الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«فَرَضَ رسول اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- زكاة الفطْرِ طُهْرَةً للصائِمِ من اللَّغْوِ والرَّفَثِ، وطُعْمَةً للمساكينِ، مَنْ أدَّاهَا قبلَ الصلاةِ فهي زكاةٌ مقبولَةٌ، ومَنْ أدَّاهَا بعد الصلاةِ فهي صدقةٌ مِن الصَّدقاتِ».


رواه أبو داود برقم: (1609)، وابن ماجه برقم: (1827)، والحاكم في المستدرك برقم: (1488)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
 صحيح الجامع برقم: (3570)، إرواء الغليل برقم: (843). 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«فَرَضَ»:
أي: أَوْجَب وأَلْزَمَ، وقيل: قدَّر. شرح السيوطي على مسلم (3/ 55).
وقال ابن الأثير-رحمه الله-:
وأصلُ الفَرْض: القَطْع...، وهو والواجبُ سِيَّان عند الشَّافعيِّ، والفَرْض آكدُ مِن الواجِبِ عند أبي حنيفةَ، وقيل: الفَرْض ها هنا بمعنى التَّقْدِيرِ: أي: قَدَّر صدقةَ كُلِّ شيءٍ وبَيَّنه عن أَمْر اللَّهِ تعالى. النهاية، لابن الأثير (3/ 432).

«زكاةَ الفِطْرِ»:
هي إعطاء مسلمٍ فقيرٍ لِقُوتِ يوم الفِطر، صاعًا مِن غَالِب القُوْتِ، أو جُزْأَهُ المسمَّى للجزء المقصور وجوبه عليه. شرح حدود ابن عرفة، للرصاع (ص: 78).
وقال ابن الأثير-رحمه الله-:
وأصل الزكاة في اللُّغة: الطهارةُ والنَّماءُ والبَركةُ، وكُلُّ ذلك قد اسُتْعمل في القُرآن والحديث. النهاية في غريب الحديث (2/ 307).

«طُهْرَةً»:
بضمّ الطاء، وسكون الهاء، أي: تطهيرًا لذُنوبه. شرح المصابيح، لابن الملك(2/ 431)، وكفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه، للسندي (1/ 560).

«الرَّفَث»:
الجِماع، والرَّفَثُ أيْضًا: الْفُحْشُ، وكلام النساء في الجِماعِ، تَقُولُ مِنْهُ: رَفَثَ الرَّجُلُ وَأرْفَثَ. النظم المستعذب، للركبي(1/ 158).

«اللَّغوُ»:
الباطِلُ، يُقالُ: لَغا يَلْغُو: إذا قال باطِلًا، وكذلكَ لَغْوُ اليَمِينِ.النظم المستعذب، للركبي (1/ 158).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
هو اللغو مِن الكلام ما لا يُعتَدُّ به، وهو الذي يُورَدُ لا عن رويَّة وفكر، فيجري مجرى اللَّغَا، وهو صوت العصافير. الكاشف عن حقائق السنن(7/ 2118).

«طُعْمَةً»:
بِضَمِّ الطَّاءِ، وهو الطعام الذي يُؤكَل. نيل الأوطار (4/ 218).
وقال ابن بطال الركبي-رحمه الله-:
والطُّعْمة: المَأْكَلَةُ، يُقال: جعلت ‌هذه ‌الضَّيْعَةَ ‌طُعْمَةً ‌لفلان، والطُّعمة أيضًا: وَجْهُ الْمَكْسَبِ، يُقال: فلان عفيفٌ الطُّعمة، وخبيث الطُّعمة، أي رديء المَكْسبِ. النظم المستعذب، للركبي (1/ 158).


شرح الحديث


قوله: «فَرَضَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «فَرَضَ» أي: أَوْجَبَ...، وما أوْجَبَه فَبِأَمْرِ الله، وما كان ينطق عن الهوى. إرشاد الساري (3/ 85).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
قوله: «فَرَضَ» في اللغة بمعنى: قدَّر، وفي الشرع: بمعنى: أَوْجَبَ، ولفظ الشارع متى دار بين مَعْنَيين شرعي وغير شرعي، تعيَّن حمله على الشرعي ما أمكن؛ إذ الغالب أنْ يتكلَّم كُل مصطلِح على ما اصطلح عليه. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 475).
وقال النووي -رحمه الله-:
اختلف الناس في معنى «فَرَضَ» هنا، فقال جمهورهم من السلف والخلف: معناه: أَلْزَمَ وأَوْجَبَ، فزكاة الفِطْرِ فرضٌ واجبٌ عندهم؛ لدخولها في عموم قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} البقرة: 43؛ ولقوله: «فَرَضَ» وهو غالب في استعمال الشرع بهذا المعنى.
وقال إسحاق بن راهويه: إيجاب زكاة الفطر كالإجماع، وقال بعض أهل العراق وبعض أصحاب مالك وبعض أصحاب الشافعي وداود في آخر أَمْرِه: إنها سنة ليست واجبة، قالوا: ومعنى «فَرَضَ» قدَّر على سبيل الندب.
وقال أبو حنيفة: هي واجبة ليست فرضًا؛ بناءً على مذهبه في الفرق بين الواجب والفرض. شرح النووي على مسلم (7/ 58).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «فَرَضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» احتج به جمهور أئمة الفتوى على أنَّ زكاة الفطر واجبة؛ فإنَّ عُرْفه الشرعي معناه: أوْجَب، وهي داخلة في عموم قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} البقرة: 43، وذهب بعض أهل العراق وبعض أصحاب مالك إلى (سُنيتِها)، وحكاه أصحاب الشامل (لابن الصباغ) والبحر (للروياني) والبيان (للعمراني) عن أبي الحسين ابن اللبان الفرضي من أصحابنا، وحكى البيهقي وابن المنذر الإجماع على وجوبها، وهو يدل على ضعف الرواية عمَن قال بسنيتها، والقائلون بأنها سُنة رأوا أنَّ «فَرَضَ» هنا بمعنى: قدَّر، وهو أصله في اللغة، كما قال تعالى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} البقرة: 236.
«زكاة الفِطر» بكسر الفاء، وهذِه اللفظة مولَّدة ليست بعربية، ولا مُعرَّبة، بل اصطلاحية، وهي من الفطرة التي هي الخِلْقة. شرح سنن أبي داود (7/ 588).

قوله: «زكاةَ الفطْرِ»:
قال الزمخشري -رحمه الله-:
صدقة الفِطر زكاة مفروضة، إلا أنَّ بينها وبين الزكاة المعهودة أنَّ تلك تجب طُهرة للمال، وهذه طُهْرة لِبَدَنِ المؤَدِّي كالكفارة. الفائق في غريب الحديث (2/ 119).
وقال النفراوي -رحمه الله-:
يقال لها: صدقة الفطر، ويقال لها: الفِطْرة بكسر الفاء، أو الخِلْقة، فتكون على حذفِ مضاف، أي: زكاة الخِلْقة...، وفُرضت في ثانية الهجرة، سَنَة فرض صوم رمضان، وسبب مشروعيتها؛ لتكون طهرة للصائم من اللغو والرفث، وللرفق بالفقراء في إغنائهم عن السؤال في هذا اليوم. الفواكه الدواني (1/ 347).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «زكاة الفِطر» بكسر الفاء، ويقال لها: زكاة رمضان، وزكاة الصوم، وصدقة الرؤوس، وزكاة الأبدان. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 317).
وقال العيني -رحمه الله-:
«زكاة الفطر» أي: صدقة النفوس، والفطرة: أصل الخِلْقة، وقيل: هو اسمها على لسان صاحب الشرع أضافها للتعريف، وقيل: إلى سبب وجوبها، وقيل: إلى وقت وجوبها، ويقال فيها: زكاة رمضان، ويصح أن يُقال: زكاة الصوم؛ فإنها شهرة له. شرح أبي داود (6/ 318).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «زكَاةُ الْفِطْرِ» فأضافَها إلى الوقت، أعني وقت وجوبها، واختلف العلماءُ في ذلك الفِطْر ما هو؟ فقيل: هو الفِطْر عند غُروب الشَّمس من آخر رمضان، وقيل: هو عند طلوع الفَجْرِ؛ لأنَّه الفِطْر الذي يتعيَّن بعد رمضان، فأمَّا الذي قبله من الليل فقد كان في رمضان، وإنَّما فطر رمضان هو ما يكون بعدَهُ بما يختم به. المسالك في شرح موطأ مالك (4/ 136).
وقال المازري -رحمه الله-:
وفي قوله: «زكاة الفطر» تنبيهٌ على قول مَن يرى أنَّها لا تجب إلا على مَن صام ولو يومًا من رمضان، وكأنَّ سَالِكَ هذه الطريقة رأى أنَّ العبادات التي تَطُولُ ويشقُّ التحرُّز فيها من أمور توقع فيها نقصًا جعل الشرع فيها كفارة من المال عوضًا عن التقصير، كالهدايا في الحج لمن أدخل فيه نقصًا يُكَفِّره بالهَدْيِ، وكذلك الفِطرة كفارة لما يكون في الصوم، وقد وقع في بعض أحاديثها أنه قال: «تطهيرًا من اللغو والرَّفث».
واختلف الناس أيضًا في إخراجها عن الصبيِّ؛ إذ لا إثم عليه، فمَن قال: لا تجب عليه جَنَحَ إلى الطريقة التي ذكرنا، وأنَّ علَّتها التطهير، وهو لا إثم عليه.
وحُجَّتنا على مَن لم يُوجِبها في مال الصبي ما وقع في بعض الأحاديث من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «على كل حرٍّ أو عبد صغير أو كبير»، وكأنَّه وإن كان وجه التعبد بها التطهيرَ من الآثام، فإن التعليل للغالب، وإن وجد في بعض الأحاديث ما ليس فيه تلك العلة، كما أنَّ القَصْرَ في السفر للمشقة، وإنْ وُجِدَ من لا يشق عليه ذلك، فإنه لا يخرج من جملة مَن أُرْخِص له. المعلم بفوائد مسلم (2/ 13).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
وأُضيفت هذه الزكاة إلى الفِطر؛ لأنها تجب بالفطر من رمضان. المغني (2/ 646).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقالت فرقةٌ: هي (أي: زكاة الفطر) منسوخة بالزكاة، وروَوا في ذلك أثرًا عن قيس بن سعد بن عبادة. إكمال المعلم (3/ 476).
وقال النووي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: هذا غلط صريح، والصواب أنَّها فرض واجب. شرح النووي على مسلم (7/ 58).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
قوله: «فَرَضَ» فيه دليل على أنَّ صدقة الفطر من الفرائض. عون المعبود (5/ 5).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
ثبت أنَّ رسول -صلى الله عليه وسلم- فرَض زكاة الفطر...، وأجمع عوام أهل العلم على أنَّ صدقة الفطر فرض، وممن حَفِظْنا ذلك عنه من أهل العلم: محمد بن سيرين وأبو العالية والضحاك وعطاء ومالك وأهل المدينة وسفيان الثوري والشافعي وأبو ثور وإسحاق وأصحاب الرأي، وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم. وأجمعوا على أنَّ صدقة الفطر تجب على المرء إذا أَمْكَنَهُ أداؤها عن نفسه وأولاده، والأطفال الذين لا أموال لهم، واختلفوا في الأطفال الذين لهم أموال، وكان الشافعي وأبو ثور يقولان: على الأب إخراج زكاة الفطر عنهم من أموالهم، وحكى أبو ثور ذلك عن النعمان (أبو حنيفة) ومحمد، وبه قال أحمد وإسحاق، وقال ابن الحسن: على الأب أنْ يُؤدي عنهم من أمواله، وإنْ أدَّى ذلك عنهم من أمولهم فهو ضامن. الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 61).
وقال ابن حجر -رحمه الله- مُتعقِّبًا ابن المنذر في نقل الإجماع:
وفي نقل الإجماع مع ذلك نظر؛ لأن إبراهيم بن عُلَيَّة، وأبا بكر بن كيسان الأصم، قالا: إنَّ وجوبها نُسِخ، واستُدل لهما بما روى النسائي وغيره عن قيس بن سعد بن عبادة قال: «أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصدقة الفطر قبل أنْ تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا، ولم يَنْهَنَا، ونحن نفعله».
وتُعقِّب بأنَّ في إسناده راويًا مجهولًا، وعلى تقدير الصحة، فلا دليل فيه على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول؛ لأنَّ نزول فرضٍ لا يُوجِب سقوط فرض آخر، ونَقَلَ المالكية عن أشهب أنها سُنة مؤكدة، وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية، وأوَّلوا قوله: «فَرَضَ» في الحديث بمعنى: قدَّر. فتح الباري (3/ 368).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
المشهور من مذاهب الفقهاء: وجوب زكاة الفطر؛ لظاهر هذا الحديث، وقوله: «فَرَضَ»، وذهب بعضهم إلى عدم الوجوب، وحملوا «فَرَضَ» على معنى: قدَّر، وهو أصله في اللغة، لكنه نُقل في عُرْف الاستعمال إلى الوجوب، فالحَمْل عليه أولى؛ لأنه ما اشتهر في الاستعمال فالقصد إليه هو الغالب. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 386).
وقال ابن حجر -رحمه الله- مُعلِّقًا:
ويؤيده تسميتها زكاة، وقوله في الحديث: «على كُل حُرٍّ وعَبْدٍ»، والتصريح بالأمر بها في حديث قيس بن سعد وغيره؛ ولدخولها في عموم قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} البقرة: 43، فبيَّن -صلى الله عليه وسلم- تفاصيل ذلك، ومِن جملتها زكاة الفطر، وقال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} الأعلى: 14، وثبت أنَّها نزلت في زكاة الفطر، وثبت في الصحيحين إثبات حقيقة الفلاح لمن اقتصر على الواجبات، قيل: وفيه نظر؛ لأن في الآية {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} الأعلى: 15، فيلزم وجوب صلاة العيد، ويُجاب بأنه خرج بدليل عموم «هُنَّ خمس، لا يُبَدَّلُ القول لديَّ». فتح الباري (3/ 368).
وقال المازري -رحمه الله-:
وأما زمن وجوبها فاختُلف فيه عندنا (المالكية)، فقيل: بغروب الشمس من آخر رمضان، وقيل: بطلوع الفجر من يوم الفطر، وقد قيل: ينبني الخلاف على ما وقع في هذا الحديث من قوله: «فَرَضَ زكاة الفطر من رمضان» هل المراد ها هنا الفطر المعتاد في سائر الشهر، فيكون الوجوب من الغروب، أو أراد الفطر الطارئ بعد ذلك الذي هو بطلوع الفجر من شوال، فيكون الوجوب من حينئذٍ؟. المعلم بفوائد مسلم (2/ 12- 13).

قوله: «طُهْرَةً للصَّائِمِ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«طُهْرة للصائم» أي: شرعها اللهُ لذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 318).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري: لا تجب إلا على مَن صام، واستُدل لهما بحديث ابن عباس مرفوعًا: «صدقة الفطر طُهْرة للصائم من اللغو والرفث» أخرجه أبو داود. وأُجيب: بأنَّ ذِكْر التطهير خرج على الغالب، كما أنَّها تجب على مَن لم يُذنب، كمتحقّق الصلاح، أو مَن أسلم قبل غروب الشمس بلحظة. فتح الباري (3/ 369).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وأخذ منه ابن المسيب والحسن: أنَّها لا تجب إلا على من صام، والجمهور على خلافه، وقالوا: ذِكْرُ التطَهُّر خرج مخرج الغالب. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 318).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وفي قوله: «طُهْرة للصائم» إلخ، دلالة على أنَّ بعض المعاصي تُكفِّرها الأعمال الصالحة من دون احتياج إلى توبة. البدر التمام شرح بلوغ المرام (4/ 361).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وقد عُلِّلت بأنَّها طُهْرة للصائم من الرفث واللغو، فهي واجبة على كل صائم غني ذي جِدَةٍ (غنى) ويُسْر، أو فقير يجدها فضلًا عن قُوْتِهِ؛ إذ كان وجوبها عليه بعلَّة التطهير، وكُل من الصائمين محتاجون إليها، فإذا اشتركوا في العِلة اشتركوا في الوجوب، ويُشبه أنْ يكون إنَّما ذهب مَن رأى إسقاطها عن الأطفال إلى هذا؛ لأنهم إذا كانوا لا يلزمهم الصيام فلا يلزمهم طُهْرة الصيام، فأما أكثر أهل العلم فقد أوجبوها على الأطفال إيجابها على البالغين. معالم السنن (2/ 47-48).
وقال الطيبي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
أقولُ: لعلهم نظروا إلى أنَّ عِلة الإيجاب مُرَكَّبة من الطُّهْرة والطُّعْمة، فغلَّبوا الطُّعْمة رعاية لجانب المساكين. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1501).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستُدل بقوله في حديث ابن عباس: «طُهْرة للصائم» على أنَّها تجب على الفقير كما تجب على الغني. فتح الباري (3/ 369).
وقال المازري -رحمه الله-:
واختلف الناس أيضًا في إخراجها عن الصبيّ؛ إذ لا إثم عليه، فمَن قال: لا تجب عليه جَنَحَ إلى الطريقة التي ذكرنا، وأنَّ علَّتها التطهير، وهو لا إثم عليه. وحُجَّتنا على مَن لم يُوجِبها في مال الصبي ما وقع في بعض الأحاديث من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «على كل حرٍّ أو عبد صغير أو كبير»، وكأنَّه وإنْ كان وجه التعبُّد بها التطهيرَ من الآثام، فإنَّ التعليل للغالب، وإنْ وُجِدَ في بعض الأحاديث ما ليس فيه تلك العلة، كما أنَّ القَصْرَ في السفر للمشقة، وإنْ وُجِدَ من لا يشق عليه ذلك، فإنه لا يخرج من جملة من أُرْخِص له. المعلم بفوائد مسلم (2/ 13).

قوله: «من اللغو والرَّفَثِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «من اللغو والرفث» الواقِعَيْن منه حال صومه. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 44).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«من اللغو» هو المطَّرح من الكلام السالف منه، «والرّفث»... كلمة جامعة لِكُلّ ما يريدهُ الرّجل من المرأة. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 318).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«مِن» اللهو و«اللغو» وهو الكلام الباطل. «والرّفث» وهو الكلام القبيح؛ لأنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات. شرح المصابيح (2/ 431).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
والرَّفَثُ: الكلام الذي يجري بين الرجل والمرأة تحت الِّلحاف، ثم كَثُر حتى استُعمل في كل كلام قبيحٍ. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1501).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قال العلماء: كأنَّ سَبَبَه أنَّ العبادات التي تطول ويشقُّ التحرز عن الأمور التي يفوت كمالها جعل الشارع فيها كفارة مالية؛ جبرًا لما يحصل في العبادة من النقص، كالهَدْيِ في الحج، وقال وكيع: زكاة الفطر لرمضان كسجدتي السهو للصلاة، تَجْبُر نقصان الصوم، كما يجبر السجود نقصان الصلاة. شرح سنن أبي داود (7/589- 590).

قوله: «وطُعْمَةً للمساكينِ»:
قال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «وطُعْمة» بضمّ الطّاء، وهو الطعام الذي يؤكل. نيل الأوطار (4/ 218).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وطُعْمة» بضم الطاء، أي: طعام للفقراء، و«وللمساكين» ظاهرٌ أنهما مَصْرِفَاها، لا غيرهما من سائر أنواع مصارف الزكاة. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 318).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وطُعْمة للمساكين» أي: ليكون قُوْتُهم يوم العيد مُهَيَّئًا؛ تسويةً بين الفقير والغني في وِجْدَان القُوْتِ ذلك اليوم. مرقاة المفاتيح (4/ 1299).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«وطُعْمة للمساكين» يعني: يطعمونها يوم العيد، ويأكلون ويشربون مع الناس، ويكون العيد عيدًا للجميع؛ ولهذا قال العلماء: إنَّ الأفضل من أصناف زكاة الفطر ما كان أسهل مُؤْنَةً مثل التمر؛ التمر إذا أعطيتَه الفقير أكله مباشرة، ولكن إذا كان التمر ليس بالشيء المفضّل عند الفقير، ويُفَضِّل عليه الأرز مثلًا فإنَّ الأرز يكون أولى. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ (3/ 94).

قوله: «مَنْ أدَّاهَا قبلَ الصَّلاةِ فهي زكاةٌ مقبولَةٌ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«مَن أداها» أي: أخرجها إلى مستحقِّيها «قبل الصلاة» للعيد «فهي زكاة مقبولة» أي: مُثاب عليها. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 44).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«مَن أداها قبل الصلاة» أي: قبل صلاة العيد....،«فهي زكاة مقبولة» لعل المراد بالزكاة هنا العمل الصالح، كما تقدَّم في قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} المؤمنون: 4؛ ولهذا حكَم الشارع فيها بالقبول من الله، وهذا يدل على أنَّ العبادات الموسَّعة إذا فُعلت في أول وقتها كانت مقبولة، كالصلاة على أول وقتها، والحج في أول زمان الاستطاعة، والزكاة أول وقت وجوبها، ونحو ذلك. شرح سنن أبي داود (7/ 590).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «فمَن أدَّاها قبل الصلاة» أي: قبل صلاة العيد، قوله: «فهي زكاة مقبولة» المراد بالزكاة صدقة الفطر. نيل الأوطار (4/ 218).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وقوله: «ومَن أدَّاها قبل الصلاة» هل هو من كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو هو استنباط من ابن عباس؟ يحتمل أيضًا، لكن الظاهر أنَّه من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بدليل قوله في حديث ابن عمر: «وأَمَرَ بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة». فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 95).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«فهي زكاة» أي: صدقة «مقبولة» أي: يقبلها الله تعالى كمال القبول؛ لأن الصائم بادر بها، وسبق إليها. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (6/ 431).

قوله: «ومَنْ أدَّاهَا بعدَ الصَّلاةِ فهي صدقةٌ من الصَّدقاتِ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ومَن أدَّاها بعد الصلاة» أي: بعد صلاة عيد الفطر، أي: في يوم العيد، «فهي صدقة من الصدقات» التي يتصدَّق بها الآدمي، وأَمْرُ القبول فيها موقوف على مشيئة الله، وأما تأخيرها عن يوم العيد فحرام بالاتفاق؛ لأنها زكاة، فيجب أنْ يكون في تأخيرها إثم، كما في إخراج الصلاة عن وقتها. شرح سنن أبي داود (7/ 590).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «فهي صدقة من الصدقات» يعني: التي يتصدَّق بها في سائر الأوقات، وأَمْر القبول فيها موقوف على مشيئة الله تعالى. نيل الأوطار (4/ 218).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ومَن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» له أجرها كأجرها، وليس له أجرُ هذه القُرْبة الخاصَّة. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 318).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
والظاهر: أنَّ مَن أخرج الفطرة بعد صلاة العيد كان كمَن لم يخرجها؛ باعتبار اشتراكهما في ترك هذه الصدقة الواجبة، وقد ذهب أكثر العلماء إلى أنَّ إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مستحَب فقط، وجَزَمُوا بأنها إلى آخر يوم العيد، والحديث يَرُدُّ عليهم. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (10/ 530-531).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه: بيان أنَّ صدقة الفطر فرضٌ واجب، كافتراض الزكوات الواجبة في الأموال. وفيه: أنَّ ما فَرَضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو كما فَرَضَه الله تعالى في كتابه؛ لأن طاعته صادرة عن طاعته.... (و) فيه من الفقه: أنَّ وجوب زكاة الفطر وجوب فَرْض، لا وجوب استحباب... وفيه: دليل على أنها واجبة على مَن مَلَكَ مائتي درهم أو لم يملكها، وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فقال أصحاب الرأي: مَن حلَّت له الصدقة فلا تجب عليه صدقة الفطر، والحد في ذلك عندهم مِلْكُ المائتين.معالم السنن (2/48-49).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه: دليل على وجوبها؛ لقوله: «فَرَضَ» كما سلف. ودليل على أنَّ الصدقات تُكفِّر السيئات. ودليل على أنَّ وقت إخراجها قبل صلاة العيد، وأنَّ وجوبها مؤقَّت، فقيل: تجب من فجر أول شوال؛ لقوله: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم»، وقيل: تجب من غروب آخر يوم من رمضان؛ لقوله: «طُهْرة للصائم»، وقيل: تجب بمضي الوقتين؛ عملًا بالدليلين. سبل السلام (1/ 540).
وقال السندي -رحمه الله-:
والحديث يدل على أنَّه ينبغي المبادرة في أداء صدقة الفطر قبل الصلاة. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 560).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
في هذا الحديث: بيان الحكمة مِن فرض زكاة الفطر، وأنها تتضح في شيئين، هما: طُهْرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعْمة للمساكين.
ومن فوائده: أنه لا بد أنْ تُصرف زكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة؛ لقوله: «فمَن أداها...» إلخ.
ومن فوائده: أنَّ العبادات المؤقَّتة إذا أُديت بعد خروج الوقت فإنها لا تُقبل؛ لقوله: «ومَن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات»، إلا إذا كان لعذر فإنها تُقْبل؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن نام عن صلاة أو نسيَها فليصلها إذا ذكرها»، وهذه قاعدة ينبغي أن تعرفها أيها الطالب: كُل عبادة مؤقتة لا تصح بعد خروج وقتها إلا لعذر، كما أنها لا تصح قبل دخول الوقت، فلو صلى الظهر قبل الزوال لا تصح صلاته، وعليه أن يعيدها بعد الزوال، وإذا صلى بعد أن يصير ظل كل شيء مثله بغير عذر لم تصح؛ لأنه أدَّاها بعد خروج الوقت، إلا لعذر فليصلها إذا ذكرها.
ومن فوائد الحديث: أنَّه يُشترط لقبول العبادات موافقة الشرع؛ لقوله: «فمَن أدَّاها قبل الصلاة...» إلخ، وهذا له قاعدة وهي: أنَّ الأعمال تنقسم إلى مقبول وغير مقبول، وأن المقبول: ما وافق الشرع، وأنه يشترط لكل عبادة أنْ تكون موافقة للشرع في ستة أشياء، وهي تقسيم الأعمال إلى مقبول ومردود؛ لقوله: «فهي زكاة مقبولة».
ومنها أيضًا: أنَّ الإنسان إذا نوى عبادةً نية مرتبة من أمرين فبطل أحد الأمرين بقي الآخر، الآن هذا الرجل أدى زكاة الفطر بعد صلاة العيد، يريد أن تكون صدقة فِطْرٍ، لُغِيَ كونها صدقة فطر، فبقي وصف الصدقة، فصارت صدقة من الصدقات، وقد أخذ العلماء من ذلك قاعدة -من جملة الضوابط والقواعد- فقالوا: وينقلب نفلًا ما بان عدمه؛ يعني: ما بان عدم فريضته فينقلب نفلًا، مثل: أنْ يؤدي زكاة ما لا يظن أنه قد بلغ النصاب، فلم يبلغ النصاب، فتكون نفلًا صدقة من الصدقات.
ومثل: أن يصلي فيتبين أنه صلى قبل الوقت، فتكون نفلًا ولا تنفعه، ومثل هذا الحديث: «من أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات». إذن: ينقلب الفرض نفلًا ما بان عدمه، أي: إذا تبين أنه لا يمكن أن يكون فرضًا فإنه يكون نفلًا.
ومن فوائد الحديث: تحريم تأخير زكاة الفطر إلى ما بعد الصلاة، وجْهُهُ: أنها لا تُقبل بعد الصلاة، فإذا لم تُقبل لم يكن قائمًا بالفرض، وإذا لم يكن قائمًا بالفرض صار آثمًا، وصار ذلك حرامًا عليه، ولكن الفقهاء الذين قالوا: إنها تُقبل بعد صلاة العيد في يومه وتكون مكروهة، وبعد يوم العيد تكون حرامًا، فعندهم: أن وقت الدفع يكون واجبًا وجائزًا وحرامًا ومكروهًا، تجب قبل صلاة العيد، ويُستحب يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز قبل العيد بيوم، ويُكره في يوم العيد، ويحرم بعده، فعندهم أنَّ إخراج زكاة الفطر تُجْزِئ فيه الأحكام الخمسة، والصواب: أنَّه ليس فيه إلا جائزًا ومستحبًا فقط، وأنَّ ما بعد الصلاة فحرام، سواء في يوم العيد أو قبله.
ويُستفاد من الحديث: سموُّ الشريعة، وأنها لا تُوجِب الشيء إلا لحكمة؛ لِتَبْيِيِنِهِ العلة في وجوب زكاة الفطر. هل يؤخذ من هذا الحديث: وجوب إطعام الجائع؛ لقوله: «طعمة للمساكين؟» إذا كانت العلة موجبة للفريضة صارت عامة، فكلما احتاج الفقراء إلى طعام وجب علينا إطعامهم، وهل هو فرض عين أو فرض كفاية؟ إذا وُجِدَ شخص يُطْعِمُ هؤلاء المساكين الجياع، فإنه لا يجب علينا إطعامهم؛ لأنه فرض كفاية. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 95-96).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وفيه: دليل على أنَّ الفِطْرة تُصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة، كما ذهب إليه الهادي والقاسم وأبو طالب، وقال المنصور بالله: هي كالزكاة فتُصرف في مصارفها، وقوَّاه المهدي. نيل الأوطار (4/ 218).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وفيه: دلالة ظاهرة على أنَّ الطُّهْرة على الأغنياء من الصائمين، والطُّعمة للفقراء والمساكين، كما هو مقتضى التقسيم، سيما على مذهب الشافعي في تعريف المسكين. مرقاة المفاتيح (4/ 1299).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه: دليل للشافعي ومالك والجمهور على أنَّه يُستحب إخراجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد؛ ليستغني بها المساكين عن السؤال في يوم سرور المؤمنين. شرح سنن أبي داود (7/ 590).


ابلاغ عن خطا