب الدنيوية المحضة فإنْ سلَّموا يُرد عليهم، وإنْ ظهر عليهم إعجاب، أو كِبْر فلا يُسلَّم عليهم؛ لأن ذلك معونة لهم على المعصية، وإن لم يظهر ذلك عليهم جاز أن يُبدَؤوا بالسلام، وابتداؤهم هم بالسلام أولى بهم؛ لأن ذلك يدل على تواضعهم. المفهم (5/ 483).
وقال الثعالبي -رحمه الله-:
وأكثر أهل العلم على أنَّ الابتداء بالسلام سُنة مؤكدة، وردَّه فريضة؛ لأنه حق من الحقوق، قاله الحسن وغيره. الجواهر الحسان في تفسير القرآن (2/ 272).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما الأحوال التي يُكره فيها (أي: السلام) أو يخفُّ أو يُباح فهي مستثناة من ذلك، فيُحْتَاجُ إلى بيانها، فمن ذلك: إذا كان المسلَّم عليه مشتغلًا بالبول أو الجماع أو نحوهما، فيُكره أن يُسلَّم عليه، ولو سلَّم لا يستحقُّ جوابًا، ومن ذلك: من كان نائمًا أو ناعسًا، ومن ذلك: من كان مُصليًا أو مؤذنًا في حال أذانه، أو إقامته الصلاةَ، أو كان في حمام أو نحو ذلك من الأمور التي لا يُؤثر السلام عليه فيها، ومن ذلك: إذا كان يأكلُ واللقمة في فمه، فإن سلَّم عليه في هذه الأحوال لم يستحقَّ جوابًا، أما إذا كان على الأكل وليست اللقمةُ في فمه، فلا بأسَ بالسلام، ويجبُ الجواب، وكذلك: في حال المبايعة وسائر المعاملات، يُسلّم ويجب الجواب.
وأما السلام في حال خطبة الجمعة فقال أصحابنا: يُكره الابتداء به؛ لأنهم مأمورون بالإِنصات للخطبة، فإن خالفَ وسلَّم فهل يُرَدّ عليه؟ فيه خلاف لأصحابنا، منهم مَن قال: لا يُرَدُّ عليه لتقصيره، ومنهم مَن قال: إنَّ قلنا: إن الإِنصاتَ واجبٌ لا يردُّ عليه، وإن قلنا: إنَّ الإِنصاتَ سُنة رَدَّ عليه واحد من الحاضرين، ولا يردُّ عليه أكثر من واحد على كل وجه.
وأما السَّلامُ على المشتغل بقراءة القرآن، فقال الإِمام أبو الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام عليه؛ لاشتغاله بالتلاوة، فإن سلَّم عليه كفاه الردُّ بالإِشارة، وإن ردَّ باللفظ استأنف الاستعاذة، ثم عاد إلى التلاوة، هذا كلام الواحدي، وفيه نظر، والظاهر أن يُسلّم عليه، ويجب الردُّ باللفظ.
أما إذا كان مشتغلًا بالدعاء مستغرقًا فيه، مجمع القلب عليه، فيحتمل أن يُقال: هو كالمشتغل بالقراءة على ما ذكرناه، والأظهر عندي في هذا: أنه يُكره السلام عليه؛ لأنه يَتَنَكَّد به، ويشقُّ عليه أكثر من مشقة الأكل.
وأما الْمُلبِّي في الإِحرام فيُكره أن يُسلَّم عليه؛ لأنه يُكره له قطعُ التلبية، فإن سلَّم عليه ردَّ السلامَ باللفظ، نصَّ عليه الشافعي وأصحابنا -رحمهم الله-. الأذكار (ص: 251).
قوله: «فهو أولى بالله ورسوله»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
أي: أقرب إلى الله وإلى رسوله من الْمُسلَّم عليه؛ لأنه دليل تواضعه، وقيامه بالسُّنة. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 159).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أولى بالله» أي: أكثر اختصاصًا به تعالى، وقُرْبًا منه تعالى من الرادِّ.
والحاصل: أنَّ كلًّا من البداية بالسَّلام والرَّدِّ حَسَنَة، إلا أنَّ البداية أكثر أجرًا من الردِّ، -والله تعالى أعلم-. حاشية السندي على مسند أحمد (5/256-257).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أولى» أي: أقربهم من المتلاقيين «بالله» أي: برحمته وغفرانه. مرقاة المفاتيح (7/ 2944).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «أولى» أي: أقرب الناس من المتلاقين إلى رحمة الله مَن بدأ بالسلام. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3044).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
إنَّ أقرب الناس من اللَّه تعالى بالطاعة من بدأ أخاه بالسلام عند ملاقاته؛ لأنه السابق إلى ذكر اللَّه ومذكره، كما روى البيهقي في (الشعب) عن ابن مسعود -رضي الله عنه- يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: «إذا مرَّ الرجل بالقوم فسلم عليهم فَرَدُّوا عليه كان له عليهم فضل؛ لأنه ذكَّرهم السلام، وإن لم يرُدُّوا عليه ردَّ عليه ملأ خير منهم وأطيب». شرح سنن أبي داود (19/ 517).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فهو أولى بالله ورسوله»؛ لأن السلام شُرِع للأمان، فأولى الناس بالله أوفرهم حظًّا من أنْ يأمنه الناس، ويسلموا منه. التيسير بشرح الجامع الصغير» (2/ 407).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فهو أولى بالله ورسوله»؛ لأن السلام شُرِع لهذه الأمة؛ ليأمن بعضهم بعضًا، ويَسْلَم بعضهم من بعض في الدم والمال والعِرْض، ومِن ثَمّ قال الصديق -رضي الله عنه-: السلام أمان للعباد فيما بينهم؛ فأولاهم بالله أوفرهم حظًّا من أن يأمنه الناس ويسلموا منه. فيض القدير (6/ 93).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«فهو أولى بالله ورسوله» يُحتمل: أنَّ المراد أولى بأمان الله وأمان رسوله، أي: أولى لأنْ يرد عليه مَن سَلَّم عليه ويُؤمِّنه؛ لأنَّ السلام معناه: الأمان؛ فيجب الردُّ، -والله أعلم-. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 279).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وذلك لأنَّه يدل على سلامة قلبه، وصفاء خاطره، وحُسْن خُلُقه، واطراحه لأخلاق المتكبرين، كما يفيده حديث ابن مسعود: «البادئ بالسلام بريء من الكبر»؛ ولذا كان أجر البادئ أكثر من أجر الرادِّ، مع أنه سُنة والرد فرض. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 441).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
صار البادئ بالسلام أولى بالله؛ لما صَنَع من المبادرة إلى طاعة الله، والمسارعة إليها.
وروى البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود يرفعه: «إذا مرَّ الرجل بالقوم فسلَّم عليهم، فرَدُّوا عليه كان له عليهم فضل؛ لأنه ذكَّرهم السلام، وإن لم يرُدُّوا عليه، ردَّ عليه ملأ خير منهم وأطيب» . تطريز رياض الصالحين (ص: 519).