كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا فَرَغَ من دَفْنِ الميِّت وقف عليه، فقال: «استغفروا لأخيكم، وسَلُوا له بالتَّثْبِيتِ، فإنه الآن يُسأل».
رواه أبو داود برقم: (3221) واللفظ له، والحاكم في المستدرك برقم: (1372)، من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4760)، ومشكاة المصابيح برقم: (133).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«استغفروا»:
أي: اطلبوا المغفرة من الله. شرح المصابيح لابن الملك (1/ 144).
«بِالتَّثْبِيتِ»:
أي: بأن يُثَبِّتَهُ الله تعالى في الجواب. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (3/ 448).
شرح الحديث
قوله: «كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «الميت» التعريف للجنس، وهو قريب من النكرات. شرح المشكاة (2/ 597).
وقال المُلّا علي القاري -رحمه الله-:
«كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ» معلوم، وقيل: مجهول، «من دفن الميت» المراد منه: الجنس، وهو قريب من النكرة، «وقف عليه» أي: على رأس القبر. مرقاة المفاتيح (1/ 216).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كان إذا فرغ من دفن الميت» أي: المسلم...، «وقف عليه» أي: على قبره هو وأصحابه صفوفًا. فيض القدير (5/ 151).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وقف عليه» أي: عند رأسه، قال الشافعي -رضي الله عنه-: يُستحب أنْ يقف بعد الدفن بقدر ما يَنْحَرُ جزورًا. أي: ويُقَسِّم لحمها؛ ليستأنس بهم الميت، ويعلم ماذا يراجع به رسل ربه، ورواه الحاكم والبزار، قال البزار: لا يُروى عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلا من هذا الوجه. شرح سنن أبي داود (13/ 533- 534).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «وقف عليه»، وفي رواية الطبراني عن أبي أمامة قال: أمرنا رسول الله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- فقال: «إذا مات أحد من إخوانكم فسَوَّيْتُم التراب على قبره فلْيَقُمْ أحدكم على رأس قبره» الحديث.
والمراد: أنه يقف قريبًا من رأس القبر، لا أنه يقف على القبر نفسه؛ لما رواه ابن ماجه بإسناد جيد عن عُقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم-: «لَأَنْ أمشي على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي أحب إليَّ من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أَوَسَطَ القبور قضيت حاجتي، أو وسط السوق».
وقوله: «أو أخصف نعلي برجلي» كناية عن تحمُّل أعظم مشقة في سبيل ترك المشي على القبر؛ فإن خصف النعل بالرجل إن أمكن كان بتعبٍ شديدٍ، وقوله: «وما أبالي أَوَسَطَ القبور» يعني: أن قضاء الحاجة في القبور قبيح كقضائها وسط السوق.
ولما رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود: «لَأَنْ أطأ على جمرة أحب إليَّ من أن أطأ على قبر مسلم». المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (9/ 74).
وقال الحكيم الترمذي -رحمه الله-:
الوقوف على الْقَبْر، وسؤال التثبيت لِلْمُؤمنِ فِي وَقت دَفنه مَدَدٌ للْمَيت بعد الصَّلَاة؛ لأن الصلاة بجماعة المؤمنين كالعسكر له قد اجْتَمعُوا بِبَاب الْملك فيشفعون لَهُ، وَالْوُقُوف على الْقَبْر لسؤال التثبيت مَدَدُ الْعَسْكَر، وَتلك سَاعَة شغل الْمُؤمن؛ لِأَنَّهُ يستقبله هول الْمَطْلَعِ، والسؤال وفتنة فتَّانِيّ الْقَبْر: مُنكر وَنَكِير. نوادر الأصول في أحاديث الرسول (3/ 226).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الوقوف بعد الدفن عند القبر والدعاء له هذا من السنة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأل». لقاء الباب المفتوح، لقاء رقم: (118).
قوله: «استغفروا لأخيكم»:
قال المظهري -رحمه الله-:
أي: اطلُبُوا المغفرةَ من الله تعالى لهذا الميت. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 235).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«استغفروا لأخيكم» فيه: إشارة إلى أنَّ الميت له عليهم حق الأخوة بعد موته. شرح سنن أبي داود (13/ 534).
وقال المُلّا علي القاري -رحمه الله-:
«فقال» أي: لأصحابه «استغفروا لأخيكم» أي: اطلبوا المغفرة لذنوب أخيكم المؤمن، وذكر الأخ للعطف عليه، واستكثار الدعاء له، وفيه: دليل على أنَّ دعاء الأحياء ينفع الأموات؛ خلافًا للمعتزلة. مرقاة المفاتيح (1/ 216).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فقال: استغفروا لأخيكم» في الإسلام. فيض القدير (5/ 151).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
ومن البدع: الصياح خلف الجنازة بـ(استغفروا له يغفر الله لكم) ونحوه. أحكام الجنائز (1/250).
كره بعض السلف المناداة في الناس بعد الدفن: استغفروا لأخيكم..
وقد بوّب ابن أبي شيبة في مصنفه باب: ما قالوا في الرجل يقول خلف الميت: استغفروا له يغفر اللَّه لكم.
عن إبراهيم قال: كان يكره أن يتبع الرجل الجنازة يقول: استغفروا له غفر اللَّه لكم. وعن بُكَيْر بن عتيق قال: كنتُ في جنازة فيها سعيد بن جبير، فقال رجل: استغفروا له غفر اللَّه لكم، قال سعيد بن جبير: لا غفر اللَّه لك.
وعن سعيد بن جبير قال: كنتُ معه في جنازة فسمع رجلًا يقول: استغفروا له غفر اللَّه لكم، فنهاه. وعن عطاء: أنه كره أن يقول: استغفروا له غفر اللَّه لكم. وعن الحسن: أنه كره أن يقول: استغفروا غفر اللَّه لكم. مصنف ابن أبي شيبة (6/ 529 -530).
قوله: «وسَلُوا له بِالتَّثْبِيتِ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
أي: اسألوا واطلبوا من الله تعالى أن يُثبِّتَ لسانَه بجواب المُنكَر والنكير؛ فإنهما يَسألانِه في هذه الساعة. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 235).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«واسألوا» الله تعالى «له التثبيت» وهو إذا سئل عن معتقده لم يتلعثم في الجواب، ولم يُبْهَت، ولم يتحيَّر من هول السؤال.
قال المسعودي: عن عبد الله بن مُخَارِق عن أبيه عن عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: «إنَّ المؤمن إذا مات أُجلس في قبره فيقال له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبته الله فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد -صلى الله عليه وسلم- وقرأ عبد الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} إبراهيم: 27. شرح سنن أبي داود (13/ 534).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«سَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ» اطلبوا من الله أنْ يُثبِّتَه على جواب الملكين بالقول الثابت، وضمَّن «سلوا» معنى الدعاء، كما قال الله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ} المعارج: 1. أي: ادعوا له بدعاء التثبيت، أي: قولوا: ثبَّته الله تعالى بالقول الثابت. شرح المشكاة (2/ 598).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ثم سَلُوا له بالتَّثْبِيْت» أي: بأن يُثَبِّتَه بالقول الثابت، وهو كلمة الشهادة عند سؤال منكر ونكير. شرح المصابيح (1/ 144).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «وسَلُوا» أصله اسألوا، حُذِفَتْ الهمزتان للتخفيف، فَوَزْنُهُ (فلوا)؛ لأن عين الفعل سقطت من الموزون، فسقطت من الوزن. شرح سنن أبي داود (6/ 179-178).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ثم سَلُوا له بالتَّثْبِيتِ» ضمَّن السؤال معنى الدعاء؛ ولذا عُدِّيَ بالباء كقوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ} المعارج: 1.
أي: ادعوا له بدعاء التثبيت، يعني: قولوا: ثَبَّتَهُ الله بالقول الثابت، أو اللهم ثَبِّتْهُ بالقول الثابت، وهو كلمة الشهادة عند منكر ونكير، وهذا أفضل من التلقين المختلف فيه، ولكن أكثر الناس عنه غافلون. مرقاة المفاتيح (1/ 216).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وسَلُوا له بالتَّثْبِيتِ» أي: اطلبوا له من الله تعالى أن يُثَبِّتَ لسانه وجنانه لجواب الملكين. فيض القدير (5/ 151).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«وسَلُوا له بِالتَّثْبِيتِ» أي: ادعوا له بأن يُثَبِّتَهُ اللَّه على جواب الملكين بالقول الثابت، وفيه: دليل على أنَّ الدعاء نافع للميت، وفي عقائد أهل السنة والجماعة في دعاء الأحياء للأموات نفع لهم، والتلقين بعد الدفن شيء آخر غير الدعاء، وهو مستحب عند كثير من الشافعية، وقد نُقِلَ عن بعض أصحابنا أيضًا، وقد ورد فيه حديث عن أبي أمامة ذكره السيوطي في جمع الجوامع من حديث الطبراني، وابن النجار، وابن العساكر، والديلمي، ونقل الطيبي: عن سنن البيهقي: استحباب قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها، وقد سمعتُ عن بعض العلماء: أنه يَسْتَحِبُّ ذكر مسألة من المسائل الفقهية، وقال الشيخ ابن الهمام في شرح الهداية: واختلفوا في إجلاس القراء ليقرؤوا القرآن عند القبر، والمختار عدم الكراهة. لمعات التنقيح (1/ 436-437).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «وسَلُوا له بِالتَّثْبِيتِ» أي: اطلبوا له التثبيت على القول الحق، والنطق بالصواب عند السؤال؛ فإنه الآن يُسْأَلُ عن ربه ودينه ونبيه.
فقد جاء في رواية البخاري عن أنس: أن رسول الله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- قال: «إنَّ العبد إذا وُضِع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم؛ أتاه ملكان فيُقْعِدَانِهِ فيقولان: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ لمحمد -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم-: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة فيراهما جميعًا، وأما المنافق والكافر، فيقال: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنتُ أقول ما يقوله الناس، فيقال: لا دريتَ ولا تليتَ، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين». المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (9/ 74-75).
قوله: «فإنه الآن يُسأل»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
«فإنه الآن يُسأل» أي: عن الرب، والدِّين، وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. بذل المجهود في حل سنن أبي داود(10/ 511).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فإنه الآن يُسأل» وفيه: إشارة إلى أنَّ دعاء الحي ينفع الميت، وأنه يُستحب للأحياء أن يدعوا للأموات. شرح المصابيح (1/ 144).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فإنه الآن يُسأل» أي: يسأله الملكان: منكر ونكير، فهو أحوج ما كان إلى الاستغفار؛ وذلك لكمال رحمته بأمته، ونظره إلى الإحسان إلى مَيِّتِهِم، ومعاملته بما ينفعه في قبره، ويوم معاده. فيض القدير (5/ 151).
وقال الصنعاني -حمه الله-:
«فإنه الآن يُسأل» عن إيمانه ونبيه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 429).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
اعلم أنها قد وردت أحاديث دالة على اختصاص هذه الأمة بالسؤال في القبر دون الأمم السالفة، قال العلماء: والسّر فيه أنَّ الأمم كانت تأتيهم الرُّسل فإن أطاعوهم، فالمراد، وإن عصوهم اعتزلوهم وعُوجِلوا بالعذاب، فلما أرسل الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين أَمسك عنهم العذاب، وقَبِلَ الإسلام ممن أظهره؛ سواء أخلص أم لا، وقيَّض الله لهم من يسألهم في القبور؛ ليخرج الله سِرهم بالسؤال، وليميز الله الخبيث من الطيب، وذهب ابن القيم إلى عموم المسألة، وبسط المسألة في كتاب الروح. سبل السلام (3/ 316 -317).
وقال المُلّا علي القاري -رحمه الله-:
أما قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لَقِّنُوا موتاكم قول: لا إله إلا الله»؛ فالمراد: عند الموت لا عند دفن الميت.
وقال ابن حجر: وفيه إيماء إلى تلقين الميت بعد تمام دفنه، وكيفيته مشهورة، وهو سنة على المعتمد من مذهبنا؛ خلافًا لمن زعم أنه بدعة، كيف وفيه حديث صريح يعمل به في الفضائل اتفاقًا؟! بل اعتضد بشواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن.
وذكر في (الأذكار) عن الشافعي وأصحابه: أنه يستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن، قالوا: وإن ختموا القرآن كله كان حسنًا.
وفي سنن البيهقي: أنَّ ابن عمر استحب أن يقرأ على القبر بعد الدفن أول سورة البقرة وخاتمتها قاله الطيبي، وفي رواية: «يقرأ أول البقرة عند رأس الميت وخاتمتها عند رجله» رواه أبو داود، وقال ميرك شاه: بإسناد حسن. مرقاة المفاتيح (1/ 216)
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
فيه: مشروعية الاستغفار للميت عند الفراغ من دفنه، وسؤال التثبيت له؛ لأنه يُسْأُل في تلك الحال، وفيه: دليل على ثبوت حياة القبر، وقد وردت بذلك أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر، وفيه أيضًا: دليل على أنَّ الميت يُسْأَل في قبره، وقد وردت به أيضًا أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما، وورد أيضًا ما يدل على أنَّ السؤال في القبر مختص بهذه الأمة كما في حديث زيد بن ثابت عند مسلم: «إنَّ هذه الأمة تُبتلى في قبورها»، وبذلك جزم الحكيم الترمذي.
وقال ابن القيم: السؤال عام للأمة وغيرها، وليس في الأحاديث ما يدل على الاختصاص. نيل الأوطار (4/ 110).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
التلقين اختلف فيه العلماء، وهو أن يقال له: يا فلان اذكر ما خرجت به من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله... إلى آخره، وجاء في بعض الآثار عن أهل الشام، ولكنها غير صحيحة.
والصواب: أنَّ التلقين بدعة، فلا يقال: يا فلان اذكر ما خرجت به من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأنك رضيتَ بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وبالقرآن إمامًا، هذا ليس له أصل يُعْتَمَدُ عليه، والذي ينبغي: تركه، هذا هو المعتمد؛ لعدم الدليل.
ولكن يستحب إذا فرغ الناس من دفن الميت الوقوف عليه، والدعاء له بالمغفرة والثبات، هذا هو المشروع، فإذا فرغ الناس من دفن الميت يُوْقَفُ عليه، ويُدْعَىْ له بالمغفرة والثبات، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» هذه السنة. فتاوى نور على الدرب (14/ 145).
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ما حكم تلقين الميت بعد دفنه؟
فأجاب فضيلته بقوله: القول الراجح: أنْ لا يُلقن بعد الدفن، وإنما يُستغفر له، ويُسْأل له التثبيت؛ لأن الحديث الوارد في التلقين حديث ضعيف. مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (17/ 217).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
لا يُلَقَّن الميت التلقين المعروف اليوم؛ لأن الحديث الوارد فيه لا يصح. أحكام الجنائز (1/ 155).
وقال المظهري -رحمه الله-:
هذا الحديث: يدل على أنَّ دعاءَ الحيِّ ينفع الميتَ، وعلى أنه يُستحبُّ للأحياء أن يدعوا للأموات، وعلى أنَّ سائر المسلمين بعضُهم أخوة بعض.
وهذا الحديث لا يدل على تلقين الميت عند الدفن كما هو عادة الناس؛ لأنه ليس في هذا الحديث لفظٌ يدل عليه، ولم نجد أيضًا حديثًا مشهورًا فيه.
وأورد الغزالي في كتاب إحياء العلوم والإمام الطبري في كتابه المُسمَّى بـ(كتاب الأدعية) حديثًا في تلقين الميت عند الدفن؛ ولم يُصحِّحه بعضُ المحدَّثين.
وأما قوله -عليه السلام-: «لقِّنُوْا أمواتَكم قولَ: لا إله إلا الله»؛ فالمراد بهذا: قبلَ الموت لا بعد الموت، أما لو لَقَّنَ أحدٌ الميتَ عند الدفن لم يكن فيه حرجٌ؛ لأنه ليس فيه إلا ذكرُ الله تعالى، وعرْض الاعتقاد على الميت والحاضرين، والدعاءُ للميت وللمسلمين، ويكون فيه إرغام لمُنكِري الحشر والبعث وأحوال القيامة؛ وكلُّ ذلك حسنٌ. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 235).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه دلالة على انتفاع الميت باستغفار الحي له، وعليه ورد قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الحشر: 10، وقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} محمد: 19، ونحوهما. سبل السلام (3/ 315).
وقال العيني -رحمه الله-:
ويستفاد من الحديث ثلاث فوائد:
الأولى: انتفاع الميت بدعاء الحي؛ خلافًا لمن ينكر ذلك.
الثانية: لا بد من السؤال في القبر.
الثالثة: وقت السؤال عقيب الدفن. شرح سنن أبي داود (6/ 179).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وفي الحديث-كما قال ابن الجزري- دليل على أنّ الروح تعود إلى الجسد عقب الدفن للسؤال كما هو مذهب أهل السنة.الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (4/ 193).
وقال الأصبهاني -رحمه الله-:
يستحب أن يمكث على القبر بعد الدفن، ويسأل الله التثبيت للميت؛ لما روي عن عثمان -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الرجل يقف عليه، ويقول: سلوا الله تعالى له التثبيت، فإنه الآن يُسأل». شرح صحيح البخاري (3/ 286).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
المستحب عند الدفن: أن يُقَامَ على قبره، ويُدْعَى له بالتثبيت، كما روى أبو داود في سننه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنه كان إذا دفن الرجل من أصحابه يقوم على قبره، ويقول: سلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأل»، وهذا من معنى قوله: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} التوبة: 84، فإنه لما نهى نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة على المنافقين، وعن القيام على قبورهم كان دليل الخطاب أنَّ المؤمن يصلى عليه قبل الدفن، ويقام على قبره بعد الدفن، فزيارة الميت المشروعة بالدعاء والاستغفار هي من هذا القيام المشروع. مجموع الفتاوى (24/ 330).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
ويكره اللَّغَطُ، وهو رفع الصوت ولو بالذكر والقراءة في المشي مع الجنازة؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- كرهوه حينئذٍ، رواه البيهقي، وكره الحسن وغيره (استغفروا لأخيكم)، ومن ثَمَّ قال ابن عمر لقائله: «لا غفر الله لك»؛ بل يسكت متفكرًا في الموت، وما يتعلق به، وفناء الدنيا ذاكرًا بلسانه سرًا لا جهرًا؛ لأنه بدعة قبيحة. تحفة المحتاج (3/188).