الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إنَّ السلامَ اسمٌ من أسماءِ اللهِ وَضَعَهُ في الأرضِ، فأَفْشُوا بينكم، فإنَّ الرجلَ المسلمَ إذا مرَّ بقومٍ فسلَّمَ عليهم فردوا عليه، كان له عليهم فضلُ درجة؛ بتذكيره إِياهم السلامَ، فإنْ لم يردُّوا عليه، ردَّ عليه مَن هو خيرٌ منهم وأطيبُ».


رواه البزار برقم: (1771) واللفظ له، والطبراني في الكبير برقم: (10391)، والبيهقي في شُعب برقم: (8403)، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3697)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (‌‌1894). 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«السَّلام»:
السَّلامُ: هو اسمٌ من أسماءِ اللهِ، وقيل: هو اللهُ، فإذا قال: السَّلامُ عليكم فكأنّه يقول: اللهُ فوقكم. والسَّلام يكون بمعنَى: السَّلامة، وقول النّاس: السَّلام عليكم، أي: السَّلامةُ من اللهِ عَلَيْكم. العين، للفراهيدي (7/ 265).
وقال الهروي -رحمه الله-:
ومعنى السلام الذي هو مصدر سلَّمت: أنه دعاء للإنسان بأنْ يَسْلَم من الآفات في دينه ونفسه. تهذيب اللغة (12/ 309).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«السلام» معناه: سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء، والسلام في الأصل السلامة. النهاية في غريب الحديث (2/392).

«أَفْشُوا»:
بقطع الهمزة مِن أَفْشَى، أي: أَظْهِرُوه. السراج المنير شرح الجامع الصغير(2/36).
وقال الهروي -رحمه الله-:
يقال: فَشَا الشيء يَفْشُو فشوًا: إذا ظهر. تهذيب اللغة (11/293).


شرح الحديث


قوله: «إن السلام اسم من أسماء الله»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«إن السلام اسم من أسماء الله» أي: من صفاته العلية، وقد ثبت ذلك في القرآن، قال المفسرون: وَصْفُ الله تعالى به مبالغة في كونه تعالى سليمًا من النقائص، وفي إعطائه السلامة. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 479).
وقال ابن سيد الناس -رحمه الله-:
"السلام" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، وهو السالم من النقائص وصفات الحدوث، وقيل: المسلِّم عباده، وقيل: المسلِّم عليهم في الجنة، كما قال: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِين} الزمر:73. النفح الشذي شرح جامع الترمذي (4/514).
وقال النووي -رحمه الله-:
السلام اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: السالم من النقائص، وسمات الحدوث، ومن الشريك والنِّدِّ، وقيل: المسلِّم أولياءه، وقيل: المسلِّم عليهم، وقيل غير ذلك. شرح النووي على مسلم (4/ 116).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«السلام اسم من أسماء الله» لا ينافيه ما تقرَّر مِن أنَّ معناه في التحية الدعاء؛ لأنهم يعلمون ما فيه من التأمين، أي: اسم الله تعالى يُبَلِّغك السلامة، كما أنَّ الرحمة تبلِّغه الرحمة. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 487).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
السلام اسم من أسماء الله -جلَّ وعلا-، وهو أيضًا دعاء بالسلامة على الـمُسلَّم عليه، وأهل العلم يقولون: يُخَيَّر في السلام بين تعريفه وتنكيره في سلام على الحي، فسواءً كان بالتعريف أو بالتنكير يحصل المقصود، ولا شيء في ذلك أبدًا -إن شاء الله تعالى-. شرح المحرر في الحديث (19/7).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد اختُلف في معنى السلام، فنَقَل عياض أن معناه: اسم الله، أي: كَلاءَةُ الله عليك وحِفْظُه، كما يقال: الله معك ومصاحبك، وقيل: معناه: إن الله مُطَّلع عليك فيما تفعل، وقيل: معناه: إن اسم الله يُذْكَرُ على الأعمال؛ توقُّعًا لاجتماع معاني الخيرات فيها، وانتفاء عوارض الفساد عنها، وقيل: معناه: السلامة كما قال تعالى: {فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِين} الواقعة:91، وكما قال الشاعر: تُحَيِّي بالسلامة أم عمرو*** وهل لي بعد قومي من سلام؟! فكأن المسلِّم أَعْلمَ مَن سلَّم عليه أنه سالم منه، وأن لا خوف عليه منه. فتح الباري (11/13).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ما ذُكر مِن أنّ السلام اسم من أسمائه تعالى لا يعارِض ما قرره جمعٌ من أن السلام دعاء بالسلامة ملحوظ فيه التأمين، بقوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} الأعراف:180، قال بعض العارفين: كل اسم من أسمائه سبحانه يُبلِّغك رُتبة من المراتب إذا دعوتَ به، فاسم السلام يبلغك سلامته، كما أن الرحمن يبلغك رحمته إذا دعوتَ به. فيض القدير (4/151).

قوله: «وَضَعَهُ في الأرض»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وُضِعَ» (على رواية) بالبناء للمفعول، أي: وضعه الله.التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 287).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وضع في الأرض» وضعه الله فيها بتعليمكم إياه. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 479).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«وضعه الله في الأرض» أي: أمركم به وعلَّمكم لفظه. التنوير شرح الجامع الصغير (6/486).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«في الأرض» لتعملوا به. فيض القدير (2/346).

قوله: «فأفشوا بينكم»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«فأفشوا» أشيعوا. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 479).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«فأفشوه»...أي: أَظْهِروه بينكم؛ أن تُسَلِّموا على كل ما لقيتموه من المسلمين ممن يُشرع عليه السلام. السراج المنير شرح الجامع الصغير (3/237).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وإفشاء السلام: إظهاره وإشاعته، وإقراؤه على المعروف، وغير المعروف. المفهم (1/ 242).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال ابن الأنباري: أمَرَهم أنْ يَصْرِفُوه إلى الخَلْق؛ لحاجتهم إلى السلامة، وغِنَاه -سبحانه وتعالى- عنها. فتح الباري (2/ 312).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فأفشوا السلام بينكم» أي: أَظْهِرُوهُ ندبًا مؤكدًا، فإنَّ في إظهاره الإيذان بالأمان والتحابب والتواصل بين الإخوان، وإرغام الشيطان. فيض القدير (2/346).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أي: أَظْهِرُوا وأَعْلِنُوا وأَكْثِرُوا من السّلام. شرح رياض الصالحين (3/198).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
أمّا من لا يُسلم إلا سلام معرفة فسوف يفوته خير كثير؛ لأنه ربما مرّ به العشرات لا يعرف منهم إلا واحدًا، أما مَن يُسَلِّم سلام مثوبة وأُلفة فهو يُسلم على مَن عرف ومَن لم يعرف، إلا إذا كان الذي مررتَ به كافرًا فلا تُسلم عليه. شرح رياض الصالحين (4/389).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
لا ينبغي للإنسان أن يَمَلّ مِن كثرة السلام، لو قابلت مائة شخص فيما بينك وبين المسجد مثلًا فسلّم، إذا سلّمت على مائة شخص تحصل على ألف حسنة، هذه نعمة كبيرة. شرح رياض الصالحين (4/396).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
فالمهم أنه ينبغي لنا إحياء هذه السُّنة، أعني -إفشاء السلام-، وهو من أسباب المحبة، ومِن كمال الإيمان، ومِن أسباب دخول الجنة. شرح رياض الصالحين (3/529).
وقال الشيخ أحمد حطيبة -حفظه الله-:
فَرْقٌ بين أن يُسَلِّم الإنسان وأن يُفْشِي السلام، فإذا سلَّم ربما سلَّم مرة أو مرتين، ولعله لا يسلِّم على بعض الأشخاص غير المعروفين، أو الذين لا يردُّون عليه، ولكن الإنسان الذي يُفشي السلام فهو لا يهمه من يسلِّم عليه سواء كان معروفًا أو غير معروف، سواء ردَّ أو لم يرد. شرح الترغيب والترهيب (37/4).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«بينكم» أيها المؤمنون. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/73).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
إذا عرفتَ هذا فينبغي أن تعلم أن إفشاء السلام المأمور به دائرته واسعة جِدًا، ضيَّقَها بعض الناس؛ جهلًا بالسُّنة، أو وتهاونًا في العمل بها. فمن ذلك: السلام على المصلي، فإن كثيرًا من الناس يظنون أنه غير مشروع، بل صرح النووي في الأذكار بكراهته، مع أنه صرح في شرح مسلم: أنه يستحب ردّ السلام بالإشارة، وهو سُنة، فقد جاءت أحاديث كثيرة في سلام الصحابة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، فأقرهم على ذلك، ورد عليهم السلام. سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/359).

قوله: «فإن الرجل المسْلِم إذا مرَّ بقوم فسلَّم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضلُ درجة؛ بتذكيره إياهم السلام، فإن لم يردُّوا عليه ردَّ عليه من هو خير منهم وأطيب»:
قال العزيزي -رحمه الله-:
«رد عليه من هو خير منهم وأطيب» وهم الملائكة الكرام، فخواص الملائكة أفضل من عوام البشر. وفيه: أنَّ بدء السلام وإن كان سُنة أفضل من جوابه وإن كان واجبًا. السراج المنير شرح الجامع الصغير (3/237).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
وفيه: أن ابتداء السلام وإن كان سُنة أفضل من جوابه وإن كان واجبًا. وفيه: أن المَلَك أفضل من الآدمي، وفيه خلاف معروف بين أهل السنة والمعتزلة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/73).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ابتداء السلام أفضل من الرد، وإن كان الردُّ فرضًا وهذا سُنة، لكن لما كان الفرض ينبني على هذه السنة؛ كانت السنة أفضل من هذا الفرض؛ لأنه مبني عليها. شرح رياض الصالحين(3/528).
وقال النووي -رحمه الله-:
إذا مرَّ على واحد أو أكثر، وغلبَ على ظنه أنه إذا سلَّم لا يَرُد عليه، إما لِتَكَبُّر الممرور عليه، وإما لإِهماله المار أو السلام، وإما لغير ذلك، فينبغي أن يُسلِّم ولا يتركه لهذا الظنّ؛ فإنَّ السلامَ مأمورٌ به، والذي أُمِرَ به المار أن يُسلِّم، ولم يؤمر بأن يحصل الرد، مع أن الممرور عليه قد يخطئ الظن فيه ويرد.
وأما ‌قول ‌مَن ‌لا ‌تحقيق ‌عنده: ‌إن ‌سلامَ ‌المار سبب لحصول الإِثم في حقِّ الممرور عليه، فهو جهالة ظاهرة، وغباوة بيِّنة؛ فإن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها بمثل هذه الخيالات، ولو نظرنا إلى هذا الخيال الفاسد لتركنا إنكار المنكر على مَن فعله جاهلًا كونه منكرًا، وغَلَبَ على ظننا أنه لا يَنْزَجِر بقولنا، فَإِنَّ إنكارنا عليه، وتعريفنا له قُبْحَه يكون سببًا لإِثمه إذا لم يُقْلِعْ عنه، ولا شك في أَنَّا لا نترك الإِنكار بمثل هذا.الأذكار(ص: 258.
وقال الفيومي -رحمه الله-:
قال العلماء: ولو غَلَبَ على ظَنِّه أنه إذا سلَّم لا يَرُد عليه إما لِتَكَبُّر وإهمال أو لغير ذلك فلا يتركه لهذا الظن، فإن السلام مأمور به، ولم يؤمر المسَلِّم بتحصيل الرد، مع أن الظن قد يخطئ ويَرُد ذلك السلام. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (11/ 120).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا