الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«مَن دخل هذا المسجدَ فَبَزَق فيه، أو تَنَخَّمَ؛ فَلْيَحْفِرْ فَلْيَدْفِنْهُ، فإن لم يفعل ‌فَلْيَبْزُقْ ‌في ‌ثوبه، ثم لْيَخْرُجْ به»


رواه أحمد برقم: (7531)، وأبو داود برقم: (477) واللفظ له، والبيهقي في السنن الكبرى برقم: (3591) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6233)، وصحيح سنن أبي داود برقم: (477).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«بَزق»:
أي: تَفَلَ. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (2/ 632).
والبُزاق: -بضم الباء-، والبُصاق والبُساق: كُلها من الفَم. مجمع بحار الأنوار، جمال الدين الفَتَّنِي(1/ 171).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
والبُزاق: ماء الفم إذا خرج منه، وما دام فيه فهو رِيق. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم، (8/ 167).

«تَنَخَّمَ»:
أي: رمى النُّخَامَةُ من فَمِه.شمس العلوم، نشوان الحميري(10/ 6533).
وقال العيني -رحمه الله-:
ويقال: النُّخامة: ما يخرج من الصدر، والبُصاق ما يخرج من الفم، والْمُخَاط: ما يسيل من الأنف.عمدة القاري (4/ 149).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
النُّخَامَةُ: من الصدر، وهو البَلغَم اللَّزِج. مطالع الأنوار على صحاح الآثار (4/ 133).


شرح الحديث


قوله: «مَن دخلَ هذا المسجدَ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «من دخل هذا المسجد»: مسجد المدينة. شرح سنن أبي داود (3/ 320).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «المسجد»: ظرف للفعل، فلا يشترط كون الفاعل فيه حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه يتناوله النهي. فتح الباري (1/ 512).

قوله: «فَبَزَقَ فيه أو تَنَخَّمَ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
قال القفال -رحمه الله- في فتاويه: هذا الحديث محمول على ما يخرج من الفم وهو البزاق، أو ينزل من الرأس وهو النخامة، وأما ما يخرج من الصدر، يعني: المتصل بالمعدة فهو نجس لا يدفن في المسجد، وهذا على مذهبه، لكن فيما يخرج من الصدر تفصيل، فيما إذا كان طرفًا من قيء أو خالط البزاق دم. شرح سنن أبي داود (3/ 320).
وقال الباجي -رحمه الله-:
وذلك لطهارة البُصاق، وأما الدّم وما كان نجسًا...، فعن مالك -رحمه الله-: مَن دمِيَ فوهه في المسجد فلينصرف حتى يزول عنه. ومعنى ذلك: أن الدم نجس فيجب أن يُنَزَّه المسجد عنه ظاهرًا أو باطنًا، والبصاق ليس بنجس، ولكنه كريه المنظر. المنتقى شرح الموطأ (1/ 338).

قوله: «فَلْيَحْفِرْ فَلْيَدْفِنْه»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
والمعنى أنّ من بَزقَ في المسجد أو تَنَخَّمَ، فَلْيَحْفِرْ لِبُزَاقه حفرة ولْيَدْفِنْه فيه، وأتى بفاء التعقيب في قوله: «فَلْيَدْفِنْه»، أي: عَقِب ذلك من غير تأخير. شرح سنن أبي داود (3/ 320-321).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
فَلْيَحْفِرْ موضعًا في المسجد إن أمكن الحَفر كأن كان ترابيًّا، ولْيَدْفِنْهُ. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/ 93).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
والحفر يكون بإخراج حَفْنَة من التراب بيده، ويجعل ذلك البصاق في تلك الحفرة التي حفرها ويُوَارِيه بحيث يتغطى، ولا تقع عليه الأبصار؛ وذلك لأنه مُسْتَقْذَر مع أنه ليس بنجس. شرح سنن أبي داود (67/ 9).
وقال النووي -رحمه الله-:
واختلف العلماء في المراد بدفنها، فالجمهور قالوا: المراد دفنها في تراب المسجد ورمله وحصاته؛ إن كان فيه تراب أو رمل أو حصاة ونحوها، وإلا فيُخْرجها. وحكى الروياني -رحمه الله- من أصحابنا قولًا: أن المراد إخراجها مطلقًا.شرح مسلم (5/ 41).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
والذي يرى البزاق في المسجد مُخيَّر فيه؛ إن شاء حَتَّهُ بحصاة أو بيده أو بما يزيله، وفائدة هذه الأحاديث تنزيه المسجد. شرح صحيح البخاري (2/ 69).
وقال أبو سعيد البراذعي -رحمه الله-:
ولا يبصق في المسجد فوق الحصير ويدلكه، ولكن تَحُتُّه، ولا يبصق في حائط القِبلة، ولا في مسجد غير مُحْصِب؛ إذ لا يقدر على دفن البصاق فيه، وإن كان المسجد محصبًا كثير الحجارة الصغيرة؛ فلا بأس أن يبصق بين يديه، وعن يمينه وعن يساره أو تحت قدميه ويدفنه. التهذيب في اختصار المدونة (1/ 102).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يعني: أن تدفن هذه النخامة، وهذا ظاهر فيما إذا كان المسجد قد فُرِشَ بالحصباء، أو الرمل أو ما أشبه ذلك، أما ما كان مفروشًا بالفرش القطنية أو الصوفية كما في وقتنا الآن، فكفارتها فركها حتى تزول. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 619).

قوله: «فإن لم يفعل»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فإن لم يفعل»: فإن لم يحفر، أو لم يمكن الحفرُ. شرح أبي داود (2/ 389).

قوله: «‌فَلْيَبْزُقْ ‌في ‌ثوبه»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «‌فَلْيَبْزُقْ ‌في ‌ثوبه»: ويَرُدَّ بعضه على بعض، «ثم لْيَخْرُجْ به»: من المسجد، فإن المساجد لا تصلح لشيء من المستقذرات. شرح سنن أبي داود (3/ 321).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
أي: فليحفر موضعًا في المسجد إن أَمكن الحَفرُ كأن كان ترابيًا وليدفنه، وإن لم يتمكن من ذلك بَزق في ثوبه وأَبقاهُ في الثوب حتى يخرج به من المسجد ولا يقذِّره به. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/ 93).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
ويكفي عن ذلك استصحاب نحو منديل لهذا الغرض. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (3/ 58).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
أي: فإن لم يحصل منه الدّفن فإن عليه ألا يبصق في الأرض، بل يبصق في ثوبه ويخرج به معه. شرح سنن أبي داود (67/ 9).
وقال النووي -رحمه الله-:
البزاق والمخاط والنخاعة طاهرات، وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين؛ إلا ما حكاه الخطابي عن إبراهيم النخعي -رحمه الله- أنه قال: البزاق نجس، ولا أظنه يصح عنه. شرح صحيح مسلم (5/ 40).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
البزاق في المسجد خطيئة؛ لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عنها، ومن فعل ما نهي عنه فقد أتى بخطيئة ... غير أن ارتكاب الخطيئة لا يكون إلا بالقصد والعلم بالنهي عنها، وأما من غلبته النخامة؛ فقد نُدب إلى دفنها وَحَتِّها وإزالتها، ومن فعل ما نُدب إليه فمأجور. شرح صحيح البخاري (2/ 69-70).
وقال أبو عبيد -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: الرخصة في البُزاق في المسجد إذا دُفن. غريب الحديث (4/ 244).
وقال بن رجب -رحمه الله-:
وقالت طائفة: لا يفعل ذلك في المسجد، بل خارج المسجد، ولا يبزق في المسجد إلا في ثوبه، أو يبزق في المسجد ويحذف بصاقه إلى خارج المسجد حتى يقع خارجاً منه. فتح الباري (2/ 343).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وكونه خطيئة إنما هو لمن تفل فيه ولم يدفن؛ لأنه يُقَذِّرُ المسجد، ويتأذى به من يَعلق به أو رآه ...، فأما من اضطر إلى ذلك فدفن وفعل ما أُمِرَ به فلم يَأْتِ خطيئة، فكأن بدفنه لها أزال عنه الخطيئة وكفرها، لو قَدَّرنا بصاقه فيه ولم يدفنه. إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 487).
وقال النووي -رحمه الله-:
واعلم أنَّ البُزاق في المسجد خطيئة مطلقًا؛ سواء احتاج إلى البزاق أو لم يَحْتَجْ، بل يبزق في ثوبه، فإن بزق في المسجد؛ فقد ارتكب الخطيئة، وعليه أن يُكَفِّر هذه الخطيئة بدفن البزاق، هذا هو الصواب...، وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وكفارتها دفنها»، فمعناه: إن ارتكب هذه الخطيئة فعليه تكفيرها. شرح صحيح مسلم (5/ 39-41).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال القاضي عياض -رحمه الله-: إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فلا، وردَّه النووي -رحمه الله- فقال: هو خلاف صريح الحديث...، وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر؛ كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر، وهو تفصيل حسن، -والله أعلم-.
وينبغي أن يُفصَّل أيضًا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل كمن حفر أولًا ثم بصق ووارى، وبين من بصق أولًا بنية أن يدفن مثلًا، فيجرى فيه الخلاف؛ لأنه إذا كان المكفِّرُ إِثْمَ إبرازها هو دفنهَا، فكيف يأثم مَنْ دفنها ابتداءً؟ فتح الباري (1/ 512).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
فإنَّ هذا الذي يبصق في المسجد إذا تدارك ما فعل، إما أن يكون فعله ناسيًا فلما ذكر عظم ذلك عنده، أو أن يكون فعله مع الذكر فهو خطأ يكفي في كفارته دفنه. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 167-166).
وقال النووي: -رحمه الله-:
هذا في غير المسجد، أما الْمُصلي في المسجد فلا يبزق إلا في ثوبه. شرح النووي على مسلم (5/ 39).
قال العيني -رحمه الله-:
وردَّ عليه (النووي) بأحاديث كثيرة: أن ذلك كان في المسجد، وروى أحمد -رحمه الله- في مسنده، من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- مرفوعًا بإسناد حسن: «مَن تنخَّم في المسجد فَلْيُغَيِّبْ نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه».
وروى أحمد -رحمه الله- أيضًا، والطبراني -رحمه الله- بإسناد حسن من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- مرفوعًا، قال: «مَن تَنَخَّعَ في المسجد فلم يدفنه فسيئة، وإن دفنه فحسنة».
وفي حديث مسلم -رحمه الله- عن أبي ذر -رضي الله عنه-: «وَوَجَدْتُ في مساوئ أعمال أُمّتي: النّخامة تكون في المسجد ولا تُدفن».
وقال القرطبي -رحمه الله-: فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد، بل به وبتركها غير مدفونة، وروى سعيد بن منصور -رحمه الله-: عن أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-: «أنه تنخّم في المسجد ليلة فنسي أنْ يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شُعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد الذي لم يكتب عَلَيَّ خطيئة الليلة». عمدة القاري (4/ 154).
قال محمود السُّبكي-رحمه الله-:
الحديث يدلّ على أنّ مَن بَزق وهو في المسجد يُطلب مِنه أنْ يَدفن بُزاقه في تراب المسجد إن كان تربيا وإلا بزق في ثوبه ويبقيه فيه ولا يلطخ به المسجد، وعلى أن البزاق طاهر. وليس في طهارته خلاف إلا ما حكى عن إبراهيم النخعي من أن البزاق نجس كما تقدم، وعلى طلب احترام المساجد. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود(4/93)
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
يحرم على المسلم أن يبصق في المسجد؛ استهانة بالمسجد أو بمن فيه؛ لأن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عدّ ذلك خطيئة تُكْتَبُ على ابن آدم، والخطيئة هي السيئة والإثم ...، فإن بصق في أرض المسجد مضطرًا وكانت أرض المسجد ترابًا وجب عليه دفنها وتغييبها في التراب؛ لئلا تَعْلَق بثوب مسلم أو رجله فتؤذيه. منحة العلام شرح بلوغ المرام (ص: 386-387).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
وعلى كُلٍّ: فعلى الإنسان في جميع الأحوال أن يُنَزِّه المسجد من هذه الأوساخ، ولا يأتي بشيء يسيء فيه إلى المصلين وإلى من في المسجد، بحيث تقع أبصارهم على شيء تَشْمَئِزُّ منه نفوسهم وتنفر منه طباعهم، وإنما على الإنسان أن يبصق في ثوبه إذا كان مضطرًا إلى ذلك، أو يبصق في التراب إذا كان المسجد ترابيًّا ثم يواريه، أو يبصق عن يساره ويدلكه برجله أو بنعله حتى لا يبقى له أثر. شرح سنن أبي داود (67/ 3).
وقال أبو بكر بن العربي -رحمه الله-:
«المساجد أحب البلاد إلى الله» ...، وقد قال الله -تعالى-: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} النور: 36، والإهانة ضد الرفع؛ فينبغي ألا يُتَعَرَّض لها، والبزاق ضرب من الإهانة فإنه طرح مستقذر، وقد طيَّب النبي -صلى اللّه عليه وسلم-المسجد عن نخاعة كانت في القبلة بشيء من خَلُوق، (بفتح الخاء وضم اللام المخففة: طيب مركب من زعفران وغيره من أنواع الطيب). عارضة الأحوذي (3/ 55).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا