«إنِّي لأرجو أنْ لا تَعجِزَ أُمَّتي عند ربِّها أَنْ يُؤخِّرَهم نصفَ يومٍ، قيل لسعدٍ: وكم نصفُ ذلك اليومِ؟ قال: خمسُمائةِ سنةٍ».
رواه أبو داود برقم: (4350) واللفظ له، وأحمد برقم: (1465) من حديث سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2481)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1643).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«لا تَعْجِزَ»:
أي: أرجو عدم عجز أُمّتي. مرقاة المفاتيح(8/٣٤٩٩).
قال الصنعاني -رحمه الله-:
بفتح حرف المضارعة، وكسر عينها، وفتحها، أي: عن الصبر على الوقوف للحساب. التنوير شرح الجامع الصغير (4/216).
شرح الحديث
قوله: «إنِّي لأرجو أنْ لا تَعْجِزَ أُمَّتي»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إني لأرجو» أي: أؤمِّل. فيض القدير (3/15).
وقال الملا علي قاري -رحمه الله-:
«إني لأرجو أنْ لا تَعْجِز أمتي» بكسرِ الجيم، ويجوز ضَمّها، وهو مفعول أرجو، أي: أرجو عدم عجز أُمّتي. مرقاة المفاتيح (8/3499).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«إني لأرجو أن لا تَعْجِز أُمتي» أي: أنْ لا تفوت.شرح مصابيح السنة (6/12).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «إني لأرجو لا تعجز أمتي» عدم العجز كناية عن التمكُّن من القُرْبة والمكانة عند الله تعالى، مثال ذلك: قول المقرَّب عند السلطان: إني لا أعجز أنْ يوليني الملك كذا وكذا، يعني: أنَّ لي عنده مكانة وقُرْبة يحصل بها كل ما أرجوه عنده.
فالمعنى: إني أرجو أنْ يكون لأمتي عند الله مكانة ومنزلة يمهلهم من زماني هذا إلى انتهاء خمسمائة سنة، بحيث لا يكون أقل من ذلك إلى قيام الساعة. شرح المشكاة (11/3482-3483).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أنْ لا تعجز أُمتي»... أي: أغنياؤها عن الصبر على الوقوف للحساب. فيض القدير (3/15).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أمتي» أي: لا يعجز أغنياء أمتي عن الصبر على الوقوف للحساب. شرح سنن أبي داود (17/ 218).
قوله: «عند ربِّها أنْ يُؤخِرَهم نصفَ يومٍ»:
قال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«عند ربها» في الموقف. عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/341).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«يؤخرهم» في هذه الدنيا «نصف يوم». فيض القدير (3/15).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«يؤخرهم» أي: بتأخيرهم عن لحاق فقراء أمتي السابقين إلى الجنة «نصف يوم» من أيام الآخرة. عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/341).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«عند ربها أن يؤخرهم»... أي: لأن يؤخرهم في الموقف. التنوير شرح الجامع الصغير (4/216).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«يؤخرهم» أي: بتأخيرهم عن لحاق فقراء أمتي السابقين إلى الجنة «نصف يوم». عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/341).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«أن يؤخرهم»: بدل من قوله: «أن لا تعجز».
قيل: أراد به: بقاء دينه وملته في الدنيا مدة خمسمائة سنة، أو مُتعلِّق به على حذف (عن) أي: عن أن يؤخرهم الله -عزَّ وجلَّ- في الدنيا سالمين عن العقوبات والذلة والشدائد ...
وقيل: أن لا يؤخرهم إلى يوم القيامة أكثر من خمسمائة سنة، وهذا ليسلموا عن شدائد الزمان ومن فتنته. شرح مصابيح السنة (6/12).
وقال ابن الملك -رحمه الله- أيضًا:
«نصف يوم» يعني: خمسمائة سنة. شرح مصابيح السنة (6/12).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«نصف يوم» من أيام الآخرة. فيض القدير (3/15).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«نصف يوم» من أيام الآخرة. شرح سنن أبي داود (17/218).
قوله: «قيل لسعدٍ: وكم نصفُ ذلك اليومِ؟ قال: خمسمائةٍ سنةٍ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قيل لسعد» ابن أبي وقاص: «وكم نصف ذلك اليوم؟» الذي ذكرته «قال: خمسمائة سنة». شرح سنن أبي داود (17/218).
قال المناوي -رحمه الله-:
«قال: خمسمائة عام» أي: أخذًا من آية {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون} الحج: 47. فيض القدير (3/15).
وقال ابن جرير -رحمه الله-:
معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «أن لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم» الذي مقداره ألف سنة- كان بيِّنًا أن أولى القولين اللذَيْن ذكرتُ في مبلغ قدر مدة جميع الزمان، اللذَيْن أحدهما عن ابن عباس، والآخر منهما عن كعب- بالصواب، وأشبههما بما دلت عليه الأخبار الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قول ابن عباس، الذي روينا عنه أنه قال: «الدنيا جمعة من جُمَع الآخرة سبعة آلاف سنة».
وإذ كان ذلك كذلك، وكان الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحيحًا أنه أخبر عن الباقي من ذلك في حياته أنه نصف يوم؛ وذلك خمسمائة عام؛ إذ كان ذلك نصف يوم من الأيام التي قدر اليوم الواحد منها ألف عام كان معلومًا أن الماضي من الدنيا إلى وقت قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ما رويناه عن أبي ثعلبة الخشني عنه، كان قدر ستة آلاف سنة وخمسمائة سنة، أو نحوًا من ذلك وقريبًا منه، والله أعلم.
فهذا الذي قلنا -في قدر مدة أزمان الدنيا، من مبدأ أولها إلى منتهى آخرها- من أثبت ما قيل في ذلك عندنا من القول، للشواهد الدالة التي بيَّناها على صحة ذلك. تاريخ الرسل والملوك والأمم (1/ 16-17).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
تمسك الطبري بهذا الحديث على أنه بقي من الدنيا بعد هجرة المصطفى نصف يوم، وهو خمسمائة سنة، قال: وتقوم الساعة ويعود الأمر إلى ما كان قبل أن يكون شيء غير الباري ولم يبقَ غير وجهه.
ورد عليه الداودي قال: وقت الساعة لا يعلمه إلا الله، ويكفي في الرد عليه أن الأمر بخلاف قوله (يعني: ابن جرير الطبري) فقد مضت خمسمائة وثلاثمائة، لكن حديث أبي داود ليس صريحًا في أنها لا تؤخر أكثر من ذلك، والله أعلم.
كما قال: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون} الحج: 47، يعني: من عددكم، فإنَّ هذا اليوم الذي هو {كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون} الحج:47 بالنسبة إلى الكفار قليل، فإنَّ مقداره عليهم خمسون ألف سنة، وإنه ليخفف على مَن اختاره الله تعالى حتى يصير كمقدار ركعتي الفجر المسنونة. شرح سنن أبي داود (17/218-219).
وقال السهيلي -رحمه الله-:
وقد مضت الخمسمائة من وفاته إلى اليوم بنيِّف عليها، وليس في قوله: «لن يعجز الله أن يؤخر هذه الأمة نصف يوم» ما ينفي الزيادة على النصف، ولا في قوله: «بُعثتُ أنا والساعة كهاتين» ما يقطع به على صحة تأويله (يعني: ابن جرير الطبري) فقد قيل في تأويله غير هذا، وهو أن ليس بينه وبين الساعة نبي غيره، ولا شرع غير شرعه، مع التقريب لحينها، كما قال سبحانه: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر}القمر:1، و{أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} النحل:1. الروض الأنف (4/239).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وإنما فسَّر الراوي نصف اليوم بخمسمائة نظرًا إلى قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون} الحج:47، وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون} السجدة: 5، وإنما عبَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن خمسمائة سنة بنصف يوم تقليلًا لبغيتهم، ورفعًا لمنزلتهم، أي: لا يناقشهم في هذا المقدار القليل، بل يزيدهم من فضله.
وقد وهم بعضهم ونزَّل الحديث على أمر القيامة، وحمل اليوم على يوم المحشر، فهب أنه غفل عما حققناه ونبهنا عليه، فهلَّا انتبه لمكان الحديث، وأنه من أي باب من أبواب الكتاب؟ فإنه مكتوب في باب قرب الساعة، فأين هو منه؟ فقوله: «أن لا تعجز» مفعول أرجو، و«أن يؤخرهم» من صلة العجز، وحذف عنه (عن) والله أعلم. شرح المشكاة (11/3483).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وفي الجملة: فأقوى ما يعتمد في ذلك عليه حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- الذي أشرت إليه قبل، وقد أخرج معمر في الجامع عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد قال معمر: وبلغني عن عكرمة في قوله تعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة} المعارج:4 قال: الدنيا من أولها إلى آخرها يوم مقداره خمسون ألف سنة لا يدري كم مضى ولا كم بقي إلا الله تعالى.
وقد حمل بعض شراح المصابيح حديث: «لن تعجز هذه الأمة أن يؤخرها نصف يوم» على حال يوم القيامة، وزيفه الطيبي فأصاب.فتح الباري (11/352).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ولعله -صلى الله تعالى عليه وسلم- أراد بالخمسمائة أن يكون بعد الألف السابع، فإن اليوم نحن في سابع سنة من الألف الثامن، وفيه إشارة إلى أنه لا يتعدى عن الخمسمائة، فيوافق حديث عمر -رضي الله عنه-: «الدنيا سبعة آلاف سنة» فالكسر الزائد يلغى، ونهايته إلى النصف، وأما ما بعده فيعد ألفًا ثامنًا بإلغاء الكسر الناقص.
وقيل: أراد بقاء دينه ونظام ملته في الدنيا مدة خمسمائة سنة، فقوله: «أن يؤخرهم» أي: عن أن يؤخرهم الله سالمين عن العيوب من ارتكاب الذنوب والشدائد الناشئة من الكروب، والله تعالى أعلم. مرقاة المفاتيح (8/3499).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وما تقرر من حمل الحديث على شأن يوم القيامة وتأويله بما ذكر هو ما مشى عليه بعض المحققين.
وذهب ابن جرير الطبري إلى إجرائه على ظاهره، وقال: نصف اليوم خمسمائة سنة، فإذا انضمّ إلى حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: «إن الدنيا سبعة آلاف سنة» توافقت الأخبار، فيكون الماضي إلى وقت الحديث المذكور ستة آلاف سنة وخمسمائة سنة تقريبًا.
قال جمعٌ: وقد ظهر بطلان ذلك وقد بيَّن السهيلي أنه ليس في هذا الحديث ما ينفي الزيادة على الخمسمائة.
قال: وقد جاء ذلك فيما رواه جعفر بن عبد الواحد بلفظ: «إن أحسنتْ أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة؛ وذلك ألف سنة، وإذا أساءت فنصف يوم» وقد ظهر بطلان ذلك أيضًا. فيض القدير (3/15).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وخرَّج أبو داود أيضًا بإسناد منقطع عن سعد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إني لأرجو أنْ لا يعجز أمتي عند ربهم أنْ يؤخرهم نصف يوم» قيل لسعد: كم نصف يوم؟ قال: خمسمائة سنة، وإنْ صح هذا فإنما يدل على أنه رجا لأمته تأخير نصف يوم، فأعطاه الله رجاءه، وزاده عليه، فإنَّا الآن في قريب رأس الثمانمائة من الهجرة، وما ذكره ابن جرير من تقدير ذلك بنصف سبع يوم على التحديد لا يصلح. فتح الباري (3/ 149).
وقال ابن رجب -رحمه الله- أيضًا:
لكن مدة الماضي من الدنيا إلى بعثة محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ومدة الباقي منها إلى يوم القيامة، لا يعلمه على الحقيقة إلا الله -عز وجل-، وما يذكر في ذلك، فإنما هو ظنون لا تفيد علمًا. فتح الباري (4/ 344).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والحديث إخبار عن رجواه -صلى الله عليه وسلم- أنَّ أمته لا تعجز وتضعف عن بقائها في الموقف نصف يوم من أيام الآخرة، فتنتظره لفصل القضاء...
فهو إخبار عن مقدار بقاء الأمة في دار الدنيا، وأنها لا تعجز عن إقامة الفرائض هذا المقدار من الدهر؛ إذ هو المراد بنفي العجز عنها. التنوير شرح الجامع الصغير (4/216-217).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
والحديث على هذا محمول على قرب قيام الساعة، وعلى هذا حمله أبو داود؛ ولذلك أورده في هذا الباب، وعلى هذا حمله صاحب المصابيح أيضًا (البغوي) ولذلك أورده في باب قرب الساعة، واختاره الطيبي -رحمه الله- وزيف المعنى الأول، واختار الداودي المعنى الأول، ورد على المعنى الثاني. عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/342).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص، وهو بمعنى ذلك الحديث المتقدِّم، وقد قال فيه: «إني لأرجو ألا تعجز أُمّتي عند ربّها أن يؤخرهم نصف يوم» يعني: الأغنياء منهم يؤخرهم في الحساب نصف يوم، وهو خمسمائة سنة، أي: أن الأغنياء يتأخر دخولهم عن الفقراء بنصف يوم؛ لأن هؤلاء الفقراء يدخلون قبلهم؛ لأنه لا حساب عليهم، وأما الأغنياء فإنهم يحاسبون على أموالهم ما دخل، وما خرج منها. شرح سنن أبي داود (490/ 7).
قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-:
هذا فيما إذا تساوى المؤمن الغني والفقير؛ فإن الله يَجْبُرُ هذا الفقير الذي لم يتنعم في الدنيا بما تنعم به الغني فيقدمه على الغني في دخول الجنة، أما إذا كان الغني عنده من الأعمال الصالحة ما يفوق الفقير فالظاهر -والله أعلم- أن الغني يسبق الفقير بحسب سبقه للعمل الصالح.لقاء الباب المفتوح، لقاء رقم:(28)