الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«مَن ‌خرج ‌من ‌بيته ‌متطهرًا ‌إِلى ‌صلاة ‌مكتوبة ‌فأَجرهُ ‌كأجر ‌الحَاج ‌المُحرم، ‌ومَنْ ‌خرج ‌إلى ‌تسبيحِ ‌الضُّحى لا يَنْصِبُهُ ‌إلا ‌إِياهُ فأجرُهُ كأجْرِ ‌المعُتمر، ‌وصلاة ‌على ‌إِثرِ ‌صلاةٍ ‌لا ‌لَغوَ ‌بينهما ‌كتابٌ ‌في عِلِّيِّينَ».


رواه أبو داود برقم: (558) واللفظ له، وأحمد برقم: (22304)، من حديث أبي أُمَامة الباهلي -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6228)، صحيح سنن أبي داود برقم: (567).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مُتَطَهِّرًا»:
الطُّهْر: هو النّقاء من الدَّنسِ والنّجس. المصباح المنير، للفيومي (2/379).
وقال نشوان الحميري -رحمه الله-:
التطهُّر: التنزه عن الإثم وكل قبيح، ومنه: التّطهر بالماء عن النجاسة. شمس العلوم (7/4173).

«مكتوبة»:
أي: مَفْرُوضَة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 463).
وقال المطريزي -رحمه الله-:
يُقال: كَتب عليه كذا: إذا أوجبه وفرَضه، ومنه: الصلواتُ المكتوبة. المغرب في ترتيب المعرب(2/205).

«تَسْبِيح الضُّحى»:
أي: صلاة الضحى، وكل صلاة يُتَطَوَّعُ بها فهي تسبيح وسُبْحة. معالم السنن (1/ 161).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
السُّبْحة: الدعاء، وصلاة التطوع، والنافلة، يقال: فرغ فلان من سُبْحته، أي: من صلاة النافلة. لسان العرب(6/449).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وإنما خُصَّت النافلة بالسُّبْحة وإن شاركتها الفريضة في معنى التَّسبيح؛ لأن التّسبيحات في الفرائض نوافل، فقيل لصلاة النافلة: سُبْحة؛ لأنها نافلة كالتسبيحات والأذكار في أنها غير واجبة. النهاية في غريب الحديث(2/331).

«لا ‌يَنْصِبُه»:
أي: لا يُتْعِبه ولا يُزْعِجه إلا ذلك. معالم السنن (1/ 161).
وقال ابن الأثير-رحمه الله-:
النَّصَب: التعب. النهاية في غريب الحديث(5/62).

«أَثَرِ»:
أي: عَقِبَ، يقال: جِئْتُ على إِثْرِ فلَان وأَثَرِهِ، أي: على عَقِبه.
قال الخليلُ: وَالْأَثَرُ: الِاسْتِقْفَاءُ وَالِاتِّبَاعُ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: أَثَرَ وَإِثْرَ. جمهرة اللغة (2/ 1035)، ومقاييس اللغة (1/ 54).
والمعنى: أي: صلاة عَقِبَ صلاة. مجمع بحار الأنوار(3/ 668).

«لَغْو»:
اللغو من الكلام: ما لا يُعْتَدُّ به، وهو الذي يُوْرَد لا عن رَوِيّة وفكر. المفردات في غريب القرآن، للأصفهاني (ص: 742).
وقال ابن الأثير-رحمه الله-:
يقال: لغا الإنسان يَلْغُو، ولَغَى يَلْغَى، ولَغِيَ يَلْغى: إذا تكلم بالْمُطَّرح من القول، وما لا يعني. النهاية في غريب الحديث(4/257).

«عِلِّيِّين»:
هو اسم أشرف الجنان. المفردات في غريب القرآن للأصفهاني(ص: 583).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
عِلِّيُّون: اسم للسماء السابعة، وقيل: هو اسم لديوان الملائكة الحفظة، تُرْفَعُ إليه أعمال الصالحين من العباد، وقيل: أراد أعلى الأمكنة، وأشرف المراتب وأقربها من الله في الدار الآخرة. النهاية في غريب الحديث (3/294).


شرح الحديث


قوله: «مَن خرج من بيته مُتَطَهِّرًا إلى صلاةٍ مكتوبةٍ»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «إلى صلاة» حال، أي: خرج من بيته قاصدًا إلى المسجد لأداء الفرائض، وإنما قدرنا القصد حالًا ليطابق الحج؛ لأنه القصد الخاص، فنزَّل النية مع التَّطهر منزلة الإحرام. شرح المشكاة (3/949).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«مَن خرج من بيته مُتَطَهّرًا إلى صلاة» حال، أي: قاصدًا إلى المسجد مثلًا لأداء صلاة «مكتوبة». مرقاة المفاتيح (2/612).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«إلى صلاة مكتوبة» أي: مفروضة. شرح مصابيح السنة (1/441).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«مَن خرج من بيته مُتَطَهّرًا إلى صلاة مكتوبة» من الخمس.
ويحتمل: أن يكون في معناه: من خرج إلى المصلى بجنازة. شرح سنن أبي داود (3/564).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«مَن خرج من بيته مُتَطَهّرًا» حال «إلى صلاة مكتوبة» أي: إلى مسجد أو غيره؛ لأداء صلاة مكتوبة. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/398).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
قوله: «مَن خرج من بيته» التقييد بالبيت جرى على الغالب، وإلا فقد يخرج إلى الصلاة من غير بيته، والتقييد بالتَّطَهر لنيل الثواب الأكمل؛ لأنه لو خرج إلى الصلاة غير مُتَطِّهر كان له الثواب أيضًا.
وفي هذا: دلالة على أن أداء الصلاة المكتوبة في المساجد أفضل من أدائها في غيرها. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (4/250).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«مَن خرج من بيته مُتَطَهّرًا إلى صلاة مكتوبة» يعني: من توضأ وخرج إلى المسجد يريد أن يؤدي فريضة من الفرائض التي فرضها الله عليه، وهي الصلوات الخمس. شرح سنن أبي داود (77/8).

قوله: «فأجرُهُ كأجرِ الحاجِّ المحْرِم»:
قال التوربشتي -رحمه الله-:
لم أرَ أحدًا ممَّن يتعنَّى باستخراج معاني أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتعرَّض لبيان هذا الحديث وأمثاله، فكأنهم يَعُدُّونه من جملة الواضحات.
وأرى الأمر بخلاف ذلك، إذ الاعتبار في الأعمال البدنية -بعد إخلاص النية، والسبب الباعث عليها- بِكَدِّ العامل ونصبه، وامتداد زمان الأعمال، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «أجرك على قدر تَعَبِك».
وإذا حملنا الحديث على المعنى الذي يقتضي التسوية بين العملين -أعني: الخروج إلى الحج، والخروج إلى الصلاة المكتوبة- أفضى ذلك إلى إهمال أبواب كثيرة من الأعمال، ومخالفة أحكام جمَّة من السنن، وأدنى ما فيه أن القُصَّاص إذا ألقوا على العامة ظواهر تلك الأحاديث من غير بيان وتفصيل دخل عليهم الدَّواخِل من الشك والغُرور، والاكتفاء بيسير من العمل، وغير ذلك مما لا يخفى على أرباب البصيرة بِآفَات النفوس، وكنتُ أتعنَّى كثيرًا باستنباط معاني أمثال هذا الحديث على وجه لا يُخِلُّ بشيء من الأبواب التي ذكرناها، فوقع لي أن النظائر التي يذكرها الشارع -صلى الله عليه وسلم- في أمثال ذلك أمثلة لبيان استكمال المثُوْبَات، واستيفاء الأجر من جهة التَّضْعِيف، لا لبيان المماثلة من سائر الوجوه.
وأمثال ذلك: قوله -صلى الله عليه وسلم- في فضل عشر ذي الحجة: «يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة» أي: ينتهي ثوابه ذلك من حيث التَّضْعِيف إلى هذا القَدْر، وبيان ذلك: أن كل عمل له عند الله قَدْر مُقَدَّر من الثواب؛ فهو مجازى عليه عشرًا من ذلك القَدْر، ثم فوق ذلك إلى ما لا سبيل إلى معرفته.
فقوله: «يعدل صيام كل يوم بصيام سنة» أي: ينتهي ثوابه من حيث التضعيف إلى مقدارٍ من الثواب يُوَازِي صيام سنة لم يدخله التضعيف.
فبيَّن -صلى الله عليه وسلم- مقدار الفضل الذي أُوْتِيَه هذا العامل بزمان العمل.
والمعنى: هذا العامل ينال من فضل ربه بهذا العمل في يوم واحد ما لو كَدَح فيه من طريق الكسب المجرد عن الفضل لم يَنَلْه إلا بصيام سنة.
ولما انتهيت إلى شرح هذا الحديث أعملتُ الفكر فيه أخرى؛ فَظَفِرتُ فيه بمعنى أظهر من الأول، وهو أن نقول: شبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- أجر المتَطَهِّر الذي يخرج من بيته للصلاة المكتوبة بأجر الحاج المحْرِم من حيث أنه يستوفي أجر المصلين من لَدُنْ يخرج من بيته للصلاة المكتوبة بأجر الحاج إلى أن يرجع إليه، وإن لم يكن مُصَلِيًّا في سائر تلك الأوقات، كالحاج المحْرِم فإنه يستوفي أجر الحُجَّاج من حين يخرج إلى أن يرجع إلى بيته وإن كان الحج بعرفة.
وذلك مثل قولنا: فلان كالأسد، فلا يقتضي تشبيهه بالأسد من سائر الوجوه، بل يحمل ذلك على الجُرأة والشجاعة، فكذلك قوله: «فأجره كأجر الحاج» لا يقتضي مشابهة الأجرين من سائر الوجوه، بل من الوجه الذي ذكرناه، ثم إنه ضَرَبَ المثل بالحاج المحْرِم؛ لكون التَّطَهُّر من الصلاة بمثابة الإحرام من الحج، فكما أن الصلاة لا تصح بغير طهر؛ فكذلك الحج لا ينعقد بغير إحرام، ثم إن الحاج إذا كان في حالة الإحرام كان أجره أتم وسعيه أكمل، فكذلك الخارج إلى الصلاة إذا كان مُتَطَهّرًا كان ثوابه أوفر وسعيه أفضل، ومن تدبَّر هذا القول الذي ذكرناه في بيان هذا الحديث عرف السبيل إلى استنباط معاني ما ورد من الأحاديث في هذا الباب. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/213-215).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قيَّد الحاج بالمحْرِم؛ لأن الحج في اللغة: هو القصد، والجُمعة حج المساكين، فلو قال مطلقًا: كأجر الحاج، يظنه ظانٌّ أن معناه: كأجر الحاج الذي يقصد صلاة الجمعة.
ويحتمل: أن يكون معناه: كأجر الحاج بعد الإحرام، لا قبل الإحرام.
قوله: «كأجر الحاج المحْرِم» معلوم أن أجر المصلي لا يبلغ أجر الحاج المحْرِم، بل أجر الحاج أكثر، ولكن لا يلزم مساواة بين الـمُشَبَّه والـمُشَبَّه به في جميع الأشياء، بل إذا حصل المشابهة بينهما بشيء صح التشبيه.
يعني: كما أن الحاج من أول خروجه من بيته إلى أن يرجع إلى بيته يُكتب له بكل خطوة أجر، فكذلك المصلي، إذا توضأ وخرج إلى الصلاة إلى أن يرجع إلى بيته، يكتب له بكل خطوة أجر، ولكن بين أجر المصلي وأجر الحاج تفاوت. المفاتيح في شرح المصابيح (2/82).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وأمثال هذه الأحاديث ليست للتسوية، كيف وإلحاق الناقص بالكامل يقتضي فضل الثاني وجوبًا؛ ليفيد المبالغة وإلَّا كان عبثًا، فشبَّه حال المصلي القاصد إلى المكتوبة بحال الحاج المحْرِم في الفضل مبالغة وترغيبًا؛ لئلا يتقاعد عن الجماعات. شرح المشكاة (3/949).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فأجره» مضاعف «كأجر الحاج» أو مثل أجره.
قال زين العرب علي بن عبيد الله بن أحمد أي: كأصل أجره، وقيل: كأجره من حيث إنه يكتب له بكل خطوة أجر كالحاج، وإن تغاير الأجران كثرة وقلة، أو كمية وكيفية، أو من حيث إنه يستوفي أجر المصلين من وقت الخروج إلى أن يرجع، وإن لم يصلِّ إلا في بعض تلك الأوقات كالحاج، فإنه يستوفي أجر الحاج إلى أن يرجع وإن لم يحج إلا في عرفة.
«المـُحْرِم» شُبِّه بالحاج المحْرِم لكون التَّطهُّر من الصلاة بمنزلة الإحرام من الحج؛ لعدم جوازهما بدونهما، ثم إن الحاج إذا كان محْرِمًا كان ثوابه أَتَمَّ، فكذلك الخارج إلى الصلاة إذا كان مُتَطَهّرًا كان ثوابه أفضل. مرقاة المفاتيح (2/612).
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فأجره كأجر الحاج المحْرِم» الحاج لا يكون إلا محْرِمًا، ولعل المراد: كأجر الحاج إذا أحرم من دُويْرة أهله. شرح سنن أبي داود (3/564).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«فأجره» أي: ثوابه مضاعف «كأجر الحاج» أي: مثل أجر الحاج. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/398).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فأجره كأجر الحاج المحْرِم» هذا من باب إلحاق الناقص بالكامل مبالغةً في الترغيب، وليس المراد التسوية من كل الوجوه، وكيف يكون كذلك والأجر على قدر التعب، وإن كانت الصلاة في حد ذاتها أفضل وأهم من الحج. لمعات التنقيح (2/482).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «كأجر الحاج المحْرِم» فالصلاة الفريضة مشبهة بالحج، كالتطوع تسمى تسبيحًا، وسُبحة -بضم السين- كالسُّخْرَة من التسخير، وقالوا في وجه تسميتها بها: إن التسبيحات في الفرائض نوافل، فصلاة النافلة شابهت تسبيحاتها في عدم الوجوب.
ويمكن أن يقال: إنها لما كانت زائدة على الفرائض كانت في معنى تسبيح اللَّه وتنزيهه وتقديسه، فسُمِّيَتْ بمطلق اسم التسبيح. لمعات التنقيح (2/482).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
دلّ الحديث: على أن الذهاب إلى الصلاة فيه فضل عظيم حيث شبهه بالحاج المحْرِم. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (4/251).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
يكون أجره كأجر الحاج المحْرِم الذي تلبَّس بلباس الحج، يعني: أن الله تعالى يُثِيْبه مثل خروج الحاج المحْرِم، فهذا خرج ليؤدي صلاة مكتوبة والمحْرِم خرج ليؤدي عبادة عظيمة، فأجر هذا كأجر هذا، وفضل الله واسع. شرح سنن أبي داود (77/8).
وقال الشيخ أحمد حطيبة -حفظه الله-:
«فأجره كأجر الحاج المحْرِم» يعني: إذا كان الإنسان يصلي في اليوم خمس صلوات في بيت الله -عزّ وجلّ- فله أجر خمس حجج على الصلوات التي يؤديها، فإذا كان في صلاة الفجر خصوصًا وجلس حتى تشرق الشمس ثم صلى الضحى فله أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة. شرح الترغيب والترهيب (2/3).

قوله: «ومَن خَرَجَ إلى تَسْبِيحِ الضُّحى»:
قال التوربشتي -رحمه الله-:
«ومَن خرج إلى تسبيحِ الضحى» يريد به: صلاة الضحى، وكل صلاة يتطوع بها فهي تَسْبِيح وسُبْحة. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/215).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ومَن خرج إلى تسبيح الضحى» أي: إلى صلاة الضحى، وكل صلاة نافلة فهي تسبيح وسبحة، كأنها شُبِّهَت بالأذكار في كونها غير واجبة. شرح مصابيح السنة (1/441).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «إلى تسبيح الضحى» فالمكتوبة والنافلة وإن اتفقنا في أن كل واحدة منهما يسبح فيهما، إلا أن النافلة جاءت بهذا الاسم أخص من جهة أن التسبيحات في الفرائض نوافل، فكأنه قيل للنافلة: تسبيحة على أنها شبيهة بالأذكار في كونها غير واجبة. شرح المشكاة (3/949).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ومَن خرج إلى تسبيح» أي: صلاة «الضحى»؛ سُمِّيَتْ الصلاة سُبْحة لما فيها من تسبيح الله تعالى وتنزيهه، قال الله تعالى: {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِين} الصافات:143، أي: من المصلين. شرح سنن أبي داود (3/564-565).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
فإن سأل سائل عن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ومَن خرج إلى تسبيح الضحى»، وعن قوله: «أيها الناس، صلوا في بيوتكم؛ فإن خير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة»؛ فقال: كيف أمر بأداء النوافل في البيوت ثم وعد الثواب على الخروج إليها؟ وكيف السبيل إلى الجمع بين الحديثين على وجه لا يلزم منه خلاف ولا تضاد؟
فالجواب: أن نقول: يحتمل أن يكون قوله -صلى الله عليه وسلم- مختصًّا بصلاة الليل، وإن كان ظاهر لفظه يقتضي العموم؛ وذلك لأنه قال هذا القول بعد أن قام بهم ليالي من رمضان، فلما رآهم يجتمعون إليه ويتنحنحون؛ ليخرج إليهم، قال: «ما زال بكم الذي رأيتُ من صنيعكم حتى خشيتُ أن يُكتب عليكم، ولو كُتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم...» الحديث، فاكتفى عن ذكر صلاة الليل بما دل عليه صيغة الحال.
ومن الدليل على صحة ما ذهبنا إليه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقعد في مصلاه حتى تطلع الشمس ثم يركع ركعتين، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يُسبِّح ركعتي الضحى، لا يقول إلا خيرًا؛ غُفر له خطاياه»، «وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا قَدِم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين»، «وكان -صلى الله عليه وسلم- يأتي مسجد قُباء كل سَبْت ماشيًا وراكبًا؛ فيصلي فيه ركعتين»، ولو كانت صلاته هذه في البيت خيرًا لم يكن ليأخذ بالأدنى ويدع الأعلى والأفضل، وإذ قد ثبت هذا فنقول: الظاهر: أنه أمرهم بالصلاة في بيوتهم لمعانٍ ثلاثة أو لبعض تلك المعاني:
أحدها -وهو آكد الوجوه-: أنه أحب أن يصلوا في بيوتهم؛ عملًا بالرخصة التي مَنَّ الله تعالى بها على هذه الأمة، ومخالفة لأهل الكتاب، فإنه لم يكن لهم أن يصلوا إلا في كنائسهم وبِيَعِهِم.
والثاني: أحب أن يتنفلوا في بيوتهم؛ لتشملها بركة الصلاة فيرتحل عنها الشيطان، وينزل فيها الخير والسكينة؛ ولهذا المعنى قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده؛ فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جَاعِل في بيته من صلاته خيرًا».
والثالث: أنه رأى النافلة في البيت أفضل؛ حذرًا من دواعي الرياء وطلب المحمدة الذي جُبِلَ عليه الإنسان، ونظرًا إلى سلامته من العوارض والموانع التي تصيبه في المسجد، بخلاف البيت فإنه يخلو هنالك بنفسه فيسد مداخل تلك الآفات والعوارض.
فعلى الوجه الأول والثاني: إذا أدى الإنسان بعض نوافله في البيت فقد خرج من عُهْدَةِ ما شُرِعَ له.
وعلى الوجه الثالث: فإنه إذا تمكَّن من أداء نافلته في المسجد عارية عن تلك القوادح والعوارض؛ لم تتأخر صلاته تلك عن صلاته في البيت فضيلة.
وأرى في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَنْصِبُهُ إلا إياها» إشارة إلى هذا المعنى، وهو أن لا يشوب قصده ذلك شيء آخر، فلا يزعجه إلا القصد المجرد لخروجه إلى الصلاة سالمـًا عن الآفات التي أشرنا إليها. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/215-216).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وفيه: دلالة على أن صلاة الضحى في المسجد أفضل.
ويحتمل: أن يراد به: أحد المساجد الثلاثة، ويدل على عموم المساجد: رواية الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سَرِية فغنموا وأسرعوا الرَّجْعَة، فتحدَّث الناس بِقُرب مَغْزَاهم وسرعة رَجْعَتِهم وكثرة غنيمتهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن توضأ ثم غَدَا إلى المسجد لِسُبْحة الضحى فهو أقرب منهم مَغْزَىً، وأكثر غَنِيْمَةً، وأوشك رَجْعَةً».
ويحتمل: أن يراد بتسبيح الضحى: صلاة الضحى في يوم الجمعة دون غيره؛ لأَدِلَّة وردت به. شرح سنن أبي داود (3/564-565).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «ومَن خرج إلى تسبيح الضحى» التسبيح هو صلاة النافلة، والمقصود بالضحى: صلاة الضحى، يعني: أنه خرج ليؤديها، وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة»، وكل الصلوات هي في البيوت أفضل منها في المساجد إلا الفرائض، فإنه يجب أن تؤدى في المساجد.
وهنا ذكر صلاة النافلة أو الذهاب إلى النافلة؛ فمن أهل العلم من قال: إن ذلك قد يكون فيه استثناء لتلك الصلاة بأنها تكون في المسجد، ولها ذلك الفضل.
ويمكن أن يقال: إنها إذا أُدِّيَتْ في المسجد لها ذلك الفضل، ولكن ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: «صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة» يدل على أن مَن تمكَّن من أداء النافلة في المسجد ولكنه فعلها في البيت؛ فإن صلاته في البيت تكون أفضل وأعظم أجرًا من صلاته في المسجد.
ويمكن أنَّ ذلك يتحقق في الذهاب إلى قُباء، فكون مَن كان في المدينة يتوضأ في بيته، ثم يذهب إلى قُباء فيصلي فيه ركعتين يكون له كأجر عمرة، كما جاء ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن تطهر في بيته ثم أتى مسجد قُباء فصلى فيه صلاة كان كأجر عمرة».
ولكن الحديث الذي هنا عامٌّ، ولا شك أن مقتضاه يتحقق بما جاء في قصة قُباء، ولكن مَن قَدَر على أن يؤدي النوافل في المسجد، وتركها في المسجد وأداها في البيت يكون ذلك أعظم أجرًا له عند الله؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة»، وكان -عليه الصلاة والسلام- يصلي النوافل في البيت، ثم يخرج ويصلي بالناس، ثم يرجع من المسجد ويصلي النوافل البعدية في بيته -صلى الله عليه وسلم-. شرح سنن أبي داود (77/8).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
وفي هذا: إشارة إلى أن صلاة الضحى في المسجد أفضل. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (4/251).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «ومَن خرج إلى تسبيح الضحى» أي: نافلته، وظاهره: أن نافلة الضحى ينبغي أن تكون في المسجد، وقد جاء أن «صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة».
وقد يقال: يجوز أن تكون نفس الصلاة في البيت أفضل، ومع ذلك إذا خرج لأجلها إلى المسجد يكون له أجر في المشي. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (1/364).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
قوله: «ومَن خرج إلى تسبيح الضحى» أي: صلاة الضحى، وأطلق التسبيح على نافلة الضحى؛ لوجود معنى النفل في كل منهما، وكذا كل تطوع يسمى تسبيحًا وسُبْحة. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (4/251).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«مَن خرج إلى تسبيح الضحى» أي: صلاة سنته، ومن هذا أخذ أئمتنا قولهم: السُّنة في صلاة الضحى فعلها في المسجد، ويكون من جملة المستثنيات من خبر: «أفضل صلاة الرجل في بيته إلَّا المكتوبة»...، وحكمة تشبيه الأول بالحاج، وهذا بالمعتمر: أنَّ الحج فرض إجماعًا، والعمرة سنة عند أكثر العلماء، فناسب تشبيه الفرض بالفرض، والسنة بالسنة، وعلى أنها فرض كالحج هي دونه، فَشُبِّه بها النَّفل؛ لأنها دون الفرض، والحاصل: أنَّ نسبة ثواب الخروج لنافلة الصلاة إلى الخروج لفرضها، كنسبة ثواب الخروج للعمرة كالخروج للحج. فتح الإله في شرح المشكاة (3/239-240).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فيه: أنه على فرض صحة حديث المتن يدل على جوازه لا على أفضليته.
أو يحمل: على مَن لا يكون له مَسكن، أو في مَسكنه شاغل ونحوه، على أنه ليس للمسجد ذِكر في الحديث أصلًا.
فالمعنى: مَن خرج من بيته أو سوقه أو شغله متوجهًا إلى صلاة الضحى تاركًا أشغال الدنيا. مرقاة المفاتيح (2/612).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
ما قاله ابن حجر المكي (أي: الهيتمي) هو ليس بجيد، والقول ما قال علي القاري -رحمه الله-.عون المعبود شرح سنن أبي داود (2/185).

قوله: «‌لا ‌يَنْصِبُه ‌إلا ‌إِياه»:
قال التوربشتي -رحمه الله-:
«لا يُنصبه إلا إياها»... أي: لا يزعجه ولا يحمله على الخروج إلا ذلك. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/215).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«إلا إيَّاه» ضمير منفصل منصوب وقع موقع المنفصل المرفوع؛ لأنه استثناء مُفَرَّغ، يعني: لا يتعبه إلا الخروج إلى تسبيح الضحى. شرح مصابيح السنة (1/442).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
يمكن أن يقال: إن هذا من الميل إلى المعنى دون اللفظ، فمعنى: «لا ينصبه إلا إياه» لا يقصد ولا يطلب إلا إيَّاه. شرح المشكاة (3/949).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«لا ينصبه» لا يزعجه ولا يخرجه شغل غير الصلاة، يعني: ينبغي أن يكون خروجه للصلاة وحدها. المفاتيح في شرح المصابيح (2/82).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«إلا إيَّاه» أي: لا يزعجه ولا يحمله على الخروج إلا ذلك، أي: تسبيح الضحى، وحقه أن يقال: إلا هو، فوضع الضمير المنصوب موضع المرفوع. مرعاة المفاتيح (2/441).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «لا ينصبه» معناه: لا يُتْعِبُه ولا يُزْعِجه إلا ذلك. معالم السنن (1/161).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«لا ينصبه»...أي: لا يزعجه ويخرجه...، «إلا إياه» أي: تسبيح الضحى. شرح سنن أبي داود (3/ 565).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
قوله: «لا ينصبه إلا إياه» أي: لا يتعبه شيء إلا هو، أي: الخروج إليها. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (4/251).

قوله: «فأجرُهُ كأجْرِ المعْتَمِر»:
قال التوربشتي -رحمه الله-:
في قوله: «فأجره كأجر المعتمر» إشارة إلى أن فضل ما بين المكتوبة والنافلة والخروج إلى كل واحد منهما؛ كفضل ما بين العمرة والحج والخروج إليهما. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/215).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فأجره كأجر المعتمر» فيه أن أجر التَّطَوّعات المؤكدة دون أجر الفرائض، فإنه جعل في الحديث الذَّاهب إلى المكتوبة كالحاج، والذّاهب إلى المؤكدة كالمعتمر. شرح سنن أبي داود (3/ 566).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فأجره كأجر الحاج» فيه إشارة إلى أن العُمرة سنة. مرقاة المفاتيح (2/613).
وقال المغربي -رحمه الله-:
الحديث فيه دلالة على أن العمرة غير واجبة وأنها سنة، وقد ذهب إلى هذا القاسم وزيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه، وهو المشهور عن المالكية، وغير المشهور عن الشافعي، إلا أن أبا حنيفة يقول: هي تطوع، وبه قال داود. البدرُ التمام شرح بلوغ المرام (5/177).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
دلّ الحديث: على مشروعية صلاة الضحى، وعلى أن الذهاب إليها فيه خير كثير كالذهاب إلى العُمرة. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (4/251).

قوله: «وصلاةٌ على أَثَرِ صلاةٍ»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «وصلاةٌ على إِثْر صلاةٍ» أي: صلاة عقيب صلاة..شرح سنن أبي داود (3/38).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «وصلاة على إِثْر صلاة» معناه: مداومة الصلاة والمحافظة عليها من غير شَوْبٍ بما ينافيها، لا مزية عليها، ولا شيء من الأعمال أعلى منها، فكَنَّى عن ذلك بقوله: «عليين». شرح المشكاة (3/950).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
والمراد بالصلاة على أَثَرِ الصلاة، أي: صلاة تتبع صلاة وتتصل بها، ويدخل فيه الصلوات في الليل والنهار، ونفل بعد فرض وعكسه. شرح سنن أبي داود (3/ 566).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«وصلاة على إِثْر صلاة»...، أي: عقبيهما، يعني: صلاة تتبع صلاة، وتتصل بها ليلًا ونهارًا فرضًا وسُنة. مرعاة المفاتيح (2/442).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«صلاة في إِثْر صلاة» يعني: سواءٌ أكانت فريضة بعد فريضة، أم كانت نافلتين بينهما فراغ، كل ذلك صلاة في إِثْر صلاة، حيث لا يكون بينهما لغو. شرح سنن أبي داود (158/20).

قوله: «لا لَغْوَ بينهما»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «لا لغو بينهما» أي: بين الصلاتين...، ويجوز أن تكون «لا» لنفي الجنس، ويكون «لغوَ» مبنيًا على الفتح، نحو: لا رجلَ في الدار، ويجوز أن تكون بمعنى (ليس)، ويكون «لغوٌ» مرفوعًا على أنه اسم (ليس) وخبره: قوله: «بينهما».
فإن قلتَ: ما موقع هذه الجملة؟
قلتُ: وقعت في المعنى صفة كاشفة للصلاة؛ لأن الصلاة التي تُكتب في عليين موصوفة بشيئين:
الأول: أن تكون مكتنفة بصلاة أخرى.
والثاني: أن لا يكون بينهما لغو وأباطيل من الكذب والغيبة والنميمة ونحو ذلك. شرح سنن أبي داود (3/38).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لا لغو بينهما» أي: بكلام الدّنيا. مرقاة المفاتيح (2/613).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«لا لغو بينهما» أي: ما لا يعني من القول والفعل...، فيشمل اللغو من الفعل كما جاء في الحديث: «مَن مسَّ الحصى فقد لغا». مرعاة المفاتيح (2/442).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«لا لغو بينهما» أي: ليس بينهما كلام باطل ولا لَغَطٌ. عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/118).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
معناه: أنها يُصْعَدُ بها، وأنها ترفع وتكون في عليين، وأنها تكون مقبولة، حيث تكون الصلاة قد أُدِّيَتْ كما ينبغي، ويكون ما بين الصلاتين لا لغو فيه، وإنما فيه كلام طيب. شرح سنن أبي داود (158/19).

قوله: «كِتَابٌ في عِلِّيِّين»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «كتاب في عليين» أي: مكتوب فيها؛ كالحساب بمعنى: المحسوب، قال الله تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّين * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّون * كِتَابٌ مَّرْقُوم * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُون} المطففين:18-21، وعلِيّون: جمع، واحدهِ: عِلِّيٌّ، مشتق من العُلو، وهو للمبالغة، ويُقال: جُمعَت كجمع الرجالِ إذ لا واحد لها ولا تثنية.
وقال الفراء: اسم موضع عَلى صيغته كـ: عشرين وثلاثة. شرح سنن أبي داود (3/38).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
قوله: «كتاب في عليين» أي: مكتوب فيه، وعلِّيون: جمع، واحده: عِلِّيٌّ، مشتق من العلوِّ للمبالغة، وقيل: ملحق بالجمع.
وهو عَلَمٌ لديوان الخير الذي دُوِّن فيه أعمال الأبرار، قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّين * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّون * كِتَابٌ مَّرْقُوم * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُون} المطففين:18-21...، قال كعب: هو قائمة العرش اليمنى. وقال الضحاك: هو سدرة المنتهى. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (4/251).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
« كتاب في عليين» أي: عمل مكتوب في عليين أو مرفوع...؛ وإنما سُمِّيَ عليون لأنه مرفوع في السماء السابعة تكريمًا وتبجيلًا له، أو لأنه سبب الارتفاع إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات في الجنة. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/216).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«كتاب» أي: عمل مكتوب «في عليين» أو مرفوع فيه، أو سبب لِكَتْب اسم عامله...
«في عليين» وهو موضع تُكتب فيه أعمال الصالحين، وقيل: هو عَلَمٌ لديوان الخير الذي دُوِّنَ فيه أعمال الأبرار. شرح مصابيح السنة (1/442).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كتاب» أي: عمل مكتوب «في عليين» وهو عَلَمٌ لديوان الخير الذي دُوِّنَ فيه أعمال الأبرار، قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّين * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّون * كِتَابٌ مَّرْقُوم * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُون} المطففين:18-21، منقول من جمع: عِلِّيّ فِعِّيل، من العلو؛ سُمِّيَ به لأنه مرفوع إلى السماء السابعة تكريمًا، ولأنه سبب الارتفاع إلى أعلى الدرجات، والعِلِّيَّة -بتشديد اللام والياء-: الغرفة؛ كذا قاله بعضهم. مرقاة المفاتيح (2/613).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«كتاب» أي: مكتوب «في عليين» تصعد به الملائكة المقربون إلى عليين؛ لكرامة المؤمن وعمله الصالح، كما قال تعالى: {إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّين} المطففين: 18. شرح سنن أبي داود (3/ 566).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كتاب في عليين» أي: عمل مكتوب يصعد به الملائكة المقربون إلى عليين، وعِلِّيُّون: اسم لديوان الملائكة -عليهم السلام- يُرْفَعُ إليه أعمال الصلحاء. التنوير شرح الجامع الصغير (7/41).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
وقيل: أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب، أي: مداومة الصلاة من غير تخلل ما ينافيها؛ لا شيء من الأعمال أعلى منها، فَكَنَّي عن ذلك بِعِلِّيِّيْن. عون المعبود شرح سنن أبي داود (2/186).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«في عليين»... سُمِّيَ به لأنه مرفوع إلى السماء السابعة تكريمًا، ولأنه سبب الارتفاع إلى أعلى الدرجات. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/400).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«في عليين» فيه إشارة إلى رفع درجتها وقبولها. عون المعبود شرح سنن أبي داود (2/185).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «كتاب في عليين» يعني: أنه يرفع شأنه عند الله -عزّ وجلّ-، وتُرفع درجته عند الله -عزّ وجل- ما دام أنه صلى صلاة على إِثْر صلاة، وكان ما بينهما خاليًا من اللغو، وليس فيه إلا ذكر الله -عزّ وجلّ-، ولا يأتي بسيئات، وبكلام سيئ ولغو بين تلك الصلاتين، فمن كان كذلك فإن هذا في أعلى الدرجات، وفي أعلى المنازل، ويكتب الله ذلك له ويثبته عنده. شرح سنن أبي داود (77/8).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله- أيضًا:
قوله: «كتاب في عليين» أي: مكتوب في عليين، تكتبه الملائكة وترفعه إلى الله -عزّ وجلّ-؛ لأن الأعمال الصالحة ترفع إلى الله -عزّ وجلّ-. شرح سنن أبي داود (158/20).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله- أيضًا:
فهذا الحديث فيه: فضل الذهاب إلى المساجد، وفضل متابعة الذهاب إلى المساجد، وفضل السلامة من اللغو ومن الكلام السيئ بين الصلوات، ومن المعلوم أنّ الإنسان إذا أدّى الصلوات الخمس، وحفظ لسانه فيما بين كل صلاة وصلاة، فلا شك أنه على خير، ولا شك أنّ ذلك يرفع شأنه ودرجته عند الله -عزّ وجلّ-. شرح سنن أبي داود (77/8).


ابلاغ عن خطا