«أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ أقرأ بالمُعوِّذَات دُبُر كُلِّ صلاة».
رواه أحمد برقم:(17417) ورقم: (17792)، وأبو داود برقم: (1523)، والنسائي برقم: (1336)، من حديث عُقبة بن عامر -رضي الله عنه-.
ورواه الترمذي برقم:(2903)، ولفظه: «بالمعوذتين» بدلًا عن المعوذات.
صحيح سنن أبي داود برقم: (1523)، صحيح سنن الترمذي برقم: (2903).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«المعوِّذات»:
بكسر الواو، جمع مُعوِّذة، اسم فاعل من عوَّذَهُ، وجَعَلَ السورة مُعوِّذة مجازًا؛ لأنه يَعُوذُ بها، والمراد بهما: سورة الفلق وسورة الناس، والجمع يطلق على الاثنين مجازًا، أو بناء على أنه أقل الجمع، ويحتمل أنه أُطلق عليه حقيقة؛ لأن كل آية مُعوِّذة. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 605).
«دُبُر»:
الدُّبُر: بالضم، وبضمتين، نقيض القُبُل، ومِن كل شيء عَقِبه، والمراد هنا عقب الصلاة، وظاهره عموم الفرض والنفل، وإن كانت الإضافة عهدية، والفرائض هي المعهودة. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 605).
شرح الحديث
قوله: «أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ أقرأ بالمعوِّذات»:
قال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
قوله: «أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» الأمر هنا معناه: اقْرَأْ بالمعوذات، وكما هو معلوم هو للاستحباب بلا شك. شرح سنن أبي داود (ص: 2).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«بالمعوِّذات» بكسر الواو، وتُفتح. مرقاة المفاتيح (2/ 769).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «بالمعوِّذات» أراد بها سورة الفلق، وسورة الناس؛ وإنما جمعها باعتبار أنّ ما يُستعاذ منه فيهما كثير، فافهم. شرح أبي داود (5/ 434).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «بالمعوِّذات» في سنن أبي داود والنسائي والبيهقي، وفي رواية المصابيح: «بالمعوِّذتين»، فعلى الأول: إما أن نذهب إلى أن أقلَّ الجمع اثنان، وإما أن تدخل سورة الإخلاص أو الكافرون في المعوِّذتين، إما تغليبًا، أو لأن في كلتيهما براءة من الشرك، والتجاء إلى الله -سبحانه وتعالى- من التبري عنه، والتعوذ به منه. شرح المشكاة (3/ 1061).
وقال العراقي -رحمه الله-:
الظاهر: أنَّ المراد المعوِّذتان مع {قُلْ هُوَ اللهُ أَحدٌ} الإخلاص: 1، وأطلق عليها اسمهما على طريق التغليب، بدليل أن لفظ رواية البخاري من طريق يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ{قُلْ هُوَ اللهُ أَحدٌ} الإخلاص: 1، وبالمعوِّذتين جميعًا، ثم يمسح بهما وجهه، وما بلغت يداهُ مِن جسدهِ، قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به».
قال يونس: كنتُ أرى ابن شهاب يصنع ذلك إذا آوى إلى فراشه، والحديث واحد، وطرقه يُفسِّر بعضها بعضًا.
ويحتمل: أن يُراد بالمعوِّذات سورتا الفلق والناس خاصة، وعبَّر بلفظ الجمع لاشتمالهما على تعاويذ متعدِّدة. طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 194).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: التعوذ ظاهر في المعوِّذتين، وكيف هو في سورة الإخلاص؟
قلتُ: لأجل ما اشتملت عليه من صفة الرب أطلق عليها المعوِّذ، وإن لم يصرح فيها.
ومنهم من ظنّ أنّ الجمع فيه من باب أنّ أقلّ الجمع اثنان، وليس كذلك، فافهم. عمدة القاري (20/ 34).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «بالمعوِّذات» بكسر الواو من التعويذ، وفي بعض الروايات: «بالمعوِّذتين»، والجمع باعتبار أن أقلَّ الجمع اثنان، أو بإدخال سورة الإخلاص وحدها، أو مع الكافرين فيها تغليبًا، أو لما فيها من التوحيد والبراءة من الشرك المتضمن لمعنى الاستعاذة.
وقيل: المراد الآيات التي تتضمن الاستعاذة لفظًا أو معنىً، وقيل: المراد الكلمات المعوِّذة. لمعات التنقيح (3/ 99).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «أن أَقْرَأ بالمعوِّذات» بالكسر، جمع مُعوِّذة أي: مُحصِّنة، ونسبة التحصين إليها مجاز.
وقد تُفتح فتكون جمع مُعوَّذة على صيغة اسم المفعول، أي: مُعوَّذٌ بها، وأراد بها سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} الفلق: 1، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} الناس: 1.
فالمراد بالجمع ما فوق الواحد، أو جمعهما باعتبار أن ما يُستعاذ منه كثير فيهما، وفي رواية الترمذي: «أمَرَنِي أن أَقْرَأ بالمعوِّذتين».
وفي هذا دلالة على استحباب قراءة هاتين السورتين بعد السلام من الصلاة. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (8/ 186).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
و«المعوِّذات» بصيغة اسم الفاعل، جمع مُعوِّذة، اسم فاعل من عَوَّذَ يُعوِّذ تعويذًا، إذا قال: أُعيذك بالله من كلّ شرّ، يعني: محصِّنات، سُمِّيت بذلك؛ لأنها تعصم صاحبها من كلّ سوء.
ثم المراد بـالمعوِّذات: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} الفلق: 1، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} الناس: 1، فالمراد بالجمع ما فوق الواحد، أو جمعهما باعتبار أن ما يُستعاذ منه فيهما كثير.
ويحتمل: أنه أراد المعوِّذتين مع سورة الإخلاص، وسماها كلها المعوِّذات تغليبًا، أو لأن في سورة الإخلاص تعويذًا من الشرك، والله تعالى أعلم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 341-342).
وقال النووي-رحمه الله-:
فينبغي أن يقرأ: قُل هو الله أَحدٍ، وقُلْ أُعوذ بربّ الفَلق، وقُلْ أَعوذُ بربّ الناس.الأذكار: ص: 73.
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وذكر سورة الإخلاص معهما تغليبًا؛ لما اشتملت عليه من صفة الرب، وإن لم يُصرَّح فيها بلفظ التعويذ. فتح الباري (9/ 62).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وتخصيصه -عليه السلام- الرُّقَى بالمعوِّذات في هذه الأحاديث: لعمومها الاستعاذة من أكثر المكروهات من شَرِّ السَّواحر النفاثات، وشَرِّ الحاسدين، والشيطان ووسوسته، ومن شر شرار الناس، وشر كل ما خلَق، وشر ما جمعه الليل من المكاره والطَّوَارِق. إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 101).
قوله: «دُبُر كُلّ صلاة»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«في دُبُر كل صلاة» أي: فريضة. مرعاة المفاتيح (3/ 326).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«دُبُر» بضم الدال والباء: الصلوات المكتوبات الخمس.
فيه: استحباب قراءتهما بعد التسليم من كل صلاة مكتوبة؛ لأنهما هنا لم يتعوَّذ مُتعَوِّذٌ بمثلهما، فإذا تعوَّذ المصلي بهما خلْفَ صلاةٍ كان في حراستهما بالله تعالى إلى أن تأتي صلاة أخرى. شرح سنن أبي داود (7/ 337).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«دُبُر كلّ صلاة» منصوب على الظرفية، متعلّق بـ«أقرأ».
وفي نسخة «في دُبُر» أي: عقِبَ السلام من كلّ صلاة، والظاهر تعميم كلّ صلاة، فريضة كانت أو نافلة.
وفي هذا الحديث: دلالة على استحباب قراءة المعوّذات بعد السلام من الصلاة، وقيّده بعضهم بالفريضة، ولم يذكر لذلك مستندًا. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 342).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«في دُبُر» بضمَّتين، أي: عَقِب «كل صلاة» من الخمس، فيُندب، فإنهن لم يُتعوَّذ بمثلهن، فالمواظب على ذلك يصير في حراستها إلى الصلاة الأخرى. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 193).
وقال العيني -رحمه الله-:
والحكمة في هذا: أنَّ الشيطان -عليه اللعنة- لم يزل يوسوس به، وهو في الصلاة، وما قدر على قطْعِهِ عن الصلاة، ثم لما فرَغَ يُقبِل إليه إقبالًا كليًّا؛ حتى يُوقِعُه في معصية، فأُمر عند ذلك أن يستعيذ بالمعوذات من الشيطان؛ حتى لا يظفر عليه، ولا يتمكَّن منه. العلم الهيب في شرح الكلم الطيب (ص: 329).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)