«رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يَسْتَنُّ، فأَعطى أَكبرَ القومِ، وقال: إنَّ جبريلَ -صلى الله عليه وسلم- أَمرني أنْ أُكَبِّر».
رواه أحمد برقم: (6226)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم: (172) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (1382)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1555).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يَسْتَنُّ»:
الاسْتِنَانُ: استعمال السِّواك، وهو افْتِعاَل من الأسنانِ، أي: يُمِرُّه عليها. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/ 411).
«أنْ أُكَبِّر»:
أي: أُقَدِّم الأكبر، وأُوَقِّره. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 249).
شرح الحديث
قوله: «رأيتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهو يَسْتَنُّ»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «وهو يَسْتَنُّ» أي: وهو يستعمل السِّواك. حاشية السندي على مسند أحمد (2/180).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«يَسْتَنّ» أي: يستاك، وهو دَلْكُ الأسنان بما يَجْلُوْهَا، وهو مأخُوذٌ من السَّنِّ، وهو إِمْرار الشيء الذي فيه خشونة على شيء آخر، ومنه الْمِسَنُّ -بكسر الميم-، وهو الحَجَر الذي يُسنُّ عليه السكين، ونحوه. شرح سنن أبي داود (1/ 461).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «يَسْتَنّ» من السِّنِّ -بالكسر أو الفتح-؛ إما لأن السِّواك يَمُرُّ على الأسنان، أو لأنه يَسُنُّهَا أي: يُحَدِّدُهَا. فتح الباري (1/ 355-356).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «يَسْتَنُّ» معناه: يستاك، وأصله مأخوذٌ من السَّنِّ، وهو إمرارك الشيء الذي فيه خشونة على شيء آخر، ومنه الْمسَنُّ الذي يُشْحَذُ به الحديد ونحوه، يريد أنه كان يدلك أسنانه. معالم السنن (1/ 30).
قوله: «فأعطى أَكبرَ القومِ»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فأعطى» أي: السِّواك. حاشية السندي على مسند أحمد (2/180).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أكبرَ القومِ» الحاضرين؛ لأن توقير الأكبر واجب، وإذا لم نبدأ به لم نوقره، وسَيَجِيْءُ في خبرٍ: «ليس مِنَّا من لم يُوقِّر كبيرنا»؛ فيُنْدَب تقديم الأكبر في السواك وغيره من سائر وجوهِ الإكرام والتوقير.
وفيه: حلّ الاستياك بحضرة الغير. فيض القدير (5/ 100).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
أعطى أكبرهم سنًّا في الإسلام. شرح سنن أبي داود (1/ 461-462).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
تقديم ذي السِّن في السواك، وكذلك ينبغي تقديم ذي السِّنِّ في الطعام والشراب والكلام والمشي والكتاب وكل منزلة، قياسًا على السواك، واستدلالًا من قوله -صلى الله عليه وسلم- لحُوَيِّصَة ومُحَيِّصَة: «كبِّر كبِّر» يريد: ليتكلَّم الأكبر، وهذا من باب أدب الإسلام.
وقال المهلب: تقديم ذي السِّنِّ أولى في كل شيء، ما لم يترتَّب القوم في الجلوس، فإذا ترتَّبوا، فالسُّنة تقديم الأيمن فالأيمن من الرئيس أو العالم، على ما جاء في حديث شُرْب اللبن. شرح صحيح البخاري (1/ 364).
قوله: «وقال: إنَّ جبريلَ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أمرني أنْ أُكَبِّر»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «أمرني» أي: عن الله «أنْ أُكَبِّر» أقول: الله أكبر، أو أُقدِّم الأكبر وَأُوَقِّرَهُ، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يفعل الأمرين. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 249-250).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أنْ أُكَبِّر» -بتشديد الباء-، أي: أُقدِّم الأكبر، وكأنهم طلبوا سواكه للتَّبرك، أو أراد أنْ يتبرَّكُوا به، وإلا فالسِّواك لا يُعطى عادةً، -والله تعالى أعلم-. حاشية السندي على مسند أحمد (2/180).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
قوله: «أنْ أُكَبِّر» أي: ابدأ بأكبر القوم. الفتح الرباني (1/ 291).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أمرني جبريل» أي: عن الله تعالى «أن» أي: بأن «أُكَبِّر» أي: أنْ أُقدِّم الأكبر في السِّنِّ في مناولة السِّواك...، ورواه في الغيلانيات بلفظ: «أمرني جبريل أنْ أُقدِّم الأكابر»، وخرجه أحمد والبيهقي بلفظ: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسْتَنُّ، فأعطاه أكبر القوم، ثم قال: إنَّ جبريل أمرني أنْ أُكَبِّر» وروى أبو داود بإسناد قال النووي: صحيح...، عن عائشة -رضي الله عنها- «أوحى اللهُ إليَّ في فضل السِّواك أنْ أُكَبِّر»، وبذلك يُعلم أنَّ حمل التكبير على قول: الله أكبر في العيدين غير قويم.
وفيه: أنَّ السِّنِّ من الأوصاف التي يُقدَّم بها، فيستدل به في أبواب كثيرة من الفقه، سيما في مورد النص، وهو الإرفاق بالسِّواك، ثم يطَّرِد في جميع وجوه الإكرام، كركوب وأكل وشرب وانتعال وطيب.
ومحلُّه ما إذا لم يعارِض فضيلة السِّنّ أرجح منها، وإلا قُدِّم الأرجح، كإمامة الصلاة، والإمامة العظمى، وولاية النكاح، وإعطاء الأيمن في الشرب، ولا منافاة بين ذلك والحديث؛ لأنه لم يدل على أنَّ السِّنَّ يُقدَّم به على كل شيء، بل إنه شيء يحصل به التقديم. فيض القدير (2/ 193).
وقال الحكيم الترمذي -رحمه الله-:
كان -صلى الله عليه وسلم- إذا اسْتنَّ أعْطى السِّوَاك الأكبر، وإذا شرب أَعطى الذي عن يمينه؛ لأن أكبرهم سنًّا أقدمهم خُرُوج أسنان، ومن كان أقدم فهو أحق، وهكذا في حق الجوارح يبدأ بالأقدم. نوادر الأصول في أحاديث الرسول (2/ 71).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
عن صخْر بن جُوَيْرِيَةَ عن نافِعٍ عن ابن عمرَ: أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «أرَانِي أَتَسَوَّكُ بسِوَاكٍ، فجاءني رجلانِ: أحدُهُما أكبرُ من الآخر، فناولتُ السِّوَاكَ الأصغرَ منهما، فقيل لي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إلى الأكبرِ منهما»...، وقد رواه أحمد والإسماعيلي والبيهقي عن جماعة من أصحاب ابن المبارك عنه بلفظ: «رأيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يستنُّ، فأعطاه أكبر القوم، ثم قال: إنَّ جبريل أمرني أن أُكبِّر».
وهذا يقتضي أن تكون القضية وقعت في اليقظة، ويُجمع بينه وبين رواية صخر: أنَّ ذلك ما وقع في اليقظة، أخبرهم -عليه الصلاة والسلام- بما رآه في النوم، تنبيهًا على أنَّ أمره بذلك بوحي متقدِّم، فحفِظَ بعض الرواة ما لم يحفَظ بعض.
ويشهد لرواية ابن المبارك ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستنُّ وعنده رجلان، فأُوحي إليه أنْ أعطِ السواكَ الأكبَر. كوثر المعاني الدراري (5/ 319-320).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فيه دليل على اعتبار الكَبر، وأَنه يُقدم الأكبر في إعطاء الشيء.
ومن ذلك: إِذا قدّمت الطعام مثلًا أو القهوة أو الشاي فلا تبدأ باليمين، بل ابدأ بالأكبر الذي أمامك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أَراد أنْ يُعطيه الأصغر قيل له كبّر، ومعلوم أَنه لو كان الأصغر هو الأيسر لا يذهب الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعطيه إِياه فالظاهر أَنه أَعطى الأَيمن من أجل التّيامُن، لكن قيل له كبّر: يعني: أعطه الأكبر، فهذا إذا كان الناس أمامك تبدأ بالكبير، لا تبدأ باليمين، أَما إذا كانوا جالسين عن اليمين وعن الشمال فابدأ باليمين.شرح رياض الصالحين(3/٢٣٨)
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)