الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«القرآن ‌شَافِعٌ ‌مُشَفَّعٌ، وَمَاحِلٌ ‌مُصَدَّقٌ، فمَن جعله أَمَامَهُ قاده إلى الجنة، ومَن جعله خَلْفَهُ ساقه إلى النار».


رواه الطبراني في الكبير برقم: (8655) واللفظ له، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
وابن حبان برقم: (124)، والبيهقي في شُعب برقم: (1855)، من حديث جابر -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4443)، صحيح الترغيب، والترهيب برقم: (1423).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«شَافِعٌ»:
أي: طالب للشفاعة. شرح الزرقاني على المواهب اللدنية (4/ 176).

«مُشَفَّعٌ»:
أي: مقبول الشفاعة. التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي (2/ 202).

«وَمَاحِلٌ»:
بالمهملة، أي: مُخَاصِمٌ، والمراد: أنه مُخَاصِمٌ لمن تركه، وأعرض عنه. التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني (8/ 107).

«مُصَدَّق»:
أي: مُصدَّق عند الله في خِصَامِه. التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني (8/ 107).


شرح الحديث


قوله: «القرآن ‌شَافِعٌ ‌مُشَفَّعٌ»:
قال الزبيدي -رحمه الله-:
الْمُشَفِّعُ: الذي يَقْبَلُ الشفاعة، والْمُشَفَّعُ: الذي تُقبَلُ شفاعته، ومنه حديث الشفاعة: «اشْفَعْ ‌تُشَفَّعْ». تاج العروس (21/ 285).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
الْمُشَفَّع بفتح الفاء: المقبول الشفاعة، والمراد بذلك: أنه يشفع يوم القيامة في كلِّ مَن آمن به واتبعه. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (7/ 36).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«القرآن ‌شَافِعٌ» لِتَالِيْهِ «‌مُشَفَّعٌ» عند بارئه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 107).
وقال السمرقندي -رحمه الله-:
يعني: يطلب الشفاعة لصاحبه، وتُعطى له الشفاعة. تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين (ص: 420).

قوله: «وَمَاحِلٌ ‌مُصَدَّقٌ»:
قال الفراهيدي -رحمه الله-:‌
يَمْحَل ‌بصاحبه ‌إذا ‌ضَيَّعَه. العين (3/ 243).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
الماحل: السَّاعِي يُقَال: مَحَلْتُ بفلان أمحل بِهِ وَهُوَ من الْمحَال، وَفِيه مطاولة وإفراط مِن المتماحل، وَمِنْه الْمَحْل وَهُوَ الْقَحْط، والمتطول الشَّديد يَعْنِي: إنَّ من اتبعهُ، وَعمل بِمَا فِيهِ فَهُوَ شَافِع لَهُ، مَقْبُول الشَّفَاعَة فِي الْعَفو عَن فرطاته، وَمن ترك الْعَمَل بِهِ نَمَّ على إساءته، وَصدق عَلَيْهِ فِيمَا يرفع من مساوئه. الفائق في غريب الحديث (3/ 349).
وقال أبو بكر الأنباري -رحمه الله-:
وسمعتُ أبا العباس يقول: المِحال مأخوذ من قول العرب: قد مَحَل فلان بفلان؛ إذا سعى به إلى السلطان، وعرَّضه لأمر يُوبِقُهُ ويُهلِكه فيه، ومن ذلك قولهم في الدعاء: اللهم لا تجعل القرآن بنا ماحِلًا، أي: لا تجعله شاهدًا بالتقصير والتضييع علينا، ومن ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «‌القرآنُ شافعٌ مُشَفَّعٌ، ومَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، فمَنْ شَفَعَ لَه القرآن يوم القيامة نجا، ومَنْ مَحَلَ به القرآن كبَّه الله على وجهه في النار» فمعناه: ومَن شهد عليه القرآن بالتضييع والتقصير. الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 10).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«وماحِلٌ مُصَدَّق» أي: ‌خَصْم ‌مُجادِل ‌مُصدَّق، وقيل: ساعٍ مُصدَّق؛ من قولهم: مَحَلَ بفلان؛ إذا سعى به إلى السلطان، يعني: أن من اتَّبعه وعمل بما فيه فإنه شافع له مقبول الشفاعة، ومُصدَّق عليه فيما يرفع من مساوئه إذا تَرك العمل به، ومنه حديث الدعاء: «لَا تَجْعله مَاحِلًا مصدَّقًا». فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (8/ 484).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
قوله: «‌مُصَدَّقٌ» يُروى بفتح الدال وكسرها، ومعنى الفتح: أنه سبب إعجازه شاهد للنبي -صلى الله عليه وسلم- بصحة نبوءته، وصحة رسالته، والمُؤَمَّن في هذه الشهادة.
ومعنى الكسر أنه شاهد على جميع الأمم الماضية، مصدِّق لسائر الكتب المنزَّلة قبله، كما قال تعالى: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} البقرة: 97. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (7/ 36- 37).
وقال محمد الخادمي -رحمه الله-:
«‌مُصَدَّقٌ» بالبناء على المجهول، يعني: ‌يُصَدِّقُ تعالى القرآن في ‌مُخَاصَمَتِهِ في شفاعته لقارئه وعامله، وأيضًا مُصَدَّقٌ في شِكَايَتِهِ لمن يُضَيِّعُ حقه بعدم العمل، أو القراءة، أو الترتيل، فيقبل شفاعته بالعفو أو الرفعة. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية (1/ 42).
وقال عثمان الكماخي -رحمه الله-:
«ومَاحِلٌ» أي: مُشتكي إلى الله تعالى. المهيأ في كشف أسرار الموطأ (2/ 70).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ومَاحِلٌ» بالمهملة، أي: مُخَاصِمٌ، والمراد: أنه مُخَاصم لمن تركه وأَعرض عنه، «مُصَدَّق» عليه عند الله في خصامه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 107).
وقال السمرقندي -رحمه الله-:
والماحِل الساعي، يعني: يسعى لصاحبه أنه لم يقرأه، ولم يعمل به فيُصدَّق قوله. تنبيه الغافلين (ص: 420).

قوله: «فمَن جعله أَمَامَهُ قادهُ إلى الجنة»:
قال الفيومي -رحمه الله-:
قوله: «مَن جعله أَمَامَهُ قاده إلى الجنة» بفتح الهمزة، أي: قُدَّامه، والمراد بجعله أمامه: اتِّباعه والاقتداء به. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (7/ 37).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«مَن جعله أَمَامَهُ» بفتح الهمزة، أي: اقتدى به بالتزام ما فيه من الأحكام «قاده إلى الجنة». التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 202).
وقال عثمان الكماخي -رحمه الله-:
«فمَن جعله أَمَامَهُ قاده إلى الجنة»: مَن عمل بموجبه، وعظيم شأنه؛ بأنواع التعظيم يجره إلى الجنة. المهيأ في كشف أسرار الموطأ (2/ 70).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مَن جعله أَمَامَه» فاهتدى بهديه «قاده إلى الجنة». التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 107).
وقال السمرقندي -رحمه الله-:
«فمَن جعله أَمَامَه»، يعني: يقرأه، ويعمل به «قاده إلى الجنة». تنبيه الغافلين (ص:420).
وقال محمد الخادمي -رحمه الله-:
«مَن جعله أمامه» بأن يُقتدى به؛ بأن يعمل بأحكامه، ويتعظ بمواعظه، ويعتبر بقصصه وأخباره «قاده» مِن القَوْدِ، أي: أوصله «إلى الجنة». بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية (1/ 42).

قوله: «ومَن جعله خَلْفَهُ ساقه إلى النار»:
قال المناوي -رحمه الله-:
لأنه القانون الذي تستند إليه السُّنة والإجماع والقياس، فمَن لم يجعله إمامه، فقد بنى على غير أساس، فانهار به في نار جهنم. فيض القدير (4/ 535).
وقال عثمان الكماخي -رحمه الله-:
أي: ومَن لم يعمل بموجبه، ولم يعظم شأنه، ولم ينظر بإجلال نظر، وألقاه في الأرض تساهلًا، يطرحه القرآن في النار. المهيأ في كشف أسرار الموطأ (2/ 70).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ومَن جعله خَلْفَه» بإهماله وإضاعته «ساقه إلى النار» لأنه الهادي إلى الخير، فمن أعرض عنه وقع في العذاب. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 107).
وقال السمرقندي -رحمه الله-:
«ومَن جعله خَلْفَه» يعني: جفاه فلم يقرأه، ولم يعمل به، ساقه إلى النار يوم القيامة. تنبيه الغافلين (ص: 420).
وقال محمد الخادمي -رحمه الله-:
لا يخفى من ‌الْحُسْنِ ما في استعمال الْقَوْدِ في الأول، وَالسَّوْقِ في الثاني؛ لأن في القَوْدِ رفقًا وتلطيفًا، وفي السَّوْقِ زجرًا وتشديدًا، ثم الْقَوْدُ يناسب الشفاعة، فمَن قُبِلَ في حقِّه شَفَاعَتُهُ يقوده إلى الجنة، وَالسَّوْقِ إلى الخصومة فمَن قبل في حقه شِكَايَتُهُ يسوقه إلى النار، فجُمْلَتَا «مَن جعله» استئناف أو تعليل، ويمكن أن تكونا بيَانِيَّتَين فشفاعته كناية عن قَوْدِهِ، وشكايته كناية عن سَوْقِهِ.
ويحتمل: أن يختلفا باختلاف الأشخاص والأحوال، أو إحداهما بالنسبة إلى التالي، والأخرى إلى العامل وعدمهما. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية (1/ 42).
قال ابن حبان -رحمه الله-:
هذا خبر يُوهِم لفظه مَن جَهِلَ صناعة العلم: أنَّ القرآن مجْعُول مربوب، وليس كذلك، لكن لفظه مما نقول في كتبنا: إن العرب في لغتها تطلق اسم الشيء على سببه، كما تطلق اسم السبب على الشيء، فلما كان العمل بالقرآن قادَ صاحبه إلى الجنة أُطْلِقَ اسم ذلك الشيء الذي هو العمل بالقرآن على سببه الذي هو القرآن، لا أن القرآن يكون مخلوقًا. صحيح ابن حبان (1/ 332).


ابلاغ عن خطا