الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إذا ثُوِّبَ للصلاة فلا تَأتوها وأنتم تَسْعَون، وأْتُوها وعليكم السَّكِينة، فما أَدْركتم فصلُّوا، وما فَاتَكُم فأتِمُّوا، فإنَّ أحدكم إذا كان يَعْمِدُ إلى الصلاة فهو في صلاة».


رواه البخاري برقم: (908)، ومسلم برقم: (602) واللفظ له، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وفي لفظ عند مسلم: «واقضِ ما سبقك».
ورواه أبو داود برقم: (573)، ولفظه: «واقضوا ‌ما ‌سَبقكم».
ورواه أحمد برقم: (10340)، والنسائي برقم: (861) بلفظ: «وما فَاتَكُمْ فَاقْضُوا».
صحيح الجامع برقم: (459).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«ثُوِّبَ»:
أي: أقام الصلاة، سُمِّيَتِ الإقامة تثويبًا؛ لأنها دُعاء إلى الصلاة بعد الدعاء بالأذان، من قولهم: ثاب: إذا رجع. شرح النووي على مسلم (5/ 100).

«تَسْعَوْن»:
أَي: تَعدونَ، وَالسَّعْي يكون مشيًا، وَيكون عدوا، وَيكون عملا، وَيكون تَصرفا فِي كل أَمر من صَلَاح أَو فَسَاد، وَيكون السَّعْي قصدًا. تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي (ص: 177).
قال ابن عبد البر-رحمه الله-:
فالسعي ههنا: المشي على الأقدام بسرعة والاشتداد فيه، وهو مشهور في اللغة. الاستذكار، لابن عبد البر (1/380).

«السكينة»:
أي: الوقار والتَّأَنِّيْ في الحركة والسير. النهاية، لابن الأثير (2/ 385).

«أدركتم»:
أي: لحقتم. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه، للهرري (6/ 166).
الدرك: اللحاق، والوصول إلى الشيء. لسان العرب لابن منظور (10/419).
والإدراك: اللحوق، يقال: مشيت حتى أدركته. تاج العروس للزبيدي (27/137).

«فاتكم»:
فاتني الأمر فوتًا وفواتًا: ذهب عني. المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (9/ 540).

«فأتموا»:
أي: أَكْمِلُوا. فتح الباري لابن حجر (2/ 118).

«يَعْمِد»:
بكسر الميم، أي: يقصد. مرقاة المفاتيح، للقاري (2/ 579).


شرح الحديث


قوله: «إذا ثُوِّبَ للصلاة»:
قال النووي -رحمه الله-:
قوله: «إذا ثُوِّب بالصلاة» معناه: إذا أُقِيْمَت، سُمِّيَت الإقامة تثويبًا؛ لأنها دعاء إلى الصلاة بعد الدعاء بالأذان، من قولهم: ثاب: إذا رجع. شرح النووي على مسلم (5/100).
وقال السندي -رحمه الله-:
والتثويب للصلاة ليس بقيد، إنما ذُكر لأنه محل تَوَهُّم جواز الإسراع؛ لإدراك أول الصلاة مع الإمام، فإذا لم يجز الإسراع مع وجود هذه المصلحة، فعند انتهائها بالأولى، ففي هذا التقييد إفادة أن الإسراع لا يجوز حتى إذا أقيمت الصلاة أيضًا. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (1/370).
وقال النووي -رحمه الله-:
وإنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها؛ لأنه إذا نهى عن إتيانها سعيًا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها فقبل الإقامة أولى، وأكَّدَ ذلك ببيان العلة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «فإن أحدكم إذا كان يَعمِد إلى الصلاة فهو في صلاة»، وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة، وأكَّد ذلك تأكيدًا آخر، قال: «فما أدركتم فَصَلُّوا، وما فاتكم فأتَمِّوُا». شرح النووي على مسلم (5/99).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
«إذا ثُوِّبَ بالصلاة» التقييد بالإقامة ليس للاحتراز؛ بل هو نصّ على المحل الذي يُتَوَهَّم فيه جواز الإسراع لإدراك أول الصلاة مع الإمام، فإذا لم يجز الإسراع في هذه الحالة؛ فعدم الجواز قبل الإقامة بالطريق الأولى، فالنهي عن الإسراع في الإتيان إلى الصلاة مطلقًا حال الإقامة أو غيرها.
وبعضهم جعل القيد للاحتراز، وقال: الحكمة في النهي عن الإسراع في هذا الوقت دون غيره أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يَصِلُ إليها فيقرأ في تلك الحال؛ فلا يحصل له تمام الخشوع في الترتيل وغيره، بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة ربما لا تُقَام حتى يستريح. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (4/271).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
عبَّر بالإقامة؛ لأن سماعها هو الحامل غالبًا على الإسراع؛ لِيَتَرَجَّى المصلي إدراك تكبيرة الإحرام، ومع هذِه الفضيلة نهى عن الإسراع في قوله: «فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ». شرح سنن أبي داود (3/599).
وقال عبيد الله الرحماني المباركفوري -رحمه الله-:
ذِكْرُ الإقامة ليس بقيد؛ لما في حديث أبي قتادة عند البخاري «إذا أتيتم الصلاة» فإنه يتناول ما قبل الإقامة.
فالمراد: الذهاب والمشي إلى الصلاة، وإنما ذكر الإقامة في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ لأنها هي الحاملة في الغالب على الإسراع، وهي محل توهم جواز الإسراع لإدراك أول الصلاة مع الإمام، فإن الْمُسْرع إذا أقيمت الصلاة يَتَرَجَّى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى، فإذا لم يجز الإسراع مع وجود هذه المصلحة فعند انتفائها بالأولى؛ فإن غيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع؛ لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها، فينهى عن الإسراع من باب الأولى، ففي هذا التقييد تنبيه على ما سواه، وإفادة أن الإسراع لا يجوز بحال. مرعاة المفاتيح (2/388).

قوله: «فلا تأتوها وأنتم تسعون»:
قال ابن بطال -رحمه الله-:
أي: تُسرعون. شرح صحيح البخاري (2/499).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
المراد بالسعي: العَدْو؛ لقوله: «وأتوها تمشون». الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (3/31).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فلا تأتوها تسعون» حال من ضمير الفاعل، وهو أبلغ في النهي من لا تسعوا؛ لتصوير حال سوء الأدب، وأنه منافٍ لما هو أولى به من الوقار والسكينة، ومن ثم عَقَّبَهَ بما يُنَبِّه على حسن الأدب من قوله: «وأتوها تمشون»؛ كقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} الفرقان:63، ثم ذَيَّلَ المفهومين بقوله: «وعليكم السكينة». شرح المشكاة (3/923).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «فلا تأتوها تسعون» المراد بالسعي هنا: الإسراع؛ يعني: كونوا في المشي إلى المسجد غير مسرعين وإن خفتم فَوْتَ الصلاة. شرح مصابيح السنة (1/415).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«فلا تأتوها تسعون» السعي هنا: هو ضد المشي؛ لأن المشي معناه: المشي بِتُؤَدَةٍ، والسعي: جَرْيٌ وعَدْو ورَكْض، وهذه الهيئة مَنَعَ منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون»؛ فالمقصود هنا: الإتيان إليها مشيًا بهدوء وسكينة ووقار وعدم إسراع. شرح سنن أبي داود (78/22).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «فلا تأتوها تسعون» أصل السعي: الجري، ومنه قوله تعالى: {يَأْتِينَكَ سَعْيًا} البقرة:260، وقد يكون السعي: العمل؛ كقوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا} البقرة:205، وعلى هذا الثاني حمل مالك قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الجمعة:9. المفهم (2/219-220).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «فلا تأتوها تسعون» هذا السعي غير السعي المذكور في قوله -عزّ وجلّ-: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الجمعة: 9، السّعي الذي في الحديث هو: الشَّدُّ على الأقدام، والتوسعة في الخطى، والسعي الذي في الآية هو: القصد إلى الصلاة والتفرغ لها، وترك التخلف عنها. أعلام الحديث شرح صحيح البخاري (1/581).
وقال النووي -رحمه الله-:
في الحديث: الندب الأكيد إلى إتيان الصلاة بسكينة ووقار، والنهي عن إتيانها سعيًا؛ سواء فيه صلاة الجمعة وغيرها، سواء خاف فوت تكبيرة الإحرام أم لا، والمراد بقول الله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الجمعة: 9 الذهاب، يقال: سعيت في كذا أو إلى كذا: إذا ذهبت إليه وعملت فيه، ومنه قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} النجم:39. شرح النووي على مسلم (5/99).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
ووجه الجمع بين النهي عن السعي في الحديث وبين قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الجمعة: 9 هو: أن السعي المأمور به في الآية غير السعي المنهي عنه في الحديث؛ لأن السعي في الآية فُسّر بالعمل الذي هو الطاعة والذهاب؛ لأنه لما قابل الله بين الأمر بالسعي والنهي عن البيع دل على أن المراد بالسعي: العمل الذي هو الطاعة؛ لأنه هو الذي يُقَابَل بسعي الدنيا، كالبيع والصناعة، وفسرت أيضًا: بالمضي {فَاسْعَوْا} الجمعة: 9: فامضوا، والسعي في الحديث فسر: بالعدو لمقابلته بالمشي، حيث قال: «لا تأتوها تسعَون وأتوها تمشون». كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (8/337).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فلا تأتوها تسعون» فإن قلتَ: المسارعة إلى الخير مرغوب ومأمور به؛ لقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} آل عمران: 133 الآية.
فجوابه: أن المسارعة أن يتهيأ قبل ذلك لا أن يقصر ويجلس، ثم إذا حان وقت الإقامة يُسْرِع ويَعْدُو، فإن ذلك يُفَوِّتُ ما أمر به من التزام السكينة والوقار.
هذا، وقد نُقِلَ عن بعض العلماء: أنه إن خاف فوت التكبيرة الأولى يُسْرِع بل يُهَرْوِل، وجاء في ذلك أثر عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-. لمعات التنقيح (2/442).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال ميرك نقلًا عن الأزهار: إن قلتَ قوله: «فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون» ما هذا إلا كما تقول: لا تأكل لحم الفرس، ولكن كُلْ لحم الحيوان، وهو كلام ضعيف.
قلتُ: لا نُسَلِّم ضعفه؛ لأن المراد: لحم حيوان غيره، وإن سُلِّمَ فالقيد موجود في الحديث، وهو قوله: «وعليكم السكينة» مع أن السعي قد يكون مشيًا كقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الجمعة: 9، وقد يكون عَدْوًا كقوله تعالى: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} يس: 20، وقد يكون عملًا كقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} النجم: 39. مرقاة المفاتيح (2/578).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
واختلف العلماء فيمن سمع الإقامة: هل يُسْرِع أو لا؟
فذهب الأكثر إلى أنه لا يُسْرِع، وإن خاف فوت الركعة تَمَسُّكًا بهذا الحديث، ونظرًا إلى المعنى؛ وذلك أنه إذا أسرع انْبَهَر فَتَشَوَّشَ عليه دخوله في الصلاة وقراءتها وخشوعها.
وذهب جماعة من السلف، منهم: ابن عمر وابن مسعود -رضي الله عنهم- في أحد قوليه إلى أنه إذا خاف فواتها أسرع.
وقال إسحاق -رحمه الله-: يُسْرِع إذا خاف فوت الركعة.
وروي عن مالك نحوه. المفهم (2/219-220).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة» يَرُدّ فعلَ ابن عمر، ويُبَيِّن أن الحديث على العموم، وأن السكينة تلزم من سمع الإقامة كما تلزم من كان في سعة من الوقت. شرح صحيح البخاري (2/261).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
معلوم أن النبي -عليه السلام- إنما زَجر عن السّعي من خاف الفوت؛ لقوله: «إذا أقيمت الصلاة»، و«إذا ثُوِّبَ بالصلاة»، وقال: «فما أدركتم فصلوا»؛ فالواجب أن يأتي الصلاة من خاف فوتها ومَن لم يخف بالوقار والسكينة، وترك السعي وتقريب الخُطَا؛ لأمر النبي -عليه السلام- بذلك وهو الحجة -عليه السلام-. الاستذكار (1/382-382).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
يمشي المرء إذا خرج إلى الصلاة على عادته التي يمشي في سائر الأوقات، وأغفل من قال: يسعى إذا خاف فوات التكبيرة الأولى، جائز أن يسعى إذا خاف فوات الركوع، والخروج عن ظاهر خبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير جائز. الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (4/147).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- دليل ظاهر على أنه لا يسرع لخوف فوت التكبيرة الأولى ولا الركعة، فإنه قال: «فإذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة ولا تسرعوا»؛ فدل على أنه يُنهى عن الإسراع مع خوف فوات التكبيرة أو الركعة. فتح الباري (5/394).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
هذا الذي قاله هذان الإمامان: أبو بكر ابن المنذر، وأبو عمر ابن عبد البرّ -رحمهما اللَّه تعالى- من أن الخروج عن ظاهر خبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غير جائز، وأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الحجة دون غيره؛ تحقيقٌ حقيقٌ بالقبول، لا يسع أن يتعدّاه ذوو العقول، وَيَعْتَذِر عمن خالفه من أهل العلم بأنه لم يصل إليهم النهي، أو وصل إليهم ولكن تأَوَّلُوه، وما قصدوا مخالفته، فحاشاهم أن يُظَنّ بهم ذلك، فالقوم أهل اتباع لا أهل ابتداع، إلا أن الخطأ لا يسلم منه إلا من عَصمه اللَّه، -فرضي اللَّه تعالى عنهم جميعًا-. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (13/306).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وقد أجمع العلماء على استحباب المشي بالسكينة إلى الصلاة، وترك الإسراع والهرولة في المشي؛ لما في ذلك من كثرة الخُطَا إلى المساجد. فتح الباري (5/392).
وقال ابن رجب -رحمه الله- أيضًا:
هذا أَمرٌ بالمشي ونهيٌ عن الإسراع إلى الصلاة لمن سَمِعَ الإقامة، وليس سماع الإقامة شرطًا للنهي، وإنما خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن الاستعجال إنما يقع عند سماع الإقامة؛ خَوْفَ فوات إدراك التكبيرة، أو الركعة، فهو كقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} البقرة: 283، والرهن جائز في السفر وغيره، وكذلك قوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} المائدة: 6، وقد ذكرنا أن التيمّم يجوز عند عدم الماء في السفر والحضر، وكذلك قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} الأحزاب: 5، ويجوز أن ندعوهم إخوانًا وموالي وإن عُلم آباؤهم، فقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم- لزيد: «أنت أخونا ومولانا» مع علمه بأبيه. فتح الباري (5/391-392).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وعدم الإسراع يستلزم كثرة الخُطَا، وهو معنى مقصود لذاته، وردت فيه أحاديث كحديث جابر -رضي الله عنه- عند مسلم: «أن بكل خطوة درجة»، ولأبي داود من طريق سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار مرفوعًا: «إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حَطَّ الله عنه سيئة، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غُفِرَ له، فإن أتى وقد صَلَّوا بعضًا وبقي بعض فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، وإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك». فتح الباري (2/118).
وقال العراقي -رحمه الله-:
فيه الأمر بإتيان الصلاة مشيًا والنهي عن إتيانها سعيًا، وأن ذلك يكون بتؤدة ووقار، وظاهره أنه لا فرق في ذلك بين الجمعة وغيرها ولا بين أن يخاف فوت تكبيرة الإحرام أو فوت ركعة أو فوت الجماعة بالكلية، ولا يخاف شيئًا من ذلك، وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.. طرح التثريب في شرح التقريب (2/354).
وقال العيني -رحمه الله-:
في الحديث: استحباب السكينة والتَّأَنِّي عند التوجه إلى الصلاة، وترك الجري والعدْو. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (6/206).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
وفي الحديث: دلالة على النهي عن الإسراع في المشي إلى الصلاة مطلقًا. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (4/272).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فلا تأتوها وأنتم تسعون» تهرولون، وإن خفتم فَوْت التكبير أو التبكير فإنكم في حكم المصلين المخاطبين بالخشوع والخضوع، فالقصد من الصلاة حاصل لكم، وإن لم تدركوا منها شيئًا، والنهي للكراهة. فيض القدير (1/294).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قال مالك -رحمه الله-: لا بأس لمن كان على فرس أن يحرك الفرس، وتَأَوَّلَه بعضهم على الفرق بين الراكب والماشي؛ لأن الراكب لا يَنْبَهِر كما يَنْبَهِر الماشي، والقول الأول أظهر؛ لظاهر الحديث؛ ولقوله: «عليكم السكينة». إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/553).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
ولو سمع الإقامة وهو مشتغل ببعض أسباب الصلاة كالوضوء والغسل أو غيرهما، فقال عطاء: لا يعجل عن ذلك، يعني: أنه يُتِمُّه من غير استعجال. فتح الباري (5/394).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وأما الجمعة، فلا نعلم أحدًا قال بالإسراع لها دون غيرها من الصلوات، وأما قوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الجمعة: 9، فإن المراد بالسعي فيه مطلق المضيّ، أو القصد.
وقال عكرمة ومحمد بن كعب القرظي -رحمهما الله-: السعي: العمل، وبَوَّب البخاري على هذا الحديث: المشي إلى الجمعة، وقول الله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الجمعة: 9. طرح التثريب في شرح التقريب (2/355-356).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال ابن حجر -رحمه الله-: أما الجمعة فإذا لم تدرك بإدراك ركوعها الثاني إلا بالسعي فإنه يجب السعي، لأن للوسيلة حكم المقصد، وهو هنا واجب علينا، فوجبت وسيلته كذلك. مرقاة المفاتيح (2/578).

قوله: «وأتوها وعليكم السكينة»:
قال النووي -رحمه الله-:
أي: الزموا السكينة، وهي الرفق والطمأنينة. شرح النووي على مسلم (8/186).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
أي: الزموا السكينة في جميع أموركم، خصوصًا في الوفود إلى جناب رَبّ العِزّة. شرح المشكاة (3/924).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«السكينة» بالنصب على أن «عليكم» اسم فعل أمر بمعنى: الزموا، كقوله تعالى: {عَلَيكُمْ أَنْفُسَكُمْ} المائدة:105، ويجوز الرفع على أنه مبتدأ مؤخر «وعليكم» خبر مقدم. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (8/337).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «وعليكم السكينةُ»، أي: التَّأَنِّي والوقارُ. شرح سنن أبي داود (3/58).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء -رحمهم الله-: والحكمة في إتيانها بسكينة والنهي عن السعي: أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها ومتوصل إليها؛ فينبغي أن يكون مُتَأَدِّبًا بآدابها، وعلى أكمل الأحوال، وهذا معنى الرواية الثانية: «فإن أحدكم إذا كان يَعمِد إلى الصلاة فهو في صلاة». شرح النووي على مسلم (5/99).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلب -رحمه الله-: معنى أمره بالسكينة في السعي إلى الصلاة -والله أعلم-: لئلا يَبْهَر الإنسان نفسه، فلا يتمكن من ترتيل القرآن، ولا من الوقار اللازم له في الخشوع. شرح صحيح البخاري (2/261).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
الحكمة في هذا الأمر تستفاد ... من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- فذكر نحو حديث الباب، وقال في آخره: «فإن أحدكم إذا كان يَعْمِد إلى الصلاة فهو في صلاة» أي: أنه في حكم المصلي؛ فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده، واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه. فتح الباري (2/118).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
فإذا قلتَ: إن الأمر بالسكينة معارَض بقوله تعالى في الجمعة: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الجمعة: 9.
أُجِيْبَ: بأنه ليس المراد من الآية الإسراع، بل المراد: الذهاب أو هو بمعنى العمل والقصد كما تقول: سعيت في أمري. إرشاد الساري (2/20).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وفي بعض الروايات: جمع بين السكينة والوقار، فقيل: هما بمعنى، والحق أن السكينة التَّأَنِّي في الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك، والوقار في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت، والإقبال على طريقه من غير التفات، ونحو ذلك -قاله الطيبي-.
والأظهر: أن المراد بالسكينة: سكون القلب وحضوره وخشوعه وخضوعه وأمثال ذلك.
وبالوقار: سكون القالب من الهيئات الغير المناسبة للسالك. مرقاة المفاتيح (2/578).
وقال عبيد الله الرحماني المباركفوري -رحمه الله-:
زاد في رواية للشيخين: «والوقار» فقيل: هو بمعنى السكينة، وذُكِرَ على سبيل التأكيد.
وقيل: إن بينهما فرقًا، وإن السكينة التَّأَنِّي في الحركات، واجتناب العبث.
والوقار في الهيئة كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات. مرعاة المفاتيح (2/389).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
هذه الوصية بالسكينة إنما هي لمن غَفَل عن المشي إلى المسجد حتى سمع الإقامة، أو لمن كان له شغل، وكلاهما سواء في النهي عن الإسراع. عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (2/125).
وقال العراقي -رحمه الله-:
ومقتضى هذه العبارة (يعني بها: كلام ابن العربي -رحمه الله-) أنه فُهِمَ أنّ مفهوم الشرط هنا معتبر، وأنه من مفهوم المخالفة؛ فلا يُنْهَى عن الإسراع من قصد الصلاة قبل الإقامة.
وهذا مردود يُنْفَرُ عن القول به بِبَادِي الرأي وآخره؛ إلا أن يقال: إنما خَصَّ النهي عن الإسراع بما بعد الإقامة؛ لأنه يدخل في الصلاة مُنْبَهِرًا فيمنعه ذلك الخشوع وإقامة الأركان على وجهها، وأما إذا كان قبل الإقامة فإنه إذا وصل إلى المسجد لا يدخل في الصلاة بمجرد دخوله؛ لأن الصلاة لم تُقَمْ؛ فيستريح ويذهب عنه ما به من البَهْرِ والتعب قبل الإقامة.
وفي هذا نظر؛ لأن الصلاة وإن كانت لم تُقَمْ فقد تقام بمجرد وصوله إلى المسجد فيقع في المحذور، ثم إن هذا المعنى ليس هو المعتبر في الحديث على ما سيأتي بيانه، وقد ظهر بذلك أنه وقع لتردد في أن هذا من مفهوم الموافقة أو المخالفة أو لا مفهوم له، والأول هو الراجح، -والله أعلم-. طرح التثريب في شرح التقريب (2/357).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وهو (أي: كلام العراقي -رحمه الله-) تحقيقٌ مفيدٌ، -واللَّه تعالى أعلم-. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (13/292).

قوله: «فما أدركتم فصلوا»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«فما أدركتم» الفاء جزاء شرط محذوف، أي: إذا بَيَّنْتُ لكم ما هو أولى لكم؛ فما أدركتم «فصلُّوا، وما فاتكم فَأَتِمُّوا»، ويحصل لكم الثواب كاملًا. شرح مصابيح السنة (1/416).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قلتُ: أو التقدير: إذا فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع فما أدركتم فصلُّوا. فتح الباري (2/118).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وهذا (أي: كلام ابن حجر -رحمه الله-) أحسن من قول الكرماني: إذا بَيَّنْتُ لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا. دليل الفالحين بشرح رياض الصالحين (5/177).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
الفاء في قوله: «فما أدركتم» فصيحة داخلة على شرط مُقَدَّر، تقديره: إذا بَيَّنْتُ لكم ما هو أولى بكم وأردتم بيان اللازم لكم فأقول لكم: ما أدركتم مع الإمام «فصلوا» معه جماعة، «وما فاتكم» أداؤه معه «فأتموا» بعد سلامه. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (8/339).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «فما أدركتم فصلوا» حصل فيه تنبيه وتأكيد؛ لئلا يَتَوَّهم مُتَوَهِّم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوت بعض الصلاة، فصرَّح بالنهي وإن فات من الصلاة ما فات، وبيَّن ما يُفْعَلُ فيما فات. شرح النووي على مسلم (5/99).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «فما أدركتم فصلوا» يقتضي الدخول مع الإمام على الهيئة التي يوجد عليها، وإن كان مما لا يُعْتَدُّ به كالسجدة التي فاتت ركعتها، فإنه مما أدرك فعله. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/496).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستُدِلَّ بالحديث -أيضًا-: على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وُجِدَ عليها، وفيه حديث أصرح منه أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن رجُل من الأنصار مرفوعًا: «من وجدني راكعًا أو قائمًا أو ساجدًا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها». فتح الباري (2/118).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستُدِلَّ بهذا الحديث: على حصول فضيلة الجماعة بإدراك جزء من الصلاة؛ لقوله: «فما أدركتم فصلوا»، ولم يفصل بين القليل والكثير، وهذا قول الجمهور.
وقيل: لا تُدْرَك الجماعة بأقل من ركعة؛ لحديث: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك»، وقياسًا على الجمعة. فتح الباري (2/118).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
ما ذهب إليه الجمهور من أن الجماعة تُدْرَك بإدراك جزء من الصلاة وإن قلَّ هو الحقّ؛ لوضوح حجّته. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (13/301).
وقال عبيد الله الرحماني المباركفوري -رحمه الله-:
واستدل الحنفية بإطلاق الحديث على أن من أدرك مع الإمام شيئًا من صلاة الجمعة ولو في التشهد يصلي ما أدرك معه ويتم الباقي، ولا يصلي الظهر. مرعاة المفاتيح (2/389).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
واختلف الأئمة فيمن أدرك الإِمام يوم الجمعة بعد الركوع مثلًا في التشهد أو في سجود السهو؛ هل يَبْنِيْ عليه الجمعة أو الظهر؟
فقال محمد -رحمه الله-: يَبْنِيْ عليها الظهر، ويصلي أربعًا.
قال العيني -رحمه الله- في شرح الهداية: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد؛ بناءً على ما أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أدرك من الجمعة ركعة فَلْيُصَلِّ إليها أخرى، ومن فاتته الركعتان فَلْيُصَلِّ أربعًا».
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف -رحمهما الله-: يَبْنِيْ عليها الجمعة، ويصلي ركعتي الجمعة، مستدلًا بهذا الحديث الصحيح الصريح الذي أخرجه البخاري ومسلم، فإنه يدل على أن من فاته شيء من صلاة الإِمام وأدرك شيئًا منها أي جزء كان، فعليه أن يُتِمَّه ويقضيه، فإذا أدرك في الجمعة التشهد أو سجود السهو فبناء على هذا الحديث عليه أن يتم الجمعة ويقضيه.
وفي رواية أخرى للدارقطني: «مَن أدرك من الجمعة ركعة صلَّى إليها أخرى، فإن أدركهم جلوسًا صلَّى الظهر أربعًا».
والحديث ضعيف؛ لأن في سنده ياسين بن معاذ الزيات، قال الدارقطني: ياسين ضعيف، وأيضًا في رواية صالح بن أبي الأخضر وهو أيضًا ضعيف، ضعفه يحيى بن معين والنسائي والبخاري، وعن ابن معين: ليس بشيء، وقال الجوزجاني: اتهم في أحاديثه، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، وقال الترمذي: يضعف في الحديث، ضعفه يحيى القطان وغيره، قاله الذهبي في الميزان، وأيضًا وقع في رواية للدارقطني: سليمان بن أبي داود الحراني، قال في الميزان: ضعفه أبو حاتم، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: لا يحتج به.
ومع هذا حديث الدارقطني هذا لا يقاوم حديث الصحيحين، ولو سُلِّمَ فيمكن أن يُوَجَّه قوله: «فإن أدركهم جلوسًا» أي: بعد الفراغ من الصلاة، وكذلك قوله: «من فاتته الركعتان» أي: فوتهما بسلام الإِمام، فحينئذٍ لا يخالف حديث الصحيحين في المعنى. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/424-425).

قوله: «وما فاتكم فَأَتِمُّوا»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «وما فاتكم» دليل على جواز قول: فاتتنا الصلاة؛ خلاف ما كره ابن سيرين من ذلك، وأنه إنما يَقول: لم ندركها. إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/554).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
«وما فاتكم» أي: بحسب الحِسّ والمشاهدة دون الحكم. مرعاة المفاتيح (2/389).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
في قوله: «وما فاتكم فأتموا» دليل على أن ما يدركه المرء من باقي صلاة الإمام هو أول صلاته؛ لأن الإتمام إنما يكون بناء على مُتَقَدِّم مُحْتَسَبٍ به. أعلام الحديث شرح صحيح البخاري (1/581).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» فيه حجة لمن قال: إن ما أدرك المأموم من صلاة الإمام فهو أول صلاته. شرح صحيح البخاري (2/261).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
وهذا معناه: أنه بدأ بأولها ثم يأتي بآخرها لِيُتِمَّها، فالأول أول، والآخر آخر، وإن كان آخر الصلاة هو بالنسبة للإمام فهو أول الصلاة بالنسبة للمسبوق، فالركعتان الأخيرتان من الصلاة الرباعية هي آخر الصلاة للإمام، وهي أول الصلاة للمسبوق. شرح سنن أبي داود (78/22).

قوله: «وما فَاتَكُمْ فَاقْضُوا»، وفي رواية: «واقضُوا ما سَبقكم»
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «وما فاتكم فأتموا» أي: أكملوا، هذا هو الصحيح في رواية الزهري.
ورواه عنه ابن عيينة بلفظ: «فاقضوا»، وحكم مسلم في (التمييز) عليه بالوهم في هذه اللفظة؛ مع أنه أخرج إسناده في صحيحه لكن لم يَسُقْ لفظه، وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة -رضي الله عنه- فقال: «فاقضوا»، وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بلفظ: «فأتموا».
واختلف -أيضًا- في حديث أبي قتادة فرواية الجمهور: «فأتموا»، ووقع لمعاوية بن هشام عن سفيان: «فاقضوا» كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه، وأخرج مسلم إسناده في صحيحه عن ابن أبي شيبة فلم يَسُقْ لفظه أيضًا.
وروى أبو داود مثله عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: ووقعت في رواية أبي رافع عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
واخْتُلِفَ في حديث أبي ذر قال: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- «ولْيَقْضِ».
قلتُ: ورواية ابن سيرين عند مسلم بلفظ: «صَلِّ ما أدركت، واقْضِ ما سبقك».
والحاصل: أن أكثر الروايات ورد بلفظ: «فأتموا»، وأقلها بلفظ: «فاقضوا»، وإنما تظهر فائدة ذلك: إذا جعلنا بين الإتمام والقضاء مُغَايَرَة، لكن إذا كان مخرج الحديث واحدًا، واختُلِفَ في لفظة منه، وأمكن رَدُّ الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى، وهنا كذلك؛ لأن القضاء وإن كان يُطْلَق على الفائت غالبًا؛ لكنه يُطْلَق على الأداء أيضًا، ويَرِدُ بمعنى الفراغ، كقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا} الجمعة: 10، ويَرِدُ بمعانٍ أُخَرَ؛ فيحمل قوله: «فاقضوا» على معنى الأداء أو الفراغ فلا يغاير قوله: «فأتموا». فتح الباري (2/118-119).
وقال العيني -رحمه الله-:
واختلف العلماء في الإتمام والقضاء المذكورين، هل هما بمعنى واحد أو بمعنَيْين؟
وتَرَتَّب على ذلك خلاف فيما يدركه الداخل مع الإمام، هل هو أول صلاته أو آخرها؟ على أرْبعةِ أقوال:
أحدها: أنه أول صلاته، وأنه يكون بانيًا عليه من الأفعال والأقوال، وهو قول الشافعي وإسحاق والأوزاعي، وهو مروي عن علي وابن المسيب والحسن وعطاء ومكحول، ورواية عن مالك وأحمد.
واستدلوا بقوله: «وما فاتكم فأتموا»؛ لأن لفظ الإتمام واقع على باقٍ من شيء قد تقدم سائرُه.
وروى البيهقي من حديث عبد الوهاب بن عطاء، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي -رضي الله عنه-: «‌ما أدركت فهو أول صلاتك».
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- بسند جيد مثله.
الثاني: أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبني عليها آخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها، وهو قول مالك.
قال ابن بطال -رحمه الله-: ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من القراءة بأم القرآن وسورة.
وقال سحنون -رحمه الله-: هذا الذي لم نعرف خلافه.
دليله: ما رواه البيهقي من حديث قتادة: أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: «‌ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك، واقْضِ ما سبقك به من القرآن».
الثالث: أن ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقرأ فيها بالحمد وسورة مع الإمام، وإذا قام للقضاء قضى بالحمد وحدها؛ لأنه آخر صلاته، وهو قول المزني وإسحاق وأهل الظاهر.
الرابع: أنه آخر صلاته، وأنه يكون قاضيًا في الأفعال والأقْوال، وهو قول أبي حنيفة وأحمد في رواية سفيان ومجاهد وابن سيرين. شرح سنن أبي داود (3/58-59).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
وقد اختلفوا في المسبوق هل ما يصلي بعد الإمام أول صلاته أم آخرها؟ فمن قال بالأول -وهو أبو حنيفة- استدل برواية: «اقضوا»؛ لأن القضاء لا يكون إلا للفائت، فمن سُبِقَ بثلاث ركعات فإنه إذا سلم الإمام يقوم فيصلي ركعة بالفاتحة وسورة، ثم يقوم من غير تشهد فيصلي أخرى بالفاتحة وسورة، ثم يقعد ويتشهد، ثم يقوم فيصلي أخرى بالفاتحة لا غير، ويتشهد ويسلم، بناء على أن ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته، وأنه يكون قاضيًا في الأقوال والأفعال.
ومن قال بالآخر -وهو الشافعي- استدل برواية: «أتموا»؛ لأن لفظ الإتمام واقع على باقٍ من شيء قد تقدم سائره، فمن سبق بثلاث ركعات فإنه يقوم بعد سلام الإمام فيصلي ركعة بالفاتحة وسورة، ثم يجلس ويتشهد، ثم يقوم فيصلي ركعتين بالفاتحة فقط، ثم يتشهد ويسلم، بناء على أن ما أدرك مع الإمام هو أول صلاته، وأنه يكون بانيًا عليه في الأقوال والأفعال.
وروى البيهقي من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي -رضي الله عنه-: «‌ما أدركت فهو أول صلاتك»، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- بسند جيد مثله.
وقال مالك -رحمه الله-: إنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبني عليها، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها، فمن سُبِقَ بثلاث ركعات يقضي ركعة بالفاتحة وسورة ويقعد ويتشهد، ثم يقوم فيصلي ركعتين أولاهما بالفاتحة وسورة، آخرها بالفاتحة خاصة.
وكأنه أراد الجمع بين الروايتين، والعمل بمقتضى اللفظين، واستدل لذلك بما رواه البيهقي من حديث قتادة: أن عليًا -رضي الله عنه- قال: «‌ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك، واقْضِ ما سبقك من القرآن». مرعاة المفاتيح (2/389).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
والذي نختاره: أنه آخر صلاته، وهو الأشبه بمذهبنا ومذهب أبي حنيفة؛ لأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، فيحمل قوله: «فأتموا» على أن من قضى ما فاته فقد أتم؛ لأن الصلاة تنقص بما فات، فقضاؤه إتمام لما نقص.كشف المشكل (2/141).
وقال النووي -رحمه الله-:
واختلف العلماء في المسألة: فقال الشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف: ما أدركه المسبوق مع الإمام أول صلاته، وما يأتي به بعد سلامه آخرها، وعكسه أبو حنيفة -رضي الله عنه- وطائفة، وعن مالك وأصحابه روايتان كالمذهبين، وحجة هؤلاء «واقض ما سبقك» وحجة الجمهور: أن أكثر الروايات: «وما فاتكم فأتموا».
وأجابوا عن رواية: «واقض ما سبقك» أن المراد بالقضاء: الفعل لا القضاء المصطلح عليه عند الفقهاء، وقد كثر استعمال القضاء بمعنى الفعل، فمنه قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} فصلت: 12، وقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} البقرة: 200، وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ} الجمعة: 10، ويقال: قضيت حق فلان، ومعنى الجميع: الفعل. شرح النووي على صحيح مسلم (5/100).
وقال العيني -رحمه الله-:
الجواب عن كلام النووي -رحمه الله- بأن المراد بالقضاء الفعلُ فمشترك الدلالة؛ لأن الفعل يطلق على الأداء والقضاء جميعًا، ومعنى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} فصلت: 12: قَدَّرَهُنَّ.
ومعنى: {قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} البقرة: 200: فرغتم عنها، وكذا معنى: {فَإذَا قُضِيَتِ} الجمعة: 10.
ومعنى قَضِيْتُ حق فلان: أنهيتُ إليه حقه.
ولو سلمنا أنَ القضاءَ بمعَنى الأداء فيكون مجازًا، والحقيقة أوْلى من المجاز؛ ولا سيما على أصلهم: المجاز ضروري لا يُصار إليه إلا عند الضرورة والتعدد. شرح سنن أبي داود (3/60).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
فلا حجة في الحديث لمن تمسك برواية: «فاقضوا» على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته؛ بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه؛ لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه.
وأوضح دليل على ذلك: أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال، فلو كان ما يدركه مع الإمام آخرًا له لما احْتُيْجَ إلى إعادة التشهد. فتح الباري (2/119).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
فإن قيل: فَلِمَ تَأْمُرُهُ إذا قضى الفائت بالتشهد، وقد فعله قبل ذلك عندك في موضعه؟
قيل: لأنه لم يفعل التسليم، ومن سنة التسليم أن يكون عقيب التشهد. شرح صحيح البخاري (2/262).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقول ابن بطال -رحمه الله-: إنه ما تشهد إلا لأجل السلام؛ لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد؛ ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور.
واستدل ابن المنذر -رحمه الله- لذلك أيضًا على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى. فتح الباري (2/119).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
فإن قال قائل: كيف يصح في قول مالك أن يكون ما أدرك أول صلاته، ولا خلاف عنده أنه من أدرك مع الإمام ركعتين أنه يقرأ فيهما كما يقرأ الإمام بأم القرآن في كل ركعة؛ فإذا سلم قام فقرأ فيما يقضي: بالحمد وسورة في كل ركعة؟
قيل: جواب هذا السؤال اتفاق الجميع على أن الإحرام لا يكون إلا في أول الصلاة، والتشهد والسلام لا يكون إلا في آخرها، فكان ما أدرك أول صلاته.
وجواب آخر: وهو قوله -عليه السلام-: «وما فاتكم فاقضوا»، وذلك أن الذي فاته هو الذي فعله إمامه، وهي قراءة أم القرآن وسورة في كل ركعة، فوجب عليه قضاء مثله، وهذا المعنى بعينه يقضي قوله -عليه السلام-: «وما فاتكم فأتموا»؛ لأن التمام في اللغة إتمام شيء ناقص تقدمه، ولا يكون تمامًا لشيء حتى يؤتى بكل ما نقص منه، وقد فسر أهل اللغة القضاء على غير ما احتج به الفقهاء، وقالوا: القضاء يكون لغير فائت.
قال صاحب الأفعال: قضى الشيء: صنعه. قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} فصلت: 12، أي: صنعهن، وقال: {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ} طه: 72، أي: اصنع ما أنت صانع، قال أبو ذؤيب:
وعليهما مَسرودَتانِ قضاهما *** داود أو صَنَعَ السوابغ تُبَّع
أي: صنعهما داود، قال: ويقال: قضيت الحق: خرجت منه، وقضيت العمل والأمر: فرغت منهما، قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} الجمعة: 10، وهذا كله يدل على صحة قول من قال: إن ما أدرك فهو أول صلاته. شرح صحيح البخاري (2/262-263).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
الراجح عندي: هو ما ذهب إليه الشافعي؛ لأن أكثر الرواة أجمعوا على قوله -عليه السلام-: «وما فاتكم فأتموا»، ولا يخالفه لفظ: «اقضوا». مرعاة المفاتيح (2/390).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
وبهذا يتبين أن سبب الخلاف اختلاف روايات الحديث، وتفسير القضاء بالمعنى الفقهي.
والراجح هو القول الأول (وهو قول الشافعي والجمهور) لما تقدم من أن الإتمام والقضاء بمعنى واحد، لا سيما وأن مخرج الحديث واحد، وقد أمكن رد الاختلاف في الروايات إلى معنى واحد، وعلى هذا يترتب فوائد منها:
1 ـ إذا أدرك من المغرب أو العشاء ركعتين صلى الباقي سرًّا؛ لأن ما يقضيه هو آخر صلاته.
2 ـ إذا أدرك ركعة من جهرية وقام يقضي ما فاته أتى بالثانية جهرًا خفيفًا لا يؤذي من حوله، ثم يصلي الباقي سرًّا.
3 ـ إذا أدرك ركعة ثم قام يأتي بالثانية قرأ الفاتحة وسورة، ثم يصلي الباقيتين بالفاتحة فقط.
4 ـ إذا أدرك مع الإمام ركعة من الثلاثية أو الرباعية جلس للتشهد الأول بعد أول ركعة يقضيها. منحة العلام شرح بلوغ المرام (341).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: هل لهذا الخلاف ثمرة؟
قلتُ: نعم ضم السورة بعد سلام الإمام إن أدركه في الركعة الأخيرة عند أبي حنيفة، وإعادة القنوت عند الشافعي، والمسألة خلافية بين الصحابة ومن بعدهم. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (2/293).
وقال العراقي -رحمه الله-:
اعلم أنه يستثنى من هذا الخلاف التَّحْرِم بالصلاة والتسليم منها، فليس له أن يؤخر الإحرام، وإن قلنا: إن ما أدركه مع الإمام آخر صلاته، وليس له أن يسلم قبل إتمام صلاته، وإن قلنا: إن ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته، وقد نبه على ذلك القاضي عياض، وسبقه إلى التنبيه عليه ابن بطال، واستثنى مع ذلك التشهد أيضًا، وقال: فإن قيل: فلم يأمره إذا قضى الغائب بالتشهد فقد فعله قبل ذلك عندك في موضعه أي مع التفريع على أن ما يأتي به أولًا آخر صلاته إما مطلقًا أو في الأقوال خاصة، قيل: لأنه لم يفعل التسليم، ومن سنة التسليم أن يكون عقب التشهد. طرح التثريب (2/363).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الذي يظهر لي: أن مذهب القائلين بأن ما يقضيه المسبوق أول صلاته هو الأرجح؛ لظهور دليله؛ لأن «ما» في قوله: «وما فاتكم» للعموم، فكل ما فات المسبوق من الأفعال والأقوال يجب عليه الإتيان به؛ لعموم هذا النصّ، والذي وجب عليه الإتيان به هو الذي فاته، وما فاته إلا أول صلاته، فإذا أتى به فقد قضاه، وما في رواية الأكثرين من لفظ: «فأتموا» لا ينافي هذا المعنى، إذ لولا إتيانه بما فاته من أول صلاته لَمَا حَصَلَ الإتمام، فإن الذي أدركه مع الإمام ناقص لا يتم حتى يقضي ما فاته، فإذا قضاه فقد أتم نقصه، ولا يستلزم ذلك أن يكون ما يقضيه أخيرًا.
والحاصل: أنه يجب عليه الإتيان بما سبق به من قراءة الفاتحة والسورة وسائر الأفعال التي فاتته مع الإمام، وإذا كانت الصلاة جهرية جَهَرَ فيها. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (13/308).

قوله: «إذا كان يعمِد إلى الصلاة فهو في صلاة»:
قال العيني -رحمه الله-:
أي: يقصد إلى الصلاة. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (6/206).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
أي: يقصدها ويتحرك لها.فتح المنعم شرح صحيح مسلم (3/292).

قوله: «فهو في صلاة»:
قال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله-:
قوله: «فهو في صلاة» كأن التنكير للنوع، أي: هو في نوع من الصلاة، وهي الصلاة الْحُكْمِيَّة التي تحصل له بالقصد إليها، وإن لم يكن في تلك الصلاة التي يصلي، فافهم. لمعات التنقيح (2/443).
وقال النووي -رحمه الله-:
معنى الحديث: ما دام يَعْمِد إلى الصلاة فله أجر وثواب بسبب الصلاة، فينبغي أن يتأدَّب بآداب المصلين، فيترك العبث، والكلام الرديء في طريقه، والنظر المذموم، وغير ذلك مما يتركه المصلي.المجموع شرح المهذب (4/544).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
من حين قصدها؛ لأن الْمُشارِف قريبٌ من الشيء كأنه فيه، وهذا إذا لم يُقصِّر في التأخير. شرح مصابيح السنة (1/416).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: حكمًا وثوابًا وقصدًا ومآبًا. مرقاة المفاتيح (2/579).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
أي: حكمًا وثوابًا، فينبغي له من الخشوع والوقار الذي يجب على المصلي، مع أن عدم الإسراع يستلزم كثرة الخُطَا، وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث. مرعاة المفاتيح (2/390).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
فيه إشارة إلى أن يتأدب بآداب الصلاة. إرشاد الساري (2/20).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
يدل على أن الماشي إلى الصلاة كالمنتظر لها، وهما من الفضل فيما فيه المصلي -إن شاء الله- على ظاهر الآثار.
وهذا يسير في فضل الله ورحمته بعباده؛ كما أنه من غلبه نوم على صلاة كانت له عادة كُتِبَ له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة.
وكذلك من نوى الجهاد أو غيره من أعمال البر، وقَطَعَهُ عنه عائقُ عجزه، وفضل الله عظيم يمنّ به على من يشاء من عباده، وليس فضائل الأعمال مما فيه للمقاييس مدخل، -والحمد لله-. الاستذكار (1/385).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
أي: يحصل له فضلها، وإن لم يدركها معهم، وقد جاء في ذلك حديث مرفوع، لكن محل ذلك كما في (فتح الإله) ما لم يَعْتَدْ ذلك ويتساهل فيه. دليل الفالحين بشرح رياض الصالحين (5/178).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
أي: في ثواب صلاة وفي أجر صلاة، ولا بد من تقدير هذا المضاف؛ لأنه لا يكون في صلاة فعلية.فتح المنعم شرح صحيح مسلم (3/292).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قلتُ: ولو وقع تقصير في التأخير، فبقصده يرتفع التقصير، فيكون بمنزلة التائب عن المعائب. مرقاة المفاتيح (2/579)


ابلاغ عن خطا