الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«أبْغَضُ النَّاس إلى الله ثَلاثَة: مُلْحِد في الحَرَمِ، ومُبْتَغٍ في الإسْلَام سُنَّة الجاهلية، ومُطَّلِبُ دَم امرئٍ بغير حقٍّ؛ ليُهَرِيقَ دَمُه».


رواه البخاري برقم: (6882)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أبْغَضُ»:
البُغْضُ: ضِد الحب، وأَبْغَضُ اسم تفضيل من أبْغَضَه، وفيه شذوذان: كونه من المزيد، وكونه من بناء المجهول.الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري للكوراني(10/396).

«مُلْحِدٌ»:
أصل الإلحاد: الميل والعُدول عن الشيء.النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير(4/236).
وقال الفيروز أبادي -رحمه الله-:
ألْحَد: مَالَ وعَدَل ومَارَى وجَادَلَ. وفي الحرم: تَرَكَ القصْدَ فيما أُمِرَ به، وأَشْرَكَ بالله، أو ظَلَمَ، أو احْتَكَر الطعام.القاموس المحيط (ص:317).

«ومُبْتَغ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
مِن بَغَى-بالموحدة والغين المعجمة- طَالَبَ.التنوير شرح الجامع الصغير (1/249).

«سُنَّة»:
الأصل فيها الطريقة والسيرة، وإذا أُطلقت في الشرع فإنما يُراد بها ما أمَر به النبي -صلى الله عليه وسلم- ونهى عنه ونَدَب إليه قولًا وفعلًا، مما لم ينطق به الكتاب العزيز.النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/409).

«ومُطَّلِبُ»:
بالضّم، وشد الطّاء، وكسرِ اللام، مُفْتَعِلٌ من الطَّلب أي مُتَطَلِّب، فأُبدِلت التَّاء طاءً، وأُدْغِمَت، أي: التَّكلف للطلب المبالغ فيه.فيض القدير، للمناوي(81).

«ليُهَرِيقَ»:
أصله ليُؤرِيق، مِن أَرَاق على الأصل، فأُبْدِلت الهمزة هاء، يقال: هَرَقْتُ الماء وأَرَقْتُه، كما يقال: هَرَدْتُّ الشيء وأَرَدتّه.شرح المشكاة للطيبي(2/606).
وقال المظهري -رحمه الله-:
هذا اللَّفظ مِن أَرَاق يُرِيْقُ إِرَاقة: إذا صَبّ الماء وغيره.المفاتيح في شرح المصابيح (1/240).


شرح الحديث


قوله: «أبْغَضُ الناس إلى الله ثَلاثَة»:
قال ابن الملقن -رحمه الله-:
فائدة: «أبْغَضُ» هو أَفْعَلُ، مِن أَبْغَضَ، وأبْغَضَ رُبَاعي، وهو شاذ لا يُقاس عليه، ومثله: أَعْدَمَ (مِن العدم) إذا افْتَقَرَ، وكذلك قول عمر -رضي الله عنه- في الصلاة: ومن ضيّعَها فهو لما سواها أَضْيَع. وإنما يقال: أَفْعَلُ من كذا للمفاضلة في الفعل الثلاثي.التوضيح شرح الجامع الصحيح (31/352).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«أبْغَضُ الناس» أي: المسلمين؛ إذ غيرهم مبْغَضُون إلى الله من غير اعتبار قيد زائد على مجرد الكفر.فتح الإله في شرح المشكاة (1/535).
وقال ابن الملك الكَرمانيّ -رحمه الله-:
«أبْغَضُ»: أفْعَلُ التفضيل من المفعول على الشذوذ، واللام في (الناس) للعهد، والمراد منه عصاة المسلمين، وما قاله بعضٌ من أنها للجِنْس فبعيد؛ إذ لا معصية أعظم من الكفر، اللهم إلا أن يُحمل على التهديد.شرح مصابيح السنة(1/147).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلب -رحمه الله-: قوله: «أْبْغَض الناس إلى الله: مُلْحِد...» ولا يجوز أن يكون هؤلاء أبغض إلى الله من أهل الكُفر، وإنما معناه أبغض أهل الذّنوب ممن هو من جملة المسلمين.شرح صحيح البخاري (8/ 510).
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «أبغض الناس» المراد بالناس: المسلمون؛ لقوله: «ومُبْتَغٍ في الإسلام» يعني: أبْغَضُ المسلمين إلى الله تعالى هؤلاء الثلاثة؛ لأنهم جمعوا بين الذّنب وما يزيد به قبحًا، من الإلحاد وكونه في الحرم، وإحداث البدعة في الإسلام وكونها من أمر الجاهلية، وقتل نفس لا لغرض من الأغراض، بل لمطلق كونه قتلًا، كما يفعل شُطَّار زماننا، وإليه الإشارة بقوله: «ليُهَرِيقَ دَمَه».
ومزيد القُبح في الأول: باعتبار المحل.
وفي الثاني: باعتبار الفاعل.
وفي الثالث: باعتبار الفعل.شرح المشكاة (2/605-606).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
والمراد بالناس الـمُفضَّل عليهم: سائر عُصاة الأمَّة؛ فإن الكافر أبغض إليه من هؤلاء المعْدُوْدِين.تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/120).
وقال المظهري -رحمه الله-:
واعلم أن «الناس» في قوله: «أبْغَضُ الناس» ليس المراد به: جميع الناس؛ لأن المراد من المذكورين في هذا الحديث: مسلمون، فكيف يكون المسلمون أبْغَض إلى الله من الكفار، بل يراد به: المذنبون؛ يعني: أبْغَضُ المسلمين المذنبين إلى الله تعالى هؤلاء الثلاثة؛ لأن هذه الذنوب الثلاثة المذكورة في هذا الحديث أشد الذنوب.المفاتيح في شرح المصابيح (1/240).
قال العيني -رحمه الله-:
وقال المهلب -رحمه الله-: المراد بهؤلاء الثلاثة: أنهم أبغض أهل المعاصي إلى الله -تعالى-، فهو كقوله: «أكبر الكبائر»، وإلا فالشرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي.عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24/45).
قال الصنعاني -رحمه الله-:
والمعنى: أن أشدَّ أهل السيئات من الناس هؤلاء الثلاثة، أما هم فيما بينهم فلا دلالة فيه على أن أحدهم أشد بُغضًا من الآخر، إلا أنَّ ترتب الذِّكر يدل على أن الـمُقدَّم أَعْرَق في الـمَبْغُوضية ثم ما يليه، وقد يُقال: صيغة التَّرقِّي تقتضي العكس، ولكل وجْهُه.التنوير شرح الجامع الصغير (1/249-250).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ظاهر سياق الحديث: أنَّ فعل الصغيرة في الحَرم أَشدُّ من فعل الكبيرة في غيره، وهو مشكل، فيتعين أنَّ المراد بالإلحاد فعل الكبيرة، وقد يُؤخذ ذلك من سياق الآية. فتح الباري (12/ 211).

قوله: «مُلْحِدٌ في الحَرَمِ»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
«مُلْحِدٌ في الحرم» بدل من (ثلاثة).الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/396).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
والـمُلْحِد في الحَرم: مَن أحدث فيه جِنَاية، أو أتى فيه بمعصية، فهو مُخالف لأمر الله، وهَاتِكٌ لحُرمتِه من وجهين، فهو أحقُّ بالغضب على الإطلاق، ومزيد البغضاء.شرح المشكاة (2/606).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«مُلْحِدٌ في الحَرَمِ» المكي؛ إذ هو المراد حيث أُطلق الحرم؛ وذلك بأن أتى المعصية فيه؛ لأنها وإن كانت صغيرة في ذاتها إلا أنها تكبر وتفحش باعتبار محلها؛ لما فيها مِن هتك حُرمة الحرم، مع تأكد احترامه، ورعاية حرمته.فتح الإله في شرح المشكاة (1/536).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
في المراد بالإلحاد في الحَرم خمسة أقوال:
أحدها: أنه الظلم، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال عمر بن الخطاب: احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم. وقال مجاهد: هو عمل سيئة.
والثاني: أنه الشرك، رواه ابن طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن وقتادة.
والثالث: الشرك والقتل، قاله عطاء.
والرابع: أنه استحلال محظورات الإحرام، روي عن عطاء، أيضا.
والخامس: استحلال الحرام تعمدًا، قاله ابن جريج.كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 388-389).
وقال التُّورِبِشْتِي -رحمه الله-:
«مُلْحِدٌ في الحرم..» أي: مُلْحِد في حقِّ الحرم، وهو أن يستحل ما حُرِّمَ منه.
والإلحاد ضربان:
إلحاد إلى الشرك بالله.
وإلحاد إلى الشرك بالأسباب.
فالأول: ينافي الإيمان ويبطله، والثاني: يوهن عُرَاه ولا يبطله. وقوله: «مُلْحِدٌ في الحرم»: من هذا القبيل، قال الله: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم} الحج: 25.
وإذا ذهبنا في التأويل إلى الوجه الذي ذكرناه، فلا بد أن نقول: إن قوله -صلى الله عليه وسلم- «أبْغَضُ الناس» لا يجري على معنى العموم، بل المراد منه: أبْغَضُ الناس إلى الله من عصاة الأُمَّة، وأهل الملَّة، قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} النساء:54.الميسر في شرح مصابيح السنة (1/77).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
الـمُلْحِد: هو الـمَائِل عن الاستقامة؛ فإذا أَلْحَدَ في الحرم، وهو مَوضع يَقْصُده أهل الـمَيْل ليستقيموا فيه، فمالَ هو عن الحق في ذلك الموضع الذي يقوم لله فيه قاصِد به اشتدَّ غضب الله عليه. الإفصاح عن معاني الصحاح (3/ 113).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «مُلْحِد في الحرم» فهذا نص من النبي ¬-صلى الله عليه وسلم- على المعنى الباقي للحرم، ويؤيد هذا قوله تعالى -لما ذكر تحريم الأربعة الأشهر-: {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} التوبة: 36، تعظيمًا للظّلم فيهن؛ إذ الظّلم في غيرهن مُحرّم أيضًا، فدل تخصيصهنَّ بالنهي عن الظّلم على أنها مَزِيّة على غيرها في إثم الظّلم والقتل وغيره.شرح صحيح البخاري (8/ 510).
وقال -رحمه الله- أيضًا:
قال المهلب -رحمه الله-: وقد عظم الله الإلحاد في الحرم في كتابه فقال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيْهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الحج: 25، فاشترط ألِيم العذاب لمن أَلْحَدَ في الحرم زائدًا على عذابه لو أَلْحَدَ في غير الحرم، وقيل: كل ظالم فيه مُلْحِد.شرح صحيح البخاري (8/ 510).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «مُلْحِد في الحرم»، أي: مائل عن الحق في الحرم؛ يعني: مَن لم يُعَظِّم حُرمة الحرم، ويفعل فيه معصية، فالمعصية قبيحة، وفي الموضع الشريف أقبح.المفاتيح في شرح المصابيح (1/239).
قال ابن حجر -رحمه الله-:
ظاهر سياق الحديث: أنَّ فعل الصغيرة في الحَرم أشد من فعل الكبيرة في غيره، وهو مُشْكل، فيتعين أنَّ المراد بالإلحاد فعل الكبيرة، وقد يُؤخذ ذلك من سياق الآية.فتح الباري (12/ 211).
قال البِرْماوي -رحمه الله-:
«الحرم» هو حَرَم مكة؛ فإن قيل: فاعلُ الصغيرة فيه مائلٌ عن الحق، فيكون أبغضَ من صاحب الكبيرة المفعولةِ في غيره؛ قيل: نعم، مقتضاه ذلك؛ بل مُرِيدُها كذلك، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيْهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الحج: 25.
ويحتمل أن يقال: هو خبر مبتدأ، فالجملة اسمية، فالمقصود: ثبوتُ الإلحاد ودوامُه، والتنوينُ للتكثير والتعظيم؛ أي: صاحبُ الإلحاد الكثير أو العظيم، أو معناه: الظلم في أرض الحرم بتغييرها عن وضعها، أو تبديل أحكامها ونحوِه.اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (16/376).
قال العيني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: مرتكب الصغيرة مائلٌ عن الحق؟
قلتُ: هذه الصيغة في العُرف تُستعمل للخارج عن الدّين، فإذا وُصِف بها من ارتكب معصية كان في ذلك إشارة إلى عظمها.
وقيل: إيراده بالجملة الاسمية مُشعِر بثبوت الصِّفة، والتَّنْكِير للتعظيم، فيكون في ذلك إشارة إلى عِظم الذّنب.
وقيل: معناه الظُّلم في أرض الحرم بتغييرها عن وصفها، أو تبديل أحكامها.عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24/44).
وقال المناوي -رحمه الله-:
{وَمَنْ يُرِدْ فِيْهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} الحج: 25 الآية. قالوا: وهذا من خصائص الحرم، فإنه يُعاقب النَّاوي للشرّ فيه إذا عزم عليه ولم يفعله.
وذهب بعض الصحابة إلى أن السيئات تُتضاعف فيه كالحسنات.فيض القدير (1/81).
وقال الكَوْرَاني -رحمه الله-:
والإلحاد: العدول والميل عن القصد، يقال: لَحِدَ على وزن عَلِمَ وأَلْحَدَ لغتان، والمراد المعصية، وإنما أطلقه لِيَشمل كلَّ معصية، فإن الصَّغيرة مع شرف المكان كالكبيرة، من أن الصَّغيرة في الحرم كيف تكون أعظم من الكبيرة؟! وما تكلَّفوه من أن المراد من الجملة الاسمية الدوام، والتَّنوين للتعظيم، كيف وقد رتب الله الوعيد على نفس الإرادة في قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيْهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الحج: 25، على أن الأبغض لا تستدعي عِظَم الجُرم، كما أن الزنا أفْحَش من القتل مع أن حرمته أدنى منه.الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/396).
وقال القَسْطَلَّاني -رحمه الله-:
واسْتُشْكِل فإن ظاهره أنّ فِعْلَ الصغيرة في الحرم المكي أشدّ من فِعْلِ الكبيرة في غيره؟
وأُجِيب: بأن الإلحاد في العُرف مُسْتَعمل في الخارج عن الدين، فإذا وُصِف به من ارتكب معصية كان في ذلك إشارة إلى عظمها.
وقد يُؤخذ ذلك من سياق قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيْهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الحج: 25، فإن الإتيان بالجملة الاسمية يفيد ثبوت الإلحاد ودوَامه، والتنوين للتعظيم، فيكون إشارة إلى عِظَم الذَّنب.
وقال ابن كثير -رحمه الله-: أي: يهِم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار، وقوله: {بِظُلْمٍ} أي عامدًا قاصدًا أنه ظُلم ليس بمتأوّل.
وقال ابن عباس -رضي الله عنه- فيما رواه عنه عليّ بن أبي طلحة {بِظُلْمٍ}: بشرك.
وقال مجاهد -رحمه الله-: أن يعبد غير الله، وهذا من خصوصيات الحرم؛ فإنه يُعَاقب النَّاوي فيه الشَّر إذا كان عازمًا عليه ولو لم يُوَقِعه.إرشاد السَّاري لشرح صحيح البخاري (10/52).

قوله: «ومُبْتَغٍ في الإسْلَام سُنَّة الجاهلية»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «ومُبْتَغٍ في الإسلام سُنَّة الجاهلية»، ابتغى: إذا طلَب؛ يعني: من دخل في الإسلام وطلب وتمنى ما هو عادة الجاهلية، كالميْسَر، وقتل الأولاد، وغير ذلك.المفاتيح في شرح المصابيح (1/239).
وقال ابن الملَك الكَرمانيّ -رحمه الله-:
«ومُبْتَغ»؛ أي: طالب «في الإسلام سُنَّة الجاهلية»؛ أي: طريق أهل الجاهلية، كالْمَيْسِر والنِّيَاحة، وجزاء شخص بجناية من هو من قَبِيْلَتِه.شرح مصابيح السنة (1/147).
وقال البِرْماوي -رحمه الله-:
«سُنَّة الجاهلين»؛ أي: طريق أهلها، كنياحةٍ ونحوِها، وهي وإن كانت صغيرة لكن المقصود: إرادة بقاء تلك القاعدة وإشاعتها وتنفيذها لا مجرد فعلها؛ لأن اسم الجِنْس يَعُم بالإضافة.اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (16/376).
وقال القَسْطَلَّاني -رحمه الله-:
«سُنَّة الجاهلية» اسم جنس يعمُّ جميع ما كان عليه أهل الجاهلية من الطِّيَرَة والكهانة والنَّوْحِ، وأخذ الجار بجاره، وأن يكون له الحق عند شخص فيطلبه من غيره.إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري [(10/53).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«سُنَّة الجاهلية» أي: إحياء طريقة أهل زمن الفترة، سمي به لكثرة الجهالة فيه، كقتل البنات، والطِّيَرة والكهانة، والنياحة والْمَيْسِر، والنَّيْرُوز، ومَنْع القَوَد عن مستحِقِّه، وطلَب الحق ممن ليس عليه كأصله وفرعه، فإطلاق السُّنة على فعل الجاهلية، ورَدَ على أصل اللغة أو للتَّهكم.فيض القدير (1/81).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «ومُبْتَغٍ في الإسلام سُنَّة الجاهلية» أي: طالبٌ في الإسلام طريقة الجاهلية كالنياحة مثلًا.
وفي التوضيح «ومُبْتَغٍ» روُي بالغين يعني: من الابتغاء وهو الطلب، وبالعين المهملة من التتبع، والذي شرحه ابن بطال الأول.
فإن قيل: هذه صغيرة؟
أُجِيب: بأن معنى الطلب سُنِّيَّتَها ليس فعلها، بل إرادة بقاء تلك القاعدة وإشاعتها وتنفيذها، بل جميع قواعدها؛ لأن اسم الجنس المضاف عام، ولهذا لم يقل: فاعلها.عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24/44).
وقال عبيد الله الرحماني المباركفوري -رحمه الله-:
«ومُبْتَغٍ» أي: طالب «في الإسلام» يعني: أن ما مَحَاه الإسلام وأمَرَ بتركه من أمور الجاهلية يريد هو إحداثه وإشاعته، فيدخل فيه إحداث البدعة، وبهذا المعنى أورده البغوي في الاعتصام بالكتاب والسنة.
وقال: «سُنَّة الجاهلية» اسم جنس يعمُّ جميع ما كان عليه أهل الجاهلية من النياحة، والْمَيْسِر، والطِّيَرة، والكهانة، وقتل الأولاد، وجزاء شخص بجناية مَن هو من قَبِيْلَتِه. وإطلاق السُنّة على فعل الجاهلية على أصل اللغة.مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/237-238).
وقال محمد أنور شاه الكشميري -رحمه الله-:
قوله: «ومُبْتَغٍ في الإسلام سُنَّة الجاهلية»، أي: كانت له دِمَاءٌ على الناس في الجاهلية، فجعل يَسْتَوفِيها بعد الإسلام، ولما كان هذا الحديث واردًا في دماء الجاهلية ودخولها أمكن حَمْلُ الحديث العام عليه أيضًا، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يُقْتَل مسلم بكافر»، أي: لا يُقتل مسلم بعد الإسلام في قصاصِ كافر قتلَه في الجاهلية، وحينئذٍ لا يكون الحديث مخالفًا للحنفية.فيض الباري على صحيح البخاري (6/379-380).
وقال الكَوْرَاني -رحمه الله-:
«ومُبْتَغٍ في الإسلام سُنَّة الجاهلية» كقتل جماعة بواحد، وأخذ مال الغير من غير حق.الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/396).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وأما المُبْتَغي في الإسلام سُنَّة الجاهلية: فهو طلبهم بالذُّحُول (الذُّحْلُ: الحقد والعداوة، يقال: طلب بِذُحْلِه، أي: بثأره، والجمع: ذُحُولٌ وأذْحَال) غير القاتل، وقتلهم كل من وجدوا من قومه.
ومنها: انتهاك المحارم، واتباع الشهوات؛ لأنها كانت مباحةً في الجاهلية، فنسخها الله في الإسلام، وحرمها على المؤمنين، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «قُيِّد الفتْك، لا يَفْتُك مؤمن».
ومنها: النياحة والطِّيرة والكهانة وغير ذلك، وقد قال ¬-صلى الله عليه وسلم-: «من رَغِبَ عن سُنَّتِي فليس مِنّي».
وأما إثم الدم الحرام: فقد عظمه الله في غير موضع من كتابه، وعلى لسان رسوله، حتى قال بعض الصحابة: إن القاتل لا توبة له.شرح صحيح البخاري (8/ 511).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
قوله: «ومُبْتَغٍ في الإسلام سُنَّة جاهلية» والسُنَّة الجاهلية: مهجورة متروكة بما جاء الله به من الإسلام ومحاسِنِه، فإذا أراد الإنسان استبدال الحَسَن من سُنَنِ الإسلام بالقَبِيح من سُنن الجاهلية أبغضه الله -عزَّ وجلّ-.الإفصاح عن معاني الصحاح(3/113).

قوله: «ومُطَّلِب دم امرئ بغير حقٍّ ليُهرِيقَ دَمُه»:
قال ابن الملقن -رحمه الله-:
وقوله: «ومُطَّلب» كذا في الأصول: وذكره ابن التين -رحمه الله- بلفظ: «ومن طلب»، ثم قال: أصله «مُطَّلِب» اسم مُفْتَعِل مِن طَلب، فأُبْدِلت التَّاء طاء، وأُدغمت التاء في الطّاء.التوضيح شرح الجامع الصحيح (31/352).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
والمعنى يَتَكلَّف في ذلك ويسعى. قال الجوهري -رحمه الله-: يَطْلُب الشيء، طَلَبْتُه مرة بعد أخرى، ومن قال: المراد من هذا الوعيد أن يكون الـمَطْلُوب حاصلًا فقد خالف اللغة وغرض الشارع؛ لأنه بصدد التهديد والزجر عن تَطَلُّب الدماء. وفي الحديث دلالة على أن التصميم على الذنب يؤاخذ به كما أسلفناه مرارًا. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/396).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وفي كلٍّ من لفظَي الـمُطَّلب والـمُبْتَغي مُبالغة أخرى، وذلك أن هذا الوعيد إذا ترتب على الطَّالب والـمُتَمنِّي فكيف بالمباشر للفعل؟
وإطلاق السُّنة على فعل الجاهلية إما وارد على أصل اللغة، أو على التَّهكّم، وهي مثل النياحة، والميْسِر، والنَّيْرُوز.شرح المشكاة (2/605-606).
وقال بدر الدين الدَّمَامِيني -رحمه الله-:
«ومطَّلِبٌ دمَ امرئ»: قال الزركشي -رحمه الله-: أي: طالبٌ دمَ امرئ.
قلت: كلاهما يدلُّ على الطَّلب، لكن في مُطَّلِب من المبالغة ما ليس في طالب، فلا ينبغي تفسيرُ أحدِهما بالآخر.مصابيح الجامع (10/17).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«دم» أي: إراقة دَم «امرئ» مثلث الراء، أي: رجل، وهو للذَّكر، وخُصَّ بالذَّكر هنا وفي نظائره لشرفه وأصالته، وغلبة دوران الأحكام عليه كما مرَّ في الخُنْثَى، والأُنْثَى مثله في الحكم، وما ذُكر من أن المرء يَخْتَص بالذَّكر هو ما عليه كثير، لكن قال الحراني -رحمه الله-: المرءُ اسم سِنٍّ من سِنَان الضَّبُع يشارك الرَّجل فيه المرأة، ويكون له فيه فضل ما.فيض القدير (1/81-82).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«دم امرئ» لم يُبِح الشَّرع قتله كما أفاده بغير حق.التنوير شرح الجامع الصغير (1/249).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وقوله: «ومُطَّلب دم امرئ» الـمُطَّلب: الطّالب، والدم لو وَجَب لإنسان طلبه بحق لكان من شأن المسلم أن يعفو عنه، ويَجْبُن عن إراقة دم امرئ مسلم إذا كان له العفو عنه، فكيف بمن يطلب إراقة دم امرئ مسلم بغير حق؟!الإفصاح عن معاني الصحاح (3/113).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ولم يُقَيّد هنا بالمسلم اكتفاء بقوله: «بغير الحق»، وقيَّده به في رواية زيادة للبيان، فخرج نحو: حَرْبِي ومُرْتَد وقاطع طريق، ومُهْدَر بأي سبب كان، والقَوَدِ.فيض القدير (1/82).
قال الطيبي -رحمه الله-:
وأما القَاصْد لقتل امرئ بغير حق فهو يقصد ما يكرهه الله -تعالى- من وجهين:
من حيث أنه ظُلم، والظلم على الإطلاق مكروه مبغُوض.
ومن حيث أنه يتضمن موت العبد، وهو يَسُوْؤُهُ، والله -سبحانه وتعالى- يكره مَسَاءَتَه، فيستحق مزيد الـمَقْتِ.شرح المشكاة (2/606).

قوله: «بغير حق»:
قال العزيزي ـ رحمه الله ـ :
احترازًا عمَّن يقع له ذلك بحق، كطلب قصاص.السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 22).

قوله: «ليُهَرِيقَه»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
«ليُهَرِيقَه»: بفتح الهاء وسكونها أي: يريقه، والهاء معجمة.الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/396).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «ليُهَرِيقَ» أصله أَرَاق، أُبْدِلت الهمزة هاء، «دمه» الضمير فيه لامرئ، ويحتمل أنه لـمُتطلب، أي: ليُهْرِيق دم نفسه، فإنه إذا قَتَل قُتِل.التنوير شرح الجامع الصغير (1/250).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
و«ليُهَرِيقَ» بفتح الهاء وبسكونها. فإن قُلْتَ: الإهراق هو المحظور المستحق لمثل هذا الوعيد لا مجرد الطلب؟
قُلْتُ: المراد الطلب المترتب عليه، أو ذكر التطلب ليلزم في الإهراق بالطريق الشرعي، ففيه مبالغة.الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (24/14).
وقال البِرْماوي -رحمه الله-:
«ليُهَرِيقَ» بفتح الهاء وسكونها، والإهراق وإن كان هو المحظور؛ لكن المراد: الطَّلبُ الـمُترتِّب عليه الـمَطْلُوب لا مُجرد الطّلب.اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (16/376-377).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ليُهَرِيقَ» بضم أوله وهاء مفتوحة قد تسكن أي: يُصبُّ «دمه» أي: يقتله، بنحو ذَبْحِ أو ضَرْب عُنُق بنحو سيفٍ فَيَسِيل دمه.
وخَصَّ هذه الكيفية المشتملة على إسالة الدم؛ لكونها أغلب طُرق القتل، والمراد إزهاق روحه بـمُحَدّدٍ أو مُثَقّل أو غيرهما كنحو سُمٍ.
ولما كان المنع من إراقة الدم أعظم المقاصد أو هو أعظمها، أعاده صريحًا، ولم يكتف بِيُهْرِيْقَه وإن كفى.فيض القدير (1/82).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أن المعاصي تَغْلُظ بمقارنة أحوال وقوعها في أماكن ومحال تزيدها غلظة وشرًا.الإفصاح عن معاني الصحاح (3/113).


ابلاغ عن خطا