الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

«أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- دخل المسجدَ، فدخلَ رجلٌ، فصلَّى، ثم جاء فسلَّمَ على النبي -صلى الله عليه وسلم- فردَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عليه السلامَ، فقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لم تُصَلِّ» فصلَّى، ثم جاء فسلَّمَ على النبي-صلى الله عليه وسلم- فقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لم تُصَلِّ» ثلاثًا، فقال: والَّذي بَعَثَكَ بالحقِّ، فما أُحْسِنُ غيرَهُ، فَعَلِّمْنِي، قال: «إذا قُمْتَ إلى الصلاةِ، فَكَبِّرْ، ثم اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ معكَ مِن القرآنِ، ثم ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ راكِعًا، ثم ارْفَعْ حتَّى تَعْتَدِلَ قائمًا، ثم اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ ساجدًا، ثم ارْفَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ جالسًا، ثم اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ ساجدًا، ثم افْعَلْ ذلك في صلاتِكَ كُلِّهَا».


رواه البخاري برقم: (793) واللفظ له، ومسلم برقم: (397)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المسجد فدخل رجلٌ فصلّى»
قال الكوراني -رحمه الله-:
هذا الرجل خَلَّاد بن رافع، صرّح به ابن أبي شيبة. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (2/418).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
وأما الرّجل المبهم في هذا الحديث فلم أعلم أن أحدًا سمّاه في المبهمات إلا الحافظ أبا القاسم خلف بن بَشْكُوَال فإنه قال: اسمه خلَّاد، لكنه ذكر الحديث من رواية رفاعة، ويسمي الفقهاء هذا الحديث: حديث المسيء صلاته. العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام (1/497).
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فدخل رجلٌ» في رواية ابن نمير: «ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في ناحية المسجد» وللنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة: «بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس ونحن حوله» وهذا الرجل هو خلاد بن رافع جد علي بن يحيى راوي الخبر بيَّنَهُ ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام، عن محمد بن عمرو، عن علي بن يحيى، عن رفاعة أن خلادًا دخل المسجد، وروى أبو موسى في الذيل من جهة ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن علي بن يحيى بن عبد الله بن خلاد، عن أبيه، عن جده أنه دخل المسجد. اهـ
وفيه أمران: زيادة عبد الله في نسب علي بن يحيى، وجعل الحديث من رواية خلاد جد علي، فأما الأول: فوهم من الراوي عن ابن عيينة. 
وأما الثاني: فمن ابن عيينة؛ لأن سعيد بن منصور قد رواه عنه كذلك لكن بإسقاط عبد الله، والمحفوظ أنه من حديث رفاعة كذلك أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد القطان وابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر كلاهما عن محمد بن عجلان، وأما ما وقع عند الترمذي: «إذ جاء رجل كالبدوي، فصلى فأخف صلاته» فهذا لا يمنع تفسيره بخلاد لأن رفاعة شبهه بالبدوي لكونه أخف الصلاة أو لغير ذلك. فتح الباري (2/277-278).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «فصلّى» أي: الصلاة، وليس المراد فصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم-. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/124).
وقال العيني -رحمه الله-: 
وقع في رواية النسائي من رواية داود بن قيس: «ركعتين»، ولو اطلع الكرماني على هذا لم يقل: وليس المراد فصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم-، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا. عمدة القاري (6/17).
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فصلى» زاد النسائي من رواية داود بن قيس «ركعتين» وفيه إشعار بأنه صلى نفلًا، والأقرب أنها تحية المسجد، وفي الرواية المذكورة «وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرمقه في صلاته» زاد في رواية إسحاق بن أبي طلحة: «ولا ندري ما يعيب منها» وعند ابن أبي شيبة من رواية أبي خالد: «يرمقه ونحن لا نشعر» وهذا محمول على حالهم في المرة الأولى وهو مختصر من الذي قبله، كأنه قال: ولا نشعر بما يعيب منها.  فتح الباري (2/278).

قوله: «ثم جاء فسلّم على النبي -صلى الله عليه وسلم-»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ثم جاء فسلّم» في رواية أبي أسامة: «فجاء فسلم» وهي أولى؛ لأنه لم يكن بين صلاته ومجيئه تراخٍ. فتح الباري (2/278).

قوله: «فردّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه السلام»:
قال العيني -رحمه الله-: 
قوله: «فرد» دليلًا على وجوب رد السلام على المسلم. عمدة القاري (6/17).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «وعليك السلام» قيل: عليك بلا واو يدل على أن ما قاله بعينه مردود إليه خاصة، وإذا أثبت الواو وقع الاشتراك معه، والدخول فيما قال؛ لأن الواو تجمع بين الشيئين. الكاشف عن حقائق السنن (3/976).

قوله: «فقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ارجع» في رواية ابن عجلان فقال: «أعد صلاتك». فتح الباري (2/278).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فإنك لم تصل» الفاء للتعليل؛ أي: لأنك لم تصل. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/206).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«لم تصل» أي: صلاة صحيحة، يدل على أن اسم الصلاة لا يقع إلا على الصحيحة دون الفاسدة. شرح مصابيح السنة (1/467).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
أي: لم توجد حقيقة الصلاة، فهو نفي للحقيقة، لانتفاء الطمأنينة التي هي ركن من أركانها، أو أن المراد لم تصح صلاتك، فيكون النفي راجعًا للصفة، خلافًا لمن قال: إنه نفي للكمال؛ لأن النفي يتوجه للحقيقة إن أمكن كما هنا، وإلا يتوجه لأقرب صفة للحقيقة، كالصحة لا الكمال. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (5/ 300).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: 
«فإنك لم تصل» نفى أن يكون صلى مع أنه صلّى بالفعل، لكن هذه صلاة غير مجزئة بل غير صحيحة، فلهذا نفى أن يكون قد صلى، وهذا نفي الوجود الشرعي. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/5).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: أن أفعال الجاهل في العبادات على غير علم لا يتقرب بها ولا تجزئ؛ لقوله: «فإنك لم تصل». إكمال المعلم (2/283).
وقال العيني -رحمه الله-:
هذا الذي قاله (يعني: القاضي عياض) إنما يمشي إذا كان المراد بالنفي نفي الإجزاء وليس كذلك، بل المراد منه نفي الكمال؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قال في آخر الحديث، وفي رواية القعنبي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: «إذا فعلت هذا فقد تمَّت صلاتك، وما انتقصت من هذا فإنما انتقصت من صلاتك» وقد سمى -صلى الله عليه وسلم- صلاته: صلاة، فدل على أن المراد من النفي نفي الكمال.  عمدة القاري (6/17).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وفيه (يعني: كلام مَن قال بأنه نفي الكمال) نظر؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قد أَمرهُ في المرة الأخيرة بالإعادة فسأله التعليم فعلَّمه، فكأنه قال له: أعد صلاتك على هذه الكيفية أشار إلى ذلك ابن المنير. فتح الباري (2/278).
وقال العيني -رحمه الله-:
إنما أمره بالإعادة على الكيفية الكاملة ولا يستلزم ذلك نفي ذات الصلاة، فالنفي راجع إلى الصفة لا إلى الذات، والدليل عليه أن صلاته لو كانت فاسدة لكان الاشتغال بذلك عبثًا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقرر أحدًا على الاشتغال بالعبث، وهذا هو الذي ذكره المتأخرون من أصحابنا نصرة لأبي حنيفة ومحمد في ذهابهما إلى أن الطمأنينة في الركوع والسجود واجبة وليست بفرض. عمدة القاري (6/18).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فإن قال قائل: هذا الرّجلُ لم يأمرهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بإعادة ما مضى من الصلوات مع أنه صرح بأنه لا يُحسن غير هذا، فما الجواب وأنتم تقولون: إن الواجبات إذا كان جاهلًا يُعذر فيها بالإثم أي: يسقط عنه، لكن لا بد من فعلها؟
قلنا: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء: هل الواجبات تسقط بالجهل مطلقًا، أو يقال: تسقط بالجهل إن كان غير مقصِّر، فإن كان مقصِّرًا لم يعذر؟
والظاهر: أن الواجبات تسقط بالجهل ما لم يمكن تداركها في الوقت، ويؤيد هذا أن الحديث الذي ذكرناه لم يأمر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الرجل بقضاء ما مضى من صلاته، وأمره بقضاء الصلاة الحاضرة؛ لأنه يمكن تداركها؛ ولأنه الآن هو مطالب بها لأن وقتها باقٍ.
ويتفرع على هذا مسألة مهمة: كثير من أهل البادية لا يعرفون أن المرأة إذا حاضت مبكرة لزمها الصيام، ويظنون أن المرأة لا يلزمها الصيام إلا إذا تم لها خمس عشرة سنة، وهي قد حاضت ولها إحدى عشرة سنة مثلًا، فلها خمس سنين لم تصم، فهل نلزمها بالقضاء؟
فالجواب: لا نلزمها بالقضاء؛ لأن هذه جاهلة ولم تقصِّر؛ لأنه ليس عندها من تسأله، ثم إن أهلها يقولون لها: أنت صغيرة ليس عليك شيء، وكذلك لو كانت لا تصلِّي...، (و)إذا كان الواجب الذي تركه جهلًا يتعلق به حق الغير كالزكاة مثلًا، كرجل مضى عليه سنوات وهو لا يزكّي، والمال الذي عنده زكوي، لكن لا يدري أن فيه زكاة، فنلزمه بأداء ما مضى؛ لأن الزكاة ليس لها وقت محدد تفوت بفواته، فلو أخَّرها عمدًا إلى خمس سنوات لزمه أن يزكّي. شرح الأربعين النووية (388-389).

قوله: «فصلى ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ارجع فصل، فإنك لم تصل، ثلاثًا»
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فرد النبي -صلى الله عليه وسلم-» في رواية مسلم وكذا في رواية ابن نمير في الاستئذان فقال: «وعليك السلام» وفي هذا تعقب على ابن المنير حيث قال فيه: إن الموعظة في وقت الحاجة أهم من رد السلام؛ ولأنه لعله لم يرد -عليه السلام- تأديبًا على جهله، فيؤخذ منه التأديب بالهجر وترك السلام. اهـ
الذي وقفنا عليه من نسخ الصحيحين ثبوت الرد في هذا الموضع وغيره إلا الذي في الأيمان والنذور، وقد ساق الحديث صاحب العمدة بلفظ الباب إلا أنه حذف منه «فرد النبي -صلى الله عليه وسلم-» فلعل ابن المنير اعتمد على النسخة التي اعتمد عليها صاحب العمدة. فتح الباري (2/278).  
وقال العيني -رحمه الله-: 
قوله: «ثلاثًا» أي: ثلاث مرات. عمدة القاري (6/17).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«ثلاثًا» متعلق بـ«صل» وبـ«جاء» وبـ«سلَّم» وبـ«قال» على سبيل تنازع الأفعال الأربعة فيه. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/151).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ثلاثًا» في رواية ابن نمير: «فقال في الثالثة أو في التي بعدها» وفي رواية أبي أسامة: «فقال في الثانية أو الثالثة» وتترجح الأولى لعدم وقوع الشك فيها؛ ولكونه -صلى الله عليه وسلم- كان من عادته استعمال الثلاث في تعليمه غالبًا. فتح الباري (2/278).

قوله: «والذي بعثك بالحق، فما أُحْسِنُ غيره فعلمني»

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قال: «والذي بعثك بالحق» ولم يقل: والله، يا رسول الله، قال: «والذي بعثك بالحق» إشارة إلى أنه سيلتزم بما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه مبعوث بالحق، وإذا كان قد أقرّ بأنه مبعوث بالحق فإنه يلزم أن يعمل بما قال «والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا» ولم يسكت -رضي الله عنه-، بل طلب العلم: «فعلمني». فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/6).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فعلمني» في رواية يحيى بن علي: «فقال الرجل: فأرني وعلمني فإنما أنا بشرٌ أصيب وأخطئ، فقال: أَجل». فتح الباري (2/278).  

قوله: «قال: إذا قمتَ إلى الصلاة فكبر»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«إذا قمت إلى الصلاة» أي: إذا أردت القيام إلى الصلاة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/106).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
اعلم أنه يعبَّر بالفعل عن إرادته إذا كانت الإرادة جازمة قريبة من الفعل، فإذا كانت الإرادة جازمة قريبة من الفعل بهذين القيدين أطلق الفعل على الإرادة، ومنه كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: «أعوذ بالله من الخبث والخبائث» إذا دخل يعني: أراد الدخول (و)هنا: «إذا قمت إلى الصلاة» يعني: إذا أردت القيام جازمًا قريبًا. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/6).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «إذا قمت إلى الصلاة» هو إشارة إلى النية، أي: قمتَ ناويًا، ولا نعلم أنه ورد في حديث الأمر بالنية بلفظها، بل هي الإرادة، وكل قائم لفعل مريد له. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/428).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
في قوله: «فكبر» دليل على أن غير التكبير لا يصح به افتتاح الصلاة؛ لأنه إذا افتتحها بغيره كان الأمر بالتكبير قائمًا لم يمتثل. معالم السنن (1/211).
وقال العيني -رحمه الله-: 
قوله: «فكبر» يدل على أن الشروع في الصلاة لا يكون إلا بالتكبير، وهو فرض بلا خلاف. عمدة القاري (6/18).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
استدل بقوله: «فكبر» على وجوب التكبير بعينه، وأبو حنيفة يخالف فيه، ويقول: إذا أتى بما يقتضي التعظيم، كقوله: الله أجل أو أعظم كفى، وهذا نظرٌ منه إلى المعنى، وأن المقصود التعظيم، فيحصل بكل ما دل عليه، وغيره اتبع اللفظ. 
وظاهره تعيين التكبير، ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبُّدات، ويكثر ذلك فيها، فالاحتياط فيها الاتباع. 
وأيضًا: فالخصوص قد يكون مطلوبًا -أعني: خصوص التعظيم- بلفظ: الله أكبر، وهذا لأن رتب هذه الأذكار مختلفة، كما تدل عليه الأحاديث فقد لا يتأدَّى برتبة ما يقصد من أخرى، ولا يعارض هذا: أن يكون أصل المعنى مفهومًا، فقد يكون التَّعبد واقعًا في التفصيل، كما أنَّا نفهم أن المقصود من الركوع التعظيم بالخضوع، ولو أقام مقامه خضوعًا آخر لم يكتف به، ويتأيد هذا باستمرار العمل من الأمة على الدخول في الصلاة بهذه اللفظة، أعني: الله أكبر. 
وأيضًا: فقد اشتهر بين أهل الأصول أن كل علة مستنبطة تعود على النص بالإبطال أو التخصيص فهي باطلة، ويخرج على هذا حكم هذه المسألة، فإنه إذا استنبط من النص أن المقصود مطلق التعظيم بطل خصوص التكبير، وهذه القاعدة الأصولية قد ذكر بعضهم فيها نظرًا وتفصيلًا، وعلى تقدير تقريرها مطلقًا يخرج ما ذكرناه. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/260).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«فكبر» أي: قل: الله أكبر، وهذه تكبيرة الإحرام، وسميت بذلك لأن الإنسان إذا كبَّر دخل في حَرِيْم الصلاة كما أنه إذا لبَّى دخل في حَرِيْم النُّسك. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/6).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
وقد أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أن الرجل يكون داخلًا في الصلاة بالتكبير متبعًا للسنة إذا كبر لافتتاح الصلاة، وقد اختلفوا فيمن سبح مكان التكبير لافتتاح الصلاة، وغير جائز أن تنعقد صلاة عقدها مصليها بخلاف السنة، والله أعلم.
واختلفوا في الرجل يفتتح الصلاة بالفارسية، فكان الشافعي وأصحابه يقولون: لا يجزئ أن يكبر بالفارسية إذا أحسن العربية، وهكذا قال يعقوب ومحمد: إن ذلك لا يجزئه إلا أن يكون ممن لا يحسن العربية، وقال (أبو حنيفة) النعمان: إن افتتح الصلاة بالفارسية وقرأ بها وهو يحسن العربية أجزأه.
قال أبو بكر (يعني: ابن المنذر): لا يجزئه؛ لأن ذلك خلاف ما أمر الله به، وخلاف ما علَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته، وما عليه جماعات أهل العلم، لا نعلم أحدًا وافقه على مقالته هذه، ولا يكون قارئًا بالفارسية القرآن أبدًا؛ لأن الله تعالى أنزله قرآنًا عربيًا، فغير جائز أن يقرأ بغير ما أنزل الله. الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/76).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-: 
قد تبين مما سبق من الأدلة أن قول الجمهور هو الصحيح، والحاصل أن الدخول في الصلاة لا يصح ولا يجزئ إلا بلفظ: الله أكبر باللغة العربية، فتبصر، ولا تتحير، واتبع، ولا تبتدع. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/227).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: 
فلو قلتَ: الأكبر الله، لم يجزئ؛ لأن ألفاظ الأذكار توفيقية، ويشترط ألا يمد الهمزة لا في الجزء الأول منها ولا في الثاني، فلو قال: آلله أكبر ما أجزأت، ولو قال: الله آكبر ما أجزأت؛ لأنه يحول الجملة إلى استفهامية. 
يشترط أيضًا: ألا يمد الباء فتقول: الله أكبَار، قال أهل العلم: بأن أكبار جمع كَبَر كأسباب جمع سبب، والكِبر: من أسماء الطَّبل فلا يجزئ، فلو قال: الله ومدها مدًّا طويلًا يمد اللام في الله طويلًا جدًّا هل يجزئ أو لا؟ الظاهر أنه يجزئ، لكنه أخطأ من حيث التجويد. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/11-12).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-: 
احتج أئمتنا والشافعي بقوله هذا: أن تكبيرة الإحرام من الصلاة خلافًا للكرخي في قوله: ليست من الصلاة. إكمال المعلم (2/282).
وقال القاضي عياض -رحمه الله- أيضًا:
قوله للذي علمه الصلاة: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر...» حجة أن الإقامة ليست بواجبة. إكمال المعلم (2/281)
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
منها: أن الإقامة غير واجبة، خلافًا لمن قال بوجوبها من حيث إنها لم تذكر في الحديث، وهذا -على ما قررناه- يحتاج إلى عدم رجحان الدليل الدَّال على وجوبها عند الخصم، وعلى أنها غير مذكورة في جميع طرق هذا الحديث، وقد ورد في بعض طرقه: الأمر بالإقامة فإن صح فقد عدم أحد الشرطين اللذين قررناهما. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/259).

قوله: «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن»
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«اقرأ» يعني: بعد التكبير، ولم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الاستفتاح، إما رفقًا بحال هذا الرجل؛ لئلا تكثر عليه الطلبات فيضيع بعضها بعضًا؛ وإما لأنه -أي: الاستفتاح- غير واجب، ولا شك أن الاستفتاح غير واجب؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/7).
وقال العيني -رحمه الله-: 
قوله: «ثم اقرأ» يدل على أن القراءة فرض في الصلاة. عمدة القاري (6/18).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
قوله: «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» يدل على وجوب القراءة في الصلاة، ويستدل به مَن يرى أن الفاتحة غير معينة، ووجهه ظاهر، فإنه إذا تيسر غير الفاتحة فقارئه يكون ممتثلًا، فيخرج عن العُهْدَة، والذين عينوا الفاتحة للوجوب: وهم الفقهاء الأربعة، إلا أن أبا حنيفة منهم -على ما نقل عنه- جعلها واجبة، وليست بفرض على أصله في الفرق بين الواجب والفرض. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/260-261).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» لم تختلف الروايات في هذا عن أبي هريرة، وأما رفاعة ففي رواية إسحاق المذكورة: «ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله» وفي رواية يحيى بن علي: «فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله» وفي رواية محمد بن عمرو عند أبي داود: «ثم اقرأ بأم القرآن أو بما شاء الله» ولأحمد وابن حبان من هذا الوجه: «ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت» ترجم له ابن حبان بباب فرض المصلي قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة. فتح الباري (2/278).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ما تيسر معك من القرآن»... التَّيسر ضد التَّعسر، بأن يكون الإنسان حافظًا فهذا الذي يريد أن يقرأه سهلًا عليه أن يقرأه من القرآن؛ أي: كلام الله -عزَّ وجلَّ-، وسمي قرآنًا لأنه يقرأ ويُتْلى، أو لأنه مجموع مجتمع بعضه إلى بعض، ومنه القرية لأنها مجتمعة بعضها إلى بعض، فقرأ يقرأ قرآنًا يكون من هذا الباب، ولا مانع أن تقول: إنه مشتق من هذا من القراءة التي هي التلاوة، ومن القراءة التي هي جمع الشيء.
قوله: «من القرآن» مصدر كالرجحان، والغفران، والشكران، يعني: أنه مصدر على وزن فعلان، فهل هو بمعنى فاعل، أو بمعنى مفعول؟ إن كان بمعنى فاعل فالمعنى: أن كلام الله جامع لأحكام شرعية عقدية اجتماعية، كل شيء، وتؤيده قوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} النحل: 89، أو هو بمعنى مفعول، أي: مقروء؛ لأن الناس يقرؤونه؟ 
نقول: هو صالح لهذا وهذا، وليس بينهما منافاة، بل يكون بمعنى هذا وهذا، فهو قارئ أي: جامع للأحكام التي تحتاجها الأمة، وهو بمعنى مقروء فيكون بمعنى مقروء، فيكون بمعنى اسم الفاعل، واسم المفعول. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/7).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
«اقرأ ما تيسر» قد احتج به الحنفيون وقالوا: هذا يدل على أنه لا يتعين الفاتحة، وجوابهم: أنه يحتمل أن يكون ذلك قبل نزول الفاتحة وتعيينها، وأن يكون وقت الصلاة قد ضاق وهو يحفظ غيرها، فيجوز له قراءة ما يحفظ، وأن يكون المراد بما تيسر ما بعد الفاتحة، ولم يذكرها اتكالًا على العلم بوجوبها.
وإذا جازت على الحديث هذه المحتملات لم يجز ترك الصريح، وهو قوله: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». كشف المشكل (3/414).
وقال العيني -رحمه الله-:
هذا دليل واضح وبرهان ساطع على أن قراءة الفاتحة ليست فرضًا في الصلاة كما زعم به الشافعي؛ إِذْ لو كانت فرضًا لقال: ويقرأ فاتحة الكتاب، ولم يقل به، بل قال: ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه وتيَسّر، وهو أعم من الفاتحة وغيرها، وهذا مقام التعليم والبيان، فلو كانت الفاتحة فرضا لبيَّنه -عليه السلام- فافهم. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (1/310).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقال بعضهم: هو بيان للمجمل، وهو متعقب أيضًا؛ لأن المجمل ما لم تتضح دلالته، وقوله: «ما تيسر» متضح لأنه ظاهر في التخيير، قال: وإنما يقرب ذلك إن جعلت «ما» موصولة، وأريد بها شيء معين وهو الفاتحة لكثرة حفظ المسلمين لها فهي المتيسرة، وقيل: هو محمول على أنه عرف من حال الرجل أنه لا يحفظ الفاتحة، ومَن كان كذلك كان الواجب عليه قراءة ما تيسر، وقيل: محمول على أنه منسوخ بالدليل على تعيين الفاتحة ولا يخفى ضعفهما لكنه محتمل ومع الاحتمال لا يترك الصريح وهو قوله: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» وقيل: إن قوله: «ما تيسر» محمول على ما زاد على الفاتحة جمعًا بينه وبين دليل إيجاب الفاتحة، ويؤيده الرواية التي تقدمت لأحمد وابن حبان حيث قال فيها: «اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت». فتح الباري (2/280)
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُعلقًا:
قد تبين بهذه الروايات (يعني: التي ذكرها ابن حجر) أن معنى «ما تيسر» هي الفاتحة، فلا متمسك لمن اسُتدل به على عدم فرضية الفاتحة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/210).
وقال النووي -رحمه الله-: 
وأما حديث «اقرأ ما تيسر» فمحمول على الفاتحة فإنها مُتيسرة أو على ما زاد على الفاتحة بعدها أو على مَن عجز عن الفاتحة. شرح مسلم (4/103).
وقال العيني -رحمه الله-: 
هذا تمشية لمذهبه (يعني: النووي) بالتحكم، وكل هذا خارج عن معنى كلام الشارع.
أما قوله: «فالفاتحة متيسرة» فلا يدل عليه تركيب الكلام أصلًا؛ لأن ظاهره يتناول الفاتحة وغيرها مما يطلق عليه اسم القرآن، وسورة الإخلاص أكثر تيسرًا من الفاتحة، فما معنى تعيين الفاتحة في التيسر؟ وهذا تحكم بلا دليل. 
وأما قوله: «أو على ما زاد على الفاتحة» فمن أين يدل ظاهر الحديث على الفاتحة حتى يكون قوله: «ما تيسر» دالًّا على ما زاد على الفاتحة؟ ومع هذا إذا كان مأمورًا بما زاد على الفاتحة يجب أن تكون تلك الزيادة أيضًا فرضًا، مثل قراءة الفاتحة، ولم يقل به الشافعي. 
وأما قوله: «أو على مَن عجز عن الفاتحة» فحمله عليه غير صحيح؛ لأنه ما في الحديث شيء يدل عليه، وفي حديث رفاعة بن رافع: «ثم اقرأ إن كان معك قرآن، فإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله وكبر وهلل» كذا في رواية الطحاوي، وفي رواية الترمذي: «فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله» وكيف يحمل قوله: «اقرأ ما تيسر» على مَن عجز عن الفاتحة، وقد بيَّن -صلى الله عليه وسلم- حكم العاجز عن القراءة مستقلًا برأسه؟ عمدة القاري (6/18-19).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«معك» حال. الكاشف عن حقائق السنن (3/977).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«معك» بمعنى: عندك. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/7).

قوله: «ثم اركع حتى تطمئن راكعًا»
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ثم اركع حتى تطمئن راكعًا» الركوع هو انحناء الظهر تعظيمًا لمن يركع له. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/7).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
قوله: «ثم اركع حتى تطمئن راكعًا» يدل على وجوب الركوع. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/262).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
و«حتى» في هذه القرائن لغاية ما يتم به الركن، فدلت «حتى» على أن الطمأنينة داخلة فيه، والمنصوب حال مؤكدة. الكاشف عن حقائق السنن (3/977).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
واستدلوا به على وجوب الطمأنينة، وهو كذلك دال عليها، ولا يتخيل ها هنا ما تكلم الناس فيه، من أن الغاية: هل تدخل في الـمُغيَّا أم لا؟ أو ما قيل من الفرق بين أن تكون من جنس الـمُغيَّا أو لا، فإن الغاية ها هنا -وهو الطمأنينة- وصف للركوع، لتقييده بقوله: «راكعًا» ووصف الشيء معه حتى لو فرضنا أنه ركع ولم يطمئن، بل رفع عقيب مُسمَّى الركوع لم يصدق عليه أنه جعل مطلق الركوع مُغيًّا بالطمأنينة، وجاء بعض المتأخرين فأغرب جدًّا. 
وقال ما تقريره: إن الحديث يدل على عدم وجوب الطمأنينة من حيث إن الأعرابي صلَّى غير مطمئن ثلاث مرات، والعبادة بدون شرطها فاسدة حرام، فلو كانت الطمأنينة واجبة لكان فعل الأعرابي فاسدًا، ولو كان ذلك لم يقره النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه في حال فعله، وإذا تقرر بهذا التقرير عدم الوجوب: حمل الأمر في الطمأنينة على الندب، ويحمل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فإنك لم تصل» على تقدير: لم تصل صلاة كاملة، ويمكن أن يقال: إن فعل الأعرابي بمجرده لا يوصف بالحرمة عليه؛ لأن شرطه علمه بالحكم، فلا يكون التقرير تقريرًا على محرم، إلا أنه لا يكفي ذلك في الجواب فإنه فعل فاسد، والتقرير يدل على عدم فساده، وإلا لما كان التقرير في موضع ما يدل على الصحة، وقد يقال: إن التقرير ليس بدليل على الجواز مطلقًا، بل لا بد من انتفاء الموانع، وزيادة قبول المتعلم لما يلقى إليه بعد تكرار فعله، واستجماع نفسه، وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم، لا سيما مع عدم خوف الفوات، إما بناء على ظاهر الحال، أو بوحي خاص. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/262).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وقدر الطمأنينة المفروضة: أدنى سكون بين حركتي الخفض والرفع عند أصحاب الشافعي، وأحد الوجهين لأصحابنا.
والثاني لأصحابنا: أنها مقدرة بقدر تسبيحة واحدة.
وذهب أبو حنيفة إلى أن الطمأنينة ليست فرضًا في ركوع ولا غيره، لظاهر قوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} الحج:77.
وللجمهور: أن الأمر بالركوع والسجود مطلق، وقد فسره النبي -صلى الله عليه وسلم- وبينه بفعله وأمره، فرجع إلى بيانه في ذلك كما رجع إلى بيانه في عدد السجود وعدد الركعات، ونحو ذلك. فتح الباري (7/173).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وهذا (يعني: استدلال الحنفية بالآية) واهٍ جدًّا، فإن الأمر بالركوع والسجود يخرج عنه المكلف بمسمى الركوع والسجود كما ذكر، وليس الكلام فيه، وإنما الكلام في خروجه عن عهدة الأمر الآخر، وهو الأمر بالطمأنينة، فإنه يجب امتثاله، كما يجب امتثال الأول. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/262-263).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وأكثر أهل العلم على أن إتمام الركوع بالطمأنينة فرض، لا تصح الصلاة بدون ذلك. فتح الباري (7/172).
وقال الترمذي -رحمه الله-: 
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم: يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود. 
قال الشافعي وأحمد وإسحاق: مَن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة؛ لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود». سنن الترمذي (2/51).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وهذا الحديث الذي أشار إليه (يعني: الترمذي) خرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي مسعود الأنصاري، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال الترمذي: حسن صحيح.
ولفظ أبي داود: «لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود» وإقامة الظهر في الركوع والسجود: هو سكونه من حركته. فتح الباري (7/172).

قوله: «ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ثم ارفع» أي: رأسك من الركوع. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/210).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا» اللفظ: «حتى تعتدل» وفيه رواية: «حتى تطمئن» فيحمل هذا اللفظ «حتى تعتدل» على اللفظ الآخر: «حتى تطمئن» وتكون أفعال الصلاة كلها على حد سواء.
فإذا قال قائل: لماذا لا نأخذ بلفظ: «تعتدل» لأنه أيسر؟
قُلْنا: إذا أخذنا بلفظ: «تعتدل» أهملنا لفظ: «تطمئن» وإذا أخذنا بلفظ «تطمئن» فقد أخذنا بهذا وهذا. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/7).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «حتى تعتدل قائمًا» في رواية ابن نمير عند ابن ماجه: «حتى تطمئن قائمًا» وقد أخرج مسلم إسناده بعينه في هذا الحديث لكنه لم يسق لفظه فهو على شرطه، وكذا أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، وأبو نعيم في مستخرجه، والسراج كلهم عن أبي أسامة، فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين، ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان، وفي لفظ أحمد: «فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها» وعرف بهذا أن قول إمام الحرمين: في القلب من إيجابها أي: الطمأنينة في الرفع من الركوع شيء؛ لأنها لم تذكر في حديث المسيء صلاته دال على أنه لم يقف على هذه الطرق الصحيحة. فتح الباري (2/278-279).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا» وقوله: «ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا» حجة في وجوب الاعتدال في القيام من الركعة وفي الجلوس بين السجدتين، ولا خلاف أن الفصل بين السجدتين واجب، وإلا لكانت سجدة واحدة، ولكن الاعتدال في الجلوس فيما بينهما، وفي رفع الرأس من الركوع والاعتدال منه مختلف في وجوبه عندنا، وهل هو مستحق لذاته فلا بد منه أو للفصل، فيحصل الفصل بما حصل منه وتمامه سنة؟ إكمال المعلم (2/283).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
قوله: «ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا» يدل على وجوب الرفع خلافًا لمن نفاه، ويدل على وجوب الاعتدال في الرفع، وهو مذهب الشافعي في الموضعين، وللمالكية خلاف فيهما، وقد قيل في توجيه عدم وجوب الاعتدال: إن المقصود من الرفع الفصل وهو يحصل بدون الاعتدال، وهذا ضعيف لأنا نسلم أن الفصل مقصود، ولا نسلم أنه كل المقصود، وصيغة الأمر دلت على أن الاعتدال مقصود للفصل، فلا يجوز تركها. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/262-263).

قوله: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا»
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا» السجود هو: الخُرُور من القيام إلى الأرض بحيث يضع الإنسان جبهته على الأرض إجلالًا لله -عزَّ وجلَّ-. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/7).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا» وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة: «ثم يكبر، فيسجد حتى يمكِّن وجهه، أو جبهته حتى تطمئن مفاصله، وتسترخي». فتح الباري (2/279).

قوله: «ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ثم ارفع» أي: رأسك من السجود. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/211).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«حتى تطمئن جالسًا» أي: قاعدًا، ولم يُبَيِّن في الحديث كيف الجلوس. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/7).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في رواية إسحاق...: «ثم يكبر، فيرفع حتى يستوي قاعدًا على مقعدته، ويقيم صلبه» وفي رواية محمد بن عمرو: «فإذا رفعت رأسك، فاجلس على فخذك اليسرى» وفي رواية إسحاق: «فإذا جلست في وسط الصلاة، فاطمئن جالسًا، ثم افترش فخذك اليسرى، ثم تشهد». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/211-212).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «ثم ارفع» ظاهره أنه من الرفع ببن السجدتين كما تقدم، وهو يبين قوله في الرواية الأخرى في المصنفات: «ثم اجلس حتى تطمئن جالسًا» وقد يحتج به من يرى وجوب الجلوس كله، والحجة فيه ضعيفة؛ لقوله ذلك بعد ذكره السجود؛ ولقوله بعد هذا: «وافعل ذلك في صلاتك كلها». إكمال المعلم (2/283).

قوله: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا»
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا» السجدة الثانية. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/7).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة، وبه قال الجمهور، واشتهر عن الحنفية أن الطمأنينة سنة، وصرح بذلك كثير من مصنفيهم لكن كلام الطحاوي كالصريح في الوجوب عندهم، فإنه ترجم مقدار الركوع والسجود، ثم ذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره في قوله: «سبحان ربي العظيم ثلاثًا في الركوع» وذلك أدناه قال: فذهب قوم إلى أن هذا مقدار الركوع والسجود لا يجزئ أدنى منه، قال: وخالفهم آخرون، فقالوا: إذا استوى راكعًا واطمأن ساجدًا أجزأ، ثم قال: وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. فتح الباري (2/279).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
تكرر من الفقهاء الاستدلال على وجوب ما ذكر في الحديث، وعدم وجوب ما لم يذكر فيه. 
فأما وجوب ما ذكر فيه: فلتعلق الأمر به، وأما عدم وجوب غيره: فليس ذلك لمجرد كون الأصل عدم الوجوب، بل لأمر زائد على ذلك وهو أن الموضع موضع تعليم، وبيان للجاهل، وتعريف لواجبات الصلاة؛ وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر، ويقوي مرتبة الحصر: أنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلي، وما لم تتعلق به إساءته من واجبات الصلاة، وهذا يدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت فيه الإساءة فقط. 
فإذا تقرر هذا: فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه -وكان مذكورًا في هذا الحديث- فلنا أن نتمسك به في وجوبه، وكل موضع اختلفوا في وجوبه ولم يكن مذكورًا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في عدم وجوبه؛ لكونه غير مذكور في هذا الحديث على ما تقدم، من كونه موضع تعليم. 
وقد ظهرت قرينة مع ذلك على قصد ذكر الواجبات، وكل موضع اختلف في تحريمه فلنا أن نستدل بهذا الحديث على عدم تحريمه؛ لأنه لو حرم لوجب التلبس بضده، فإن النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، ولو كان التلبس بالضد واجبًا لذكر ذلك، على ما قررناه. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/257).
وقال العيني -رحمه الله-: 
إنما يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر أنّ لو لم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- جميع الواجبات التي في الصلاة، والذي لم يذكره ظاهرًا، أما اعتمادًا على العلم بوجوبه قبل ذلك أو هو اختصار من الراوي، كما قيل، وقد ذكرناه على أنا نقول: إذا جاءت صيغة الأمر في حديث آخر بشيء لم يذكر في هذا الحديث تُقدَّم ويعمل بها. عمدة القاري (6/19).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
تنبيه: وقع في رواية ابن نمير عند البخاري في الاستئذان بعد ذكر السجود الثاني: «ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا» وقد قال بعضهم: هذا يدل على إيجاب جلسة الاستراحة، ولم يقل به أحد، وأشار البخاري إلى أن هذه اللفظة وهَمٌ، فإنه عقَّبَه بأن قال: قال أبو أسامة في الأخير: «حتى تستوي قائمًا».
ويمكن أن يحمل إن كان محفوظًا على الجلوس للتشهد، ويقويه رواية إسحاق المذكورة قريبًا، وكلام البخاري ظاهر في أن أبا أسامة خالف ابن نمير، لكن رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة كما قال ابن نمير بلفظ: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدًا، ثم افعل ذلك في كل ركعة» وأخرجه البيهقي من طريقه، وقال: كذا قال إسحاق بن راهويه، عن أبي أسامة، والصحيح رواية عبيد الله بن سعيد أبي قدامة، ويوسف بن موسى عن أبي أسامة بلفظ: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تستوي قائمًا» ثم ساقه من طريق يوسف بن موسى كذلك. فتح الباري (2/279).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
عندي أن تضعيف رواية إسحاق غير صحيح؛ لأنه تابعه ابن نمير كما مر آنفًا، فالحديث صحيح، وأما دلالته على وجوب جلسة الاستراحة فظاهر، إلا أن له صارفًا، وهو ما صح عنه -صلى الله عليه وسلم- من تركه جلسة الاستراحة في بعض الأحيان. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/213).

قوله: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلها»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: 
«افعل ذلك» المشار إليه: القراءة، الركوع، الرفع منه، السجود، الرفع منه، السجود مرة ثانية، ثم الرفع، القيام. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/7).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«في صلاتك كلها» بالجر توكيد لـ«صلاتك». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/212).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «في صلاتك كلها» يحتمل أن المعنى: في كل الصلاة المعينة. 
ويحتمل: في كل الصلوات المقبلة، فأيهما أعم فيكون المعنى: افعل هذا في جميع صلاتك كما فعلت في الركعة الأولى افعل في الركعة الثانية، وافعل في الصلاة المقبلة.  فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/7).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» دليل على وجوب القراءة في جميع الركعات على مشهور مذهبنا، إذ أمره أولًا بالقراءة. إكمال المعلم (2/283).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» يقتضي وجوب القراءة في جميع الركعات، وإذا ثبت أن الذي أمر به الأعرابي: هو قراءة الفاتحة: دل على وجوب قراءتها في جميع الركعات، وهو مذهب الشافعي، وفي مذهب مالك ثلاثة أقوال:
أحدها: الوجوب في كل ركعة.
والثاني: الوجوب في الأكثر.
والثالث: الوجوب في ركعة واحدة. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/263).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» دليل على أن عليه أن يقرأ في كل ركعة كما كان عليه أن يركع ويسجد في كل ركعة. 
وقال أصحاب الرأي: إن شاء أن يقرأ في الركعتين الأخريين قرأ وإن شاء أن يسبح سبح، وإن لم يقرأ فيهما شيئًا أجزأه.
ورووا فيه عن علي بن أبي طالب أنه قال: يقرأ في الأوليين، ويسبح في الأخريين من طريق الحارث عنه.
قلتُ: وقد تكلم في الحارث قديمًا، وممن طعن فيه الشعبي ورماه بالكذب، وتركه أصحاب الصحيح، ولو صح ذلك عن علي -رضي الله عنه- لم يكن حجة؛ لأن جماعة من الصحابة قد خالفوه في ذلك، منهم: أبو بكر وعمر وابن مسعود وعائشة وغيرهم، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُوْلَى ما اتُّبع، بل قد ثبت عن علي -رضي الله عنه- من طريق عبيد الله بن أبي رافع أنه كان يأمر أن يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب. معالم السنن (1/211).
وقال العيني -رحمه الله-:
هذا الخلاف مبني على أن القرآن اسم للمعنى فقط، أو للنظم والمعنى جميعًا، فمَن ذهب إلى أنه اسم للمعنى احتج بقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِين} الشعراء: 196، ولم يكن القرآن في زبر الأولين بلسان العرب.
وقوله: لكون ما ليس بلسان العرب لا يسمى قرآنًا فيه نظر؛ لأن التوراة الذي أنزله الله تعالى على موسى -عليه الصلاة والسلام- يطلق على أنه قرآن، وهو ليس بلسان العرب، وكذلك الإنجيل والزبور؛ لأن القرآن كلام الله تعالى قائم بذاته لا يتجزأ ولا ينفصل عنه، غير أنه إذا نزل بلسان العرب سُمِّي قرآنًا، ولما نزل على موسى -عليه السلام- سُمِّي توراة، ولما نزل على عيسى -عليه الصلاة والسلام- سُمِّي إنجيلًا، ولما نزل على داود سُمِّي زبورًا، واختلاف العبارات باختلاف الاعتبارات. عمدة القاري (6/20).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله- معلقًا: 
الأول (أي: كون القرآن للفظ والمعنى معًا) هو ما درج عليه أهل الأصول من كون القرآن لفظًا منزلًا على النبي -صلى الله عليه وسلم- للإعجاز به وللتعبد به، فالقول الثاني ساقط لا عبرة به (وهو القول بأن القرآن اسم للمعنى فقط). كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (9/185).
وقال النووي -رحمه الله-:
فإن قيل: لم يذكر فيه كل الواجبات، فقد بقي واجبات مُجمع عليها ومختلف فيها، فمن المجمع عليه النية، والقعود في التشهد الأخير، وترتيب أركان الصلاة، ومن المختلف فيه التشهد الأخير، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه والسلام، وهذه الثلاثة واجبة عند الشافعي -رحمه الله تعالى-، وقال بوجوب السلام الجمهور، وأوجب التشهد كثيرون، وأوجب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الشافعي الشعبي وأحمد بن حنبل وأصحابهما، وأوجب جماعة من أصحاب الشافعي نية الخروج من الصلاة، وأوجب أحمد -رحمه الله تعالى- التشهد الأول، وكذلك التسبيح وتكبيرات الانتقالات. 
فالجواب: أن الواجبات الثلاثة المجمع عليها كانت معلومة عند السائل فلم يحتج إلى بيانها، وكذا المختلف فيه عند مَن يوجبه يحمله على أنه كان معلومًا عنده. شرح مسلم (4/107-108).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
فإن قيل: كيف جاز للرسول -عليه السلام- أن يؤخر البيان وقت الحاجة ويردد هذا الرجل إلى صلاة ليست صحيحة؟ 
فالجواب: من وجهين: 
أحدهما: أن يكون ترديده لتفخيم الأمر وتعظيمه عنده، ورأى أن الوقت لم يفت، فأراد بالترداد إيقاظ الفِطْنَة للمتروك. 
والثاني: أن يكون الرجل قد أدَّى قدر الواجب فأراد منه فعل المسنون والمستحب، فيكون قوله: «لم تصل» يعني به الصلاة الكاملة. كشف المشكل (3/415).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
فإن قيل: لم سكت عن تعليمه من أول الأمر حتى افتقر إلى مراجعته كرَّة بعد أخرى؟ 
قلنا: إن الرجل لما رجع لإعادة الصلاة من غير اطلاع على حقيقة المراد منه فعل المغتر بعلمه والمتهاون بأمر دينه سكت عن تعليمه زجرًا له عن الإقدام على ما لا علم له به، وتأدبًا له بين يديه، كما هو الواجب؛ إذ هو مورد الوحي والإلهام، ومصدر الشرائع والأحكام، وتنبيهًا له على حسن التيقظ دون أوامره وإرشادًا له إلى استكشاف ما يستبهم عليه بالسؤال. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/232).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
فيه (يعني: كلام التوربشتي) مناقشة؛ لأنه إن تم له في الصلاة الثانية والثالثة لم يتم له في الأولى؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- بدأه لما جاء أول مرة بقوله: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ» فالسؤال وارد على تقريره له على الصلاة الأولى كيف لم ينكر عليه في أثنائها؟ لكن الجواب يصلح بيانًا للحكمة في تأخير البيان بعد ذلك. فتح الباري (2/281).
وقال النووي -رحمه الله-:
الجواب: أنه لم يؤذن له في صلاة فاسدة، ولا علم من حاله أنه يأتي بها في المرة الثانية والثالثة فاسدة، بل هو محتمل أن يأتي بها صحيحة، وإنما لم يعلمه أولًا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة، كما أمرهم بالإحرام بالحج ثم بفسخه إلى العمرة؛ ليكون أبلغ في تقرير ذلك عندهم. شرح مسلم (4/108-109).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
عندي أنه إنما لم ينكر عليه أثناء الصلاة بل أخره إلى أن انتهى ليتبين له جميع ما يخطئ فيه، إذ لو أنكر عليه في الوسط وعلمه وأعاد، ربما أخطأ في غيره فيحتاج إلى تعليمه ويتسلسل، ولا يقال: إن تبين له ذلك في المرة الأولى، فلماذا رده ثانيًا وثالثًا؟ لأننا نقول: إن ذلك زجرًا له حيث أقدم على الإعادة من غير أن يتعلم منه -صلى الله عليه وسلم- فعاقبه. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/208).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفيه: رد السلام على المسلم وإن تكرر ذلك منه، وقرب لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- معه ذلك ثلاث مرات، كما ذكر في الحديث، وجواب قوله في الرد: «وعليك السلام». إكمال المعلم (2/283-284).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث دليل على أن إقامة الصلاة ليست واجبة. 
وفيه: وجوب الطهارة، واستقبال القبلة، وتكبيرة الإحرام، والقراءة. 
وفيه: أن التعوذ ودعاء الافتتاح، ورفع اليدين في تكبيرة الإحرام، ووضع اليد اليمنى على اليسرى، وتكبيرات الانتقالات، وتسبيحات الركوع والسجود، وهيئات الجلوس، ووضع اليد على الفخذ وغير ذلك مما لم يذكره في الحديث ليس بواجب إلا ما ذكرناه من المجمع عليه والمختلف فيه. 
وفيه: دليل على وجوب الاعتدال عند الركوع والجلوس بين السجدتين، ووجوب الطمأنينة في الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ولم يوجبها أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- وطائفة يسيرة، وهذا الحديث حجة عليهم وليس عنه جواب صحيح. شرح مسلم (4/108).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
فيه: الرفق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عامله بالرفق فيما أمره به، كما قال معاوية بن الحكم السلمي: «فما كَهَرَنِي» ووصف رفق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- به، وكذلك قال في الأعرابي: «لا تُزْرِمُوه» ولم يُعَنِّفه. 
وفيه: حسن خلق النبي -صلى الله عليه وسلم-. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/257).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
استدل بعضهم بهذا الحديث على أن مَن دخل المسجد وفيه قوم جلوس فإنه يبدأ فيصلي تحية المسجد، ثم يُسلم على مَن فيه، فيبدأ بتحية المسجد قبل تحية الناس. 
وفي هذا نظر، وهذه واقعة عين، فيحتمل أنه لما دخل المسجد صلى في مؤخره قريبًا من الباب، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في صدر المسجد، فلم يكن قد مرَّ عليهم قبل صلاته، أو أنه لما دخل المسجد مشى إلى قريب من قبلة المسجد، بالبعد من الجالسين في المسجد، فصلى فيه، ثم انصرف إلى الناس.
يدل على ذلك: أنه روي في هذا الحديث: «أن رجلًا دخل المسجد فصلى ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ناحية المسجد، فجاء فسلم» -وذكر الحديث- خرجه ابن ماجه.
فأما مَن دخل المسجد فمر على قوم فيه فإنه يسلم عليهم ثم يصلى. فتح الباري (7/169).
وقال ابن رجب -رحمه الله- أيضًا:
وفيه: دليل على أن مَن أساء في الصلاة فإنه يؤمر بإحسان صلاته مجملًا، حتى يتبين أنه جاهل، فيعلم ما جهله.
وفيه: دليل على أن مَن أساء في صلاة تطوع فأنه يؤمر بإعادتها، وهذا مما يتعلق به مَن يقول بلزوم النوافل بالشروع ووجوب إعادتها إذا أفسدها.
ومَن خالف في ذلك حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب، وأن الأمر بالإعادة كان تغليظًا على هذا المسيء في صلاته؛ لأن ذلك أزجر له عن الإساءة، وأقرب إلى عدم عوده إليها. فتح الباري (7/170-171).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: 
وجوب الإعادة على مَن أخل بشيء من واجبات الصلاة... 
وفيه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن التعليم بغير تعنيف، وإيضاح المسألة وتخليص المقاصد، وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه.
وفيه: تكرار السلام ورده وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال.
وفيه: أن القيام في الصلاة ليس مقصودًا لذاته، وإنما يقصد للقراءة فيه. 
وفيه: جلوس الإمام في المسجد وجلوس أصحابه معه. 
وفيه: التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ... 
وفيه: حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم- ولطف معاشرته. 
وفيه: تأخير البيان في المجلس للمصلحة. فتح الباري (2/280-281).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: 
من فوائد الحديث: أولًا: الرد على الجبرية؛ لقوله: «إذا قمت» فأثبت للإنسان قيامًا بإرادته، ومن وجه آخر: «فأسبغ الوضوء» فيه رد على الجبرية؛ لأننا لو قلنا: إن الإنسان مجبر على عمله ما صح أننا نأمره بشيء؛ لأننا إذا وجهنا إليه أمرًا بشيء وهو مجبر صار هذا من تكليف ما لا يطاق. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/20).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا: 
ومن فوائد هذا الحديث: أن الذي يلي القراءة الركوع «ثم اركع» فلو سها واستفتح، ثم ركع، ثم قام، وقرأ الفاتحة فإن ذلك لا يصح، بل عليه أن يُعِيد الركوع مرة ثانية؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رتب هذه الأركان بـ«ثم».
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الرفع من الركوع؛ لقوله: «ثم ارفع» وهل يشترط قصد الرفع من الركوع أو لا؟ 
الجواب: نعم يشترط، وعلى هذا فلو أن إنسانًا كان راكعًا، ثم سمع سقوط شيء، ثم قام هل يعتد بهذا القيام أم لا؟ 
فالجواب: أنه لا يكفي؛ لماذا؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نص عليه بقوله: «ثم ارفع» فلا بد من إرادة الرفع ونية الرفع. 
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا بد من القيام بعد الركوع؛ لقوله: «حتى تعتدل قائمًا» والرواية الأخرى: «حتى تطمئن» فلو رفع قليلًا من الركوع وهو منحن لم يجزئ، اللهم إلا أن يصيبه شيء ما يستطيع أن يستقيم، فهنا نقول: اتق الله ما استطعت؛ لأن أحيانًا يصاب الإنسان بما يسمى بشد العصب، لا يستطيع أن ينهض فنقول: اتق الله ما استطعت. 
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب السجود بعد الرفع من الركوع؛ لقوله: «اسجد» وهذا مطلق، لكن جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه لا بد من السجود على سبعة أعضاء: الجبهة، ويتبعها الأنف، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/23-24)
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: وجوب الرفع من السجود والجلوس بين السجدتين؛ لقوله: «ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا» هل نقول: يكتفي بالقول: إن الجلوس بين السجدتين من الأركان، أو لا بد أن نقول: الرفع من السجود والجلوس، يعني: نعدهما شيئين؟ 
الجواب: الثاني؛ لأننا نقول: الرفع الجلوس.
فإن قال قائل: إذا جلس فقد رفع، فلا حاجة أن نقول: الرفع.
والجواب: أن يكون هناك حاجة لو أنه كان ساجدًا وسمع وَجْبَة -يعني: شيء له صوت-، ثم فَزِع وهو ساجد، وقام، وقال: ما دام قمتُ لا أرجع يستقيم أو لا يستقيم؟ لا يستقيم؛ لأنه لا بد أن يكون الرفع مُتّعبَّدًا به لله -عزَّ وجلَّ- وهذا ما نوى. 
ويذكر أن بعض أهل العلم قال: الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين، وإن كان بعضهم قال: يغني عن قولنا: الرفع من السجود طول الجلوس بين السجدتين «ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا».
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان إذا جلس بعد السجدة الأولى أجزأه الجلوس على أي صفة كانت؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث لم يقيده بصفة، لكن دلت السنة أن الجلوس يختلف بين التشهدين وبين الجلسة بين السجدتين في التشهدين، إذا كان في الصلاة تشهدان يكون الجلوس في التشهد الأول افتراشًا والجلوس للتشهد الثاني تَورُّكًا، ووضع القدمين سواء في الجلوس بين السجدتين يكون افتراشًا ويكون إِقْعَاء على قول بعض العلماء، والصحيح: أنه لا يسمى إِقْعَاء، ووضع اليدين قال الفقهاء: إنهما تكونان مبسوطتين على الفخذين، ولكن السنة تدل على أن وضع اليدين بين السجدتين كوضعهما في التشهدين، «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا» ويقال فيها كما قلنا في الأولى. 
ومن فوائد الحديث: أن السجود مرتين ركن من أركان الصلاة، فلو نسي إحدى السجدتين في الركعة الأخيرة ثم سلم فهل تصح صلاته لو أتى بسجود السهو؟ لا تصح؛ لأن سجود السهو لا يُغني عن الركن، لكن لو ترك التشهد الأول صح؛ ولهذا أخطأ بعض المأمومين الذي نسي السجدة الثانية في الركعة الأخيرة، ثم تشهد وسلم فقيل له: إنه نسي السجدة الأخيرة، فانصرف وسجد سجدتين للسهو، فخاطبه بعض المؤمنين قال: ما سجدنا إلا مرة واحدة، قال: هاتان السجدتان تجبران ما نقص، خطأ، وجهله نوعه مركب، فالسجدتان لا تجزآن عن الأركان؛ ولهذا لم يعتد النبي -صلى الله عليه وسلم- بهما حين سلم قبل أن يتم. 
ومن فوائد هذا الحديث: جواز الإحالة على العموم؛ لقوله: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» وقد جاء تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الوجه، فإن عمر -رضي الله عنه- لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الكَلَالة قال: «ألم تكفك آية الصيف؟» فأحاله على آخر سورة النساء، فإنها صريحة في تبيين معنى الكَلَالَة، فالإحالة لا بأس بها في مسائل العلم لكن بشرط أن تكون معلومة، أما إذا أحاله على شيء قد يخفى فيقول الحكم كذلك بشرط، هذا ما يعرف حتى تعرف المسألة المحال عليها، وأما مع الجهالة فلا يجوز.  فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/13-14).
وقال العيني -رحمه الله-:
فيه: استحباب صبر الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على مَن ينكر فعله أو يأمره بفعله، لاحتمال نسيان فيه أو تعقله فيتذكره، وليس ذلك من باب التقرير على الخطأ.  عمدة القاري (6/20).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
ومنها: أنه ينبغي للجاهل أن يسأل التعليم من العلماء، والاعتراف بعد العلم، وأن يقر به، ويقسم عليه.
ومنها: وجوب النظر إلى صلاة الجاهل، وأعماله فيها، وتعريفه الصواب، وما جهله، وأن ذلك ليس من باب التجسس، ولا الدخول فيما لا يعني.
ومنها: جواز صلاة الفرض منفردًا؛ إذا أتى بفرائضها، وشروطها.
ومنها: وجوب القيام في الصلاة، وقبل الدخول فيها على القادر؛ بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قمت إلى الصلاة، فكبر». العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام (1/506).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
وفيه: جواز الحلف من غير استحلاف. 
وفيه: العذر بالجهل، وأن مَن أساء في صلاته؛ بترك بعض واجباتها -على القول بوجوب الطمأنينة على ما سيأتي- جهلًا منه بذلك: أنه ليس كالعامد، فتلزمه الإعادة إذ لم يأمره -عليه الصلاة والسلام- بإعادة ما صلى قبل تعليمه إياه. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (2/262).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: 
في هذا الحديث فوائد: ملاحظة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه؛ يعني: ليس يجلس بين أصحابه يحدثهم ويغفل عن الناس الذين يدخلون، بل يراقب -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- رسول إلى الخلق، فيراقب أفعالهم ليهديهم الصراط المستقيم، ولا شك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد راقب هذا الرجل...
ومنها: أنه إذا سلم الإنسان ولو كرر السلام إذا كان تكراره مشروعًا فإنه يرد عليه، أما إذا كان سلامه غير مشروع فهل يرد عليه أو لا؟ 
الجواب: لا، لا يجب الرد؛ ولهذا قال الفقهاء -رحمهم الله-: مَن سلم على شخص في حال لا يُسَنُّ فيها السلام فإنه لا يجب رد السلام عليه، كالمشتغل بالقراءة وما أشبه ذلك، ويدل لهذا أن الصحابة إذا أرادوا أن يسألوا الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يسلمون عليه ما داموا معه فلا حاجة أن يلقي السؤال فيسلم، السلام للقادم أو ما كان في حكم القادم.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز إقرار الإنسان على عمل فاسد من أجل إصلاح العمل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر الرجل على الصلاة في المرة الثالثة، وهو يعلم أنه لو كان عنده علم لاطمأن في صلاته لكن بشرط -يعني: إذا أقررناه على العمل الفاسد- أن نبين الصحيح...، (فـ)إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الرجل على صلاته الباطلة من أجل أن يُبَيِّن أن مَن فعل الصلاة الباطلة، فإنها لا تجزؤه حتى يقيمها كما أمره الله.
ومن فوائد الحديث: أن مَن ترك شيئًا من الواجبات جاهلًا فلا إعادة عليه، إلا إذا كان في وقت يطالب به، وهذه قاعدة مفيدة. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/9).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفيه: أن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل ولم يسأله عنه يستحب له أن يذكره له، ويكون هذا من النصيحة لا من الكلام فيما لا يعني وموضع الدلالة أنه قال: «علمني يا رسول الله» أي: علمني الصلاة فعلمه الصلاة واستقبال القبلة والوضوء وليسا من الصلاة لكنهما شرطان لها. 
وفيه: الرفق بالمتعلم والجاهل وملاطفته وإيضاح المسألة وتلخيص المقاصد والاقتصار في حقه على المهم دون المكملات التي لا يحتمل حاله حفظها والقيام بها. 
وفيه: استحباب السلام عند اللقاء ووجوب رده، وأنه يستحب تكراره إذا تكرر اللقاء وإن قرب العهد، وأنه يجب رده في كل مرة، وأن صيغة الجواب: وعليكم السلام أو وعليك بالواو وهذه الواو مستحبة عند الجمهور، وأوجبها بعض أصحابنا وليس بشيء، بل الصواب أنها سنة، قال الله تعالى: {فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ} الذاريات:25.
وفيه: أن من أخل ببعض واجبات الصلاة لا تصح صلاته ولا يسمى مصليًا، بل يقال: لم تصلِّ. شرح مسلم (4/108).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
ومنها (أي: فوائد الحديث): طلب المتعلم من العالم أن يعلمه ما يجهله من أمر دينه، ولا سيما الصلاة...
ومنها: تأخير البيان في المجلس للمصلحة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/216).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وفيه: دليل على أن صلاة مَن لم يقم صلبه في الركوع والسجود غير مجزئة. معالم السنن (1/211).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: 
ومن فوائد هذا الحديث: حُسن فهم الصحابة -رضي الله عنهم-، فهذا الرجل أعرابي لما أراد أن يقسم على أنه لا يعرف غير هذا؛ عدل عن الإقسام بالله إلى الإقسام بصفة تشعر بأنه ملتزم بما يقوله النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لقوله: «والذي بعثك بالحق»
وهل نقول: إنه إذا حلف على شيء فإنه يختار من أسماء الله ما يناسبه؟ 
الجواب: في هذا تفصيل، أما إذا كان الشيء يحتاج إلى ذكر المناسب فليذكره، وأما إذا كان لا يحتاج فالقسم بالله أولى -يعني: بلفظ الله-. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/10).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا: 
ومن فوائد هذا الحديث: أن طلب التعليم لا يدخل في السؤال المذموم؛ لأن الرّجل قال: «علمني» وليس كالمال؛ يعني: سؤال العلم أهون بكثير من سؤال المال؛ لأن المال النفوس مجبولة على محبته، فسؤال الغير المال يكون ثقيلًا عليهم، لكن العلم ليس ثقيلًا على النفوس وبذله سهل، فسؤاله ليس فيه كراهة إطلاقًا، بل قد نقول: إنه واجب، ولكن هل نقول: إن الإنسان ينبغي أن يسأل في الوقت المناسب، أو يسأل ولو شق على المسؤول؟ 
الأول: أحيانًا لا يناسب السؤال، لا سيما إذا لم يكن ضروريًّا فهنا لا تسأل تحرج صاحبك، ربما يتحمل ويتحمل ويتحمل، لكن مع إحراج؛ مثل أن يكون محتاجًا إلى أن يقضي حاجته، أو محتاجًا إلى موعد قرره من قبل أو ما أشبه ذلك، ويعلم هذا بحال العالم الذي تريد أن تسأله فرق بين أن يكون متأهبًا لتلقي الأسئلة، وأن يكون على عجل، فلا تسأل إلا عن المسائل الضرورية فلا بد منها. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/11).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا: 
ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى تيسير الشريعة الإسلامية؛ لقوله: «ما تيسر معك من القرآن». فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/12).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا: 
هذه العبارة (يعني: المسيء صلاته) لم ترد عن الصحابة، فلا أحب أن يُعبَّر بها؛ لأن الإساءة إنما تكون في الغالب عن قصد، وهذا الرّجل لم يقصد، وعليه إذا لم تثبت عن الصحابة، فنقول: الأولى أن يُعبَّر فيقال: حديث الجاهل في صلاته؛ لأنه جاهل هذا هو حقيقة الأمر. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/8).


ابلاغ عن خطا