الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

عن علي بن شَيْبَانَ أنه خَرَجَ وافِدًا إلى رسولِ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: فَصَلَّيْنَا خَلْفَ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فَلَمَحَ بِمُؤْخِرِ عَيْنِهِ إلى رَجُلٍ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ في الركوع والسجودِ، فلمَّا انْصَرَفَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يا مَعْشَرَ المسلمِينَ، إنَّه لا صلاة لمنْ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ في الركوعِ والسجودِ».


رواه أحمد برقم: (16297) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (871)، وابن خزيمة برقم: (593).
صحيح الجامع برقم: (7977)، صفة الصلاة برقم: (ص: 120).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


 «وافِدًا»:
أي: مبعوثًا من قومه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. شرح الزرقاني على المواهب (5/ 163)
وقال الخليل بن أحمد -رحمه الله-:
واحد الوَفد وافِدٌ، وهو الذي يَفِدُ عن قوم إلى مَلكٍ في فَتْحٍ أو قضيةٍ أو أَمرٍ. العين (8/ 80).
وقال ابن الأثير-رحمه الله-:
والوَفْدُ: هُم القوم يجتمعون، ويَرِدُون البلاد، واحدهم: وافِدٌ، وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارةٍ واسْتِرْفَادٍ، وانتجاعٍ، وغير ذلك.النهاية في غريب الحديث(5/209).

«فَلَمَحَ»:
أي: نظر ولاحظ. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه، السندي (1/ 285).
قال الجوهري -رحمه الله-:
يقال: لَمَحَهُ وأَلْمَحَه: إذا أبصره بنظرٍ خفيفٍ. الصحاح، للجوهري (1/ 425).
وقيل: لا يكون اللمْحُ إلَّا من بعيد. المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (3/ 376).

«بِمُؤْخِرِ عَيْنِهِ»:
بسكون الهمز، أي: جانبيه، كان يمينًا أو شمالًا، وهو أشدُّ التفاتًا من الشَّزْر. لسان العرب (5/ 4007-4008).‌
قال ابن منظور -رحمه الله-:‌
مؤخرُ ‌العين: ‌الذي ‌يَلي ‌الصُّدْغ، ‌ومُقدِّمها: الذي يلي الأنف. يُقال: نَظر إليه بِمُؤْخِرِ عَيْنِهِ وبمُقْدِمِ عَيْنِهِ.لسان العرب(4/12)

«يُقِيمُ صُلْبَهُ»:
أي: يُسَوِّي ظَهْرَهُ في الركوع والسجود، والمراد منها: الطمأنينة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 147).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
الصُّلْبُ: كلُّ ظَهْرٍ له فَقَارٌ، وتُضَمُّ اللَّامُ للاتباع. المصباح المنير، الفيومي(1/ 345).


شرح الحديث


قوله: «صَلَّيْنَا خلف النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«صلينا خلفه» أي: وراءه. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (6/ 16).

قوله: «‌فلَمَح ‌بمُؤخر ‌عَينه ‌إلى ‌رَجُل ‌لا ‌يُقيم ‌صُلْبَه ‌في ‌الركوع ‌والسجود»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فلَمَحَ» أي: نَظَرَ ولاحَظَ، وهذا إمَّا مبني على زعمه، وإلا فهو -صلى الله عليه وسلم- كان يرى مِن خلفه أحيانًا، وأحيانًا يلمح. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 285).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «بمؤْخِر عينه» أي: بطرف عينه. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (6/ 16).
وقال مرتضى الزبيدي -رحمه الله-:
ومما يدل على عدم كراهة اللمح بالعين: ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث علي بن شَيْبَان قال: «قدِمنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلينا معه، فلمَح بمؤْخِر عينيه رجلًا لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فقال: لا صلاة لمن لا يقيم صلبه». إتحاف السادة المتقين (3/ 96).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وقد يُحمل هذا (الالتفات) -إنْ صح- على الالتفات لمصلحة، وقد روي عن علي بن شَيْبَان الحنفي قال: «قدمنا على النبي وصلينا معه، فلمح بمؤْخِر عينه رجلًا لا يقيم صلبه في الركوع ولا في السجود، فقال: لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» خرجه الإمام أحمد وابن حبان وابن ماجه، وقد رُوي الالتفات في الصلاة يمينًا وشمالًا عن طائفة من السلف، منهم أنس والنخعي وعبد الله بن معقل بن مقرن. فتح الباري (4/ 404).
وقال السرخسي -رحمه الله-:
وَحَدُّ الالتفات المكروه: أنْ يلوي عُنُقَه ووجهه على وجهٍ يُخرج وجهه من أنْ يكون إلى جهة الكعبة، فأمَّا إذا نظر بمؤْخِر عينيه يمنةً أو يسرةً من غير أن يلوي عنقه، فلا يكون مكروهًا؛ لما رُوي أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يلاحظ أصحابه في صلاته بمؤْخِر عينيه. المبسوط (1/ 45)
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قيل: التفاته -صلى الله عليه وسلم- كان مَرَّةً أو مِرَارًا قليلة؛ ليُعْلَم أنه غير مبطل، أو كان لشيء ضروري؛ لأنه يجوز أنْ ينهى أمَّته عن شيء وهو يفعله لغير ضرورة، فإن كان بحيث يلوي عنقه خلف ظهره فهو مبطل للصلاة. شرح المصابيح (2/ 64).

قوله: «فلمَّا انْصَرَفَ رسولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: يا مَعْشَرَ المسلمِينَ، إنَّه لا صلاةَ لمنْ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ في الرُّكوعِ والسُّجودِ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «لا يقيم صلبه» ولا يعدل صلاته، ولا يطمئن فيها، يعني: الراوي بقوله: لا يقيم صلاته: لا يعدل «صلبه» أي: لا يجعل ظهره مستقيمًا معدلًا مستويًا «في الركوع والسجود» المستلزم للطمأنينة. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (6/ 16).
وقال -رحمه الله- أيضًا:
(في رواية): «فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة» قال لنا: «يا معشر المسلمين، لا صلاة» صحيحة «لمن لا يقيم» ولا يعدل «صلبه» أي: ظهره «في الركوع والسجود». مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (6/ 16).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
المراد بإقامة الصُّلْب هنا: الطمأنينة، وعدم الاستعجال، بل يثبت ساجدًا حتى يستقر صلبه في موضعه، وحتى تستقر سائر مفاصله في مواضعها. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (13/ 336).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
معنى إقامة الصُّلب: تعديله وتسويته. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (13/ 67).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وإقامة الظَّهْر في الركوع والسجود: هو سكونه من حركته. فتح الباري (7/ 172).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
يعني: يقيم ظَهْرَه في الركوع والسجود، بحيث يطمئن ويستقر، ولا يستعجل في ركوعه، ولا في سجوده، ويعتدل في ركوعه، وفي سجوده. شرح سنن أبي داود (110/ 21).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صُلْبَه في الركوع والسجود»؛ فإنه لو كُسِرَ صلبُه، وتعذَّر عليه إقامته، أجزأته صلاته، ونظائره كثيرة. تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته (1/ 16).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
يعني: لا يقيم صُلبه إذا رفع من الركوع، وإذا رفع من السجود.مجموع الفتاوى (22/ ٦٠٢)
وقال -رحمه الله- أيضًا:
وهذا يُبين أنّ إقامة الصَّلُب: هي الاعتدال في الركوع، وإن كان طائفة من العلماء مِن أصحابنا، وغيرهم فسّروا ذلك بنفس الطمأنينة.مجموع الفتاوى(22/٥٣٦)
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وقد أنكر العلماء على أبي حنيفة فيمَن صار من الركوع إلى السجود، ولم يرفع رأسه، أنه يجزئه، وقالوا: هذا قول مخالف للسنة ولعلماء الأُمَّة. الاستذكار (2/ 164).
وقال الزرقاني-رحمه الله-:
«لا صلاةَ لمنْ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ..» لا خلاف في ذلك إِنما ‌الخلاف ‌في ‌الطمأنينة ‌بعد الاعتدال، ولم نَعُدَّ قول أبي حنيفة وبعض أصحابنا خلافًا؛ لأنهم محجوجون بالآثار وبما عليه الجمهور كذا قال ابن عبد البر.شرح الموطأ(1/٥٦١)
وقال ابن رحب -رحمه الله-:
وأكثر أهل العلم على أن إِتمام الركوع بالطمأنينة: فرض، لا تصح الصلاة بدون ذلك.
قال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم -ومن بعدهم؛ يرون أنْ يُقيم الرّجل صُلبه في الركوع والسجود.
وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: من ‌لا ‌يقيم ‌صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة؛ لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود». فتح الباري(7/١٧٢).


ابلاغ عن خطا