«مَن استَيْقَظَ مِن الليل، وأَيقظَ امرأته، فصلَّيَا ركعتين جميعًا، كُتِبَا مِن الذاكرين الله كثيرًا والذّاكِراتِ».
رواه أبو داود برقم: (1451)، والنسائي في الكبرى برقم: (1312) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (1335)، من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد- رضي الله عنهما-.
صحيح أبي داود برقم: (1451)، صحيح ابن ماجه برقم: (1335).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«اسْتَيْقَظَ»:
اليَقَظَة: نقِيْضُ النوم. العين للخليل بن أحمد (5/ 200 / 201).
«الذَّاكِرِينَ»:
(جمعُ ذَاكِر) ذَكَرْتُ الشيء، خلافُ نسِيتُه. مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 296).
شرح الحديث
قوله: «مَنِ اسْتَيْقَظَ»:
قوله: «مَنِ اسْتَيْقَظَ»، وفي رواية: «إذَا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ»، وفي لفظ: «رَحِمَ الله رجلًا قام من الليل».
قال المباركفوري -رحمه الله-:
ولفظ ابن ماجه: «إذا استيقظ الرَّجُل وأَيْقَظَ امرأته فصلَّيَا ركعتين». مرعاة المفاتيح (4/ 236).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وقد أخرج أبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رحم الله رجلًا قام من الليل فصلَّى وأَيْقَظَ امرأته، فإنْ أَبَتْ نضَحَ في وجهها الماء، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصَلَّتْ وأَيْقَظَتْ زوجَها، فإنْ أَبَى نضَحَتْ في وجهه الماء»، وفي إسناده محمد بن عجلان، وقد وثَّقَه أحمد ويحيى وأبو حاتم واستشهد به البخاري، وأخرج له مسلم في المتابعة، وتكلم فيه بعضهم. نيل الأوطار (3/ 171).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «إذا استَيْقَظَ الرَّجُل» أي: مثلًا، وكذا العكس، فلا مفهوم لاسم الرَّجُل، كما يدل عليه الحديث الآتي: «مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ»، والمقصود: إذا استيقظ أحدهما، وأَيْقَظَ الآخر، والله أعلم. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 401).
وقال الشيخ محمد الأمين الهَرَري -رحمه الله-:
والشرط في قوله: «إذا استيقظ» لا مفهوم له، وإنما خَرَج مخرج العادة. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (8/ 210).
قوله: «من الليل»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«مِنَ اللَّيْلِ» أي: في بعض أجزاء الليل. مرقاة المفاتيح (3/ 931).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«مِنَ» جوف «اللَّيْلِ». شرح سنن أبي داود (6/ 457).
قوله: «وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهَرَري -رحمه الله-:
«وأيقظ امرأته» أي: زوجته بالتَّنْبِيه أو الموعظة، وفي معناها: مَحَارِمه، وكذا العكس. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (8/ 210).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وفي بعضها: «وأيقظ أهله» قد يراد به امرأته، ويحتمل: أن يراد به ما هو أعم من ذلك؛ من ولد ووالد وغيرهما من الأقارب. شرح سنن أبي داود لابن رسلان (7/ 134).
وقال السندي -رحمه الله-:
وفيه: تنبيه على أنَّ شأْنَ الرَّجُل أن يستيقظ أولًا، ويأمر امرأته بالخير. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 401).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وخصَّ الرَّجل بالإيقاظ؛ لأن الأغلب أن الرجال أحْرَصُ على الطاعات، وإلا فلو أيقَظَته المرأة لكان الأمر ما ذكر، فأما لو قام، ولم يُنَبِّه أهله، هل له ذلك الأجر أو دونه؟! محتمل. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 559).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
فيه: دليل جواز إيقاظ النائم للنافلة. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 559).
وقال السندي -رحمه الله-:
وفيه: أنه يجوز الإيقاظ للنوافل، كما يجوز للفرائض، ولا يخفى تقييده بما إذا عَلِمَ من حال النائم أنه يفرح بذلك، أو لم يَثْقُل عليه ذلك. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 401).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه: فضيلة أمْرِ الزوج أهلَه بصلاة النوافل والتطوعات، كما في الفرض، وكذا يأمرهم بتطوعات الصدقة، وأفعال الخير، ويسأل الله تعالى لهم الإعانة على ذلك. شرح سنن أبي داود (6/ 457).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- عن الرواية الأخرى:
«وأيقظ امرأته فصَلَّت» فيه: جواز إيقاظ الرَّجُل امرأتَه من الليل لمنفعة نفسه، أو منفعتها، أو منفعتهما جميعًا.
وفيه: أَمْرُهَا بصلاة النافلة، كما يَأْمُرُها بالفرائض، وكذا يَأْمُرها بالفضائل غير الصلاة من تسبيح وتهليل وذِكْرٍ، وغير ذلك من صدقة وصوم تطَوُّع. شرح سنن أبي داود (7/ 132).
قوله: «فصليا ركعتين»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فَصَلَّيَا» أي: الرَّجل والمرأة، أو الرَّجل وأهله. مرقاة المفاتيح (3/ 931).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«فصَلَّيَا ركعتين» وهذا أقَلّ ما يُصلى في الليل. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (6/ 158).
وقال السندي -رحمه الله-:
الظاهر: أنه لا مفهوم للشرط أيضًا، والمقصود أنهما إذا صلَّيَا من الليل ولو ركعتين كُتِبَا... إلخ، وإنما خرَجَ هذا الشرطُ مخرج العادة. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 401).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه: فضيلة عظيمة لنافلة الَّليل؛ فإن هذا الفعل يسير عُدَّا بها من أهل هذه الفضيلة العظيمة؛ لعظمة قيام الليل، وفضيلته؛ وللأوقات مزايا في الأعمال. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 559).
وقال الشيخ محمد الأمين الهَرَري -رحمه الله-:
والمقصود: أنهما إذا صَلَّيَا ولو ركعتين كُتِبَا... إلى آخره. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (8/ 210).
قوله: «جميعًا»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «جميعًا» حال مؤكِّدة مِن فاعل «صَلَّيَا». شرح المشكاة (4/ 1210).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
لفظ ابن ماجه: «إذا استيقظ الرَّجُل من الليل، وأيقظ امرأته فصَلَّيَا ركعتين كُتِبَا من الذاكرين الله»، زاد النسائي: «جميعًا»، هذه الرواية تدل على اقتدائها بزوجها في الصلاة.
وفيه: دليل على مشروعية النوافل والتطوعات جماعة، كما في التراويح. شرح سنن أبي داود (6/ 457).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
لا يخفى أن قول: «فصَلَّيَا ركعتين جميعًا» مُحْتَمِلٌ لأنه يَصْدُقُ عليهما إذا صلى كل واحد منهما ركعتين منفردًا أنهما صَلَّيَا جميعًا ركعتين، أي: كُلّ واحد منهما فعَلَ الركعتين، ولم يفْعَلْهُمَا أحدُهما فقط، ولكن الأصل صحَّة الجماعة وانعقادها بالمرأة مع الرَّجل، كما تنعقد بالرَّجل مع الرَّجل، ومَن مَنع ذلك فعليه الدليل. نيل الأوطار (3/ 171/ 172).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
قوله: «...فصَلَّيَا ركعتين جميعًا كُتِبَا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات» أي: سواءٌ أكان إمامًا وهي مأمومة، أمْ صلَّى كل واحد منهما بمُفْرَدِهِ، فالمهم أن تُوجد الصلاة منهما جميعًا، إما عن طريق الجماعة، أو عن طريق انفراد كُلّ واحد منهما بصلاته. شرح سنن أبي داود (175/ 13).
قوله:«كُتِبَا مِن الذاكرين الله كثيرًا والذّاكِراتِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كُتِبَا» أي: الصِّنْفان من الرِّجال والنساء. مرقاة المفاتيح (3/ 931).
وقال السندي -رحمه الله-:
«كُتِبَا» أي: كُتِبَ الرَّجل في الذاكرين، والمرأة في الذاكرات. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 401/402).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«كُتِبَا» في جملة «الذاكرين» الله تعالى كثيرًا «والذاكرات». شرح سنن أبي داود (6/ 457).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كُتِبَا» كُتبَ كل واحد منهما، فالرَّجل يُكتب «من الذاكرين الله كثيرًا»، والمرأة التي هي المراد بقوله: «أَهْلَه» تُكْتَب في «الذاكرات». التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 559).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«كُتِبَا» ممن مَدَحَهم الله تعالى في قوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} الأحزاب:35. شرح سنن أبي داود (7/ 134).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كُتِبَا» أي: أَمَرَ الله الملائكة بكتابتهما. فيض القدير (1/ 277).
وقال السندي -رحمه الله-:
«كُتِبَا» أي: كُتِبَ الرَّجُل في الذاكرين، والمرأة في الذاكرات، وهذا الحديث تفسير للقرآن. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 401/402).
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«في الذاكرين» أي: الله كثيرًا، أي: في جُمْلتهم، «والذاكرات» كذلك. مرقاة المفاتيح (3/ 931).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «من الذاكرين الله كثيرًا والذّاكِراتِ» أي: في زُمْرَةِ من لا يكاد يخلو مِن ذِكْرِ الله بقلبه، أو بلسانه، أو بهما، وقراءة القرآن، والاشتغال بالعِلم من الذّكر. شرح المشكاة (4/ 1210).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وهذا من تفسير الكتاب بالسنة؛ فإن هذا الحديث بيانٌ لقوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} الأحزاب:35. شرح سنن أبي داود (6/ 457/458).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«من الذَّاكِرِينَ الله كثِيرًا والذَّاكِرَاتِ» الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن، ووعَدَهم بالغفران، أي: يُلْحَقَان بهم، ويُبْعَثان يوم القيامة معهم، ويُعطِيهما ما وُعِدُوا به، و «مِن» تبعيضية، فيُفيد أنَّ الذاكرين أصناف، وهذا من تفسير الكتاب بالسنة؛ فإنَّه بيان لقوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} الأحزاب:35، قال الزمخشري: الذاكرون الله: من لا يكاد يخلو بلسانه أو بقلبه أو بهما عن الذكر والقراءة، قال الولي العراقي: وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم الشرعي من الذّكْر، والمعنى: والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات؛ فحُذف لدلالة الظاهر عليه. فيض القدير (1/ 277).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
دلَّ الحديث: على الترغيب في قيام الليل، والتعاون على فعل الخير، والإكثار من ذكر الله تعالى؛ رغبة فيما أعدَّه الله الذاكرين والذاكرات مِن الغفران والأجر العظيم. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (7/ 233).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
والأحاديث في هذا (أي: فضل قيام الليل)كثيرة.
واختار ابن عبد البر أنه سُنة؛ لمواظبته عليه -صلى الله عليه وسلم-، قال: وقول قوم: إنها واجبة عليه، لا وجْهَ له؛ لقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} الإسراء: 79، أي: فضيلة، والإجماع على نَسْخِ الوجوب في حق الأُمَّة، وشذَّ عبيدة السلماني التابعي، فأوْجَبَه قدْرَ حَلْبِ شاةٍ، وتُعُقِّب (أي: على ابن عبد البر) بأن معنى {نَافِلَةً لَكَ} الإسراء: 79، زائدة في فرائضك. شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 423).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
فكَوْنُ الزوجين يقومان في الليل، ويُصَلِّيان والناس نِيَام، يدلّ على أنهما ليسا من الغافلين، بل من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات.
ويدخل فيه الرَّجُل مع مَحَارمه من النساء، والمرأة مع مَحَارمها من الرجال، فكُونُ الرَّجل يُوقِظ زوجته ويوقِظ بناته، أو البنت توقظ أمَّها أو أباها لا بأس به. شرح سنن أبي داود (8/ 127).
وقال الشيخ عطية سالم -رحمه الله-:
وبعضهم يستدل لصحة انعقاد الجماعة برجل وامرأة فقط بالحديث: «من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصَلَّيَا ركعتين جميعًا كُتِبَا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات»، فهنا «فصَلَّيَا جميعًا» إمام ومأموم، والإمام هو الزوج، والمأموم هو الزوجة، فتنعقد الجماعة باثنين ولو كان المأموم امرأة. شرح بلوغ المرام (91/ 3).