«إذا انتعل أَحدُكم فليبدأ باليمين، وإذا نزَع فليبدأ بالشمال، ليكُن اليُمنى أَولهما تُنعل وآخرهما تُنزع».
رواه البخاري برقم: (5855)، واللفظ له، ومسلم برقم: (2097)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«انْتَعَلَ»:
أي: لبس النَّعْل. التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي (1/ 81).
«نَزَعَ»:
أي: خلع النَّعْل. مرقاة المفاتيح، للقاري (7/ 2810).
شرح الحديث
قوله: «إذا انْتَعَلَ أحدُكُم»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «إذا انتعل» أي: لبس النعل. فتح الباري (10/ 311).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إذا انتعل أحدكم» أي: أراد لبس النعل. مرقاة المفاتيح (7/ 2810).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إذا انتعل أحدكم» أي: لبس نعله. فيض القدير (1/ 304).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«إذا انتعل أحدكم...» في الكلام مجاز الْمُشَارَفَة، أي: إذا أشرف على الانتعال، وأراد أنْ يلبس النعل، وإذا أراد أنْ يخلع النعل. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 361).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«إذا انتعل أحدكم» أي: أراد أحدكم يا معشر الأمة الانتعال، ومثله إرادة لبس الخُفِّ. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 212).
وقال عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
«إذا انتعل أحدكم» أي: إذا أراد واحد منكم أيها المسلمون أنْ يلبس نعله، وأنْ يضعه في رجله، والنعل هو الحذاء. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (10/ 172).
قوله: «فليبدأ باليمين»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «باليمين» في رواية الكشميهني: «باليُمنى». فتح الباري (10/ 311).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
«فليبدأ» استحبابًا «باليمين» أي: بالجانب اليمين، وفي رواية: «باليُمنى» أي: بالنعل اليُمنى؛ لأنَّ النعل مؤنثة. شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 435).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فليبدأ» ندبًا «باليُمنى» أي: بإنعال رجله اليُمْنى. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 81).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وهذه جملة لم يختلف العلماء فيها، وأنَّها أوامر أدب وتحضيض، لا تجب. إكمال المعلم (6/ 616).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ونقل عياض وغيره الإجماع على أنَّ الأمر فيه البدء بالانتعال باليمين للاستحباب، -والله أعلم-. فتح الباري (10/ 312).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فليبدأ» ظاهر الأمر: الوجوب، ولكنه ادَّعى القاضي عياض الإجماع على أنه للاستحباب. سبل السلام (2/ 622).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فليبدأ باليمين» في إدخال النعل؛ لأنه كرامة، وهي أحق بها. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 212).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فليبدأ باليُمنى» من أقدامه؛ تشريفًا لها، كما شَرُفَتْ اليد اليمنى كما سلف، ومثله الخُفُّ ونحوه، وإنما ذَكَرَ النعل إخراجًا على غالب ما يلبسه المخاطبون. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 604).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فليبدَأْ باليُمْنَى» فإنَّ الابتداءَ باليُمنى مُستحَبٌّ في كُلِّ فعل. شرح المصابيح (5/ 47).
وقال العيني -رحمه الله-:
فيه: تفضيل اليمين على الشمَال. عمدة القاري (22/ 25).
وقال الباجي -رحمه الله-:
التيامُن مشروع في ابتداء الأعمال واللباس، وأنَّ التياسر مشروع في خلع الملبوس، وترك العمل، وكان -صلى الله عليه وسلم- يحب التيامُن ما استطاع في طهوره وتنعُّلِهِ وترجُّله، وشأنه كله. المنتقى شرح الموطأ (7/ 227).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
هذا معناه أيضًا: تفضيل اليمين على الشمال...، فإنَّ المنتعِلَة أفضل، وتُوقَّى النَّزْع لتأخذ حظَّها، وقيل: لأنَّ الميامِن قوة في الأفعال، وأشد في البطش؛ فلهذا بُدِئَ بها في الوضوء والانتعال، وأما الاستنجاء ومس الذكر، فيكره؛ لفضلها، ودناءة ذلك. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (28/ 39).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فلما كان لبس النعل صيانة للرِّجْل من الأقذار، ووقاية من الشوك والأذى، كان البداءة باليُمنى زيادة في كرامتها، كما تقدَّم في وضعها (أي: النعل) إلى جنبه حِفْظًا من سرقة ونحوها، وهذا في جلد ينتفع به يحصل له هذا الإكرام، فما ظنك بدابة يُنْتَفَعُ بها، أو مَن ينفعه في دينه ودنياه. شرح سنن أبي داود (16/ 434).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
إذا كان معلومًا إنَّ لبس الحذاء صيانة للرِّجْل ووقاية لها، فقد أعلم أنَّ التَّبْدِيَةَ به لليُمنى زيادة في كرامتها، وكذلك التَّبْقِيَة لها بعد خلع اليُسْرى، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبدأ في لبوسه وطهوره بميامنه، ويقدمها على مياسره. معالم السنن (4/ 204).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
مَن مشى في نعل أو خُفٍّ واحدة، أو بدأ في انتعاله بشماله فقد أساء، وخالف السُّنة، وبئسما صَنَع، إذا كان بالنهي عالمـًا، ولا يحرم عليه مع ذلك لباس نعله ولا خُفِّه، ولكنه لا ينبغي له أنْ يعود، فالبركة والخير كله في اتباع أدب رسول الله، وامتثال أمره -صلى الله عليه وسلم-. التمهيد (18/ 182).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال ابن عبد البر: مَن بدأ بالانتعال في اليسرى أساء؛ لمخالفة السُّنة، ولكن لا يحرم عليه لبس نعله، وقال غيره: ينبغي له أنْ ينزع النعل من اليُسْرى، ثم يبدأ باليُمنى، ويمكن أنْ يكون مراد ابن عبد البر: ما إذا لبسهما معًا، فبدأ باليسرى، فإنه لا يشرع له أن ينزعهما، ثم يلبسهما على الترتيب المأمور به؛ إذ قد فات محله. فتح الباري (10/ 312).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
قال بعضهم: وفيه (أي: كلام ابن حجر) تأمُّل؛ لأن مَن فعل ذلك، فعليه نزعهما، ويستأنف لبسهما على ما أُمِرَ به، فكأنه ألغى ما وقع منه أولًا. شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 435).
قوله: «وإذا نزَع فليبدأ بالشمال»:
قال الزرقاني -رحمه الله-:
«وإذا نزع»، وفي رواية: «انتزع»، «فليبدأ بالشمال» أي: ينزعها. شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 435).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وإذا نزع» أي: أراد النزع لها «فليبدأ بالشمال»؛ لأنَّ بقاء الرِّجْل في النعل كرامة، وتقدَّم أنها أحق بها. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 212-213).
وقال المناوي -رحمه الله-:
يخلع اليُسْرى أوَّلًا؛ لأنَّ اللُّبْس كرامة للبدن، واليُمنى أحق بالإكرام. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 81).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وإذا نزع» نعليه «فليبدأ بالشمال»؛ لتبقى النعل في الرِّجْل إلى أنْ ينزع اليسرى. شرح سنن أبي داود (16/ 434).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال الحليمي: وجه الابتداء بالشمال عند الخلع أنَّ اللُّبْس كرامة؛ لأنه وقاية للبدن، فلما كانت اليُمنى أكرم من اليُسرى بُدِئَ بها في اللبس، وأُخِّرت في الخلع؛ لتكون الكرامة لها أدوم، وحظُّها منها أكثر. فتح الباري (10/ 312).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
هذا على ما تقدَّم من احترام اليُمنى، فإنَّه إذا انتعل فيها أولًا فقد قدَّمها في الصيانة على اليسرى، وكذلك إذا خلعها أخيرًا فقد بقي عليها كرامتها وصيانتها. المفهم (17/ 98).
وقال النووي -رحمه الله-:
هذه قاعدة مستمرة في الشرع، وهي أنَّ ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخُفِّ، ودخول المسجد والسواك والاكتحال، وتقليم الأظفار وقص الشارب وترْجِيل الشَّعْر -وهو مشطه-، ونتف الإبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، وغسل أعضاء الطهارة، والخروج من الخلاء، والأكل والشرب والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، وغير ذلك مما هو في معناه؛ يُستحب التيامن فيه.
وأما ما كان بِضِدِّه كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخُفّ، وما أشبه ذلك، فيُستحب التياسُر فيه؛ وذلك كله بكرامة اليمين وشرفها، -والله أعلم-. شرح النووي على مسلم (3/ 160).
قوله: «ليكُن اليُمنى أَولهما تُنعل وآخرهما تُنزع »:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «لتكن اليُمنى أولهما تُنْعل، وآخرهما تُنْزع» زعم ابن وضاح فيما حكاه ابن التين: أنَّ هذا القدر مُدْرَج (أي: من كلام الراوي)، وأنَّ المرفوع انتهى عند قوله: «بالشمال». فتح الباري (10/ 311).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال ابن وضاح: كلامه -عليه السلام- إلى قوله: «فليبدأ بالشمال» يعني: والباقي من الراوي، ولا يظهر لي ذلك. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (28/ 39).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
والأصل أنه مرفوع؛ لأن الإدراج ليس بالتشهي، وليس هذا تأكيدًا للاستغناء عنه بالأول كما زعم: بل له فائدة هي أنَّ الأمر بتقديم اليُمنى أولًا لا يقتضي تأخُّر نزعها؛ لاحتمال نزعهما معًا. شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 435).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«لتكن اليُمنى أولهما تُنْعَل، وآخرهما تُنْزَع» هذا زيادة في البيان، وإلا فإنه قد أغنى الشرطتان الأوليان عن ذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 604).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ولتكن اليمنى أولهما تُنْعَل» قد يقول قائل: هل هذه الجملة مؤكدة لما سبق أو تفيد معنى آخر؟
والجواب: أن نأخذ بقاعدة معروفة، وهي إذا دار الكلام بين أنْ يكون توكيدًا أو تأسيسًا، فالأصل أنه تأسيس؛ لأن التوكيد لا يفيد معنى جديدًا؛ إذ هو المعنى الأول، لكنه مؤكدًا، أما التأسيس فيفيد معنى جديدًا؛ إذن نقول: ولتكن اليُمنى أولهما في النعل، آخرهما تنزع، فيه فائدة غير الأولى، وهو أنه يشير إلى أنه يلبس اليمنى لبسًا كاملًا حتى وإن احتاجت إلى علاج كالربط ونحوه، فإنَّ بعض النعال تحتاج إلى ربط لها سُيُور تُرْبَط بها، وإلا تسقط من الرِّجْل، فإذا قُدِّر أنَّ هذه النعال تحتاج إلى عَقْد وَرَبْط نقول: لا تلبس اليُسرى حتى تربط اليُمنى؛ ولذلك نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنْ ينتعل الرجل قائمًا، أرأيتم لماذا؟ لأنَّ النعال في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- غالبها تحتاج إلى ربط، فإذا كان قائمًا -انتعل قائمًا-، وأرد أن يربطها؛ إذا رفع رجله ربما يسقط على قفاه، وإن خفض رأسه فكذلك أيضًا يكون على وجه غير مستطاع؛ لذلك نهى -عليه الصلاة والسلام- أن ينتعل الرجل قائمًا، أما مثل نعالنا اليوم التي لا تحتاج إلى المعالجة فليس فيه نهي.
المهم أنْ قوله: «ولتكن اليُمنى أولهما تُنْعل وأخراهما تُنْزَع» فيه معنى جديد غير الأول، وهو أنك لا تلبس اليُسرى حتى تلبس اليُمنى نهائيًا، ثم البس اليسرى إنْ احتاجت إلى عمل، قلنا: كمل العمل، ومثل ذلك: الجوارب مثلًا، لا تلبس جورب اليُسرى حتى تكمل جورب اليُمنى؛ بأن تشُدَّه حتى يصل إلى منتهاه في الساق، ولا يكفي أنْ تلبسه حتى تغطي القَدَم. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (6/ 264)
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «لتكن» الرِّجْل «اليُمْنَى أوَّلهما» مُتعَلِّق بقوله: «تُنْعَل»، وهو خبر (كان) وذكَرَهُ بتأْوِيل العُضْو، أو هو مبتدأ، و«تُنْعَل» خبره، والجملة خبر (كان)، «وآخرهما تُنْزَع»؛ لأن اليُمْنَى محبوب الله، ومختاره من خلقه، فبُدِئَ به وفاءً بحقِّهِ. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 81).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «لتكن» بلفظ الأمر الغائب، و«أولهما» خبر كان، و«تُنْعل» حال من اليُمنى، هكذا الرواية...، ثم الظاهر (أولاهما) بلفظ المؤنث، والتذكير باعتبار العضو، وقد يُروى: «يُنْعل» أيضًا بلفظ التذكير. لمعات التنقيح (7/ 398-399).
وقال المغربي -رحمه الله-:
الحديث فيه: دلالة على شرعية البداية باليمين في الانتعال، وظاهر الأمر الوجوب، ولكنه محمول على الاستحباب. البدر التمام شرح بلوغ المرام (10/ 177).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
فيه: استحباب البداءة باليمين في لبس النعل، وبالشمال في نزعها، ويُقاس على ذلك لبس الثوب والسراويل ونحوها. تطريز رياض الصالحين (ص: 465).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)