الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«لا تجمعوا ‌بين ‌الرُّطَبِ ‌والبُسْرِ، وبين الزَّبيبِ والتَّمرِ نبِيذًا».


رواه البخاري برقم: (5279)، ومسلم برقم: (1986) واللفظ له، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌‌الرُّطَب»:
«‌‌الرُّطَب»: النضيج من البُسْر قبل أن يكون تمرًا. شمس العلوم لنشوان الحميري (4/ 2530).
وقال ابن قارس -رحمه الله-:
الراء والطاء والباء: أصل واحد يدل على خلاف اليُبْس.مقاييس اللغة(2/ 404).

«البُسْر»:
هو التَّمْرُ قبل أن يُرْطبَ لغَضَاضَتِهِ، واحِدتُه: بُسْرَةٌ. المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده (8/ 488).
وقال أبو بكر الأنباري -رحمه الله-:
البُسْر معناه في كلام العرب: الذي لم يبلغ حال الرُّطَب.الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 38).

«نَبِيذًا»:
«‌النبيذ» هو ما يُعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك. النهاية لابن الأثير (5/ 7).


شرح الحديث


قوله: «لا تجمعوا ‌بين ‌الرُّطَبِ ‌والبُسْرِ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«لا تجمعوا» في الانتباذ.مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه(20/ 78).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
والبُسْرُ: هو البلح الأصفر أو الأحمر قبل أن يرطب، والرُّطَبُ: هو نضيج البسر، قبل أن يصير تمراً. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 141).
وقال العيني -رحمه الله-:
البُسْر: هو المرتبة الرابعة لثمرة النخل: أولها: طلع، ثم خِلال، ثم بَلَح، ثم بُسْر، ثم رُطَب، والخِلال -بكسر الخاء المعجمة-: جمع خَلالة -بالفتح-.عمدة القاري (21/ 167).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
نهى أن يُخْلَطَا في النبيذ، لا أن يُخْلَطَا دون انتباذ. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 140).

قوله: «وبين الزَّبيبِ والتَّمرِ نبِيذًا»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
ولا تجمعوا «بين الزبيب والتمر» في الانتباذ؛ لسرعة الإسكار إليه. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (20/ 78).
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
ولا «بين الزبيب والتَّمر» حالة كون كل منهما، «نبيذًا» أي: منبوذًا مبلولًا بالماء، وعلة النهي فيه إما إسكار كثير، وإما توقُّع الإسكار بالخلط سريعًا، وإما الإسراف والشَّرَه، وحمل علماؤنا النهي في الأخير في ابتداء الإِسلام. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (21/ 40).
وقال العيني -رحمه الله-:
وحكمة النهي: خوف إسراع الشدة إليه مع الخلط، وقال الداودي: لأن أحدهما لا يصير نبيذًا حلوًا حتى يَشْتَدّ الآخر، فيسرع إلى الشِّدَّة، فيصير خمرًا، وهم لا يظنون. عمدة القاري (31/ 181).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قد ذهب غير واحد من أهل العلم إلى تحريم ‌الخليطين، وإن لم يكن الشراب المتَّخَذُ منهما مسكرًا قولًا بظاهر الحديث، ولم يجعلوه معلولًا بالإسكار، وإليه ذهب عطاء وطاووس، وبه قال مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق وعامة أهل الحديث، وهو غالب مذهب الشافعي.
وقالوا: من شرب ‌الخليطين قبل حدوث الشدة -التخمر- فهو آثم من جهة واحدة، وإذا شرب بعد حدوث الشدة كان آثمًا من جهتين:
أحدهما: شرب الخليطين. والآخر: شرب المسكر، ورخص فيه سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وقال الليث بن سعد -رحمه الله-: إنما جاءت الكراهة أن يُنْبَذَا جميعًا؛ لأن أحدهما يَشُدُّ صاحبه. معالم السنن (4/ 269).
وقال الماوردي -رحمه الله-:
وفي نهيه عن الجمع بينهما ما ذكرنا من التأويلين، وإن كان حكمها في الانفراد والجمع سواء.
أحد التأويلين: أن ذلك قبل التحريم تَوْطِئَة لهم في التحريم؛ لأنهم كانوا يجمعون بينها لقوَّة شِدَّتها، وكثرة لذَّتها ويسمونه: نبيذ الخليطين.
والثاني: أنه بعد التحريم؛ لأن جمعها يُعَجِّل حدوث السُّكْر منها؛ ليدوم عليهم مكث ما لا يُسْكِر إن انفرد، ولا يتعجَّل إسكاره إذا اجتمع. الحاوي الكبير (13/ 397).
وقال الباجي -رحمه الله-:
يقتضي المنع من ذلك على وجه التحريم، قال القاضي أبو محمد (عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي) -رحمه الله-: أما إذا بلغ حد المسكر فلا خلاف عنده (يعني: الإمام مالك -رحمه الله-) في تحريمه، وأما ما لم يسكر فهو ممنوع منه، واختلف أصحابنا في تأويل منع مالك منه، فقال قوم: هو منع تحريم، وقال قوم: منع كراهية، ووجه التحريم أنه «نهى -صلى الله عليه وسلم- أن يُنْبَذَ البُسْر والرُّطَب جميعًا»، والنهي يقتضي التحريم، ومن جهة المعنى: أنه معنى: يُعجِّل إحداث الشِّدَّة الْمُطْرِبَة في الشراب، فوجب أن يكون محرمًا...
مسألة: إذا ثبت ذلك، فإن البُسْر: ما قد أزْهَى من التمر، ولم يَبْدُ فيه إرطاب، والرُّطَب: ما قد جاوز البُسْر إلى الإرطاب، وإذا مَنَعَ من جمعهما، النَّبْذُ من البُسْرِ في حُكْم جميعها، فيجب أنْ لا يجوز انتباذُهُ. المنتقى شرح الموطأ (3/ 149).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ونهيه -عليه السلام- عن الخليطين، وانتباذ التمر والبُسْر، والزبيب والتمر، أو الرُّطَب والزبيب والبُسْر، أو الرُّطَب والزبيب، أو الزهْو هو البَلَح الملون الذي ظهرت فيه صُفْرة أو حُمْرة والرُّطَب، أو البلح والزهْو، جميعًا على ما جاء من اختلاف ألفاظ الأحاديث، والأمر بانتباذ كل واحد من ذلك على حِدَّتِه، وأن يُشْرَبَ كلُّ واحد من ذلك فردًا، علة ذلك عند العلماء: من أجل انتزاع السُّكْر والغليان إليهما باجتماعهما، فربما كان أعجل في بعض الأحيان بتعاون قوَّتَيْهما من معهود بهما، أحدهما قبل فساده (قال المحقق: بياض في الأصل)، فيدخل اللبس ويخاف السُّكْر، فحمى ذلك للذريعة. إكمال المعلم (6/ 448).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والنَّبِيذ المعمول من خليطين قد ذهب قوم إلى تحريمه، وإن لم يكن المجتمع منهما مُسْكرًا؛ أخذًا بظاهر الحديث، ولم يجعلوه مُعَلَّلًا بالسُّكْر، وبه قال مالك وأحمد وعامة أهل الحديث. جامع الأصول (5/ 131).
وقال النووي -حمه الله-:
هذه الأحاديث في النهي عن انتباذ الخليطين وشربهما، وهما تمر وزبيب، أو تمر ورُطَب، أو تمر وبُسْر، أو رُطَب وبُسْر، أو زهْو وواحد من هذه المذكورات، ونحو ذلك، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: سبب الكراهة فيه أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه، فيظن الشارب أنه ليس مسكرًا ويكون مسكرًا.
ومذهب الجمهور: أن هذا النهي لكراهة التنزيه، ولا يحرم ذلك ما لم يَصِرْ مسكرًا، وبهذا قال جماهير العلماء، وقال بعض المالكية: هو حرام، وقال أبو حنيفة -وأبو يوسف في رواية عنه-: لا كراهة فيه، ولا بأس به؛ لأن ما حل مفردًا حل مخلوطًا، وأنكر عليه الجمهور، وقالوا: منابذة لصاحب الشرع، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عنه، فإن لم يكن حرامًا كان مكروهًا، واختلف أصحاب مالك في أن النهي هل يختص بالشرب أم يعمه وغيره؟ والأصح: التعميم، وأما خلطهما لا في الانتباذ، بل في معجون وغيره فلا بأس به، -والله أعلم-. شرح مسلم (13/ 154- 155).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
فرع: شُرْب الخليطين وَالْمُنَصَّفِ إذا لم يَصِرْ مُسكرًا ليس بحرام لكن يكره، فالخليطان ما نُقِع من بُسْر أو رُطَب، أو تمر أو زبيب، والْمُنَصَّفُ ما نُقِع من تمر ورُطَب، وسبب الكراهة: أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه، فيظن الشارب أنه ليس مسكرًا وهو مسكر. المجموع شرح المهذب (2/ 566).
قال ابن حجر -رحمه الله-:
فيكون الجمع بين أكثر (يعني: أكثر من اثنين) بطريق الأولى. فتح الباري (10/ 68)
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
والمقصود من الحديث: أن لا يخلط صنفان -أي: صنفين- في النبيذ؛ لأن الخلط أدعى إلى التغير وأسرع للتخمر، والجمع بين أكثر من صنفين من باب أولى، والمطلوب: أن يُنْبَذَ كل صِنف على حِدَة. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 141)


ابلاغ عن خطا