الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«مَن منع فضلَ مائه، ‌أو ‌فضلَ ‌كَلئهِ، ‌مَنعه ‌الله ‌فضله يوم القيامة».


رواه أحمد برقم: (6673) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (6560)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1422).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مَنَعَ»:
أي: حَرَمَ، يقال: مَنعه الشَّيْء وَمِنْه منعًا: حَرَمَهُ إِيَّاه، وصرَفَهُ وصَدَّهُ وحَجَبَهُ وأَمْسَكَهُ عنه. أساس البلاغة (2/ 229)، والمعجم الوسيط (2/ 888).

«فَضْلَ»:
الفضْلُ: الزِّيَادَة، يُقال: فَضل الشَّيْء في نَفسه إذا زَاد. الفروق اللغوية، للعسكري (ص: 195).

«كَلَئِهِ»:
الكَلَأُ: العُشْبُ، رطَبُه ويَبْسُهُ، والعُشب لا يكون إلا رَطبًا. العين، للفراهيدي (5/ 408).


شرح الحديث


قوله: «مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مائِهِ، أو فَضْلَ كَلَئِهِ»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «مَن منع فَضْلَ مائِهِ» أي: ما زاد عنده من الماء عن قدر حاجته يمنعه عن غيره، «كَلَئِهِ» العُشب رَطْبُه ويَابِسُهُ. حاشية السندي على مسند أحمد (2/258).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فضل مائه» أي: ما زاد على كِفَايَتِهِ، وظاهرُ إضافته إليه أنَّ الكلام في بئْرٍ حفَرَها في مُلْكِهِ، أو في مَوَات للارْتِفَاقِ، وفَضلَ عن حاجته ما يحتاجه غيره. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 229).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فضل مائه» الزَّائِد على حاجته عن المُحتاج. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 479).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والمراد بالفَضْلِ: ما زاد على الحاجة. فتح الباري (5/ 32)
وقال فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
قوله: «فضل مائه» المراد به: ما زاد على الحاجة، ويُؤيد ذلك ما أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بلفظ: «ولا يَمْنَعُ فَضْلَ ماءٍ بعد أن يُسْتَغْنى عنه». بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار (2/ 119-120).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أيُّ شخص حفَر بئرًا بمَواتٍ للارتفاق فهو أحقُّ بمائِها وبما حولها من الكَلَأ حتى يَرْتَحِل، وعلى كُل حالة يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته وحاجة ماشيته للمحتاج، وفي رواية لأحمد -رحمه الله-: «من منع فضل مائه أو فضل كَلئه»، واتفقت الروايات على أن الجواب قوله: «منعه الله فضله يوم القيامة». فيض القدير (6/ 230).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فضْلَ ماءٍ أو كَلَأٍ» بالقصر: ما يفْضُل عن حاجة المانع، مثَّلُوه بمن حفَر بئرًا في أرضٍ مَوَات فإنه أحق بمائها وما حولها من الكلأ حتى يرتحل، وعلى كُل حال يجب عليه بذل ما فَضَلَ عنه حاجته. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 410).
وقال الرفاعي -رحمه الله-:
وليس له منْعُ ما فَضَلَ عمن يأخذه للشرب، ولا منع مواشيه، وله ‌المنع ‌من ‌سقي ‌الزرع ‌به. شرح مسند الشافعي (4/ 327).
وقال الشيخ سليمان الثنيان -حفظه الله-:
وأما الكَلَأُ فهو النبات الذي أخرجه الله للأنعام مما لم يَنْصَبْ فيه أحدٌ بِحَرْثٍ ولا غَرْسٍ ولا سقي، فهو لمن سَبَقَ إليه، ليس لأحدٍ أن يحتظر (أي يتخذه حظيرة) مِنه شيئًا دون غيره، ولكن ترعاه أنعامهم ومواشيهم ودوابُّهم معًا. الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها (1/ 277).

قوله: «‌منعه ‌الله ‌فضله ‌يوم ‌القيامة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«منعه الله فضله يوم القيامة»؛ لتَعَدِّيْهِ بِمَنْعِ ما ليس له، وهذا خبر ودعاء. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 445).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «منعه الله فضله يوم القيامة»؛ لتَعَدِّيْهِ بمنْعِ ما ليس له...، قال جمعٌ: والنهي عن بيع فضلِ الماء للتحريم، وحَمْلُه على التنزيه يحتاج لدليل. فيض القدير (6/ 230).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«منعه الله فضله يوم القيامة»؛ جزاءً لما مَنَعَهُ مما لم تصْنَعْهُ يداه، وأفاد تحريم فضل بيع الماء؛ لأن البائع مانع. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 410).
وقال ابن النحاس -رحمه الله-:
فإنْ صح هذا الحديث فينبغي أن يكون فِعْلُ ذلك مرة واحدة كبيرة، وإلا فبالإصرار تصير كبيرة، والله أعلم. تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين (ص: 346).
قال الخطابي -رحمه الله-:
وأما الماء إذا جمعه صاحبه في صهريج أو بركة أو خزنه في جُبّ أو قراه في حوض ونحوه فله أن يمنعه، ‌وهو ‌شيءٌ ‌قد ‌حازه على سبيل الاختصاص لا يشركه فيه غيره، والحديث إنما جاء في منع الفضل دون الأصل، ومعناه ما فضل عن حاجته وحاجة عياله وماشيته وزرعه. معالم السنن (3/ 128).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله-:
فإِذا اسْتَقَى الماءَ مِنْ موضعه حتَّى يصير في الآنية والأوعية، فحكمه عندي غير هذا، وهو الذي رَخَّصَتِ العلماء في بيعه، لما تَكَلَّفَ فِيه ‌مُسْتَقِيهِ ‌وَحَامِلُهُ. الأموال (ص381).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وأما الْمُحْرَزُ في إناء فلا يجب بذل فضله على الصحيح من الوجهين لغير المضطر، وَيُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ، وقد حكى بعضهم الإجماع على ذلك، وقال بعض أصحابنا: لا يَمْلِكُه، بل هو أخص به، وَغَلَّطُوه في ذلك، هذا كلام أصحابنا، وكلام الفقهاء من الحنفية والحنابلة في ذلك متقارب في الأصل ‌وَالْمُدْرَك، وإن اختلفت تفاصيلهم. طرح التثريب في شرح التقريب (6/ 179).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
المراد بالفضل ما زاد على الحاجة، ولأحمد من طريق عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «لا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه»، وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة، وكذلك في الموات إذا كان بقصد ‌التَّمَلُّك، والصحيح عند الشافعية، ونص عليه في القديم وحرملة؛ أن الْحَافِر يملك ماءها، وأما البئر المحفورة في الْمَوَات لقصد الارتفاق لا التملك، فإن الحافر لا يملك ماءها، بل يكون أحق به إلى أن يَرْتَحِل، وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته، والمراد: حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته، هذا هو الصحيح عند الشافعية، وخص المالكية هذا الحكم بالموات، وقالوا في البئر التي في الملك: لا يجب عليه بذل فضلها، وأما الماء المحرز في الإناء، ‌فلا ‌يجب ‌بذل ‌فضله لغير المضطر على الصحيح.
قوله: «فضل الماء»: فيه جواز بيع الماء؛ لأن الْمَنْهِي عنه منع الفضل، لا منع الأصل، وفيه أن محل النهي ما إذا لم يجد المأمور بالبذل له ماء غيره، والمراد تمكين أصحاب الماشية منْ الماء، ولم يقل أحد إِنَّه يجب عَلَى صاحب الماء مباشرة سقي ماشية غيره، مع قدرة المالك. فتح الباري (5/32).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أما ‌إذا ‌ملكه ‌وحازه ‌وأخرجه ووضعه في البركة، فإنه يجوز بيعه؛ لأنه صار ملكًا له بالحيازة. الشرح الممتع (8/ 140).


ابلاغ عن خطا