الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخيرَ».


رواه مسلم برقم: (2592)، وأبو داود برقم: (4809)، وزاد: «الخيرَ كُلَّهُ»، من حديث جرير بن عبد الله البَجَلِيِّ -رضي الله عنه-. 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يُحْرَم»:
يصير محرومًا منه. شرح المصابيح لابن الملك (5/ 340).

«الرِّفْق»:
لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، وهو ضدُّ العُنف. فتح الباري، لابن حجر (10/ 449).


شرح الحديث


قوله: «مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير» يحتمل: أنَّ (مَن) موصولة، وما بعدها من الفعلين مرفوع، ويحتمل: الشرطية، فتجزمان، وهو عام لكل خير. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 302).
وقال السندي -رحمه الله-:
أي: مَن جعله الله محرومًا من الرِّفْقِ ممنوعًا منه فقد جعله محرومًا من الخير كلِّه، إِذِ الخير لا يُكْتَسَبُ إلا بالرِّفْقِ والتَّأَنِّي، وترك الاستعجال في الأمور. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 395).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ» بأن لا يُوفَّق له؛ بل يكون فيه العنف والشدة، و(أل) فيه لتعريف الحقيقة. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 93).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
«من يُحرم الرفق يُحرم الخير» قال الشيخ أكمل الدّين: الحرمان يتعدَّى إلى مفعولين، يقال: حَرَمْتُ الرجل العطية حرمانًا، والمفعول الأول الضمير العائد إلى (مَنْ)، والثاني هو «الرِّفْقُ»، والألف والَّلام لتعريف الحقيقة، وفي «الخير» (أل) للعهد الذهني، والمعهود هو الخير المقابل للرفق، وهو خير كثير. عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد (1/ 316).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«مَن يُحْرَم» من الحرمان وهو مُتَعَدٍّ إلى مفعولين: الأول: الضمير العائد إلى «مَن»، والثاني: «الرِّفْق» ضدَّ العنف فـ(أل) فيه لتعريف الحقيقة. فيض القدير (6/ 241).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
«الرِّفْقُ» ضد العنف، وهو الَّلطف، وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 271).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«الرِّفْقُ» وهو الْمُدَاراة، ولين الجانب، وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها، والعنف: ضِدّه. شرح المصابيح (5/ 339).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«الرِّفْقُ» وهو الِّلين، والتسهيل، وضِدّه العنف، والتشديد والتصعيب، وضدّهُ الخُرْق والاستعجال، وهو مفسد للأعمال، وموجب لسوء الأُحدوثة، وهو المعبَّرُ عنه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ولا نُزِعَ من شيء إلا شَانَه» أي: عَابه، وكان له شَيْنًا، وأمَّا الخُرْق والعنف: فمفوتان مصالح الدنيا، وقد يُفْضِيان إلى تفويت ثواب الآخرة؛ ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَم الخيرَ» أي: يُفْضِي ذلك به إلى أن يُحْرَم خير الدنيا والآخرة. المفهم (6/ 578).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير» دلَّ أنَّ الرِّفْقَ خير كله، ودليل على فضله؛ لأنه سبب كل خير، وجالب كل نفع، بضدِّ الْخُرْق والعنف، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران: 159.
وقد ذُكِرَ في الحديث: «أنَّ الله يُعطي على الرِّفْقِ ما لا يعطي على العنف» أي: يتَأَتَّى به من الأعراض، ويُسَهَّل من المطالب به ما لا يتَأَتَّى بغيره، وقال في الحديث الآخر: «ما يكون في شيء إلا زَانَه، ولا ينزع من شيء إلا شَانَه»؛ لأن التَّهَوُّر ليس من محاسن الأخلاق، وهو من مذامِّها، والعُنف هو ضد الرِّفْقِ -بضم العين-. إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 64).
وقال النووي -رحمه الله-:
«مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير»، وفي رواية: «إن الله رفيق يحب الرِّفْقَ، ويعطي على الرِّفْقِ ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه»، وفي رواية: «لا يكون الرِّفْقُ في شيء إلا زَانَه، ولا يُنْزَع من شيء إلا شَانَه»، وفي رواية: «عليك بالرِّفْقِ»... وفي هذه الأحاديث: فضل الرِّفْقِ، والحثُّ على التَّخَلُّق وَذَمِّ العنف، وأنَّ الرِّفْقَ سبب كل خير، ومعنى: «يعطي على الرِّفْقِ» أي: يُثِيْب عليه ما لا يُثِيْب على غيره، وقال القاضي عياض: معناه: يتَأَتَّى به من الأغراض ويُسَهَّل من المطالب ما لا يتَأَتَّى بغيره. شرح النووي على مسلم (16/ 145).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«يُحْرَمِ الخيرَ» أي: يفضي ذلك به إلى أن يُحْرَم خير الدّنيا والآخرة، فإن مدار الأفعال كلها على التسهيل والتيسير من الآدمي ومن غيره من الدواب ومن غيرهم. شرح سنن أبي داود (18/ 485).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يُحْرَمِ الخيرَ» أي: كلَّه كما في الجامع الصغير، ففيه: فضل الرِّفْقِ، والحث على التّخلق به وذمُّ العنف، وأنَّ الرِّفْقَ سبب كلِّ خير. مرقاة المفاتيح (8/ 3171).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«يُحْرَمِ الخَيرَ» أي: خير الدنيا والآخرة. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 377).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير» يجوز أن يراد بالخير: المطالب المرغوبة؛ فإنَّ الرِّفْقَ لمَّا كان وسيلة إليها؛ فإذا حُرِم منه حُرِم منها، وأنْ يراد بالخير: الرِّفْق، والمآل واحد. لمعات التنقيح (8/ 322).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«يُحرم الخيرَ» (أل) فيه للعهد الذهني أي: الخير الناشئ عن الرِّفْقِ. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 93).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وحرمان مَن حُرِمَ الرِّفق جميع الخير المذكور لما سبق من قوله: «إنَّ الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»؛ وذلك أنَّ الرفق به انتظام خير الدارين، واتِّساق أمرهما، وفي العنف ضد ذلك، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران: 159. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 93).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«يُحْرَمِ الخير َكلَّه» بالبناء للمجهول أي: صار محرومًا من الخير، ولامُه للعهد الذهني، وهو الخير الحاصل من الرِّفْقِ، وفيه: فضل الرِّفْق وشرفه، وَمِن ثمَّ قيل: الرِّفْقُ في الأمور كالمسك في العطور. فيض القدير (6/ 241).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يُحْرَمِ الخَيرَ» لأنَّ بالرِّفْقِ يُنالُ المطلوبُ وتَقِلُّ الذنوب، وفي حديث: «ما دخل الرِّفْقُ في شيء إلا زَانَه». التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 430).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
قوله: «مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير» وهذا لأن عموم الأشياء لا تتمُّ إلا بالرِّفْقِ، فإذا حُرِمَهُ الإنسان لم يَكَدْ غرضه يَتِمُّ. كشف المشكل (1/ 434).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير» أي: يُحْرَم قدرًا كبيرًا من الخير، وليس المراد من جميع الخير؛ ففي الأعمال الصالحة الأخرى خير كثير. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 74).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
أورد أبو داود حديث جرير -رضي الله عنه-، وهو يدلُّ على عِظَمِ شأنِ الرِّفْقِ حيث قال: « مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير كُله» أي: أنه لا يحصل خير من وراء العُنف، وإنَّما يحصل منه الضرر. شرح سنن أبي داود (547/ 8).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
« مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير كُله» يعني: أنَّ الإنسان إذا حرم الرِّفْقَ في الأمور فيما يتصرف فيه لنفسه، وفيما يتصرف فيه مع غيره، فإنه يُحْرَم الخير كله، أي: فيما تصرف فيه، فإذا تصرَّف الإنسان بالعنف والشدة؛ فإنه يُحْرَمُ الخير فيما فعل.
وهذا شيء مجرَّب ومشاهد أن الإنسان إذا صار يتعامل بالعنف والشدة؛ فإنه يُحْرَم الخير ولا ينال الخير، وإذا كان يتعامل بالرِّفْق والحلم والأناة وسعة الصدر؛ حصل على خيرٍ كثير، وعلى هذا: فينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يكون دائمًا رفيقًا حتى ينال الخير. شرح رياض الصالحين (3/ 592).
وقال الشيخ سليمان اللهيميد -حفظه الله-:
للرفق فضائل ومزايا:
أولًا: أن الله يحبه كما في حديث: «... يحب الرِّفْقَ في الأمر كله».
ثانيًا: الرِّفْقُ يزين الأمور كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ الرِّفْقَ لا يكون في شيء إلا زَانَه، ولا يُنزع من شيء إلا شَانَه» رواه مسلم.
ثالثًا: دعاء المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لمن رفق بأمته. قال -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم مَن رفق بأمتي فارفق به» رواه مسلم.
رابعًا: البشارة النبوية لصاحب الرِّفْقِ قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أراد الله بقوم خيرًا أدخل عليهم الرِّفْقَ» رواه أحمد.
خامسًا: أن الله يعطي على الرِّفْقِ ما لا يعطي على العنف قال -صلى الله عليه وسلم-: «يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرِّفْقَ، ويعطي على الرِّفْقِ ما لا يعطي على العنف» رواه مسلم...
سادسًا: أن من يُحْرَمَ الرِّفْقَ يُحْرَم الخير، قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخيرَ كُلَّه» رواه مسلم.
سابعًا: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتبشير والرِّفْقِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تُنَفِّروا» متفق عليه.
ثامنًا: الرِّفْقُ من أسباب النجاة من النَّار، قال -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أخبركم بمن يُحْرَّمُ على النار؟ يُحْرَّمُ كلُّ قريبٍ هيِّنٍ ليِّنٍ سهلٍ» رواه الترمذي. قرة العينين في شرح أحاديث مختارة من الصحيحين (ص: 49).
وقال فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
فيه: الحث على الرفق في جميع الأمور، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران: 159. تطريز رياض الصالحين (ص: 416).


ابلاغ عن خطا