الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فَرَضَ زكاةَ الفِطْرِ مِن رمضانَ على النَّاسِ، صاعًا مِن تمرٍ، أو صاعًا مِن شعيرٍ، على كُلِّ حُرٍّ أو عبدٍ، ذَكَرٍ أو أنثى، مِن المسلمينَ».


رواه البخاري برقم: (1504)، ومسلم برقم: (984) واللفظ له، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«فَرَضَ»:
أي: أَوْجَبَ وأَلْزَمَ، وقيل: قدَّر. شرح السيوطي على مسلم (3/ 55).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وأصلُ الفَرْض: القَطْع...، وهو والواجبُ سِيَّان عند الشَّافعيِّ، والفَرْض آكدُ مِن الواجِبِ عند أبي حنيفةَ، وقيل: الفَرْض ها هنا بمعنى التَّقْدِيرِ: أي: قَدَّر صدقةَ كُلِّ شيءٍ وبَيَّنه عن أَمْر اللَّهِ تعالى. النهاية(3/ 432).

«زكاةَ الفِطْرِ»:
هي إعطاء مسلمٍ فقيرٍ لِقُوتِ يوم الفِطر، صاعًا مِن غَالِب القُوْتِ، أو جُزْأَهُ المسمى للجزء المقصور وجوبه عليه. شرح حدود ابن عرفة، للرصاع(ص: 78).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:  ‌
وأصل ‌الزكاة ‌في ‌اللغة ‌الطهارة ‌والنماء ‌والبركة والمدح، وكل ذلك قد استعمل في القرآن والحديث. النهاية في غريب الحديث(2/ 307).

«صاعًا»:
الصاع: هو الذي يُكالُ به، وهو أربعة أمدادٍ، والجمع أَصْوُعٌ، وإن شئتَ أَبْدَلْتَ من الواو المضمومة همزةً، والصُّواعُ لغةٌ في الصاعِ، ويقال: هو إناء يُشرب فيه. الصحاح، للجوهري (3/ 1247).


شرح الحديث


قوله: «أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فَرَضَ»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «فَرَضَ» أي: أَوْجَبَ...، وما أوْجَبَه فَبِأَمْرِ الله، وما كان ينطق عن الهوى. إرشاد الساري (3/ 85).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
قوله: «فَرَضَ» في اللغة بمعنى: قدَّر، وفي الشرع: بمعنى: أَوْجَبَ، ولفظ الشارع متى دار بين مَعْنَيين شرعي وغير شرعي، تعيَّن حمله على الشرعي ما أمكن؛ إذ الغالب أنْ يتكلَّم كل مصطلِح على ما اصطلح عليه. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 475).
وقال النووي -رحمه الله-:
اختلف الناس في معنى «فَرَضَ» هنا، فقال جمهورهم من السلف والخلف: معناه: أَلْزَمَ وأَوْجَبَ، فزكاة الفِطْرِ فرضٌ واجبٌ عندهم؛ لدخولها في عموم قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} البقرة: 43؛ ولقوله: «فَرَضَ» وهو غالب في استعمال الشرع بهذا المعنى. وقال إسحاق بن راهويه: إيجاب زكاة الفطر كالإجماع، وقال بعض أهل العراق وبعض أصحاب مالك وبعض أصحاب الشافعي وداود في آخر أَمْرِه: إنها سنة ليست واجبة، قالوا: ومعنى «فَرَضَ» قدَّر على سبيل الندب. وقال أبو حنيفة: هي واجبة ليست فرضًا؛ بناءً على مذهبه في الفرق بين الواجب والفرض. شرح النووي على مسلم (7/ 58).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقالت فرقةٌ: هي (زكاة الفطر) منسوخة بالزكاة، ورَوَوْا في ذلك أثرًا عن قيس بن سعد بن عبادة. إكمال المعلم (3/ 476).
وقال النووي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: هذا غلط صريح، والصواب أنَّها فرض واجب. شرح النووي على مسلم (7/ 58).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
قوله: «فَرَضَ» فيه دليل على أنَّ صدقة الفطر من الفرائض. عون المعبود (5/ 5).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
ثبت أنَّ رسول -صلى الله عليه وسلم- فَرَضَ زكاة الفطر...، وأجمع عوام أهل العلم على أنَّ صدقة الفطر فَرْضٌ، وممن حَفِظْنَا ذلك عنه من أهل العلم: محمد بن سيرين وأبو العالية والضحاك وعطاء ومالك وأهل المدينة وسفيان الثوري والشافعي وأبو ثور وإسحاق وأصحاب الرأي، وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم. وأجمعوا على أنَّ صدقة الفطر تجب على المرء إذا أَمْكَنَهُ أداؤها عن نفسه وأولاده، والأطفال الذين لا أموال لهم، واختلفوا في الأطفال الذين لهم أموال، وكان الشافعي وأبو ثور، يقولان: على الأب إخراج زكاة الفطر عنهم من أموالهم، وحكى أبو ثور ذلك عن النعمان (أبو حنيفة) ومحمد، وبه قال أحمد وإسحاق، وقال ابن الحسن: على الأب أن يؤدي عنهم من أمواله، وإنْ أدَّى ذلك عنهم من أمولهم فهو ضامن. الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 61).
وقال ابن حجر -رحمه الله- مُتعقِّبًا ابن المنذر في نقل الإجماع:
وفي نقل الإجماع مع ذلك نظر؛ لأن إبراهيم بن عُلَيَّة، وأبا بكر بن كيسان الأصم، قالا: إن وجوبها نُسِخ، واستُدل لهما بما روى النسائي وغيره عن قيس بن سعد بن عبادة قال: «أمَرَنَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نَزَلَت الزكاة لم يأمرنا، ولم يَنْهَنَا، ونحن نفعله». وتُعقِّب بأنَّ في إسناده راويًا مجهولًا، وعلى تقدير الصحة فلا دليل فيه على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول؛ لأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر، ونَقَلَ المالكية عن أشهب أنها سُنة مؤكدة، وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية، وأوَّلوا قوله: «فَرَضَ» في الحديث بمعنى: قدَّر. فتح الباري (3/ 368).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
المشهور من مذاهب الفقهاء: وجوب زكاة الفطر؛ لظاهر هذا الحديث، وقوله: «فَرَضَ»، وذهب بعضهم إلى عدم الوجوب، وحملوا «فَرَضَ» على معنى: قدَّر، وهو أصله في اللغة، لكنه نُقل في عُرْف الاستعمال إلى الوجوب، فالحَمْل عليه أولى؛ لأنه ما اشتهر في الاستعمال فالقصد إليه هو الغالب. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 386).
وقال ابن حجر -رحمه الله- مُعلِّقًا:
ويؤيده تسميتها زكاة، وقوله في الحديث: «على كل حُرٍّ وعَبْدٍ»، والتصريح بالأمر بها في حديث قيس بن سعد وغيره؛ ولدخولها في عموم قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} البقرة: 43، فبيَّن -صلى الله عليه وسلم- تفاصيل ذلك، ومِن جملتها زكاة الفطر، وقال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} الأعلى: 14، وثبت أنَّها نزلت في زكاة الفطر، وثبت في الصحيحين إثبات حقيقة الفلاح لمن اقتصر على الواجبات، قيل: وفيه نظر؛ لأن في الآية {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} الأعلى: 15، فيلزم وجوب صلاة العيد، ويُجاب بأنه خرج بدليل عموم «هُنَّ خمس، لا يُبَدَّلُ القول لديَّ». فتح الباري (3/ 368).

قوله: «زكاةَ الفِطْرِ مِن رمضانَ»:
قال الزمخشري -رحمه الله-:
صدقة الفطر زكاة مفروضة، إلا أنَّ بينها وبين الزكاة المعهودة أنَّ تلك تجب طُهْرَة للمال، وهذه طُهْرة لِبَدَنِ المؤَدِّي كالكفارة. الفائق في غريب الحديث (2/ 119).
وقال النفراوي -رحمه الله-:
يقال لها: صدقة الفطر، ويقال لها: الفِطْرة بكسر الفاء، أو الخِلْقة، فتكون على حذفِ مضاف، أي: زكاة الخِلْقة...، وفُرضت في ثانية الهجرة، سَنَة فرض صوم رمضان، وسبب مشروعيتها؛ لتكون طهرة للصائم من اللغو والرفث، وللرفق بالفقراء في إغنائهم عن السؤال في هذا اليوم. الفواكه الدواني (1/ 347).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «زكاة الفِطر» بكسر الفاء، ويقال لها: زكاة رمضان، وزكاة الصوم، وصدقة الرؤوس، وزكاة الأبدان. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 317).
وقال العيني -رحمه الله-:
«زكاة الفطر» أي: صدقة النفوس، والفطرة: أصل الخِلْقة، وقيل: هو اسمها على لسان صاحب الشرع أضافها للتعريف، وقيل: إلى سبب وجوبها، وقيل: إلى وقت وجوبها، ويقال فيها: زكاة رمضان، ويصح أن يُقال: زكاة الصوم؛ فإنها شهرة له. شرح أبي داود (6/ 318).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «زكَاةُ الْفِطْرِ» فأضافَها إلى الوقت، أعني وقت وجوبها، واختلف العلماءُ في ذلك الفِطْر ما هو؟ فقيل: هو الفِطْر عند غُروب الشَّمس من آخر رمضان، وقيل: هو عند طلوع الفَجْرِ؛ لأنَّه الفِطْر الذي يتعيَّن بعد رمضان، فأمَّا الذي قبله من الليل فقد كان في رمضان، وإنَّما فطر رمضان هو ما يكون بعدَهُ بما يختم به. المسالك في شرح موطأ مالك (4/ 136).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
وأُضيفت هذه الزكاة إلى الفطر؛ لأنها تجب بالفطر من رمضان. المغني(2/ 646).
وقال المازري -رحمه الله-:
وفي قوله: «زكاة الفطر» تنبيهٌ على قول مَن يرى أنَّها لا تجب إلا على مَن صام ولو يومًا من رمضان، وكأنَّ سَالِكَ هذه الطريقة رأى أنَّ العبادات التي تَطُولُ ويشقُّ التحرُّز فيها من أمور توقع فيها نقصًا جعل الشرع فيها كفارة من المال عوضًا عن التقصير، كالهدايا في الحج لمن أدخل فيه نقصًا يُكَفِّره بالهَدْيِ، وكذلك الفطرة كفارة لما يكون في الصوم، وقد وقع في بعض أحاديثها أنه قال: «تطهيرًا من اللغو والرفث». واختلف الناس أيضًا في إخراجها عن الصبيِّ؛ إذ لا إثم عليه، فمَن قال: لا تجب عليه جَنَحَ إلى الطريقة التي ذكرنا، وأنَّ علَّتها التطهير، وهو لا إثم عليه. وحُجَّتنا على مَن لم يُوجِبها في مال الصبي ما وقع في بعض الأحاديث من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «على كل حرٍّ أو عبد صغير أو كبير»، وكأنَّه وإن كان وجه التعبد بها التطهيرَ من الآثام، فإن التعليل للغالب، وإن وجد في بعض الأحاديث ما ليس فيه تلك العلة، كما أنَّ القَصْرَ في السفر للمشقة، وإنْ وُجِدَ من لا يشق عليه ذلك، فإنه لا يخرج من جملة مَن أُرْخِص له. المعلم بفوائد مسلم (2/ 13).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
قوله: «رمضان» وفي رواية أخرى «من رمضان» قد يتعلَّق به مَن يرى أنَّ وقت الوجوب غروب الشمس من ليلة العيد، وقد يتعلَّق به مَن يرى أنَّ وقت الوجوب: طلوع الفجر من يوم العيد، وكِلَا الاستدلالين ضعيف؛ لأن إضافتهما إلى الفطر من رمضان لا يستلزم أنه وقت الوجوب، بل يقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان، فيُقال حينئذٍ بالوجوب، لظاهر لفظة «فَرَضَ»، ويؤخذ وقت الوجوب من أمر آخر. إحكام الأحكام (1/ 386).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «من رمضان» استُدل به على أنَّ وقت وجوبها غروب الشمس ليلة الفطر؛ لأنه وقت الفطر من رمضان، وقيل: وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد؛ لأن الليل ليس محلًّا للصوم، وإنما يتبيَّن الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع الفجر، والأول قول الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي في الجديد وإحدى الروايتين عن مالك، والثاني قول أبي حنيفة والليث والشافعي في القديم، والرواية الثانية عن مالك، ويقوِّيه قوله في حديث الباب: «وأَمَرَ بها أنْ تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة». فتح الباري (3/ 368).
وقال المازري -رحمه الله-:
وأما زمن وجوبها فاختُلف فيه عندنا (المالكية)، فقيل: بغروب الشمس من آخر رمضان، وقيل: بطلوع الفجر من يوم الفطر، وقد قيل: ينبني الخلاف على ما وقع في هذا الحديث من قوله: «فَرَضَ زكاة الفطر من رمضان» هل المراد ها هنا الفطر المعتاد في سائر الشهر، فيكون الوجوب من الغروب، أو أراد الفطر الطارئ بعد ذلك الذي هو بطلوع الفجر من شوال، فيكون الوجوب من حينئذٍ؟ المعلم بفوائد مسلم (2/ 12- 13).

قوله: «على النَّاسِ»:
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
قوله: «على النَّاسِ» اسم جامع لكل مَن هو من بني آدم، فلما كان هذا اللفظ عامًّا، ولم يُرِد العام، لا سيما وقد فصَّل فقال: «على كل حُرٍّ وعبدٍ، وذكرٍ وأثنى» قال بعقب ذلك: «مِن المسلمين»، فخصَّص ذلك العام، على أنَّ هذه الزيادة التي هي «من المسلمين» هي مما تفرد به مالك بن أنس؛ دون غيره ممن روى حديث زكاة الفطرة. الشافي في شرح مسند الشافعي (3/ 128).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «على الناس على كل حُرٍّ أو عَبْدٍ ذَكَرٍ أو أنثى» ففيه دليل على أنها تجب على أهل القرى والأمصار والبوادي والشِّعَاب، وكل مسلم حيث كان، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير العلماء، وعن عطاء والزهري وربيعة والليث: أنَّها لا تجب إلا على أهل الأمصار والقرى دون البوادي. شرح صحيح مسلم(7/ 59).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
قوله: «على الناس» أو على المسلمين، هذه الصيغة صيغة وجوب، إذا قيل: عليك أن تفعل كذا، يعني يجب عليك أن تفعل كذا. شرح الموطأ (57/ 15).

قوله: «صاعًا مِن تمرٍ، أو صاعًا مِن شعيرٍ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«صاعًا» نُصب على التمييز، أو بدل من زكاة، بيان لها. سبل السلام (1/ 537).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
الصاع: مكيال معروف، قدْرُه خمسة أرطال وثُلث بالعراقي، وهذا قَدْرُ صاع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: الصاع ثمانية أرطال. كشف المشكل (2/ 522).
وقال النووي -رحمه الله-:
الصاع المجْزِئُ في الفطرة عندنا: خمسة أرطال وثُلث بالبغدادي، وبه قال جمهور العلماء من المتقدمين والمتأخرين، قال الماوردي: وبه قال مالك وأبو يوسف وأحمد وفقهاء الحرمين وأكثر فقهاء العراقيين. وقال أبو حنيفة ومحمد: ثمانية أرطال، وكان أبو يوسف يقول به، ثم رجع إلى خمسة أرطال وثُلث، حين ثبت عنده أنه قدْر صاع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. المجموع شرح المهذب (6/ 143).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
الصاع: أربع أمداد، والمد: رَطْلٌ وثلث بالبغدادي، وخالف في ذلك أبو حنيفة، وجعل الصاع ثمانية أرطال، واستدل مالك بنقل الخَلَف عن السلف بالمدينة، وهو استدلال صحيح قوي في مثل هذا؛ ولما ناظرَ (أي مالك) أبا يوسف بحضرة الرشيد في المسألة رجع أبو يوسف إلى قوله؛ لمّا استدل بما ذكرناه. إحكام الأحكام (1/ 387).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
فأما (أو) في قوله: «صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير» فإنما هو للتخيير؛ لأنه مخيَّر بين الاثنين أيما شاء أَخْرَجَ. الشافي في شرح مسند الشافعي (3/ 130).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
قوله: «صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير» بيان لجنس الْمُخْرَجِ في هذه الزكاة، وقد ورد تعيين أجناسٍ لها في أحاديث متعددة أزيد مما في هذا الحديث، فمن الناس مَن أجاز جميع هذه الأجناس مطلقًا؛ لظاهر الحديث، ومنهم مَن قال: لا يُخْرج إلا غالب قُوْت البلد، وإنما ذُكِرت هذه الأشياء لأنها كلها كانت مُقْتَاتَة بالمدينة في ذلك الوقت، فعلى هذا لا يجزئ بأرض مصر إلا إخراج البُرِّ؛ لأنه غالب القوت. إحكام الأحكام (1/ 387).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وأما ذِكْر التمر والشعير خاصة: فلأنه كان أكثر قُوت القوم، وفي حديث أبي سعيد ذَكَرَ البُرَّ والزبيب والأَقِط (لبن مجفف). كشف المشكل (2/ 522).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وفيه: دليل على أنَّ إخراج أقلّ من صاع لا يجوز؛ وذلك أنَّه ذكر في الخبر التمر والشعير وهما قوت أهل ذلك الزمان في ذلك المكان، فقياس ما تقتاتونه من البُرِّ وغيره من الأقوات أنه لا يجزئ منه أقل من صاع، وقد اختلف الناس في هذا، فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق: لا يجزئه من البُرِّ أقل من صاع، وروي ذلك عن الحسن وجابر بن زيد. وقال أصحاب الرأي والثوري: يجزئه نصف صاع من بُرٍّ، فأما سائر الحبوب فلا يجزئه أقل من صاع، غير أنَّ أبا حنيفة قال: يجزئه من الزبيب نصف صاع، كالقمح، وروى جماعة من الصحابة إخراج نصف صاع من البُرِّ. معالم السنن (2/ 50).
وقال العيني -رحمه الله-:
أما التمر والشعير فليس فيهما خلاف أنَّه يُؤدي منهما صاعًا، والخلاف في البُرِّ والزبيب، فعند أبي حنيفة وصاحبَيه: يُؤدَى من البُرِّ نصف صاع، وهو قول جماعة من الصحابة. وعند الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق: لا يجزئه أقل من صاع، وأما الزبيبُ: فكذا نصف صاع عند أبي حنيفة في رواية، وعند أبي يوسف، ومحمد: الزبيب بمنزلة الشعير؛ وهو رواية عن أبي حنيفة. شرح أبي داود (6/ 321).

قوله: «على كُلِّ حُرٍّ أو عبدٍ»:
قال المازري -رحمه الله-:
قوله: «على كُلِّ حُرٍّ أو عبدٍ» فإنَّ داود أخذ بذلك، وقال: تجب على العبد كما اقتضاه اللفظ، ولكن على السيِّد أنْ يتركه قُرْب الفطر يكتسب ذلك القَدْر، ولا يكون له مَنْعُه من ذلك تلك المدة التي يَكْتَسِب فيها، كما لا يمنعه من صلاة الفرض. ومذهبنا (المالكية): أنَّها لا تجب على العبد، وهو بمنزلة الفقير؛ إذ السيد قادر على انتزاع ماله، ومحمل الحديث عندنا على أنَّ «على» بمعنى (عن) أي: يُخْرِجها السيِّد عن عَبْدِه. المعلم بفوائد مسلم (2/ 13-14).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وقوله: «على كل حُرٍّ أو عَبْدٍ» ظاهره إلزام العبد نفسه، إلا أنه لا مِلْكَ له، فيلزم السيد إخراجه عنه. معالم السنن (2/ 49).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وقد جاء في رواية الشافعي وبعض روايات غيره: «حُرّ وعَبْد ذَكَر وأنثى» بواو العطف، وعند غيره بـ(أو) والمعنى فيهما سواء، إلا أنَّ الواو أدْخَل في إثبات المعنى المعطوف من (أو)؛ لأن الواجب على كل واحد من المذكورين لا على أحدهم دون الآخر، وقد تَرِدُ (أو) بمعنى (الواو)، وعليه قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} الإنسان: 24، إنما أراد نهيه عن طاعة الآثم والكفور، لا أحدهما. و(أو) لها في الكلام أربعة معانٍ: للشك، والتخيير، والإباحة، والإيهام من العالِم بالأمر، وهذا النوع يُدْخِلُه النحويون في حيز التخيير تارة، وفي حيز الإباحة أخرى. الشافي في شرح مسند الشافعي (3/ 130).

قوله: «ذَكَرٍ أو أنثى»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «ذكرٍ وأنثى» أخذ بظاهره أبو حنيفة، فأوجبها على الأنثى ولو ذات زوج، ومذهب الثلاثة أنَّ فطرتها على زوجها كالنفقة. فيض القدير (4/ 64).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
ظاهره وجوبه عليها ‌ولو ‌ذات ‌زوج، وقال أبو حنيفة والثوري وقال الجمهور: والثلاثة على زوجها إلحاقًا بالنفقة لحديث ممن تمونون.شرح الزرقاني على المواهب اللندنية(11/٢٠٠).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ظاهره تجب على المرأة، سواء كان لها زوج أو لا. وبه قال الثوري وأبو حنيفة وابن المنذر. وقال آخرون: تجب على الزوج تبعًا للنفقة. ونُقض بأن الزوج لا يخرجها عن زوجته الكافرة مع لزوم نفقتها. قلت: لا يخفى أنه لا نقض؛ لأن الكافرة لا تجب عليها صدقة الفطر، إنما الدليل على لزوم صدقة الفطر على الزوج عن زوجته هو ما احتج به الشافعي، بما رواه من طريق محمد بن علي الباقر مرسلًا نحو حديث ابن عمر وزاد فيه: "ممن تموِّنون"، وأخرجه البيهقي مِن هذا الوجه وزاد فيه ذكر علي، وهو منقطع.التحبير لإيضاح معاني التيسير(4/٥٢٧).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «ذكرٍ وأنثى» ظاهره وجوبه على الأنثى عن نفسها ولو مُزَوَّجَة، وبه قالت الحنفية، وقال غيرهم: يجب على زوجها إلحاقًا بالنفقة، قلتُ: وإلحاقها بالزكاة أقرب. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 317).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وقوله (في رواية): «على الذكر والأنثى، والحُرِّ والمملوك» يقتضي وجوب الإخراج عن هؤلاء، وإنْ كانت لفظة «على» تقتضي الوجوب عليهم ظاهرًا، وقد اختلف الفقهاء في أنَّ الذي يخرج عنهم: هل باشرهم الوجوب أو لا؟ والْمُخْرِج يتحمله أم الوجوب يلاقي المخرج أو لا؟ فقد يتمسك مَن قال بالقول الأول بظاهر قوله: «على الذكر والأنثى، والحر والمملوك»؛ فإن ظاهره: يقتضي تعلق الوجوب بهم كما ذكرنا، وشرط هذا التمسك: إمكان ملاقاة الوجوب للأصل. إحكام الأحكام (1/ 386).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فالصحيح أن زكاة الفطر ‌واجبة ‌على ‌الإنسان ‌بنفسه فتجب على الزوجة بنفسها، وعلى الأب بنفسه، وعلى الابنة بنفسها، وهكذا، ولا تجب على الشخص عمّن يمونه من زوجة وأقارب لحديث ابن عمر-رضي الله عنهما-: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على الذكر والأنثى، والحر والعبد، والكبير والصغير من المسلمين». والأصل في الفرض أنه يجب على كل واحد بعينه دون غيره. ولقول الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الأنعام: 164، ولو وجبت زكاة الفِطر على الشخص نفسه وعمّن يمونه فإنه سوف تزر وازرة وزر أخرى، لكن لو أخرجها عمّن يمونهم وبرضاهم فلا بأس بذلك ولا حرج، كما أَنه لو قضى إنسان دينًا عن غيره وهو راضٍ بذلك فلا حرج، ولأنه يجوز دفع الزكاة عن الغير. وينبني على هذا إذا كان هؤلاء لا يجدون زكاة الفطر؛ فإذا قلنا: إنها واجبة عليه أثم، وإذا قلنا بالقول الثاني لم يأثم وهم لا يأثمون؛ لعدم وجود مال عندهم. لكن الأولاد الصغار الذين لا مال لهم قد نقول بوجوبها على آبائهم؛ لأنّ هذا هو المعروف عن الصحابة -رضي الله عنهم-.الشرح الممتع(6/١٥٤ -١٥5).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
أما زكاة الفطر عن العبد فإنها تجب على سيده؛ لما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر» فيكون هذا الحديث مخصصًا لحديث ابن عمر فيما يتعلق بزكاة الفطر عن العبد، ولأن العبد مملوك للسيد لا يملك فوجب عليه تطهيره؛ لأنه لا يمكن أن يملك. وقال بعض العلماء: تجب على العبد نفسه، ويلزم السيد بتفريغ العبد آخر رمضان ليكتسب ما يؤدي به صدقة الفطر، وهذا ضعيف. الشرح الممتع(6/156) قوله: «مِن المسلمينَ»: قال الترمذي -رحمه الله-: وروى مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث أيوب وزاد فيه: «من المسلمين» ورواه غير واحد عن نافع، ولم يذكر فيه: «من المسلمين». سنن الترمذي (3/ 52).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «من المسلمين» قال أبو عيسى الترمذي وغيره: هذه اللفظة انفرد بها مالك دون سائر أصحاب نافع، وليس كما قالوا، ولم ينفرد بها مالك، بل وافقه فيها ثقتان، وهما الضحاك بن عثمان، وعمر بن نافع، فالضحاك ذكره مسلم في الرواية التي بعد هذه، وأما عمر ففي البخاري. شرح النووي على مسلم (7/ 61).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «من المسلمين» فصريح في أنها لا تُخْرَجُ إلا عن مسلم، فلا يلزمه عن عبده وزوجته وولده ووالده الكفار، وإن وجبت عليه نفقتهم، وهذا مذهب مالك والشافعي، وجماهير العلماء، وقال الكوفيون وإسحاق وبعض السلف: تجب عن العبد الكافر، وتأوَّل الطحاوي قوله: «من المسلمين» على أنَّ المراد بقوله: «من المسلمين» السادة دون العبيد، وهذا يَرُدُّه ظاهر الحديث. شرح النووي على مسلم (7/ 59-60).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستُدل بهذه الزيادة «من المسلمين» على اشتراط الإسلام في وجوب زكاة الفطر، ومقتضاه أنها لا تجب على الكافر عن نفسه، وهو أمرٌ متفق عليه، وهل يُخْرِجها عن غيره، كمستولدته المسلمة مثلًا؟ نقل ابن المنذر فيه الإجماع على عدم الوجوب، لكن فيه وجه للشافعية، ورواية عن أحمد. وهل يخرجها المسلم عن عبده الكافر؟ قال الجمهور: لا، خلافًا لعطاء والنخعي والثوري والحنفية وإسحاق، واستدلوا بعموم قوله: «ليس على المسلم في عَبْدِهِ صدقة إلا صدقة الفطر»، وقد تقدَّم، وأجاب الآخرون بأنَّ الخاص يقضي على العام، فعموم قوله: «في عَبْدِهِ» مخصوص بقوله: «من المسلمين»، وقال الطحاوي: قوله: «من المسلمين» صفة للمُخْرِجِين، لا للمُخْرَجِ عنهم، وظاهر الحديث يأباه؛ لأن فيه العبد وكذا الصغير في رواية عمر بن نافع، وهما ممن يُخرج عنه، فدل على أن صفة الإسلام لا تختص بالْمُخْرِجِين، ويؤيده رواية الضحاك عند مسلم بلفظ: «على كل نفس من المسلمين، حُرٍّ أو عَبْدٍ» الحديث. فتح الباري (3/ 370).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وعند الشافعي: أنها لا تجب إلا على المسلمين؛ عملًا بهذا الحديث. وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور، وبيان ذلك: فيما إذا كان له ولد كافر، أو زوجة كافرة، أو عبدٌ كافر فلا يجب عليه أن يخرج الزكاة عنهم، وقال أبو حنيفة: يجب عليه أنْ يعطي عن العبد الذي ليس بمسلم، وبه قال عطاء ومجاهد وابن جبير والثوري والنخعي وإسحاق. وقال ابن المسيب والحسن: لا يؤدي إلا عمن صلى وصام، وقال محمد بن الحسن: لا تجب في مال الصغير يتيمًا كان أو غير يتيم، قال الشافعي: في حديث نافع دلالة على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفرضها إلا على المسلمين؛ وذلك يوافق كتاب الله -عز وجل-؛ فإنه جعل الزكاة للمسلمين طهورًا، والطهور لا يكون إلا لمسلم. الشافي في شرح مسند الشافعي (3/ 130-131).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قلتُ: وظاهر هذا الحديث: أنَّه إنَّما قصد فيه إلى بيان مقدارها، ومن يقدر عليه، ولم يتعرَّض فيه لبيان مَن يخرجها عن نفسه ممن يخرجها عن غيره، بل شمل الجميع؛ إذ قد ذكر فيهم العبد والصغير. المفهم (3/ 20-21).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
المعنى: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جميع الناس من المسلمين، وكونها على مَن وجبت، وفيمن وجبت، يُعلَم من نصوص أخر. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1500).
وقال البغوي -رحمه الله-:
ولا تجب على المسلم فِطْرَةُ عبدِهِ الكافر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: «من المسلمين»؛ ولأنها طُهرة المسلم، كزكاة المال. شرح السنة (6/ 72).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«من المسلمين» زيادة في إبانة الإيجاب على المسلمين، وأنَّ من كان من عِدَادهم، وداخل فيهم، فإنها واجبة عليه، كما وجبت على من اتصف بالإِسلام. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 317).
وقال العيني -رحمه الله-:
قلتُ: التحقيق في هذا المقام: أنَّ في صدقة الفطر نصان: أحدهما: جعَل الرأس المطلق سببًا وهو الرواية التي ليس فيها «من المسلمين». والنص الآخر: جعَل رأس المسلم سببًا، ولا تنافي في الأسباب؛ إذ يجوز أنْ يكون لشيء واحد أسباب متعددة شرعًا وحسًّا على سبيل البدل؛ كالْمِلْكِ يثبت بالشراء والهبة والصدقة والوصية والإرث، فإذا انتفت المزاحمة وجب الجمع لإجراء كل واحد من المطلق والمقيد على سننه من غير حمل أحدهما على الآخر، فيجب أداء صدقة الفطر عن العبد الكافر بالنص المطلق، وعن المسلم بالمقيّد، فإن قيل: إذا لم يُحمل المطلق على المقيّد أدى إلى إلغاء المقيّد، فإنَّ حُكمه يفهم من المطلق، فإنَّ حكم العبد المسلم يُستفاد من إطلاق اسم العَبْد، فلم يبق لذكر المقيّد فائدة. قلتُ: ليس كذلك؛ بل فيه فوائد، وهي أن يكون المقيَّد دليلًا على الاستحباب والفضل، أو على أنه عزيمة، والمطلق رخصة، أو على أنه أهم وأشرف؛ حيث نصَّ عليه بعد دخوله تحت الاسم المطلق، كتخصيص الصلاة الوسطى وجبريل وميكائيل بعد دخولها في مطلق الصلوات، ودخولهما في مطلق اسم الملائكة، ومتى أمكن العمل بهما، واحتمال الفائدة قائم، لا يجوز إبطال صفة الإطلاق. شرح أبي داود (6/ 325-326).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
واحتج الطحاوي للكوفيين في إجازة زكاة الفطر على العبد الكافر: بأنَّ قوله -عليه السلام-: «مِن المسلمين» يعني: مَن تلزمه إخراج الزكاة عن نفسه وعن غيره، ولا يكون إلا مسلمًا، فأما العبد فلا يدخل في هذا الحديث؛ لأنه لا يملك شيئًا، ولا يقضي عليه شيء، وإنما أريد بالحديث مالِكُ العبد، فأما العبد فلا حُرمة في نفسه لزكاة الفطر، ألا ترى إلى إجماع العلماء في العبد يُعتق قبل أن يؤدي عنه سيده زكاة الفطر أنه لا تلزمه إذا مَلَكَ بعد ذلك مالًا إخراجها عن نفسه، كما يلزمه إخراج كفارة ما حنَثَ فيه من الأيمان، فهو عند رائيه لا يكفرها بصيام، ولو لزمته صدقة الفطر لأدَّاها عن نفسه بعد عتقه. قال أبو عمر: قوله -عليه السلام-: «من المسلمين» يقضي لمالك والشافعي، وهذا القضاء أيضًا لأنها طُهرة للمسلم، وتزكية، وهو سبيل الواجبات من الصدقات، والكافر لا يَتَزكَّى، فلا وجه لأدائها عنه. الاستذكار (3/ 259).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله- أيضًا:
«مِن المسلمين» وفي تخصيصه المسلمين دفعٌ لإيجابها على أحد من الكافرين، وهذا قاطع. التمهيد (17/ 137).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
«مِن المسلمين» هو نصٌّ، أو ظاهر في أن قوله: «من المسلمين» صفةٌ لما قبله من النكرات المتعاطفات بـ(أو)، فيندفع قولُ الطحاوي بأنه خطاب متوجِّهٌ معناه، أي: السادة، يقصد بذلك الاحتجاج لمن ذهب إلى إخراج زكاة الفطر عن العبد الكافر. مصابيح الجامع (4/ 23).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه من الفقه: أنَّ وجوب زكاة الفطر وجوب فَرْض، لا وجوب استحباب. وفيه: بيان أنها واجبة على الصغير والكبير. وفيه: دليل على أنها واجبة على مَن مَلَكَ مائتي درهم أو لم يملكها، وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فقال أصحاب الرأي: مَن حلَّت له الصدقة فلا تجب عليه صدقة الفطر، والحد في ذلك عندهم مِلْكُ المائتين... وفيه: دليل على أنه يزكي عن عَبِيْدِهِ المسلمين كانوا للتجارة أو للخدمة؛ لأن عموم اللفظ يشملهم كلهم. وفي دلالته وجوبها على الصغير منهم والكبير، والحاضر والغائب، وكذلك الآبق منهم، والمرهون والمغصوب، وفي عبيد عبيده، وفي كل من أُضيف إلى ملكه. وفيه: دليل على أنَّه لا يزكي عن عبيده الكفار؛ لقول: «من المسلمين» فقيده بشرط الإسلام، فدل أنَّ عبده الذِّمّي لا يلزمه، وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وروي ذلك عن الحسن البصري، وقال الثوري وأصحاب الرأي: يؤدي عن العبد الذمي، وهو قول عطاء والنخعي. معالم السنن (2/48-49).
وقال ابن بطال-رحمه الله-:
وفيه دليل على أن مِلك النّصاب ليس بشرط لوجوبها، بل هي واجبة على الفقير والغني، وهو قول الشعبي، وابن سيرين، وعطاء، والزهري، ومالك. قال الشافعي: إذا فضل عن قوته وقوت عياله ليوم العيد وليلته قدر صدقة الفطر، يلزمه صدقة الفطر، وكذلك قال ابن المبارك، وأحمد. وقال أصحاب الرأي: لا تجب إلا على مَن يملك نصابًا، لأن مَن حلّت له الصدقة لا تجب عليه صدقة الفِطر، والحدِّ في ذلك عندهم ملك المائتين.شرح السنة(6/71) 


ابلاغ عن خطا