الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«صلَّى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يومًا ثم انْصَرَفَ فقال: «يا فلانُ، ألا تُحْسِنُ صلاتَكَ؟ ألا يَنْظُرُ المُصَلِّي إذا صلَّى كيفَ يُصَلِّي؟ فإنَّما يُصَلِّي لنفسِهِ، إنِّي واللهِ لَأُبْصِرُ مِن ورائِي كما أُبْصِرُ مِن بينَ يديَّ».


رواه مسلم برقم: (423)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. 


غريب الحديث


 «انْصَرَفَ»:
أي: انتهى من الصلاة. دليل الفالحين، لابن علان (6/ 420).


شرح الحديث


قوله: «صلَّى رسولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوْمًا، ثم انْصَرَفَ»:
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «صلَّى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا» أي: أَمَّنَا في صلاة من الصلوات، ولم يُعَيِّنها (أي: الراوي في هذه الرواية)؛ ولعل ذلك لعدم توقف الفائدة على تعيينها. «ويومًا» ظرف منصوب بـ«صلَّى» أي: في يوم من الأيام. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (5/ 1792).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«صلَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا» وفي رواية أحمد وابن خزيمة: «صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظّهر»، وعند ابن خزيمة من طريق أبي خالد المذكورة: «العصر». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/ 99).
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
«ثم انصرف» أي: سلَّم من الصلاة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/ 99).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «انصرف» لعله أراد أنه توجَّه بوجهه إليهم بعد الفراغ من الصلاة، كما هي عادته. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (5/ 1792).
وقال موسى شاهين -رحمه الله-:
«ثم انصرف» من الصلاة، أي: انتهى منها، أو انصرف عن الاتجاه إلى المصلين. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 583).

قوله: «يا فلانُ، ألا تُحْسِنُ صلاتَكَ؟»:
قال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«فقال: يا فلان» لفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- النطق باسم الصحابي، ولكن الراوي كنَّى عن اسمه، وأخفاه؛ جريًا على عادتهم -رضي الله عنهم- في الستر على أصحاب الخطأ والتقصير. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 583).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
 قوله: «ألا» بالتخفيف حرف تنبيه. مبارق الأزهار (2/196).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «ألا تُحسِن صلاتك؟» (ألا) في الأصل أداة استفتاح لتنبيه المخاطَب، وتكون للعَرْضِ كما هنا. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (5/ 1792).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«ألا تُحسِن صلاتك؟»
(أَلَا) للعرض أو التحضيض، أي: الطلب برفق، أو بشيء من القوة، أي: أَحْسِن صلاتك، وأصلها الهمزة التي للاستفهام التوبيخي، بمعنى: لا ينبغي، دخلت على (لا) النافية، فصار الكلام: لا ينبغي ألا تُحسِن صلاتك، ونفي النفي إثبات، فيصير المعنى: ينبغي أنْ تُحسِن صلاتك. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 583).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
«تُحسِن» بمعنى: تُتْقِن وتنتبه، و«صلاتك» مفعول به لـ«تُحسِّن»، والمعنى: انتبه لصلاتك، واحضر بقلبك حتى تؤديها. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (5/ 1792).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «ألا تُحسِن» من التحسين أو الإحسان. حاشية السندي على سنن النسائي (2/ 119).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وتحسين الصلاة: تعديل أركانها. مبارق الأزهار (2/196).

قوله: «ألا يَنْظُرُ المصلي إذا صلَّى كيف يُصَلِّي؟»:
قال ابن الملك-رحمه الله-:
«ألا» بالتخفيف، حرف تنبيه. مبارق الأزهار (2/196).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
وقوله: «ألا ينظر»:
المراد: بقلبه، أي: ينتبه ويتأمل، كقوله: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإنه إنما يناجي ربه، فلينظر بِمَ يناجيه؟». شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (5/ 1792).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
والمراد من النظر التفكر والتأمل، أي: لِيُفَكِّر المصلي في صلاته، ويقارِن بين ما يؤدي وبين ما ينبغي. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 583).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «المصلي» أي: المؤمن الذي يُحْرِمُ في الصلاة، وقوله: «كيف يصلي؟» كيف منصوب بـ(يصلي) لا بـ(ينظر)؛ لأن ما قبلها لا يعمل فيها، فهي تُعْرَب حالًا، ومَن جوَّز فيها المصدر جاء احتماله هنا. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (5/ 1792).

قوله: «فإنَّما يُصَلِّي لنفسِهِ»:
قال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«فإنما يصلي لنفسه» الفاء للتعليل، وفي الكلام مضاف محذوف، أي: لِنَفْعِ نفسه، وفائدة نفسه، فالله غنيٌ عن الإنسان وعن عبادته، وما أوْجَب الصلاة إلا لمثوبة العبد ومجازاته، ومَن عَرَف أنَّ الفعل لفائدة نَفسهِ أحْسَنه، فليس هناك مَن هو أحبّ إلى الإنسان من نفس الإنسان غالبًا. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 583).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «فإنَّما يُصَلِّي لنفسِهِ» فجدير عليه أنْ يتفكر في تكميلها؛ لأن نفْعَ عمله عائد إليه، ووقعت هذه الجملة تأكيدًا لما قبلها. مبارق الأزهار (2/196).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
قوله: «إنما يُصلي لنفسه» يشير إلى أنَّ نفع صلاته يعود إلى نفسه، كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} فصلت:46، فمَن علم أنه يعمل لنفسه، وأنه ملاقٍ عمله، ثم قصَّر في عمله وأساء، كان مسيئًا في حق نفسه، غير ناظر لها، ولا ناصح. فتح الباري (3/ 148).
وقال السندي -رحمه الله-:
«يصلي لنفسه» أي: أنَّ الصلاة له تنفعه، فينبغي للعاقل أن يراعيها. حاشية السندي على سنن النسائي (2/ 119).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «يصلي لنفسه» أي: ينتبه لصلاته؛ فإن فضلها له، مقصور عليه، فيجب أن يُتْقِنها، حتى يتم له ثوابها. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (5/ 1792).

قوله: «إنِّي واللهِ لَأُبْصِرُ مِن ورائِي كما أُبْصِرُ مِن بينَ يديَّ»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-: «إني أُبْصِر» وفي نسخة: «فإني أُبْصِرُ» وفي رواية مسلم: «إني والله لأُبْصِرُ» وهو من الإبصار، «مِن ورائي، كما أُبْصِرُ بين يدي»، وفي الكبرى «مِن بين يدي» بزيادة «مِن»، أي: إني أَنْظُرُ من وراء ظهري معجزة، مثل ما أَرى مِن أمامي عادةً. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/ 100-101).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
قوله: «إني والله لأبصر من ورائي كما أَبصر مِن بين يدي» ضبَطْنَاه في النُّسخ التي بين أيدينا «مِن ورائي» «مِن بين يدي» بكسر الميم في «مِن»، ويصح من حيث المعنى فتح الميم، بل هو أقرب إلى الروايات التالية «وإني لأراكم». فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 583).
وقال السندي -رحمه الله-:
«مِن ورائي» تحتمل أنها جارَّة، أو موصولة. حاشية السندي على سنن النسائي (2/ 119).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُتعقِّبًا السندي: هذا الذي قاله يعتمد على صحة الرواية بالوجهين، وإلا فما صحّت به الرواية هو المتعين، والله تعالى أعلم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/ 101).
قوله: «إنِّي واللهِ لَأُبْصِرُ مِن ورائِي..»:
قال الطحاوي -رحمه الله-: لم يقل: (إني أراكم مِن خلف ظهري بعيني)، والرؤية قد تكون بالعين، وقد تكون بالعلم، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُم تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَد رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُم تَنْظُرونَ} آل عمران: 143، أي: علمتموه، وإنْ كنتم لم تعاينوه بأعينكم، ومن ذلك ما حكاه عن عَبْدِه ونبيِّه شُعيب -عليه السلام- من قوله لقومه: {إِنِّي أَرَاكُم بِخَيرٍ} هود: 84، وشعيب قد كان أَعمى، فكان ذلك له رؤية علم، فدل ذلك: أنه قد تكون الرؤية بالعين، وقد تكون الرؤية رؤية علم...، أي (المعنى): لما يُلْقِي الله في قلبه ما هم عليه في صلواتهم من الخشوع فيها، وما سواه مما يكونون عليه فيها خَلْفَه، فبَان بحمد الله أنْ لا تضاد في شيء مما توهَّمه هذا المتوهِّم أنه تضاد في آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. شرح مشكل الآثار (14/ 288) وقال القاضي عياض -رحمه الله-: ذهب أحمد بن حنبل وجمهور العلماء: أنَّ هذه رؤية عين حقيقية، قال بعضهم: خاصية له -عليه السلام-، وذهب بعضهم بِرَدِّها إلى العِلم، وتظاهُر الظواهر يخالفه، ولا يُحيله عقل على مذاهب أهل الحق في الرؤية. وقال الداودي: قوله: «أراكم» أي: أخبركم أو أقتدي بما أرى على ما وراء ظهري، قال: وقوله في الرواية الأخرى: «مِن بعدي» يحتمل أنْ يُريد من بعد وفاته، وهذا بعيد من سياق الحديث، وقد قال بعضهم: معناه: أَنه كان يلتفت التفاتًا يسيرًا، لا يلوي فيه عُنقه، وهذا قد أَنكره أَحمد بن حنبل على قائله، ولا يُحتاج إلى هذا كُله، مع ما قدَّمْناهُ في خواصه وآياته -عليه السلام-، ولا يعطيه ظاهر اللفظ، وقد قيل: معنى هذا في قوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} الشعراء: 219، قال مجاهد: "كان -عليه السلام- يرى مِن خلفِه كما يَرى مِن بين يديه". إكمال المعلم (2/ 336-337).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
 وقد تأوَّل قومٌ أنَّ (أرى) هنا بمعنى (أعلم)...، (و) هذه دعوى فيها تحديد لمخالفة الظاهر، وغير نكير أن يكون ذلك برؤية العين كسائر ما أُعْطِيَه مِن خَرْقِ العادة، وأعلام النبوة، فيكون ذلك في آخر أمره، فيكون قولنا على ظاهر ما قاله -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان لا سبيل إلى كيفيته، وهو عَلَم من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم-. الاستذكار (2/ 329).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد اختُلِف في معنى ذلك، فقيل: المراد بها العلم، إما بأنْ يُوحى إليه كيفية فعلهم، وإما أن يُلْهَم، وفيه نظر؛ لأن العلم لو كان مرادًا لم يقيِّده بقوله (يعني: في رواية أخرى): «مِن وراء ظهري». وقيل: المراد أنه يَرَى مَن عن يمينه، ومَن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في النادر، ويوصَف مَن هو هناك بأنه وراء ظهره، وهذا ظاهر التكلُّف، وفيه عدول عن الظاهر بلا مُوجِب. والصواب المختار: أنه محمول على ظاهره، وأنَّ هذا الإبصار إدراك حقيقيّ خاصّ به -صلى الله عليه وسلم- انخرقت له فيه العادة...، ثم ذلك الإدراك يجوز أن يكون برؤية عينه انخرقت له العادة فيه أيضًا، فكان يرى بها مِن غير مقابلة؛ لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلًا عضوٌ مخصوص، ولا مقابَلَة ولا قُرْب، وإنما تلك أمور عاديةٌ، يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلًا؛ ولذلك حكموا بجواز رؤية اللَّه تعالى في الدار الآخرة، خلافًا لأهل البِدَع؛ لوقوفهم مع العادة. وقيل: كانت له عين خلف ظهرهِ يرى بها من وراءهِ دائمًا. وقيل: كان بين كتفيه عينان مثل سمّ الخياط يبصر بهما، لا يحجبهما ثوب ولا غيره. وقيل: بل كانت صُوَرُهم تنطبع في حائط قِبْلَتِهِ، كما تنطبع في المرآة، فيرى أمثلتهم فيها، فيشاهِد أفعالهم. فتح الباري (1/ 514).
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
هذه الأقوال الثلاثة (يعني: التي ذكرها ابن حجر) تحتاج إلى دليل، بل القول الثاني أبشع، لا ينبغي حكايته إلا للتّعجب منه، فالحق أنْ نَكِلَ العلم في كيفية إبصاره -صلى الله عليه وسلم- إلى العليم الخبير الذي أَعطاه تلك المُعجزة، فتبصر. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (10/180).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
فإنَّ أهل السُّنة لا يشترطون في الرؤية عقلًا بِنيَة مخصوصة ولا مقابَلَةً ولا قُرْبًا ولا شيئًا مما يشترطه المعتزلة وأهل البدع، وأنَّ تلك الأمور إنما هي شروط عادية، يجوز حصول الإدراك مع عدمها؛ ولذلك حكَموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة، مع إحالة تلك الأمور كلها؛ ولَمَّا ذهب أهل البدع إلى أنَّ تلك الشروط عقلية استحال عندهم رؤية الله تعالى، فأنكروها، وخالَفوا قواطع الشّريعة التي وردت بإثبات الرؤية، وخالفوا ما أجمع عليه الصحابة والتابعون. المفهم (2/ 58-57).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
هذا الذي حققه القرطبي -رحمه الله- مِن حمل الرؤية على الرؤية الحقيقية، كما هو ظاهر النّص تحقيق نفيس جدًا. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (10/180).
وقال النووي-رحمه الله-:
قال العلماء معناه: أنّ الله تعالى خَلق له -صلى الله عليه وسلم- إدراكًا ‌في ‌قفاهُ ‌يُبصر ‌به ‌مِن ‌ورائه وقد انخرقت العادة له -صلى الله عليه وسلم- بأكثر من هذا وليس يمنع من هذا عقلٌ ولا شرعٌ، بل ورد الشّرع بظاهرهِ فوجب القول به. قال القاضي: قال أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- وجمهور العلماء هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقة.شرح صحيح مسلم(5/149).
وقال العراقي -رحمه الله-:
فيه معجزة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في أنه كان ينظر من ورائه كما يَنظُر مِن بين يديه، وهو محمول على الحقيقة لا أن المراد به العِلم دون الرّؤية كما حَملَ بعضهم الحديث عليه. طرح التثريب (2/376).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الأولى بالمؤمن الإيمان بأنه -صلى الله عليه وسلم- يَراهم، وليس عليه بيان بماذا كانت الرؤية؟ وإثبات ما لا دليل زيادة في خِلقته -صلى الله عليه وسلم-.التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/330).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
كان -صلى الله عليه وسلم- يستشعر أحوال أصحابه وتحركاتهم في صلاتهم، وهم خلفه، وقد وهبه ربه حسًّا مرهفًا، وإدراكًا إشعاعيًّا، حتى كأنه يُبصر مَن وراءه بعينيّ رأسه، أحسَّ أنَّ رجلًا ممن يصلي خلفه لا يحسن الركوع والسجود، ولا يطمئن فيهما، ولا تخشع جوارحه لهما، فلما انتهى من صلاته قال له: يا فلان، لماذا لا تحسن صلاتك؟ لماذا لا تتم ركوعها وسجودها؟...، والذي نرتضيه أن الله تعالى أعطى رسولَه -صلى الله عليه وسلم- إحساسًا وإدراكًا لما خَلفه، وشعورًا بالحركات الخفيفة التي لا تراها عينه، وهذا أَمرٌ يُعطي الله قدرًا منه للأعمى؛ تعويضًا عما فَقَدَ من البصر. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 582-584).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
ومن غريب ما رأيته ما كتبه صاحب (فتح المنعم) في هذا المحلّ مستنكرًا هذا المعنى الظاهر، ومرجحًا كون الرؤية بمعنى الإحساس والشعور، وأعجب منه تشبيهه بإحساس الأعمى التي يعطيه تعويضًا عما فقدهُ من البصر، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، فأيّ بصرٍ فَقدهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى عوّضه اللَّه إحساسًا كالأعمى؟ إن هذا لهو العجب العُجاب. والحاصل: أنه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذا التأويل المزري على منصب النبي -صلى الله عليه وسلم- في تنظيره بالأعمى، وهو -صلى الله عليه وسلم- صرَّح تصريحًا لا خفاء فيه ولا لبس بأنَّ اللَّه -عزّ وجلّ- خصَّه، وفضَّله بأن أعطاهُ إبصارًا من وراء ظهرهِ، كما يُبصر مِن أَمامه من غير فرق، فتبصَّر بالإنصاف. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج(10/ 181).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
 وظاهر الحديث أن ذلك يختص بحالة الصلاة، ويحتمل: أن يكون ذلك واقعًا في جميع أحواله، وقد نقل ذلك عن مجاهد وحكى بقي بن مخلد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يُبصر في الظُّلمة كما يُبصرُ في الضوء. فتح الباري (1/515).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في كون الإبصار خاصًا بالصلاة مما يَدلُّ عليه ظاهر الحديث عندي نظر، بل الاحتمال الثاني هو الظاهر، فالأولى حملهُ على العموم، كما نقل عن مجاهد -رحمه الله-، فتأمل. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (10/181).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-: (بل) هي خاصة به -صلى الله عليه وسلم- في حالة الصلاة، ‌ولا ‌دليل ‌على ‌العموم، ‌فتنبّه.صحيح الترغيب والترهيب(1/353).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وأخبر أنه يراهم مِن وراء ظهره، وهذا من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه في هذه الحالة المعينة يرى الناس مِن وراء ظهره، أما فيما سوى ذلك، فإنه لا يرى مِن وراء ظهره شيئًا. شرح رياض الصالحين (5/113).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
فيه بيان أن الله خصَّ نبيه بمنزلة عظيمة، وهو أنْ يرى مَن خَلفه كما يَرى من أَمامه في الصلاة...، وفيه شاهد لعظة الإمام. الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (1/132).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
دفعَت طائفة من أهل الزيغ هذا الحديث، وقالوا: كيف تقبلون مثل هذا، وأنتم تروون ضده؟ فذكروا حديث أبي بَكْرة؛ إذ ركع دون الصف، فلمّا فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صلاته قال: «أيكم الذي ركع دون الصف؟» فقال أَبو بكرة: أنا، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «زادك الله حرصًا، ولا تعد»... فالجواب: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت فضائله تزيد في كُلّ وقت إلى أنْ مات -صلى الله عليه وسلم-، ألا ترى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «كنتُ عبدًا قبل أنْ أكونَ نبيًّا، وكنتُ نبيًّا قبل أن أكونَ رسولًا». الاستذكار (2/ 328).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد سئل عن الحكمة في تحذيرهم من النقص في الصلاة برؤيته إياهم، دون تحذيرهم برؤية الله تعالى لهم، وهو مقام الإحسان المبين في سؤال جبريل -عليه السلام-، كما تقدم في كتاب الإيمان: «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»؟. فأجيب: بأن في التعليل برؤيته -صلى الله عليه وسلم- لهم تنبيهًا على رؤية الله تعالى لهم، فإنهم إذا أَحسنوا الصلاة؛ لكون النبي -صلى الله عليه وسلم- يراهُم أَيقظهم ذلك إلى مُراقبة الله تعالى، مع ما تضمنه الحديث من المُعجزة له -صلى الله عليه وسلم- بذلك، ولكونه يُبعث شهيدًا عليهم يوم القيامة، فإذا علموا أنه يراهُم تحفظوا في عبادتهم؛ ليشهدَ لهم بحُسنِ عبادتهم. فتح الباري (2/226).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: علل بهذا وأنه يلزم أَنهم يراقبونه في صلاتهم، ويخافون رؤيته لهم دون الله -عزَّ وجلَّ-. قلتُ: قد علم يقينًا أن طاعته -صلى الله عليه وسلم- طاعة لله، فلا بأس بمراقبته ومخافة أن يرى (إتسابهم) في عبادتهم. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/330-331).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-: في فوائده:
1. منها: أنَّ فيه الأمر بإحسان الصلاة، والمحافظة على إتمام أركانها، ومستحباتها، والحث على الخشوع فيها...
2. ومنها: جواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة، لكن المستحَب تركه إلا لحاجة، كتأكيد أمر، وتفخيمه، والمبالغة في تحقيقه، وتمكينه من النفوس، وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من الحلف...
3. ومنها: إثبات معجزة باهرة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث جعله الله تعالى يرى من خلفه كما يرى من أمامه، قال الحافظ العراقي -رحمه الله- في ألفية السيرة: أكثر الأنبياء حقًّا تَبَعًا *** يرى وراءه كقُدَّامٍ معًا. وهذه الرؤية كما أسلفنا على ظاهرها، وأنَّ الله تعالى جعله يبصر مِن وراء ظهره، كما يبصر مِن أمامه. 4. ومنها: أنه ينبغي للإمام أن ينبِّه الناس على ما يتعلَّق بأحوال الصلاة، ولا سيما إنْ رأى منهم ما يخالف الأَوْلَى. البحر المحيط الثجاج (10/ 182-183).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
في فوائده: منها: أنه ينبغي للمصلي أنْ يعتقد أنَّ صلاته لنفسه، فيؤديها بواجباتها، ومسنوناتها، ومستحباتها؛ حتى يكون نفعها له أتم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (11/ 102-103).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
 فيه تحذير لهم من التقصير في الصلاة وراءَهُ، فإنهم لو كانوا بين يَديه لم يقصروا في الصلاة، فكذا ينبغي أن يصلوا من خَلفه فإنه يراهُم. فتح الباري (3/148).
وقال محمد صديق حسن خان -رحمه الله-:
 فيه: الأمر بإحسان الصلاة والخشوع، وإتمام الركوع والسجود. السراج الوهاج في كشف مطالب مسلم بن الحجاج (2/ 70).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
دلت هذه الأحاديث (ذكر أحاديث ومنها: حديث أبي هريرة) على أنَّ مَن رأى من يُسِيءُ صلاته فإنه يأمرهُ بإحسان صلاته، ويعِظُه، ويبالغ في الوعظ؛ فإنَّ القلوب تستجيب إلى الحق بالموعظة الحسنة، ما لا تستجيب بالعنف، لا سيما إذا عمَّ بالموعظة ولم يُخص أحدًا، وإنْ خصمه فإنه يلين له القول. فتح الباري (3/142- 143).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفي اختصاص هذه الرؤية بحال الصلاة دليل على عظمة شأن الصلاة، وإنما لم يقل: فإن الله يراكم؛ لأنَّ سبب الحديث أنه قال رجل: لأفعل في صلاتي كذا، انظر هل يعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك أم لا؟ فذكره، وقيل: النكتة غير ذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 351).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفيه الأمر بإحسان الصلاة والخشوع وإتمام الركوع والسجود، وجواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة، لكن المستحب تركه إلا لحاجة كتأكيد أمرٍ وتفخيمه والمبالغة في تحقيقه وتمكينه من النفوس، وعلى هذا يُحمل ما جاء في الأحاديث من الحَلِف. شرح صحيح مسلم (4/150).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
 فيه: أنه ينبغي للإمام إذا رأى أحدًا مقصرًا في شيء من أمر دينه أو ناقصًا للكمال منه أنه ينهاه عن فعله، ‌ويَحُضُّهُ على ما له فيه جزيل الحَظِّ؛ ألا ترى أنّ الرسول وبْخَ مَن نقص كمال الركوع والسجود ووعظهُم في ذلك بأنه يراهُم، وقد أخذ الله على المؤمنين ذلك إذا مكنهم في الأرض بقوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ} الحج:41. شرح صحيح البخاري (2/71).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وفيه تنبيه على أنَّ مَن كان يُحسن صلاته لعِلمه بنظر مخلوق إليه؛ فإنه ينبغي أنْ يُحسنها لعلمه بنظر الله إليه، فإن المُصلي يُناجي ربّه، وهو قريب منه، ومُطّلعٌ على سِرّهِ وعلانيته. فتح الباري (3/148).

وينظر للاستفادة الرواية الأخرى من (هنا)

ومن (هنا)


ابلاغ عن خطا