يا رسول الله، أجْفُو عن أشياء، فعلِّمني، قال: «اتَّقِ الله، ولا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تُفْرِغ مِن دَلْوك في إناء المُستَسْقِي، وإياك والْمَخِيلَةَ؛ فإن الله لا يحب الْمَخِيلَةَ، وإن امرؤ شَتَمك وعَيَّرك بأمر يعلَمُه فيك، فلا تُعَيِّره بأمر تعلَمه فيه؛ فيكون لك أجره، وعليه إثمه، ولا تَشْتُمَنَّ أحدًا».
رواه أحمد برقم: (20632) واللفظ له، والنسائي في الكبرى برقم: (9611)، من حديث جابر بن سليم الْهُجَيْمِيِّ -رضي الله عنه-.
وفي لفظ لأبي داود الطيالسي برقم: «ودَعْهُ يكون وَبَالُهُ عليه».
صحيح الجامع برقم: (1304)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (770)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (2687).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أجْفُو»:
أي: أجْهَل. شرح السير الكبير، محمد بن الحسن الشيباني (1/ 28).
«تَحْقِرَنَّ»:
بفتح المثناة فوق، وكسر القاف، وفتح الراء، وشدِّ النون، أي: لا تسْتصغِرَنَّ، يقال: حَقَّرَهُ واحْتَقَره واسْتَصْغَره. فيض القدير (1/ 121).
«المعْرُوف»:
المعروف: اسم جامع لكل ما عُرف من طاعة الله، والتقرُّب إليه، والإحسان إلى الناس. شرح المشكاة للطيبي (5/ 1544).
«دَلْوَك»:
الدَّلْو: معروف، وهي التي يُستقى بها، وقد تُذكَّر. تاج العروس (38/56).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
الدَّلْو تأنيثها أكثر، فيقال: هي الدَّلْو، وفي التذكير يُصغَّر على دُلِيّ. المصباح المنير (1/199).
«المُسْتَسْقِي»:
طالِبُ السُّقيا، يعني: ولو أنْ تُعطي مريدَ الماء ما حُزْتَه أنت في إنائك؛ رغبة في المعروف. فيض القدير (1/ 121).
«المَخِيلَة»:
المخيلة التكبُّر، ويقال: خَالَ الرجل واخْتَالَ، ورجل خَالٌ وذو خال أي: ذو مَخِيْلَة. تفسير غريب ما في الصحيحين (ص: 193).
«شَتَمك»:
الشَّتْم: قبيح الكلام وليس فيه قذف، والشتم: السَّبُّ، شَتَمَهُ يَشْتُمُه ويَشْتِمُه شتمًا، فهو مَشْتوم، والأنثى مشْتُومة وشَتِيم بغير هاء. لسان العرب (12/318).
وقال ابن فارس -رحمه الله-:
الشين والتاء والميم يدل على كراهة وبِغْضَةٍ. من ذلك الأسد الشَّتِيم، وهو الكَريه الوجه، وكذلك الحمار الشَّتيم، واشتقاق الشتم منه؛ لأنه كلام كَرِيْهٌ. مقاييس اللغة (3/244).
«عَيَّرك»:
أي: عابَك. شرح المصابيح، لابن الملك (2/ 480).
وقال الرازي -رحمه الله-:
عيَّرَه كذا من (التَّعْيير) أي: التوبيخ، والعامة تقول: عيَّره بكذا، و(العار) السُّبَّة والعَيب. مختار الصحاح (ص: 222).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
تَعَايَر القومُ: تَعايَبُوا. لسان العرب (4/625).
شرح الحديث
قوله: «اتَّقِ الله»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: خَفْهُ، واخْشَ عقابه. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 25).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«اتَّقِ اللهَ» أمر من التقوى، وهي امتثال أوامره تعالى، واجتناب نواهيه، وهذا على حد قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ} البقرة: 278، أي: غَضَبه، وهو أعظم ما يُتقى؛ لما ينشأ عنه من العقاب الدنيوي والأخروي. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 231).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
عن عاصم الأحول قال: وقعَت الفتنة، فقال طَلْق بن حبيب: «اتقوا الفتنة بالتقوى»، فقال بكر بن عبد الله: «أجمل لنا التقوى في يسير»، فقال: «التقوى العمل بطاعة الله، على نور من الله؛ رجاء رحمة الله، والتقوى ترك معاصي الله، على نور من الله؛ مخافة عذاب الله». الزهد الكبير (ص: 351).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وأول التقوى: تقوى الشرك. الجواب الصحيح (3/276).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«اتَّقِ الله» قال القيصري: قد أكثر الناس القول في التقوى، وحقيقتها: تَنْزِيه القلب عن الأدْنَاس، وطهارة البدن من الآثام، وإن شئت قلت: الحذر من موافقة المخالفات. فيض القدير (1/121).
قوله: «ولا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«لا تحقرنَّ» بصيغة خطاب الواحد، وهو إنْ كان كذلك، إلا أنَّ الحكم شامل له ولجميع الأمة؛ لقوله: «حُكْمي على الواحد من أُمَّتي حُكمي على الجماعة» أو كما قال.
ومحلُّ ذلك: ما لم يقم دليل التخصيص، وإلا كإجزاء عَنَاق الْمَعْز لأبي بُردة في الأضحية، وإباحة النياحة لأم عطية، فلا يتعدَّى محلَّه. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 366).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«لا تحقِرنّ» بكسر القاف أي: تسْتَقِلَّ «من المعروف شيئاً» فتتركه لقِلَّتِه، فقد يكون سبب الوصول إلى مرضاة الله تعالى؛ كما في الحديث: «وإن العبد ليتكلم بالكلمة لا يُلْقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات». دليل الفالحين (2/356).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«ولا تحقِرن» بكسر القاف يعني: لا تترك، «من المعروف شيئًا»؛ احتقارًا له واستِهَانة لقَدْرِه، فكل معروف وإن قلَّ نفْعُهُ فهو صدقة ينمو أجره إلى يوم القيامة. دليل الفالحين (5/273-274).
وقال السندي -رحمه الله-:
«ولا تحقرنَّ» حتى تتركَه، وحتى لا تقْبَله من غيرك. فتح الودود (10/120).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «ولا تحقرنَّ شيئًا» أي: يَصنعُ بك أحد، أو تَصنَعُ بأحد. لمعات التنقيح (4/365).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
لا تَعُدَّنَّ أي شيء من المعروف حقيرًا، فتَزْهَد فيه لحقارته، وقد تصدَّقَتْ عائشة بحبَّة من عنب، فقيل لها في ذلك، فقالت: كم فيها من مثقال ذرة؟. التنوير (1/315-317).
قوله: «من المعروف»:
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: ما عَرَفَه الشرع والعقل بالحُسن. فيض القدير (1/121).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والمعروف الذي يُسمَّى فاعله محسِنًا كل ما يعدُّ معروفًا، ولو أنْ يلقى أخاه بوجهٍ طليق، كما يفيده حديث أبي ذر عند مسلم: «لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا ولو أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طليق». التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 401).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
والتنوين في (شيء) للتحقير والتقليل. دليل الفالحين (5/273-274).
قوله: «شيئًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: كثيرًا كان أو حقيرًا. فيض القدير (1/121).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
حَضٌّ على الاستكثار من الخير، وأن لا يُستقل منه شيء، وقد قال -عليه السلام- لأبي تميمة الهُجَيْمِيّ الصواب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله لأبي جري ومنه سمعه أبو تميمة: «لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تضع من دلوك في إناء المستَسْقِي». شرح صحيح البخاري (6/592).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ألا ترى أن عائشة في الحديث قبل هذا آثرت السائل بفِطْرها كله، وفي هذا الحديث أعطَتْه حبَّة عنب، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للهُجَيْمِي: «لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تُفْرغ من دلوك في إناء المستسقي» الاستذكار (8/603).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
الجود بالخُلُقِ والبِشْرِ والبَسْطة، وهو فوق الجُود بالصبر، والاحتمال والعفو، وهو الذي بلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وهو أثقل ما يوضع في الميزان. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك ووجهك مُنْبَسِط إليه»، وفي هذا الجُود من المنافع والمسار، وأنواع المصالح ما فيه، والعبد لا يمكنه أن يسع الناس بحاله، ويمكنه أن يسعهم بخُلُقه واحتماله. مدارج السالكين (2/282).
وقال ابن القيم -رحمه الله- أيضًا:
وسُئل -صلى الله عليه وسلم- عن المعروف، فقال: «لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تُعْطِي صِلَةَ الحَبْل، ولو أن تُعطي شِسْعَ النَّعْل، ولو أن تُفرغ مِن دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تُنحِّي الشيء من طريق الناس يُؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه طَلْقٌ، ولو أن تلقى أخاك فتُسلِّم عليه، ولو أن تُؤنِسَ الوَحْشَان في الأرض» ذكره أحمد، فلله ما أجلَّ هذه الفتاوى! وما أحلاها! وما أنفعها! وما أجمعها لكل خير! فوالله لو أنَّ الناس صرفوا هِممهم إليها لأغنتهم عن فتاوى فلان وفلان، والله المستعان. إعلام الموقعين (4/224).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
ومِن أجْمَعِ خصال البِرِّ التي يحتاج إليها الحاجُّ ما وصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا جزي يقال: إن كنيته أبو جري أو أبو جزي والأكثر على الأول الهُجَيْمِي فقال: «لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تُفْرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تُعْطِي صِلَةَ الحَبْل، ولو أن تُعطي شِسْعَ النَّعْل، ولو أن تُنحِّي الشيء من طريق الناس يُؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه مُنطَلِقٌ، ولو أن تلقى أخاك المسلم فتُسلِّم عليه، ولو أن تُؤنِسَ الوَحْشَان في الأرض»، وفي الجملة: فخير الناس أنفعهم للناس، وأصبرهم على أذى الناس، كما وصف الله المتقين بذلك في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران: 134. لطائف المعارف (ص: 231).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فيه أنه لا ينبغي للعبد أن يحْقِر شيئًا من المعروف في الإحسان إلى الناس، بل إلى خلق الله، ولا يحتقر ما يتصدق به وإن قلَّ. فيض القدير (1/121).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ثم إن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمر جابر بن سليم ألا يحقرنَّ من المعروف شيئًا، كل معروف افعله سواء كان قولًا أو فعلًا أو جاهًا أو أي شيء، لا تحقر شيئًا من المعروف؛ فإن المعروف من الإحسان، والله -سبحانه وتعالى- يحب المحسنين، فلو ساعدت إنسانًا على تحميل متاعه في السيارة فهذا معروف، لو أدْنَيت له شيئًا يحتاج إليه فهذا من المعروف، لو أعطيتَه القلم يكتب به فهذا من المعروف، لو أعطيتَه حافظة من أجل أن يحفظ بها شيئًا من الأشياء فهذا من المعروف.
أحسِن فإن الله يحب المحسنين، واعلم أن هناك قاعدة إذا ذكرها الإنسان سهل عليه الإحسان، وهي ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله: «ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته»، وما ظنك إذا كان الله في حاجتك؟ هل تتعثر الأمور؟ الجواب: لا، إذا كان الله في حاجتك يساعدك على حاجتك، ويعينك عليها، فلا شك أنها سوف تسهل، فأنت كلما كنت في حاجة أخيك كان الله في حاجتك، فأكثر من المعروف، أكثر من الإحسان، ولا تحقرنَّ شيئًا ولو كان قليلًا. شرح رياض الصالحين (4/294-295).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
يعني: ولو كان يسيرًا، فإن الشيء اليسير في موضعه وفي الحاجة الداعية إليه يكون كبيرًا وعظيمًا، وهذا فيه إشارة وحث على بذل الإحسان، وبذل المعروف، وألا يتَقَالَّ الإنسان الشيء الذي يُخرِجُه ويُنْفِقه، فإن الشيء القليل ممن لا يملك الكثير يقع موقعه في حق من هو بحاجة إلى ذلك الشيء القليل، فلا يتهاون الإنسان، ويستسهل النفقة أو الصدقة ولو كان بالشيء اليسير؛ لأن الشيء اليسير ينفع الفقير الذي ليس بيده شيء، وليس عنده شيء، فالإنسان لا يتهاون في ذلك، ولا يستهين بالشيء القليل ويقول: إن هذا لا يكفي؛ فالشيء القليل خير من لا شيء. شرح سنن أبي داود (458/3).
قوله: «ولو أن تُفْرِغ مِن دَلْوك في إناء المُستسقي»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«ولو أن تُفرغ» بضم الفوقية وكسر الراء: تَصُبَّ، يقال: أفْرَغْتُ الشيء صَبَبْتُه، إذا كان يسيل. فيض القدير (1/121).
وقال المُظهري -رحمه الله-:
يعني: إذا اسْتَقَيْتَ الماء من بئر، وجاءك مُسلم على رأس البئر، فتعطيه ماءك؛ كي لا يحتاج إلى تعب الاستقاء، ثم اسْتَقَيْتَ مرة أخرى لنفسك يكون لك هذا صدقة. المفاتيح (2/539).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«من دَلْوِك» إنائك الذي تستسقي به من البئر، «في إناء» أي: وعاء «المستسقي» طالِب السُّقْيا، يعني: ولو أن تعطي مريد الماء ما حُزْتَه أنت في إنائك؛ رغبة في المعروف، وإغاثة للملهوف، وتُقدِّم الأحوج فالأحوج. فيض القدير (1/121).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فإن هذا معروف يُعَدُّ حقيرًا، فلا تحتقره فتتركه. التنوير (1/315-317).
وقال الشيخ عطية بن محمد سالم -رحمه الله-:
«أن تُفْرغ من دَلْوك في دَلْو أخيك» ولو أن سيارة انتهى منها البنزين، وأعطيتَ صاحبها جالونَ بنزين، ولو بالثمن فهو صدقة؛ لأنه منقطع في الطريق، ويتمنى أن يشتريه ولو بأضعاف قيمته. شرح الأربعين النووية (58/4).
وقال الشيخ أحمد حطيبة -حفظه الله-:
فإذا كان إنسان معه دَلْو فيه ماء، وآخر محتاج للماء؛ ليسقي البهيمة التي عنده، فيعطيه قليلًا من الماء كي يسقي بهيمته، فهذا يعتبر شيئًا قليلًا، ولكنه عند الله -عز وجل- كثير، ولا يُحتقر المعروف أبدًا. شرح الترغيب والترهيب (37/4).
قوله: «وإياك والمَخِيلَةَ، فإن الله لا يحب المَخِيلَةَ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وإياك» إياك فعل أمر بمعنى بَاعِدْ نفسك ما يُكره. فيض القدير (1/121).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
يقال: اخْتَالَ الرجل فهو ذو خيلاء، وذو خالٍ، وذو مَخِيْلَةٍ، وذو كِبْرٍ. الكاشف عن حقائق السنن (5/1556).
وقال ابن المَلَك -رحمه الله-:
«من الْمَخِيْلَة» بفتح الميم أي: من الكِبْرِ والعُجب. شرح مصابيح السُّنة (2/480).
وقال السندي -رحمه الله-:
«من الْمَخِيْلَة» أي: التكبُّر، أي: تنشأ عادة عنه، أو تُعَدُّ من جنْسِه شرعًا. فتح الودود (10/120).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«الْمخِيْلَة» بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة من الاختيال والكِبْر واحتقار الناس، والعُجب عليهم. دليل الفالحين (5/274).
قوله: «وإن الله لا يحبّ»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
أي: لا يُوافق أو لا يرضى «الْمخِيْلَة». دليل الفالحين (5/274).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«وإن الله لا يحب الْمَخِيْلَة» أي: لا يرضى عنها. بذل المجهود (12/112).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«الْمخِيْلَة» أي: النفوس ذوات الخيلاء، فلا يظهر عليهم أثر النعمة في الآخرة، وفيه وعيد للمتكبر والمختال. دليل الفالحين (5/274).
قوله: «وإن امرؤ شَتَمك وعَيَّرك بأمر يعلمه فيك»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«وإن امرؤٌ» مرفوع على أنه فاعلُ فعلٍ محذوفٍ وجوبًا، أي: إن شتمك امرؤ. التنوير (1/315-317).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وإن امرؤ»:
أي: إنسان. فيض القدير (1/121).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «إن امرؤ شتمك» مُبَيِّن لفعل الشرط المحذوف العامل في (امرئ)، أي: إن شتمك امرؤ، وحُذِف جوابه وهو فلا تشتمه؛ اكتفاء بدلالة المذكور بعده عليه، والنهي للتنزيه، وإلا فيجوز الاستيفاء بالشرط المذكور قريبًا. دليل الفالحين (5/273-274).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وإن امرؤ شتمك» أي: سبَّك ولعنك. مرقاة المفاتيح (4/1345).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«شتمك» هو الذّم. التنوير (1/316).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«وعيَّرك» من العار بالمهملة، وهو كل شيء لَزِمَ به عيب، وعيَّره الأمرَ، ولا يقال: بالأمر كما في القاموس، فعليه قوله: «بأمرٍ» يتعلق بـ«شتم» على رأي الكوفيين. التنوير (1/316).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وعيَّرك» بالتشديد: قال فيك ما يعِيبُك. فيض القدير (1/121).
قال ابن المَلَك -رحمه الله-:
«وإن امرؤ شتمك أو عيَّرك» أي: عابَك. شرح مصابيح السنة (2/480).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وعَيَّرك» أي: لامَكَ وعَيَّرك. مرقاة المفاتيح (4/1345-1346).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«بأمر» أي: بشيء «ليس هو فيك» أي: لست متَّصِفًا به. فيض القدير (1/121).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«بما يعلم فيك» أي: مِن عيْبِك سواء يكون فيك أم لا. مرقاة المفاتيح (4/1345-1346).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«بما يَعلم فيك» أي: لامَكَ وعَذَلَكَ لما يَعلم فيك من عيبك. مرعاة المفاتيح (6/355).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«بما يعلم فيك» من الذنب والأفعال القبيحة. دليل الفالحين (5/273-274).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«هو فيك» أنت متَّصِفٌ به، ويُفهم منه أنه إذا لم يكن فيه أنه ينتصر لنفسه، وتبيَّن أنه ليس فيه، ويحتمل إنه يدعه أيضًا بالأولى؛ لأنّ الوبال على الشاتم فيه أكثر؛ لأنه بُهْتٌ وكَذِبٌ. التنوير (1/316).
قوله: «فلا تُعَيِّره بأمر تعلمه فيه»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فلا تُعَيِّره بما تعلمه فيه» أي: فضلًا عمَّا لا تعلم فيه. مرقاة المفاتيح (4/1346).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فلا تُعيِّره» أنت «بأمر هو فيه»؛ لأن التنزُّه عن ذلك من مكارم الأخلاق، ومَن ذَمَّ الناس ولو بحق ذمُّوه ولو بباطل، ومن ثَمَّ قال بعضهم:
ومن دعا الناس إلى ذَمِّه *** ذمُّوه بالحق وبالباطل. فيض القدير (1/121).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فلا تُعَيِّرْه بما تعلمه فيه»، فقد روى أحمد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله»، يقال: عيَّرتُه بفعْل كذا: إذا قبَّحْتُه عليه ونسَبْتُه إليه. دليل الفالحين (5/274).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فلا تُعيِّره» شاتمًا له بأمر «هو فيه»، نهي للتنزيه، وإلا فهو جائز بدليل: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيهمْ مِنْ سَبِيلٍ} الشورى: 41. التنوير (1/316).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فلا تُعَيِّره بما تعلم فيه» أي فضلًا عما لا تعلم فيه. مرعاة المفاتيح (6/355).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فيه: كراهة مجادلة السفهاء ومقاولتهم ومُنَاقَلَتهم، وأن السكوت عن السَّفِيه من المطالب الشرعية.
وفيه: تنبيه عظيم على كظم الغيظ، والحلم على أهل الجهل، والترفُّع عمن أدخل نفسه في غِمَار الأشرار وأهل البغي؛ ولهذا قال البيهقي عن ذي النون: «العزُّ الذي لا ذُلَّ فيه سكوتك عن السفيه» وفيه أنشد الأصمعي:
وما شيء أحبّ إلى لئيم *** إذا شَتَم الكريمَ من الجوابِ
مُتَاركَةُ اللئيم بلا جواب *** أشدُّ على اللئيم من السِّبَابِ
ومن ثَمَّ قال الأعمش: «جواب الأحمق السكوت، والتغافل يطفئ شرًّا كثيرًا، ورضا المتجنِّي غاية لا تدرك، والاستعطاف عَونٌ للظَّفَرِ، ومَن غضب على من لا يقدر عليه طال حزنه»، وقال حكيم: «ثلاثة لا يَنْتَصِفُون من ثلاثة: حليم من أحمق، وبَرٌّ من فاجر، وشريف من دَنيء». فيض القدير (1/121).
قوله: «ودَعْهُ يكون وَبَالَهُ عليه»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «ودَعْهُ يكون وَبَالَهُ» إثم الشتم والتَّعْيير «عليه، وأجره لك» يدل لذلك، وإلا لعلَّلَه بأنه إثم. «ولا تَسُبَّنَّ أحدًا» نهي للتحريم مؤكد بالنون، وأدلَّته واسعة، وفيه أن المنْتَصِف لا يُسمى سبَّابًا. التنوير (1/316).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وذلك أن الإنسان ينبغي له أن يعفو ويصفح، ولا يجعل كل كلمة يسمعها مقياسًا له في الحكم على الناس، تَغَاضَ عن الشيء، واعفُ واصفح؛ فإن الله تعالى يحب العافين عن الناس، ويُثِيبهم على ذلك، وأنت إذا عيَّرته أو سَبَبْتَه بما تَعلم فيه طال النزاع، وربما حصل بذلك العداوة والبغضاء، فإذا كفَفْت وسكَتَّ هدَأَت الأمور، وهذا شيء مجرَّب أن الإنسان إذا سابَّ أحدًا قد سبَّه طال السباب بينهما، وحصل تفرق وتباغض، وإذا سكت فإنه قد يكون أنفع، كما قال الله -تبارك وتعالى- في وصف عباد الرحمن: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} الفرقان: 63، يعني: قالوا قولًا يسلمون به، إما أن يقولوا مثلًا: جزاك الله خيرًا، أعرض عن هذا، اترك الكلام، وما أشبه ذلك، وقال الله -عز وجل-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف: 199، {خُذِ الْعَفْوَ} يعني: ما عفا وسهل من أخلاق الناس، ولا تُرِد من الناس أن يكونوا على أكمل حال بالنسبة لك، الناس ليسوا على هواك، لكن خذ منهم ما عفا وما سَهُل، وما صعُب فلا تطلبه؛ ولهذا قال: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، الجاهل إذا سابَّك أو شتمك أو ما أشبه ذلك فأعرض عنه؛ فإن هذا هو الخير، وهو المصلحة والمنفعة. شرح رياض الصالحين (4/298).
وقال الشيخ أحمد حطيبة -رحمه الله-:
يعلِّمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث خُلُقًا عظيمًا من مكارم الأخلاق، وهو أن الإنسان لعله يغيظه إنسان، ويُعيِّره بشيء، فيقول -عليه الصلاة والسلام-: «إنْ امرؤٌ عيَّرك بما لا يعلمه فيك فلا تُعيِّره بما تعلمه فيه»، فقد يأتي إنسان ويشتمك ويتطاول عليك، وقد يذكر أشياء لا وجود لها أصلًا، وهو إنسان تعلم أنه ناقص، وأن فيه الكثير من النقائص، فلا تذكر عليه هذه الأشياء التي تعلمها؛ ليصيبه الإثم لوحده، ولكيلا تدخل معه في هذا الباب القبيح. شرح الترغيب والترهيب (37/4).
قوله: «ولا تَشْتُمَنَّ أحدًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «أحدًا» وإن كان مَهينًا، والشتم توصيف الشيء بما هو إزراء أو نقص فيه، ذكره القاضي. فيض القدير (1/121).