الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يمنعُ أهلَهُ الحِلْيةَ والحريرَ، ويقول: إنْ كنتم تحبونَ حِلْيةَ الجنةِ وحريرها، فلا تلبسوها في الدنيا».


رواه أحمد برقم: (17310)، والنسائي برقم: (5136) واللفظ له، وابن حبان برقم: (5486) من حديث عُقبة بن عامر -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (338)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (2063).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الحِلْيَة»:
اسمٌ لكلِّ ما يُتَزيَّن به من مَصَاغِ الذَّهبِ والفضَّةِ، والجمعُ: حُلِيٌّ بالضَّمِّ والكسرِ. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (1/ 435).
وقال الشيخ محمد الإتيوبي -رحمه الله-:
الحِليَةُ -بكسر الحاء المهملة، وسكون اللام- أي: الزِّينة، وجمعها حُلِيٌّ، مقصورًا، وتضمُّ حاؤه، وتُكسر. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (38/ 193).

«الحريرَ»:
هو خُيوط تَخْرُجُ من دُودة القَزِّ، فيُنسَج منها الأثواب. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (12/ 69).


شرح الحديث


قوله: «كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يمنعُ أهلَهُ الحِلْيةَ والحَريرَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كان يمنع أهله الحِلْية والحرير» أي: من إكثارها، أو من أصلهما؛ زُهدًا فيهما. مرقاة المفاتيح (7/ 2807).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «يمنع أهله الحِلْية والحرير» تنبيهًا على الزُّهد والتقوى، وترغيبًا فيما عند اللَّه، وقيل: بهذا يظهر أنَّ النهي حيث وقع للتنزيه، -واللَّه أعلم-. لمعات التنقيح(7/ 395-396).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
أي: كان يمنعهم عن التحلِّي بالذهب، ولبس الحرير. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (17/ 267).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
فيُحمل حديث عُقبة بن عامر -رضي الله عنه-...على كراهة التنزيه؛ جمعًا بين الأدلة، -والله أعلم-. العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام (3/ 1653).
وقال العيني -رحمه الله-:
وأما حديث عُقبة -رضي الله عنه- فيحتَمِل: أنْ يكون قبل حديث علي -رضي الله عنه- وهو قوله: «إنَّ هذين -الذهب والحرير- حرام على ذكور أمتي، حِلٌّ لإناثهم». نخب الأفكار (13/ 309).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
مَنْعُ لباس الحرير؛ لأنه من زِيِّ النساء، قاله الأبهري، وقيل: خشية أن يؤول به إلى الكبر والعُجْب، وأما إلباس الذهب فعلى هذا أيضًا. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (26/ 192).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «يمنع أهلَهُ» يُحتمل: أنَّ المراد به: الذكور من الأولاد، ويُحتمل: أنَّ المراد: ما يَعُمُّ النساء، بناءً على عموم المنع أولًا. حاشية السندي على مسند أحمد (4/194).
وقال السندي -رحمه الله- أيضًا:
«يمنع أهله الحِلْية» الظَّاهِر: أنه يمنع أزواجه الحِلْية مُطلقًا، سواء كانت من ذهب أو فضَّة، ولعلَّ ذلك مخصوص بهن؛ لِيُؤْثِرْنَ الآخرة على الدُّنيا، وكذا الحرير.
ويُحتمل: أنَّ المراد بالأهل: الرِّجال من أهل البيت، فالأمر واضح. حاشية السندي على سنن النسائي (8/ 156).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الاحتمال الثاني بعيدٌ كما لا يخفى، فالأشبه ما ذكرهُ أولًا، فيكون هذا من خصوصيات أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن ينبغي لغيرهنَّ من نساء المؤمنات أن يقتدين بهنَّ، -والله تعالى أعلم-. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (38/ 194).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
يُحتمل: أنْ يكون هذا الحديث خاصًّا بأهل بيت النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فإنَّ لهنَّ من المكانة عند الله تعالى ما ليس لغيرهنَّ، فيخالفن سائر نساء المؤمنات، قال الله تعالى مبيِّنًا رفعتهنَّ، وتخصصهن، وتميُّزهنَّ عن سائر نساء المؤمنات: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} الأحزاب: 30، 31... وأنه وإن احتُمل اختصاصه بنساء النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، إلا أنه ينبغي للنساء المسلمات أنْ يَقْتَدِيْنَ بهنَّ في ترك الحِلْية والحرير، وإن لم يحرم عليهنَّ؛ رغبةً في حلية الجنة، وحريرها. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (38/ 194-195).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وهذا -أي: النهي- في الحرير الطبيعي الذي يخرج من دود القَزِّ، وأما الحرير الصناعي فليس حرامًا، لكن لا ينبغي للرجل أن يلبسه؛ لما فيه من الْمُيُوعة، والتَّنَزُّل بحال الرجل الذي ينبغي أنْ يكون فيها خَشِنًا، يلبس ثياب الرجولة، لا ثياب النعومة.
لكن الفائدة من قولنا: إنَّ الحرير الصناعي ليس حرامًا، يعني: لو لبس طاقية من الحرير الصناعي أو سروالًا لا يُرى، فهذا لا بأس به، وأما القميص والغترة فلا ينبغي، وإن كان حلالًا، لا ينبغي أن يلبسه الرجل؛ لما فيه من الْمُيُوعة والتَّدَنِّي؛ ولأن الجاهل إذا رآه يظنه حريرًا طبيعيًّا، فيظن أن ذلك سائغ للرجل، وربما يقتدي به، والسلامة أسلم للإنسان. شرح رياض الصالحين (4/ 323).

قوله: «ويقول: إنْ كنتم تُحِبُّونَ حِلْيةَ الجنة وحريرها»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ويقول: إنْ كنتم تُحِبُون حليةَ أهل الجنة وحريرها» أي: على وجه الكمال. مرقاة المفاتيح (7/ 2807).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إنْ كنتم تُحِبُّون حِلْيةَ الجنة» أي: زينتها، والمراد: الذهب. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 249).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«إنْ كنتم تُحِبُّون حِلْية الجنة» أي: ما يُتحلَّى به من نحو ذهب وفضَّة. السراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 181).

قوله: «فلا تلبسوها في الدنيا»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فلا تلبسوها» أي: الحلية -كثيرًا، أو مطلقًا-، وهو من باب الاكتفاء، وإلا فظاهر الكلام أن يُقال: فلا تلبسوها «في الدنيا» فإنَّ الأمر كما ورد في الخبر: «مَن أحب آخرته أَضَرَّ بدنياه، ومَن أحب دنياه أَضَرَّ بآخرته، فآثِرُوا ما يبقى على ما يفنى».
وكما جاء في حديث آخر: «أَشْبَعُكم في الدنيا أَجْوَعُكُم في العقبى، ورُبَّ كاسِيَة في الدنيا، عارية في الآخرة». مرقاة المفاتيح (7/ 2807).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فلا تلبسوهما في الدنيا» عامٌّ في الرجال والنساء، إلا أنه قد ورد الترخيص للنساء.
وقيل: إنه قد نُسخ، وفيه خلاف. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 249).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فلا تلبسوهما في الدنيا» فإنَّ من لبسهما من الرجال، ومثلهم الخناثى في الدنيا لم يلبسهما في الآخرة، كما في خبر آخر، ويحرم على الرجل والخُنثى استعمال حلي النقدين والحرير لغير ضرورة أو حاجة. فيض القدير (3/ 35).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«فلا تلبسوهما في الدنيا» النهي للتحريم في حقّ الرّجل، ومثله الخنثى، فيَحرُم عليه التحلِّي بما ذُكر، وكذا لبس الحرير إلا لضرورة. السراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 181).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فلا تلبسوها في الدُّنيا» أي: لا تلبسوا حلية الدنيا، وحريرها، حتَّى تلبسوا حلية الجنة وحريرها. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (38/ 194).


ابلاغ عن خطا