الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«نَهَى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنْ يَطْرُقَ الرّجلُ أهلَهُ ليلًا يَتَخَوَّنُهُم، أو يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِم».


رواه البخاري برقم: (1801)، ومسلم برقم: (715) واللفظ له، من حديث جابر -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يَطْرُق»:
بضم الراء من الطّرق، وهو الإتيان ليلًا. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح، للبرماوي (6/ 248).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
وقيل: أصْلُ الطُّروقِ من الطَّرْق، وَهُوَ الدّقُّ، وسُمِّي الْآتِي باللّيل طارِقًا لحاجَتِه إلى دَقِّ البابِ. تاج العروس (26/ 65).
وقال ابن درستويه -رحمه الله-:
وقال بعضهم: قد يكون الطُّرُوق بالنهار أيضًا، وهو: المجيء بغتة على غفلة، أيَّ وقتٍ كان، واحتج بدعاء يروى عن النبي -صلى الله عليه-: «وأعوذ بك من طوارق الليل والنهار، إلا طارقًا يطرق بخير». تصحيح الفصيح وشرحه (ص: 343).

«يَتَخَوَّنُهم»:
أي: يتبع خيانتهم ونقصانهم. تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي (ص: 208).

«يَلْتَمِسُ»:
أي: يطلب. عمدة القاري، للعيني (20/ 220).

«عَثَرَاتِهم»:
جمع عَثْرَة، وهو بالمثلثة: الزَّلة. عمدة القاري، للعيني (20/ 220).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
أي: زلَّاتهم وسقطاتهم. مطالع الأنوار على صحاح الآثار (4/ 378).


شرح الحديث


قوله: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يَطْرُقَ الرَّجُل أهله ليلًا»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يطرق» أي: يأتي «الرَّجُل أهله ليلًا» أي: مفاجأة. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (20/ 300).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «ليلًا» مؤكِّد لمعنى «يَطْرُق»؛ لأن الطُّرُوق يكون بالليل، فتنبه. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (33/ 62).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الطارق: الآتي ليلًا. المفهم (3/ 766).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«لا يَطْرُق» بضم الراء من الطُّروق وهو الإتيان بالليل. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (9/ 18).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
«لا يَطْرُق» لا يأتيهم ليلًا إذا رجع من سفره. مصابيح الجامع (4/ 232).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«لا يَطْرُق» لا يأتيهم ليلًا، والطَّرْقُ: الدَّقُّ، سمي الآتي ليلًا طارقًا؛ لحاجته إلى دق الباب. شرح المصابيح (4/ 363).
وقال العيني -رحمه الله-:
لا يدخل على أهله ليلًا إذا قَدِم من سَفرٍ. عمدة القاري (10/ 134).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«لا ‌يطرق ‌أهله ‌ليلًا» أي: لا يَقْدُم عليهم مِن سفرٍ ولا غيره في الليل على غَفلة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 265).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
الطَّرْق لا يكون إلا ليلًا، وإنما قيَّده بذلك لدفع توهم التجوز. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (8/ 540).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«لا يَطْرُق» أي: لا يجيء ليلًا، بل بالنهار في أوله وفي آخره قبل الغروب، وإنما يدخل نهارًا كي يَبْلُغ خبرُ مجيئه إلى الزوجات؛ ليجعلن على أنفسهن نظافة، كي لا تنفر طباع أزواجهن منهن بترك التنظيف. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 381).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيُكْرَهُ قدوم الليل على الأهل، ظاهرُه ولو قدّم إليهم الخبر بقُدومه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 502).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
كراهية أن يهْجُم منها على ما يقبح عنده اطلاعه عليه، فيكون سببًا إلى شنآنها وبُغضها، فنبَّههم -عليه السلام- على ما تَدُوم به الألفة بينهم، ويتأكد به المحبة، فينبغي لمن أراد الأخذ بأدب نبيِّه أن يتجنب مباشرة أهله في حال البذاذة وغير النظافة، وألا يتعرض لرؤية عورة يكرهها منها. شرح صحيح البخاري (4/ 452).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وفي هذا من التنبيه على رعاية المصالح الجزئية في الأهل، والإرشاد إلى مكارم الأخلاق، وتحسين المعاشرة ما لا يخفى؛ وذلك: أن المرأة تكون في حالة غَيْبَة زوجها على حالة بذاذة، وقلَّة مبالاة بنفسها، وشَعَثٍ، فلو قَدِمَ الزوج عليها وهي في تلك الحال ربما نَفَر منها، وزَهِدَ فيها، وهانت عليه؛ فنبه على ما يزيل ذلك. المفهم (4/ 219، 220).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
لئلا يجد منها ريحًا أو حالة يكرهها، فيكون ذلك سببًا إلى بغضها، وهذا من حسن أدبه. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (24/ 214).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
(نهى) عن أن يَطْرُق الرجل أهله؛ لأن ذلك إذا لم يتقدم إليهم خبره؛ لئلا يستغفلهم ويرى منهم ما يكرهه. المفهم(4/ 220).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال ابن أبي جمرة: ‌فيه ‌النهي ‌عن ‌طروق ‌المسافر أهله على غِرَّة من غير تَقَدُّم إعلام منه لهم بقدومه. فتح الباري (9/ 340).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
لئلا يطَّلع منها على ما يكون سببًا لنُفْرَته منها، وإما أن يجدها على حالة غير مُرضية، والشرع محرِّض على السِّتر، وقد أشار إلى ذلك بقوله: «أن يتخونهم ويتطلب عثراتهم»، فعلى هذا مَن أَعْلَم أهله بوصوله، وأنه يقدم في وقت كذا مثلًا لا يتناوله هذا النهي. فتح الباري (9/ 340).
وقال المناوي رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وقول ابن حجر: أو يجدها على حالة غير مرضية، والشرع أمرنا بالستر وعدم تطلب العثرات غير مرضي؛ إذ على الإنسان شرعًا وحميةً وأنفةً ومروءةً أن يتفحّص عن أهل بيته، فإنْ عَثَرَ على ريبة حَرِصَ على إزالة مقتضيها، ولا يقول عاقل فضلًا عن عالم فاضل: إنَّ الإنسان ينبغي له التغافل عن أهل بيته، وإهمال النظر في دواخل أحوالهم؛ ليتمكَّنوا مِن فعل ما شاؤوا من ضروب الفساد، ويستمر ذلك مستورًا عليه، واستكشافه لأحوالهم لا ينافي الستر المطلوب، فإنه إن رأى ريبة كتَمَها، وفارق أهله، أو أدَّبَ سرًّا، وحَسَم طريق الفساد. فيض القدير (1/ 289).
وقال النووي -رحمه الله-:
وإذا كان في قَفْلٍ عظيم أو عَسكر ونحوهم، واشتهر قُدومهم ووصولهم، وعَلِمَت امرأتُه وأهله أنه قادم معهم، وأنهم الآن داخلون، فلا بأس بقدومه متى شاء؛ لزوال المعنى الذي نهي بسببه؛ فإن المراد أن يتأهبوا وقد حصل ذلك، ولم يقدم بغتة، ويؤيد ما ذكرناه ما جاء في الحديث الآخر: «أَمْهِلوا حتى نَدْخُل ليلًا -أي: عِشَاء-؛ كي تمتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وتَسْتَحِدَّ الْمُغِيْبَةُ» فهذا صريح فيما قلناه، وهو مفروض في أنهم أرادوا الدخول في أوائل النهار بغتة، فأمرهم بالصبر إلى آخر النهار؛ ليبلغ قدومهم إلى المدينة، وتتأهب النساء وغيرهن، والله أعلم. شرح مسلم (13/ 71-72).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
فأما مَن كان سفرهُ قريبًا تَتَوقَّع امرأتُه إتيانه ليلًا فلا بأس، كما قال في إحدى هذه الروايات: «إذا أَطَال الرَّجُل الغَيْبَة». شرح مسلم (13/ 71).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
فمَن أَعْلَم أهله بوصوله، وأنه يَقْدُم في وقت كذا مثلًا، لا يتناوله هذا النهي. كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (14/ 55).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
أما إذا كانت الغَيبة قصيرة، وهم يعلمون وقت رجوعه فقد زال المحظور، وكذلك إذا أَعْلَمَها بالهاتف عن موعد وصوله. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (5/ 417).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
والنهي فيه للتنزيه لا للتحريم؛ وذلك لئلا يكون فيه تطَلُّب عثراتها، أو كشف أستارها. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (6/ 248).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
لا ينبغي له أن يفاجئها بوصوله، حتى ولو كان بالنهار؛ لنفس الحكمة التي أشار إليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (7/ 49).

قوله: «يَتَخَوَّنُهُم، أو يَلْتَمِسُ عَثَراتِهِم»:
قال ابن بطال -رحمه الله-:
«يَتَخَوَّنُهُم..»: بيَّن النبي -عليه السلام-، بهذا اللفظ المعنى الذي مِن أَجله نهى عن أن يَطرُق أهله ليلًا. فإن قيل: وكيف يكون طروقه أهله ليلاً سببًا لتخونهم؟ قيل: معنى ذلك -والله أعلم-: أن طروقه إياهم ليلًا هو وقت خلوة وانقطاع مراقبة الناس بعضهم بعضًا، فكان ذلك سببًا لسوء ظن أهله به، وكأنه إنما قصدهم ليلًا ليجدهم على ريبة حين توخَّى وقت غِرَّتِهم وغفلتهم. ومعنى الحديث: النهي عن التجسس على أهله، وألا تحمله غيرتُه على تهمتها إذا لم يأنس منها إلا الخير. شرح صحيح البخاري (7/ 369).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«يَتَخَوَّنُهُم» أي: يتجسس خيانتهم، ويكشف عَوراتِهم، ويبحث هل خانوا أم لا؟ ومعنى هذه الروايات كلها أنه يُكرهُ لمن طال سَفرهُ أن يَقدم على امرأته ليلًا بغتة، «أو» قال محارب بن دثار: «يلتمس عثراتهم» أي: هفواتهم وزلاتهم، بدل «يَتَخَوَّنُهُم»، والشّك من سفيان الثوري فيما قال محارب. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (20/ 300).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
«يَتَخَوَّنُهُم» قيل: يطلب غفلتهم، وقيل: ينتقصهم بذلك، وقيل: يطَّلع منهم على خيانة. مطالع الأنوار على صحاح الآثار (2/ 482).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
«يَتَخَوَّنُهُم» أي: يتَتَبَّع خيانتهم ونقصانهم. كشف المشكل (3/ 24).
وقال النووي -رحمه الله-:
يظنُّ خيانتهم، ويكشف أستارهم، ويكشف هل خانوا أم لا؟ شرح مسلم (13/ 71).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
أي: ينسبهم إلى الخيانة. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (19/ 172).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
التَّخَوُّنُ: أن يَظُن وقوع الخيانة له من أهله، و«عثراتهم» بفتح المهملة والمثلثة جمْع عَثْرَة: وهي الزَّلَّة. نيل الأوطار (6/ 254).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
خشية أن ‌يَتَخَوَّنَهُم ويطلب عثراتهم، لا سيما إذا طالت غَيْبَتُه، فإنه يبْعُد مراقبتها، وتكون يائسة من رجوعه إليها، فيجد الشيطان سبيلًا إلى إيقاع سوء الظن. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (25/ 158).
وقال العيني -رحمه الله-:
وذلك لئلا يكون كمن يتطلَّب عثراتها، أو يريد كشف أَستارها. عمدة القاري (10/ 135).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
يعني: كأنه يتجسس عليهم، ويريد أن يطَّلع على شيء، أو يتَّهِمَهم بالخيانة، وهذا لا ينبغي أن يكون. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم(5/ 417).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
واعلم أنَّ الشَّرع كما يَكْرَهُ الدّياثةَ، كذلك يكره التَّجَسُّس أيضًا، فللنهي عن التطرُّق مَحلّ، وكذا للنهي عن الدّياثةِ أيضًا مَحَلٌّ آخَر. فيض الباري شرح البخاري (7/ 37).


ابلاغ عن خطا