«لا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أُمِرَتْ به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أُمِرَتْ به».
رواه أحمد برقم: (21138) والترمذي برقم: (2252) واللفظ له، والنسائي في السنن الكبرى برقم: (10703)، من حديث أُبي بن كعب -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«لا تَسُبُّوا»:
أي: لا تشتموا. والسَّبُّ: الشتم. شمس العلوم، نشوان الحميري (5/ 2924) وفيض القدير، المناوي (6/ 399).
«الرِّيح»:
هي نَسِيم الهواءِ، وكذلك نسيم كلِّ شيءٍ، وهي مُؤنَّثةٌ. لسان العرب (2/ 455).
وقال محمود عبد الرحمن -حفظه الله-:
والريح: الهواء المسيَّر بين السماء والأرض...، ويُستخدم لفظ الرياح في الرحمة، ولفظ (الريح) في العذاب. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (2/ 193).
شرح الحديث
قوله: «لا تَسُبُّوا الريح»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «لا تَسُبُّوا الرِّيحَ»: أي: لا تشتموها. فيض القدير (6/ 399).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
لأنها مُسَخَّرة مُذَلَّلة فيما خُلِقَتْ له.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (8/ 545).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فلا تسبُّوها لأنها مأمورة ولا ذنب لها. التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 105).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فإن المأمور معذور. مرقاة المفاتيح (3/ 1117).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
ولا ينبغي لأحد أن يسب الريح؛ فإنها خلق الله -عزَّ وجلَّ- مطيع، وجند من أجناده، يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء. الأم (1/ 290).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
هذا باب ذكره عن النبي -عليه السلام- جملةٌ من الصحابة، وهو خارج على باب قوله: «لا تسبُّوا الدهر، فإنَّ الله هو الدهر»، وعلَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه التوحيد، فإن الناس لغفلتهم إذا رأوا فعلًا عقيب فعل: نسبوه إليه، وخصُّوه به، وجعل بعضهم الأخير مفعولًا للأول، وإنما هي أفعال الله ترتَّب بعضها على بعض، وهو خالق الكل، ومدبر الجميع، ولا يُنسب إلى غير الحق فعلًا إلا المجاز، فكل ما يجري من تصاريف الليل والنهار والقحط والمطر، ونشر النبات، والشجر إنما هو خلق الله كله.
وقد يأتي ذلك على الموافقة للعبد، وقد تأتي على المخالفة، فإذا جاء على الموافقة سُرَّ، وإذا جاء على المخالفة استاء لما يدركه من الضرُّ، فيعود على ما جاء ذلك عليه بالسب والهجر؛ وذلك شيء منكر، وإنما يرجع بالملامة على ما يصور من الأحياء في الأفعال المذمومة شرعًا، فذلك مأذون فيه، ومفهوم، وأما من لم يُعرَف فلا فائدة في ذلك إلا الجهل والاعتداء بسوء الاعتقاد لفاعل غير ذلك.
وقد كنا علَّقنا عن قتادة عن سعيد بن المسيب -رحمه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كنَّا في ركب مع عمر -رضي الله عنه- قال: مَن يحدِّثنا؟ وهاجت الريح وأنا في آخر القوم، فقال عمر -رضي الله عنه-: أيكم سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الريح شيئًا؟ فقلتُ: أنا سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الريح من روح الله، تأتي بالرحمة والعذاب، فإذا رأيتموها فاسألوا الله خيرها، وتعوذوا بالله من شرها، ولا تسبوها، فإنها مأمورة»، وهذا لا يناقض ما قدمناه من أنه لا فعل لها، فإنَّ هذا مجاز، وإنما المأمور الموكَّل بإرسالها وإمساكها، أو تسكينها، وعبَّر به عنها؛ لأنها مُعرِّفة له. عارضة الأحوذي (5/78-79).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
في رواية: «إن رجلًا نازعته الريح رداءه على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فلعنها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «... لا تلعن الريح فإنها مأمورة»، إما بالرحمة أو بالنقمة، قيل: أي: بأمر مِنَّا، والمنازعة من خاصيتها ولوازم وجودها عادة، أو فإنها مأمورة حتى بهذه المنازعة أيضًا؛ ابتلاءً لعباده. مرعاة المفاتيح (5/ 202).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فإذا عصفت الريح، فإنه لا يجوز لك أن تسبها؛ لأن الريح إنما أرسلها الله -عزَّ وجلًّ-فسبك إياها، سبٌ لله -تبارك وتعالى-. شرح رياض الصالحين (6/ 470).
وقال القرعاوي -رحمه الله-:
وذلك أن الريح مخلوقة من مخلوقات الله، لا تسكن ولا تتحرك، ولا تنفع ولا تضر إلا بأمر الله -عزَّ وجلًّ-؛ فيكون شتمها شتمًا لمدبرها، وهو الله -سبحانه-. الجديد في شرح كتاب التوحيد (ص: 426).
وقال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-:
لا تشتموا الريح وتذموها وتلعنوها، كما كان عليه أهل الجاهلية، أنهم يسبون الريح إذا جاءت على غير رغبتهم، والواجب أن الإنسان عندما يصيبه ما يكره: أن يحاسب نفسه؛ لأنه ما أصابه هذا المكروه إلا بسببه وبفعله، فيحاسب نفسه ويتوب إلى الله -عزَّ وجلًّ-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} الشورى: 30. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 237).
وقال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله-:
فلا يجوز سبها، بل تجب التوبة عند التضرر بها، وهو تأديب من الله -تعالى-، وتأديبه رحمة للعباد. لمعات التنقيح (3/ 626).
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله-:
النهي عن سب الريح ... مع تحريمه، فإنه حمق وضعف في العقل والرأي، فإن الريح مُصرَّفَة مُدبَّرة بتدبير الله وتسخيره، فالسَّابُّ لها يقع سبه على من صرَّفها، ولولا أن المتكلِّم بسب الريح لا يخطر هذا المعنى في قلبه غالبًا؛ لكان الأمر أفظع من ذلك، ولكن لا يكاد يخطر بقلب مسلم. القول السديد شرح كتاب التوحيد (ص: 173).
وقال الشيخ عبد الملك القاسم -حفظه الله-:
والريح خلق من خلق الله، تهب بمشيئة الله وقدرته، فسابُّها لا يخلو من أحد أمرين:
الأول: إن سبها على أنها فاعلة بذاتها، فهذا شرك أكبر.
الثاني: إن سبها وهو يعتقد أنها مخلوقة مأمورة، فهذا من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد، ومن أمثلة سبها قول القائل: ما أقبح هذه الريح، آذتنا.
ويقاس على هذا: سب كل مخلوق مُدبَّر مأمور: كالزلازل والفيضانات.
ويجوز وصف الريح؛ لأن المتكلم يقصد الخبر دون اللوم، كقول: هذه ريح عاصف، كما ورد في كتاب الله -عزَّ وجلًّ-: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} الحاقة: 6. الواجب على العبد الحذر من سب الريح؛ لأنها مُدبَّرة مُسخَّرة، فسبها جهل في الدين ونقص في العقل. الشرح الميسر لكتاب التوحيد (ص: 297).
وقال الشيخ محمد عبد الغفار -حفظه الله-:
من سب الدهر أو سب الريح فإنه لا يكفر بذلك؛ لأنه لم يسب الله صراحة؛ ولأنه لم يقصد السب لله -جل في علاه-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما نهى عن سبِّ الريح، لم يقل: إنه كفر ... ؛ لكنه على خطر عظيم وعلى شفا هَلَكَة؛ لأنه يتخذ ذلك ذريعة ووسيلة إلى أن يتجرأ على الذات العليا؛ فالله هو الذي سبب الأسباب؛ وهو الذي خلق الريح، وهو الذي يقلب الليل والنهار، وهذه مسألة مهمة للتفريق بين من يسب الله، وبين الذي سب الأيام أو الليالي أو الريح ... ؛ لكن إذا قلنا باللازم فإنه يصبح من الممكن أن الإنسان يكفر، وهذه قاعدة عند علمائنا ...، فيقولون: لازم القول ليس بقول، إلا أن يحدث الإقرار من صاحب القول بذلك، فنقول له: لازم قولك: إنك تسب الله، فإن التزم هذا القول نقول له: قد كفرت بذلك وإلا فلا. شرح مختصر الصارم المسلول (6/ 11).
قال الشيخ علي الخضير -حفظه الله-:
ومن أمثلة سب الريح: كأن يقول: بئست هذه الريح، أو هذه ريح شِرِّيرة، الله يكره هذه الريح، ومثل قوله: يا شين ها الريح. المعتصر شرح كتاب التوحيد (ص: 257).
قوله: «فإذا رأيتم ما تكرهون»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
أي: من عصفها وشدتها. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (8/ 545).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «فإذا رأيتم ما تكرهون»: ريحًا تكرهونها لشدة حرارتها، أو برودتها، أو تأذَّيتم لشدة هبوبها. مرقاة المفاتيح (3/ 1117).
وقال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-:
إذا رأيتم من الريح ما تكرهون: رأيتم شدة الريح وقوتها، وخشيتم من أنها تضركم أو تضر بأموالكم أو تقتلع أشجاركم أو تهدم بيوتكم، أو ما تكرهون من برودتها؛ لأنها قد تكون باردة شديدة البرودة، أو تكون حارة شديدة الحرارة، تهلك النبات وتهلك الثمار، «فإذا رأيتم ما تكرهون»، منها من قُوَّتِها، أو من برودتها، أو من حرارتها؛ فتوجهوا إلى الله -سبحانه وتعالى-، لا تتوجهوا إلى الريح تذمونها وتسبونها، هذا ليس فيه جدوى من ناحية، وهو -أيضًا- شرك بالله -عزَّ وجلًّ- ووضع للشيء في غير موضعه. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 238).
وقال أحمد بن عمر الحازمي -حفظه الله-:
هذه الكراهة باعتبارهم هم، يعني: بالنظر القاصر، وأما ما يترتب عليه من رحمة من مغفرة أو إزالة الذنوب ونحو ذلك؛ فهي خيرٌ محضٌ وهو تأديبٌ من الله لعباده وتأديبه رحمةٌ للعباد؛ فلهذا جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- مرفوعًا: «الريح من روح الله تأتي بالرحمة وبالعذاب، فلا تسبوها، ولكن سلوا الله من خيرها، وتعوذوا بالله من شرها» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. إذًا: هي بذاتها مقهورةٌ مدبرةٌ مصرفة تحمل خيرًا وتحمل شرًّا، والذي حَمَّلَهَا ذلك وأمرها هو خالقها -جلَّ وعلا-.
وكونها قد تأتي بالعذاب لا ينافي كونها من رحمة الله، هل بينهما تنافٍ؟ الجواب: لا، تارةً تأتي بالرحمة ولها علاماتها، وتارة تأتي بالعذاب، بل كونها بالعذاب وخاصةً على المؤمنين الموحدين هي رحمةٌ، فلا تنافي من جهة كونها ماذا؟ كونها تحمل عذابًا، وكونها زجرًا وكفًّا وتُحْدِثُ توبةً وأَوبةً؛ وحينئذٍ هي خيرٌ من هذه الجهة ...، روى الترمذي عن ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما-: أن رجلاً لعن الريح عند النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: «لا تلعنوا الريح، فإنها مأمورةٌ، وإنه من لعن شيئًا ليس له بأهلٍ رجعت اللعنة إليه». شرح كتاب التوحيد (91/ 4).
قوله: «فقولوا»:
قال الملا علي القاري-رحمه الله-:
قوله: «فقولوا» إلى خالقها وآمرها. مرقاة المفاتيح (3/ 1117).
وقال المناوي -رحمه الله-:
اطلبوا الملاذ والمعاذ منه إليه. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 493).
وقال الشيخ أحمد بن عمر الحازمي -حفظه الله-:
«فقولوا» عدول عن السب والتنقص والعيب ونحو ذلك، إلى القول الذي أُثِرَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. شرح كتاب التوحيد (91/ 5).
قوله: «اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أُمِرَت به»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح» أي: باعتبار ذاتها، «وخير ما فيها» أي: باعتبار صفاتها، «وخير ما أُمِرَت به» على بناء المفعول، أي: من خالقها لطفًا وجمالًا. مرعاة المفاتيح (5/ 203).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها» أي: المرتب عليها: من جمع السحاب الناشئ عنه الغيث، وحسن الكلأ، أو الخير الذي فيها من تسيير نحو السفن بها. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (8/ 545).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «من خير هذه الريح» الريح نفسها فيها خير ... قد تكون هادئة تبرد الجو وتكسب النشاط... قوله: «وخير ما فيها» أي: ما تحمله؛ لأنها قد تحمل خيرًا: كتلقيح الثمار، وقد تحمل رائحة طيبة الشم. قوله: «وخير ما أُمرت به» مثل إثارة السحاب، وسوقه إلى حيث شاء الله. القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 379).
وقال الشيخ عبد الملك القاسم -حفظه الله-:
فمن خيرها: تلقيح الشجر، وتسيير السفن، وإضرام النار، وإبعاد الأوبئة، وإزالة الحر الشديد، وإزالة الروائح المنتنة، وغير ذلك كثير. الشرح الميسر لكتاب التوحيد (ص: 296).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله-:
قوله: «اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح» أَمَرَ -صلى الله عليه وسلم- بالرجوع إلى خالقها وآمرها الذي أَزِمَّةُ الأمور كلها بيده، ومصدرها عن قضائه، فما استُجْلِبَت نعمة بمثل طاعته وشكره، ولا استُدْفِعَت نقمة بمثل الالتجاء إليه والتعوذ به، والاضطرار إليه، والاستكانة له ودعائه، والتوبة إليه والاستغفار من الذنوب. تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد (ص: 582).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «وخير ما فيها» أي: من منافعها كلها، «وخير ما أُمِرَت به» أي: بخصوصها في وقتها... تحفة الأحوذي (6/ 527).
وقال الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله-:
قوله: «اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أُمِرَت به»: هذا يدل على أن الريح يكون فيها أمر، ويكون عليها أمر ونهي، والله -جلَّ وعلا- يرسل الرياح كيف يشاء، ويَصْرِفُها أيضًا -جلَّ وعلا- عمن يشاء، فهي مُسخَّرة بأمره -جلًّ وعلا-، والملائكة هي التي تُصرِّف الريح بأمره -جلَّ وعلا-... كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد (ص: 265).
قوله: «ونعوذ بك من شرِّ هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أُمِرَت به»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «ونعوذ بك من شر هذه الريح»: لكونها عاصفة أو ريحًا مهلكة، «وشر ما فيها وشر ما أُمِرَت به» أي: من إهلاك ما مَرَّتْ عليه، كريح عاد التي لم تَمُرّ على شيء إلا جعلته كالرميم. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (8/ 545).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «من شر هذه الريح» أي: شرها بنفسها: كقلع الأشجار، ودفن الزروع، وهدم البيوت. قوله: «وشر ما فيها» أي: ما تحمله من الأشياء الضارَّة، كالأنتان، والقاذورات، والأوبئة، وغيرها. قوله: «وشرِّ ما أُمِرَت به» كالإهلاك والتدمير... وتيبيس الأرض من الأمطار، ودفن الزروع، وطمس الآثار والطرق، فقد تُؤمر بشر لحكمة بالغة قد نعجز عن إدراكها.
وقوله: «ما أُمِرَت به» هذا الأمر حقيقي، أي: يأمرها الله أن تَهُبَّ، ويأمرها أن تتوقف ... القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 379- 380).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن الحسن -رحمه الله-:
وقد شرع الله لعباده أن يسألوه ما ينفعهم، ويستعيذوا به من شر ما يضرهم، وأن يكون ذلك منهم عبودية لله وحده، وطاعة له وإيمانًا به، وهذه حال أهل التوحيد والإيمان، خلافًا لحال أهل الشرك والبدع. كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين (ص: 238).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
فهذا الحديث يرشد فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الأدب، فيما إذا نال الإنسان شيء من أذى الريح؛ لأن الريح قد تحمل أشياء وقد تلقيها، وقد تكون عذابًا ... ؛ ولهذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى السحاب، ورأى الرياح؛ يتغير لونه ويدخل ويخرج، حتى يُرى ذلك عليه ظاهرًا، فسُئِل عن ذلك فقال: «وما يؤمنني، إن قومًا رأوا السحاب، فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} الأحقاف:24، قيل: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} الأحقاف:24 -25».
فيخشى أن الخلق إذا عصوا الله -جلَّ وعلا- أن يأخذهم بأي شيء وبأي وسيلة. والمقصود: أن الريح مأمورة ... قد تكون عذاباً، كما هو واقع الآن من الكوارث التي تسببها الريح ... وكثيرًا ما يقول الناس الآن: إن الكوارث طبيعية، فهم يجعلونها كوارث طبيعية ويرجعونها إلى الطبيعة، وما ندري ما هي الطبيعة؟ هل الطبيعة حرارة وبرودة، أو النفس، أو النار هي نفسها طبيعة؟
إن الطبيعة لا تعمل شيئًا، وإنما هو بتدبير الله -جلَّ وعلا-؛ حتى يتعظ العباد وينزجروا عن المعاصي، وكثيرًا ما نسمع أن العواصف دمرت كذا، وقتلت كذا، وأصابت كذا، وهو كله بأمر الله -جلَّ وعلا- وبعقابه، يعاقب العباد لعلهم يرعوون ويرجعون إليه، فإذا حدث من ذلك شيء فإن على الإنسان أن يعلم أنه هو السبب، وأن ما أصابه بذنبه، فيرجع إلى ربه ويستغفر ويتوب، ولا يسب الريح؛ فإنها مطيعة لله -جلَّ وعلا- أُمرت فأطاعت، وإذا سبها عاد السب عليه؛ لأن من لعن شيئًا لا يستحقه فهو الملعون. شرح فتح المجيد (123/ 2).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: استحباب هذا الدعاء عند هبوبها. تطريز رياض الصالحين (ص: 973).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)