«لا تَسُبُّوا الرِّيح؛ فإنَّها مِن رَوْحِ اللهِ تَأْتي بالرَّحمةِ والعذابِ، ولكنْ سَلُوا اللهَ مِن خَيرها، وتَعَوَّذُوا باللَّه مِن شَرِّها».
رواه أحمد برقم: (7413)، وابن ماجه برقم: (3727) واللفظ له، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (7316)، مشكاة المصابيح برقم: (1516).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«لا تَسُبُّوا»:
أي: لا تشتموا. فيض القدير، للمناوي (6/ 399).
«الرِّيح»:
هي نَسِيم الهواءِ، وكذلك نسيم كلِّ شيءٍ، وهي مُؤنَّثةٌ. لسان العرب، لابن منظور (2/ 455).
وقال محمود عبد الرحمن -حفظه الله-:
والريح: الهواء المسيَّر بين السماء والأرض...، ويُستخدم لفظ الرياح في الرحمة، ولفظ (الريح) في العذاب. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (2/ 193).
«رَوْحِ الله»:
«الرِّيح من رَوْح الله» أي: من رحمته بعباده. النهاية، لابن الأثير(2/ 272).
شرح الحديث
قوله: «لا تَسُبُّوا الرِّيح»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«لا تَسُبُّوا الرِّيح» أي: لا تَشتمُوها. فيض القدير (6/ 399).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«لا تَسُبُّوا الريح» ولا تَعِيبُوها. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/ 98).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «الرِّيح» أي: الهواء المسخَّر بين السماء والأرض. مرعاة المفاتيح (5/ 201).
وقال الشافعي - رحمه الله-:
ولا يَنبغي لأحدٍ أنْ يَسب الرِّيح؛ فإنَّها خَلق الله -عزَّ وجلَّ- مُطيعٌ، وجُندٌ من أجناده، يجعلها رحمةً ونقمةً إذا شاء. الأم (1/ 290).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
قال ابن عباس: لا تَسبُّوها (أي: الريح)؛ فإنها تجيء بالرحمة، وتجيء بالعذاب، ولكن قولوا: اللهم اجعلها رحمةً ولا تجعلها عذابًا. الدر المنثور في التفسير بالمأثور (1/ 399).
وقال سليمان بن عبد الله آل الشيخ -رحمه الله-:
قوله: «لا تَسُبُّوا الريح» أي: لا تَشتموها ولا تَلعنوها؛ للُحُوق ضررٍ فيها؛ فإنها مأمورةٌ مقهورةٌ، فلا يجوز سبُّها ، بل تَجب التوبة عند التَضَرُّر بها، وهو تأديب من الله تعالى لعباده، وتأديبه رحمةٌ للعباد، فلهذا جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «الرِّيح مِن رَوْحِ اللهِ تَأْتي بالرَّحمةِ والعذابِ، فلا تَسُبُّوها، ولكنْ سَلُوا اللهَ مِن خَيرها، وتَعَوَّذُوا باللَّه مِن شَرِّها»... وكونها قد تأتي بالعذاب لا ينافي كونها مِن رحمة الله. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ رجلًا لعنَ الرِّيح عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «لا تَلعَنوا الرِّيح؛ فإنَّها مأمورةٌ، وإنَّه مَن لعنَ شيئًا ليس له بأهلٍ رجَعت اللعنةُ إليه». تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد (ص:581).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
لأنها مُسخَّرة مُذلَّلة فيما خُلقت له. دليل الفالحين (8/ 545).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فلا تسبُّوها؛ لأنها مأمورة، ولا ذَنْب لها. التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 105).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فإنَّ المأمور معذور. مرقاة المفاتيح (3/ 1117).
قوله: «فإنَّها مِن رَوْحِ اللهِ»:
قال النووي -رحمه الله-:
قلتُ: قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مِن رَوْح الله» هو بفتح الراء، قال العلماء: أي: من رحمة الله بعباده. الأذكار (ص: 179).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فإنَّها مِن رَوْحِ الله» قيل: الرَّوح النَّفْس والفَرَج والرَّحمة، فإن قيل: كيف يكون الرِّيح من رحمته مع أنها تَجيءُ بالعذاب؟ قلتُ: إذا كان عذابًا لِلظَّلَمة فيكون رحمةً للمؤمنين، وأيضًا الرَّوح بمعنى: الرائح، أي: الجائي من حضرة الله بأَمْره، تارةً للكرامة، وأخرى للعذاب، فلا يُسب؛ فإنَّه تأديبٌ، والتأديب حَسَن. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 404).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «الريح من رَوْح الله تعالى» ذَكَر في شرح السُّنة: أن قوله: «الريح من رَوْح الله تعالى» أي: من رحمة الله تعالى، فذَكَر هذا القَدْرَ، واقتصر عليه. والريح كيف تكون من رحمة الله تعالى مع أنه تجيء بالعذاب؟ جواب هذا الإشكال: أن الريح إذا جاءت لعذاب قوم؛ فذلك العذاب يكون رحمة للمؤمنين خلصوا من أيدي الكفار الذين أهلكوا بالريح. ويحتمل أن تكون الرَّوْح هنا مصدرًا بمعنى الفاعل، كـ عَدْل بمعنى: العادل، وحينئذٍ يكون معناه: مِن رائح الله؛ أي: من الأشياء التي تجيء من حضرة الله بأمر الله كالمطر والحرارة والبرودة وغير ذلك، فتارة تجيء للراحة بأمر الله، وتارة تجيء للعذاب بأمر الله تعالى، فإذا كان مجِيْئُها بأمر الله، فلا يجوز سَبُّها؛ بأن يلحق منها ضرر إلى أحد، بل ليتوب ذلك الأحد؛ بل جميع الناس إلى الله تعالى، ويستعيذون به من عذابه. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 378).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فإنَّها» أي: فإن الرِّيح «مِن رَوْح الله» تعالى ورحمته لعباده، والرَّوْح -بفتح الراء -: الرَّحمة؛ كما في قوله تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف: 87؛ أي: يُرسلها تعالى من رحمته لعباده. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/98-99).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«مِن رَوْح الله» قيل: الرَّوْح بفتح الراء: النَّفس الفَرَج والرَّحمة، أي: من رحمته تعالى يُرِيْحُ بها عباده، ومنه قوله تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} الواقعة:89، وقوله: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} يوسف:87. مرعاة المفاتيح (5/ 201).
قوله: «تَأْتي بالرَّحمةِ والعذابِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«فإنها من رَوْح الله» أي: رحمة لعباده، «تأتي بالرحمة» أي: بالغيث والرَّاحة والنَّسيم، «والعذاب» بإتلاف النبات والشَّجر، وهلاك الماشية، وهدم البناء، فلا تَسُبُّوها؛ لأنها مأمورةٌ فلا ذنب لها. فيض القدير (6/ 399).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«تأتي بالرحمة» مِن إنشاء سَحابٍ ماطِرٍ مثلًا؛ لمن أراد الله تعالى أن يرحمه، «وبالعذاب» لمن أراد أن يهلكه. مرعاة المفاتيح (5/ 201).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«تأتي بالرحمة» والبِشارة في حق المؤمن، «و» تأتي بـ«العذاب» في حق الكافر. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/98-99).
قوله: «ولكنْ سَلُوا اللهَ مِن خَيرها»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«ولكن سَلُوا الله من خيرِها» الذي تأتي به. فيض القدير (6/ 399).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «ولكن سَلُوا الله» تعالى «مِن خيرها» ونفْعِها كالمطر. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/ 99).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«وسلُوا الله» ورُويَ «واسْأَلوا» «مِن خيرها» أي: خيرِ ما أُرْسِلت به. مرعاة المفاتيح (5/201).
قوله: «وتَعَوَّذُوا باللَّه مِن شَرِّها»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وتَعَوَّذُوا بالله من شَرِّها» المقدَّر في هُبوبِها، أي: اطلبوا الْمَعَاذ والملاذ منه إليه...، وقال مُطَرِّف: لو حُبِسَت الرِّيح عن الناس لَأَنْتَن ما بين السماء والأرض. فيض القدير (6/ 399).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«وتعَوَّذُوا» أي: استعيذوا واعتصموا «بالله» تعالى «من شرِّها» وضررها كالهدم للبيوت، والإتلاف للزروع ببَرْدِها، أي: اسألوا الله مِن خير ما أُرْسِلَت به، واستعيذوا بالله من شر ما أُرْسِلَت به. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/ 99).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ولكن سلُوا الله مِن خيرها، وتَعَوَّذُوا بالله من شَرِّها»؛ فإنَّها جندٌ من أجناد الله يأتي بالخير والشَرِّ، فلا يجوز سبُّها، بل ينتقل إلى سؤال مَن أرسلها؛ طلبًا لخيرِها، وإعاذةً مِن شرها. التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 105).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«وعُوذُوا به»... مِن التعويذ، يقال: عوَّذَ الرَّجلَ إذا دعا له بالحفظ، وقال له: أُعيذُك بالله، ولفظ أبي داود -رحمه الله-: «استعيذوا»، وابن ماجه -رحمه الله-: «تَعَوَّذُوا» يقال: تَعوَّذ واسْتَعَاذ بالله فأعاذهُ وعوَّذه أي: حَفِظَه، «من شرها» أي: من شر ما أُرسلت به. مرعاة المفاتيح (5/201).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)