«ليس الواصِل بالْمُكَافِئِ، ولكنِ الواصِل الذي إذا قُطِعَتْ رحِمُهُ وصلَها».
رواه البخاري برقم: (5991)، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الوَاصِل»:
الوَصْلُ: ضدُّ الهِجرانِ. الصحاح للجوهري (5/ 1842).
وقال ابن حجر-رحمه الله-:
والواصل: أي الذي إذا مُنع أعطى. فتح الباري(10/ 423).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وقيل: هو الرَّجلُ يبدأ بِصِلَةِ ذَوي رَحِمِهِ على غيره وإنْ قَطَعَتْهُ. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 174).
«الْمُكَافِئُ»:
بضم الميم وكسر الفاء من الكُفْءِ، النَّظِيْر، وكلُّ شيء سَاوى شيئًا حتى يكون مِثْلَهُ فهو مُكَافِئٌ له. الكليات للكفوي (ص: 803)، معجم لغة الفقهاء (ص: 455).
وقيل: هو الْمُسَاوي، والْمُمَاثَل. القاموس الفقهي (ص: 320).
وقيل: المُجَازِي. الفائق، للزمخشري (ص: 1).
وقال ابن حجر-رحمه الله-:
وقيل: الذي يُعطي لغيرهِ نظير ما أَعطاه ذلك الغير. فتح الباري(10/ 423).
«رَحِمَهُ»:
الرَّحِمُ: هم الأقارب، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نَسَبٌ، ويُطلق في الفرائض على الأقارب من جهة النساء، يقال: ذو رحم مَحْرم ومُحرَّم، وهم مَن لا يَحِلُّ نِكَاحُه، كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة. النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 210-211).
شرح الحديث
قوله: «ليس الوَاصِل بِالْمُكَافِئِ»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
التعريف في «الوَاصِل» للجنس، أي: ليس حقيقة الواصل، ومن يُعْتَدُّ وَصْلُه مَن يُكَافِئُ صاحِبَه بمثل فِعْلِه.
ونَظِيرُه: قولك: هو ليس بالرَّجُل، بل الرَّجُل مَن يَصْدُر منه المكارم والفضائل. شرح المشكاة (10/ 3163).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«ليس الوَاصِل بِالْمُكَافِئِ» واللام فيه للجنس، أي: ليس حقيقةُ الواصلِ مَن يُكافِئ صاحبَه بِمِثلِ فعلِه؛ لأنه إذ ذاك نوعُ مُعاوضةٍ. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (15/ 33-34).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ليس الواصل بِالْمُكَافِئِ» أي: الذي يُعطي لغيره نَظِيرَ ما أعطاه ذلك الغير. فتح الباري (10/ 423).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
اعلم أنَّ الْمُكَافِئَ مُقَابِلُ الفعل بمثله.
والواصِل للرَّحِم لأجل الله تعالى يَصِلُها تُقربًا إليه، وامتثالًا لأمره، وإنْ قَطَعَتْ، فأما إذا وَصَلَها حين تَصِلُه، فذاك كقضاء دين؛ ولهذا المعنى قال: «أفضل الصدقة على ذي الرَّحم الكَاشِح»؛ وهذا لأن الإنفاق على القريب المحبوب مَشُوبٌ بالهوى، فأما على الْمُبْغِض فهو الذي لا شَوْبَ فيه. كشف المشكل (4/120- 121).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ليس الوَاصِلُ» حقيقة لأرحامه ولغيرهم، وإنْ كان أَجْرهُ دالٌّ على الأول، لكن التعميم يُستفاد من غيره.
«بِالْمُكَافِئِ» الْمُجازي له على مُوَاصلته. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 233).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ليس الوَاصِلُ» أي: وَاصِلُ الرحم، «بِالْمُكَافِئِ» بكسر فاء، فهمز، أي: الْمُجَازي لأقاربه: إنْ صلةً فَصِلَةٌ، وإن قَطْعًا فَقَطْعٌ، والمراد به نفي الكمال. مرقاة المفاتيح (7/ 3086).
وقال الشيخ محمد أنور شاه الكشميري -رحمه الله-:
«ليس الوَاصِل بِالْمُكَافِئِ» أي: إذا كافَأَه وساواه في الصِّلة، فليس بِوَاصِلٍ، إنما الواصل مَن سبَق عليه في الصِّلة، وأَرْبَى فيها. فيض الباري على صحيح البخاري (6/ 123).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقال شيخنا في شرح الترمذي: المراد بالواصل في هذا الحديث: الكامل؛ فإنَّ في المكافأة نوع صلة، بخلاف مَن إذا وصَلَه قريبُه لم يُكَافِئْهُ، فإنَّ فيه قطعًا بإعراضه عن ذلك، وهو من قبيل: «ليس الشديدُ بالصُّرَعَة»، و «ليس الغنى عن كثرة العَرَض»، انتهى.
وأقول: لا يلزم مِن نفي الوصل ثبوت القطع، فهم ثلاث درجات: مُواصِلٌ ومُكَافِئٌ وقاطع، فالواصل من يتفضَّل ولا يُتَفضَّل عليه، والْمُكافِئ الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ، والقاطع الذي يُتفضل عليه ولا يَتَفضل.
وكما تقع المكافأة بالصِّلة من الجانبين، كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين، فمن بدأ حينئذٍ فهو الواصل، فإن جُوزِي سُمي مَن جازاه مُكَافِئًا، والله أعلم. فتح الباري (10/423- 424).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله -عليه السلام-: «ليس الواصِل بِالْمُكَافِئِ» يعني: ليس الواصِل رَحِمَهُ مَن وصَلَهُم مُكافأة لهم على صِلةٍ تقدَّمت منهم إليه، فكافَأَهم عليها بِصِلَةٍ مثلها.
وقد رُوي هذا المعنى عن عمر بن الخطاب، روى عبد الرزاق عن معمر، عمَّن سمع عكرمة يُحدِّث عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: «ليس الواصِلُ أن تَصِلَ مَن وَصَلَكَ؛ ذلك القصاص، ولكن الواصِلَ أن تَصِل مَن قَطَعَك».شرح صحيح البخاري (9/208- 209).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «بِالْمُكَافِئِ» بالهمزة، أي: الذي يُحْسِن في مُقابلة الإحسان، والمعنى: أنَّ الْمُكافَأة وَصْلٌ ناقص، بحيث لا يُعَدُّ صاحبه واصلًا ، وإنما الذي يعد واصلًا مَن وصل حين القطع. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (2/269- 270).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
والمراد نفي الكمال، إنما الكمال في أن تِصِلَ مَن قطعك، والكلام على طريقة القلب، أي: ليس الْمُكَافِئ بِوَاصِلٍ؛ لأن المراد إخراج الْمُكَافئ عن زمرة الواصلين، وفائدة القلب: المبالغة، كما لا يخفى في المكافئ، أيضًا لا يدخل تحت وعيد القاطع. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (9/ 407).
وقال محمود السبكي-رحمه الله-:
قوله: «ليس الوَاصِل بِالْمُكَافِئِ» أي: ليس الواصل للرَّحم الذي يُعطي لِقَرِيبِه نظير ما أخذه منه، لكن الواصل لِرَحِمِهِ هو الذي إذا قطَعَته قَرابَتُه مِن إحسانها وصَلَها.
وهذا على أنَّ (قَطَعَتْ) مبني للفاعل، كما هو أكثر الروايات.
وأما على أنه مبني للمفعول، كما في بعض الروايات، فالمعنى عليه: أن الواصل هو الذي يُحسن إلى قريبِه عند احتياجه وعجْزِه عن المكافأة. وقال عمر: "ليس الوصل أن تصل مَن وصَلَك؛ ذلك القصاص، ولكن الوصل أن تصل مَن قَطَعَك". المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (10/ 14).
قوله: «ولكنِ الواصِل الذي إذا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
الرواية «لكنَّ» بالتشديد، وإنْ جاز التخفيف. شرح المشكاة (10/ 3163).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«الذي إذا قَطَعَت» بفتحات، ولأبي ذر: «قُطِعَت» بضم أوّله، وكسر ثانيه، مبنيًا للمجهول.
«رَحِمُهُ وصَلَها» أي: الذي إذا مُنع أعطى.إرشاد الساري (9/ 14).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
و«قَطَعَتْ» ضُبطت في بعض الروايات بضم أوله، وكسر ثانيه على البناء للمجهول، وفي أكثرها بفتحتين. فتح الباري (10/ 423).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ولكنَّ» الواصل «هو الذي إذا انقطعت» بفتح القاف والطاء «رَحِمُهُ» بالإساءة إليه «وصَلَها» بأعلى درجات الصلة إن استطاع، وإن لم يستطع فبِأَوْسَطِها، كالتردُّد إليها في بعض الأوقات بالإحسان، أو بأَدْوَنِها، كترك الْمُهَاجَرَة. شرح سنن أبي داود (8/ 115).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«لكنَّ الواصِل» حقيقة الذي ينبغي إطلاق ذلك عليه «الذي إذا انقطعت رَحِمُهُ» خصَّها؛ لأنها الأغلب في الصلة والقطع، فلا ينافي التعميم.
«وصَلَها» فهذا على أعلى الواصلين رُتبة، وأكملهم في ذلك، وهو مُنْتَزَعٌ من قوله تعالى: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فصلت: 34، وإن كان في الآية أخَصّ من جهة، وأعم من أخرى. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 233).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
فإنه ظاهر في أنَّ الصلة إنما هي ما كان للقاطع صِلة رَحِمِهِ، وهذا على رواية «قَطَعَت» بالبناء للفاعل، وهي رواية، فقال ابن العربي في شرحه: المراد الكاملة في الصلة، وبالأولى من يتفضل عليه، ولا يتفضل أنه قاطع. سبل السلام (2/ 629).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولكنَّ الواصل» بتشديد النون، وفتح اللام، وفي نسخة بتخفيف النون وكسرها للالتقاء، ورفع اللام، أي: ولكنْ الواصل العَمَل «الذي إذا قُطِعت» بصيغة المجهول «رَحِمُهُ» بالرفع على نيابة الفاعل، ويؤيده رواية الجامع: «إذا قُطِعَت رَحِمُهُ»، وفي نسخة بصيغة الخطاب، ونَصْب «رَحِمَهُ» على المفعولية.
«وصَلَهَا» أي: قرابته التي تَقْطع عنه، وهذا من باب الحث على مكارم الأخلاق، كقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِئة} المؤمنون: 96، وفي آية أخرى: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنة وَلَا السَّيئةَ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم * وَمَا يُلَقَاهَا إِلَا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَهَا إِلَا ذُو حَظٍّ عَظِيم} فصلت: 34 - 35، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم- على ما رواه البخاري عن علي: «صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وأحْسِن إلى من أساء إليك، وقل الحق، ولو على نفسك». مرقاة المفاتيح (7/ 3086).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ولكنِ الوَاصِل الذي إذا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وصَلها» هذا إشارة إلى الرتبة العليا في ذلك، وإلا فلو لم يَقْطَعْهُ أحد من قرابته واستمر هو على مُواصلاتهم عُدَّ واصلًا، لكنَّ رُتْبَتَهُ دون مَن وَصل مَن قَطَعَه، وللعراقي هنا تقرير تعقَّبه تلميذه ابن حجر بالرد. فيض القدير (5/ 361).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
«ولكنِ الوَاصِل الذي إذا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وصَلها» هذا حقيقة الواصل الذي وعَد الله عباده عليه جزيل الأجر، قال تعالى: {وَالَّذِين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهم} الرعد: 21 الآيات. شرح صحيح البخاري (9/208- 209).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«رَحِمُهُ وصَلها» أي: وصل قَرِيبَه الذي قاطعه، نبَّه به على أنَّ من كَافَأَ َمَن أحْسَن إليه لا يُعدُّ واصلًا، إنما الواصل الذي يقْطَعُهُ قريبُه فيُواصله هو. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 322).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الأحاديث الواردة في بيان فضيلة صلة الرحم، وأن الإنسان الواصِل ليس الْمُكَافِئ الذي إذا وَصَلَه أقاربه وصلهم، ولكن الواصل هو الذي إذا قَطَعَت رَحِمُهُ وصَلَها، فتكون صِلتُه لله، لا مُكافأة لعِبَاد الله، ولا من أجل أن ينال بذلك مدحًا عن الناس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليس الواصل بِالْمُكَافِئِ» يعني: بالذي إذا وصَلَه أقاربه وصلهم؛ مكافأة لهم، وإنما الواصل الذي إذا قَطَعَت رَحِمُه وصَلها. شرح رياض الصالحين (3/ 190).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
الذي يقول: إن وصَلُوني وصَلْتُهم، وإن قطعوني قطعتهم، فهذا ليس بواصل، إنما هو مُكَافِئ؛ لأن كل إنسان بمروءته وطبيعته السليمة إذا وصَلَه أحد من الناس ولو كان بعيدًا، فإنه سوف يَصِلُه مُكَافَأة، فإذا كان الرجل يقول: إذا لم يَزرْني لا أَزُوْرُه، وإذا لم يُهْدِ إليَّ لا أُهْدِي إليه، وإذا لم يَعُدْني وأنا مريض لن أَعُودَه، وهو قَريبُه، نقول: أنت الآن غير واصل، إذا كنت واصلًا فصِل الرَّحم، سواء وصَلُوك أو قطعوك. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (6/ 277).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
مِن المؤسف أنّ كثيرًا من المسلمين اليوم غفلوا عن القيام بحقِّ الوالدين والأرحام، وقطعوا حَبل الوَصل، وحُجّة بعضهم أنّ أَقاربه لا يصلونه، وهذه الحُجّة لا تنفع؛ لأنه لو كان لا يصل إلا مَن وصلَه لم يكن صِلته لله، وإِنما هي مكافأة، كما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إِذا قُطِعَت رَحِمه وصلها».مجموع الفتاوى(20/385)
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
عَدُّوا قطْعَ الرَّحِم من الكبائر، وضَبطوا ذلك: بترك ما أَلِفَهُ من إحسان، أو نحوه، كمكاتبة ومراسلة، ونحوها. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 587).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
واختُلف في المراد بالقطيعة، فقال أبو زرعة: ينبغي أن تَخْتصَّ بالإساءة، وقال غيره: هي ترك الإحسان ولو بدون إساءة؛ لأن الأحاديث آمرة بالصلة، ناهية عن القطيعة، ولا واسطة بينهما، والصلة: إيصال نوع من الإحسان، كما فسرها بذلك غير واحد، فالقطيعة ضدها، فهي ترك الإحسان. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 11).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ولا خلاف أنَّ صلة الرّحم واجبة على الجملة، وقطعها كبيرة..، ولكن الصّلة درجات، بعضها فوق بعض، وأدناها ترك الْمُهَاجَرَة.
وصِلَتُها ولو بالسلام، كما قال -عليه الصلاة والسلام-، وهذا بحكم القدرة على الصلة، وحاجتها إليها، فمنها ما يَتعيَّن ويَلْزَم، ومنها ما يُستحب، ويُرَغَّب فيه، وليس من لم يَبْلُغ أقصى الصلة يُسمى قاطعًا، ولا من قصَّر عما ينبغي له، ويَقْدِرُ عليه يُسمى واصلًا.
واختُلف في حدِّ الرَّحِم التي يجب صِلَتُها، فقال بعض أهل العلم: هي كلُّ رَحِمٍ مَحْرَميّة مما لو كان أحدهما ذكرًا حَرُم عليه نكاح الآخر، فعلى هذا لا يجب في بني الأعمام وبني الأخوال، وبني العمات، واستدل على قوله: بتحريم الجمع بين الأختين، والمرأة وعمتها وخالتها؛ مخافة التقاطع، وجواز ذلك بين بني العم والخال.
وقيل: بل هذا في كل ذي رحم ممن ينطلق عليه ذلك في ذوي الأرحام في المواريث، محرميًّا كان أو غيره، وقد جاء في أثر: «أن الله يسأل عن الرَّحم ولو بأربعين»، ويدل على هذا قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ومولاك، ثم أدْنَاكَ فَأَدْنَاك». إكمال المعلم (8/ 20-21).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
دلَّ الحديث على: الترغيب في الإحسان إلى من أَساء، وعلى أنَّ الْمُكَافِئ في الإحسان لم يبلغ درجة الكمال في صلة الرَّحم. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (10/ 15).