الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إذا دخلَ أحدُكُم المسجدَ، فلا يَجْلِسْ حتى يُصَلِّيَ ركعتين».


رواه البخاري برقم: (444) واللفظ له، ومسلم برقم: (714)، من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


رواه البخاري برقم: (444) واللفظ له، ومسلم برقم: (714)، من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه-.


شرح الحديث


قوله: «إذا دخل أحدكم المسجد»:
قال الشيخ موسى لاشين -رحمه الله-:
أي: إذا أراد أحدكم دخول المسجد وأشرف على الدخول. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (3/ 480).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«دخل أحدكم المسجد» أي: وهو متوضئ. إرشاد الساري (1/ 439).
وقال الشيخ موسى لاشين -رحمه الله-:
و(أل) في «المسجد» للجنس يَعم ُّكُل مسجد. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (3/ 480).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
«المسجد» (أل) فيه للعهد، أو الجنس، أي: أيّ مسجد كان. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (2/ 513).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
المراد بالمسجد هنا: الخاصُّ، لا العامُّ، وأعني بالعام: ما جاء في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، وهو أوضحُ من أن يُحتج له بدليل. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (2/ 408).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وروي عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم، قال: كان يقال: إذا دخَلْتَ مسجدًا من مساجد القبائل فلا بأس أن تقعد ولا تركع، وإذا دخلتَ مسجدًا من مساجد الجُمَع، فلا تقعد حتى تركع.
ولعل أهل هذه المقالة حملوا قول النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إذا دخل أحدكم المسجد» على المسجد المعهود في زمنه، وهو مسجده الذي كان يجمع فيه، فيلتحق به ما في معناه من مساجد الجُمَع دون غيرها، والجمهور حملوا الألف واللام في «المسجد» على العموم، لا على العهد. فتح الباري (3/ 272).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
المكان المعَدُّ للصلاة، الذي تقام فيه الصلاة، وليس المراد: كل مُصلّى، بل المساجد المعهودة المفتوحة للناس يصلون فيها، و(أل) في قوله: «المسجد» للاستغراق؛ أي: أيّ مسجد تدخله صغيرًا كان أو كبيرًا جامعًا كان أو للصلوات الخمس. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 624).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
قوله: «دخل أحدكم المسجد» يخرج من هذا العموم: المسجد الحرام؛ فإنه يُبدأ فيه بالطواف لا بالركوع؛ لأن الطواف تحيَّتُه؛ كما أن تحيةَ غيره من المساجد الركوع. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (2/ 408).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
ولا تُسَنُّ (أي تحية المسجد) لداخلِ المسجد الحرام؛ لاشتغاله بالطواف، واندراجها تحت ركعتيه، ولا إذا اشتغل الإمام بالفرض؛ لحديث الصحيحين: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة»، ولا إذا شَرَعَ المؤذِّن في إقامة الصلاة، أو قرب إقامتها، ولا للخطيب يوم الجمعة عند صعوده المنبر. إرشاد الساري (1/ 439).

قوله: «فلا يَجْلِسْ»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«فلا يجلس» أي: في المسجد إذا كان يريد الجلوس. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 624).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
كراهة الجلوس من غير صلاة، وهي كراهة تنزيه. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (5/ 525).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فلا يجلس» ندبًا مؤكدًا. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 93).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
تعظيمًا للمسجد. مرقاة المفاتيح (2/ 596).
وقال الباجي -رحمه الله-:
ولا يقال ذلك لمن لا يريد الجلوس، وأما المار فلم يتوجه إليه الأمر، والأصل عدمه. المنتقى شرح الموطأ (1/ 286).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
تخصيصه جرى على الغالب، وإلا فيُكره ترك الصلاة لداخِلِه ولو مارًّا فيه، وكذا يُكره تركُها لمن نام فيه. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 613).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
والنهي عن الجُلوس إنما ذُكر للتنبيه على أنه لا يشتَغل بشَيء غَير صَلاة رَكعتَين. شرح سنن أبي داود (3/ 301).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
إذا دخل مجتازًا فهل يؤمر بالركوع
خفَّف ذلك مالك، وعندي أن دلالة هذا الحديث لا تتناول هذه المسألة، فإنا إن نظرنا إلى صيغة النهي، فالنهي يتناول جلوسًا قبل الركوع، فإذا لم يحصل الجلوس أصلًا لم يفعل المنهي، وإن نظرنا إلى صيغة الأمر، فالأمر توجه بركوع قبل الجلوس، فإذا انتفيا معًا لم يخالف الأمر. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 290).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- مُعلقًا:
قيلَ: فيه نظر؛ لأن الجلوس بخُصُوصه لَيْسَ هُوَ المقصود بالتعليق عَليه، بَل المقصود هو الحُصُول في بقعة، كما نَبهَ عَلَيه إمَام الحرمين، والنهي عن الجُلوس إنما ذُكر للتنبيه على أنه لا يشتَغل بشَيء غَير صَلاة رَكعتَين، كما في نظيره وهوَ تَحية البَيت الحَرام لا المَسْجد الطواف بالبيت، فَإنهُ مُعَلق بِالحُصول في الحَرَم لا بالجُلوس. شرح سنن أبي داود (3/ 301).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
واعلم أن حديث أبي قتادة قد روي بلفظين:
أحدهما: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» كذا رواه مالك، وقد خرجه البخاري ها هنا من طريقه كذلك، وهذا اللفظ يقتضي الأمر لهم بالصلاة قبل الجلوس، فمَن جلَس في المسجد كان مأمورًا بالصلاة قبل جلوسه، ومن لم يجلس فيه، فهل يكون مأمورًا بالصلاة؟ ينبغي، على أن القبلية المطلقة هل تصدق بدون وجود ما أضيفت إليه أم لا؟ وفيه اختلاف قد سبق ذكره في باب: غسل القائم يده من النوم قبل إدخالها الإناء، فإن قيل: إنها لا تَصْدق بدونه، فالأمر لا يتناول من لا يجلس، وإن قيل: إنها تصدق بدونه تناوله الأمر.
واللفظ الثاني: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين» وقد خرجه البخاري في أبواب: صلاة التطوع، من رواية عبد الله بن سعيد، هو ابن أبي هند، عن عامر بن عبد الله بن الزبير بإسناده، وهذه الرواية إنما فيها النهي عن الجلوس حتى يُصلي، فمن دخل ولم يجلس، بل مر في المسجد مجتازًا فيه، أو دخل لحاجة ثم خرج ولم يجلس، لم يتناوله هذا النهي.
ولكن خرَّجه أبو داود من رواية أبي عميس، عن عامر بن عبد الله، عن رجل من بني زريق، عن أبي قتادة، عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، بنحوه، زاد فيه: «ثم ليقعد بعدُ إن شاء، أو ليذهب إلى حاجته»، وهذه الزيادة تدل على تناول الأمر لمن قعد ومن لم يقعد، ولعلها مدرجة في الحديث...
وقد فرَّق أحمد وإسحاق بين أن يجلس الداخل في المسجد، فقالا: لا يجلس فيه حتى يصلي، قالا: وأما إذا مر فلا بأس، ولا يتخذه طريقًا، نقله إسحاق بن منصور عنهما، وكان ابن عمر يمر في المسجد، ولا يصلي فيه، وفي تهذيب المدونة: قال مالك: ومن دخل المسجد فلا يقعد حتى يركع ركعتين، إلا أن يكون مجتازًا لحاجة، فجائز أن يمر فيه ولا يركع، وقاله زيد بن ثابت، ثم كَرِه زيد أن يمر فيه ولا يركع، ولم يأخذ به مالك.
وقال زيد بن أسلم: كان أصحاب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون، قال: ورأيتُ ابن عمر يفعله، وكان سالم بن عبد الله يمر فيه مقبلًا ومدبرًا ولا يصلي فيه، ورخص فيه الشعبي، وقال الحسن: لا بأس أن يستطرق المسجد، وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه مر في المسجد فصلى فيه ركعة، وقال: إنما هو تطوع، وقال: كرهتُ أن أتخذه طريقًا، ومر طلحة في المسجد فسجد سجدة، ومر فيه الزبير فركع ركعة أو سجد سجدة...
وللشافعية خلاف فيما إذا صلى ركعة: هل يقتضي بذلك حق المسجد، أم لا؟ والصحيح عندهم أنه لا يقضيه بذلك.
وأما الاقتصار على سجدة فقول غريب.
وفي النهي عن اتخاذ المسجد طريقًا أحاديث مرفوعة متعددة، في أسانيدها ضعف. فتح الباري (3/-274 277).

قوله: «حتى يُصَلِّيَ ركعتين»:
قال المظهري -رحمه الله-:
فليصل ركعتين تحية المسجد. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 67).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
يعني: تحية المسجد، أو ما يقوم مقامها من صلاة فرض أو سنة في غير وقتٍ مكروهٍ عندنا، أو طواف. مرقاة المفاتيح (2/ 596).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«حتى يصلي ركعتين» هو بيان لأقل ما يخرج به من الكراهة، ولا حد لأكثر التحية، فلو صلى مائة ركعة بتسليمة واحدة كانت تحية. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 613).
وقال النووي -رحمه الله-:
وتحية المسجد ركعتان، ‌وتحصل ‌بفرض أو نفل آخر، لا بركعة على الصحيح. منهاج الطالبين (ص: 36).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
مُقتضاهُ أنَّ التَّحية لا تحصُل بأقَل من رَكعتَين عَلى الصحيح. شرح سنن أبي داود (3/ 301).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
«ركعتين» هذا العدد لا مفهوم لأكثره باتفاق، واختُلف في أقَلِّه، والصحيح اعتباره، فلا يتأدى هذا المستحب بأقل من ركعتين. شرح الموطأ (1/ 559).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
فلا تحصل تحية المسجد بأقل من ركعتين، ولا بصلاة جنازة، وتجزئ راتبة، وفريضة -ولو فائتتين- عن تحية المسجد. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (2/ 514، 515)
وقال القسطلاني -رحمه الله-:‌
وتحصل ‌بفرض أو نفل آخر سَواء نويت معه أم لا؛ لأن المقصود وجود صلاة قبل الجلوس. إرشاد الساري (1/ 439).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
وتحصل بفرض ووِرْدٍ وسُنة، لا بركعة وصلاة جنازة. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 113).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
والصلاة عند دخول المسجد تُسمَّى تحية المسجد، وقد جاء ذلك عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، خرَّج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر، قال: دخلتُ المسجد فإذا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وحده، فقال: «يا أبا ذر، إنَّ للمسجد تحية، وإن تحيَّتَه ركعتان، فقم فاركعهما» فقمتُ فركعتهما، ثم عُدْتُ فجلستُ إليه...
وتُسمَّى أيضًا حق المسجد، وروى ابن إسحاق عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أعطوا المساجد حقها»، قالوا: وما حقها؟ قال: «تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا». فتح الباري (3/ 273-274).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
بأن يُحْرِم بهما قائمًا، قيل: أو مقارِنًا لأول جلوسه؛ إذ النهي عن جلوسٍ في غير صلاة. فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام (ص: 181).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
اتفق جماعة أهل الفتوى على أن تأويل هذا الحديث محمول على الندب والإرشاد، مع استحبابهم الركوع لكل من دخل المسجد وهو طاهر، في وقتٍ تجوز فيه النافلة. شرح صحيح البخاري (2/ 93).
وقال الباجي -رحمه الله-:
وهذا محمول على الندب؛ بدليل أنه لا يجب من الصلوات غير الخمس، ومعنى ذلك -والله أعلم-: أن هذه المساجد إنما بنيت للصلاة، وإنما تُقصد للصلاة، فيستحب أن يكون أول ما يبدأ به فيها من الأعمال الصلاة؛ ليأمن بذلك فوات ما قصد له بحدث أو غيره، وأيضًا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أعلمنا أن المنْتَظِرَ للصلاة في صلاة، وأن القاعد في المسجد بعد الصلاة تصلي عليه الملائكة، فيستحب له أن يصلي ثم يجلس فيحصل له أحد الأمرين، أو يكون منتظرًا للصلاة فيحصلان له. المنتقى شرح الموطأ (1/ 285، 286).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وجمهور العلماء على عدم الوجوب لهما، ثم اختلفوا، فظاهر مذهب مالك أنهما من النوافل، وقيل: إنهما من السنن، وهذا على اصطلاح المالكية في الفرق بين النوافل والسنن والفضائل، ونقل عن بعض الناس أنهما واجبتان، تمسكا بالنهي عن الجلوس قبل الركوع، وعلى الرواية الأخرى -التي وردت بصيغة الأمر- يكون التمسك بصيغة الأمر.
ولا شك أن ظاهر الأمر الوجوب، وظاهر النهي التحريم، ومن أزالهما عن الظاهر فهو محتاج إلى دليل. ولعلهم يفعلون في هذا ما فعلوا في مسألة الوتر، حيث استدلوا على عدم الوجوب فيه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد»، وقول السائل: هل علي غيرهن؟ قال: «لا إلا أن تطوع»، فحملوا لذلك صيغة الأمر على الندب، لدلالة هذا الحديث على عدم وجوب غير الخمس، إلا أن هذا يشكل عليهم بإيجابهم الصلاة على الميت، تمسكا بصيغة الأمر. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 287-288).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا على كلام ابن دقيق العيد:
قوله: فهو محتاج إلى الدليل، أقوى الدليل للجمهور هو الحديث الذي ذكره هو، فدلالته على عدم وجوب ما سوى الخمس واضحة.
وأما جواب من أجاب بأن ذلك قبل أن يجب غيرها من الصلوات -كما ذكره الصنعاني، والشوكاني- فيرد عليه بحديث معاذ -رضي الله عنه- حين بعثه النبي إلى اليمن، فقال له: «إنك ستأتي قومًا أهل كتاب ...» الحديث، وفيه: «فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة»، وبعث معاذ -رضي الله عنه- كان سنة عشر قبل حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكره البخاري -رحمه الله- في أواخر كتاب المغازي، ويقال: إنه ما قدم إلا بعد موته -صلى الله عليه وسلم-.
فهذا واضح في عدم افتراض شيء من الصلوات غير الخمس؛ لأن هذا الحديث متأخر بيقين.
وأما قوله: يشكل عليهم إيجابهم الصلاة على الميت.
فجوابه أن الصلاة على الميت ليست فرض عين؛ لأن السائل سأله عما يجب عليه، ولا يسقط بفعل غيره عنه، بدليل اقتصاره -صلى الله عليه وسلم- في جوابه على فرائض الأعيان.
وقد أطال العلامة الشوكاني في انتصار القول بالوجوب، وكذلك الصنعاني، وأقوى مستندهما في ذلك دعوى أن حديث: «هل عليّ غيرهن؟» قال: «لا ...»، كان أولًا، ثم تزايدت التشريعات بعد ذلك، وهذا مردود عليهما بحديث معاذ -رضي الله عنه- المذكور المتأخر يقينًا.
فتبصر، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم.
وخلاصة القول في هذه المسألة أن ما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب ركعتي تحية المسجد، هو الحق؛ لظهور حجته، كما أسلفناه آنفا. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (15/ 291-292).
وقال العيني -رحمه الله-:
ولو قلنا بوجوبهما لحرُم على المحدث الحدث الأصغر دخول المسجد حتى يتوضأ؛ ولا قائل به، فإذا جاز دخول المسجد على غير وضوء لزم منه أنه لا ‌يجب ‌عليه ‌سجودهما ‌عند ‌دخوله. شرح سنن أبي داود (2/ 378).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
وفيه: كراهة ترك صلاة ركعتين لمن دخل مسجدًا، وهي كراهة تنزيه عند الجمهور. فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام (ص: 182).
وقال الكماخي -رحمه الله-:
فهو أمرُ ندبٍ، ونهي تنزيه بالإِجماع، سِوى أهل الظاهر، فقالوا بالوجوب والتحريم. المهيأ في كشف أسرار الموطأ (2/ 19).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
ويُكره أن يجلس من غير تحية بلا عذر. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 113).
وقال المحب الطبري -رحمه الله-:
قوله (في الحديث الآخر): «قم فاركعهما» دليل ظاهره على أنه قال له ذلك بعد أنْ جلس، وأنَّ تحية المسجد لا تفوت بالجلوس، وسيأتي في باب هيئة الجمعة في ذِكر من دخل والإمام يخطب، ما يدل على ذلك أيضًا، وعلى أنْ يُقال: وقتَها قبل الجلوس أداء، فإذا جلس فاتَتْ، والحديث محمول على الأمر بالقضاء، والسنن تُقضى على الأصح، أو يقال: وقتُها قبل الجلوس وقت فضيلة، وبعده وقت جواز، والله أعلم. غاية الأحكام (2/567-568).
وقال النووي -رحمه الله-:
تحية المسجد ‌لا ‌تفوت ‌بالجلوس في حق جاهلِ حُكمها، وقد أطلق أصحابنا فواتها بالجلوس، وهو محمول على العالِم بأنها سُنة، أما الجاهل فيتداركها على قُرب. شرح مسلم (6/ 164).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
وأما الجلوس قبل أن يركعهما، فمكروه للعالِم بأنها سُنة، وأما الجاهل، فيُستحب له تداركها على قُرب، ولا تسقط بمجرد الجلوس، ولا بالنسيان إذا ذكرها على قُرب. العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام (2/ 678).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
يدخل في عمومه إذا دخل المسجد قبل الظهر، وفي جميع أوقات النهار والليل المباحة للتنفل. شرح صحيح البخاري (3/ 157).
وقال النووي -رحمه الله-:‌
تحية ‌المسجد لا تُترك في ‌أوقات ‌النهي عن الصلاة، وأنها ذات سبب تُباح في كل وقت، ويلحق بها كل ذوات الأسباب. شرح النووي على مسلم (6/ 164).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
جواز صلاة التحية في الأوقات المكروهة؛ لأنها إذا لم تسقط في الخُطبة مع الأمر بالإنصات لها فغيرها أولى. فتح الباري (2/ 411، 412).
وقال السندي -رحمه الله-:
عمومه يشمل أوقات الكراهة أيضًا، فقيل: هذا الحديث مخصوص بغير أوقات الكراهة، وقيل: بل مَقُوله على عمومه، والكراهة في تلك الأوقات مخصوصة بالصلاة التي لا يكون لها سبب. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 317).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فيُؤخذ بعمومه ويقال: في أي وقت تدخل المسجد لا تجلس حتى تصلي ركعتين، وهذا القول هو الراجح، أن تحية المسجد ليس فيها وقت نهي. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 627).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
اختلف العلماء في الصلوات ذوات الأسباب: كتحية المسجد، وركعتي الوضوء، وصلاة الكسوف، هل تُصلى وقت النهي أم لا؟
فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن جميع التطوعات لا تُصلى في وقت النهي عدا ركعتي الطواف، وعند الحنفية: حتى ركعتا الطواف، لا يصليها في ‌أوقات ‌النهي، مستدلين بعموم أحاديث النهي، وذهب الشافعية وإحدى الروايتين في مذهب أحمد إلى: أن النهي خاص بالنفل المطلق عن السبب، أما الصلوات ذوات الأسباب فجائزة عند وجود سببها، واستدلوا بالأحاديث الخاصة بهذه الصلوات؛ فإنها مُخَصِّصة لأحاديث النهي العامة.
واختار هذه الرواية شيخ الإسلام ابن تيمية، وغيره من أصحاب الإمام أحمد.
قال المجوِّزُون: إنه بهذا تجتمع الأدلة كلها، ويُعمل بأحاديث الجانبين كلها. توضيح الأحكام من بلوغ المرام (2/ 144).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
ومقتضى الحديث: أنها تتكرر بتكرر الدخول ولو عن قُرْبٍ. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 113).
وقال المازري -رحمه الله-:
وقد قال بعض أصحابنا: إن من تكرر دخوله إلى المسجد فإنه تسقط عنه تحية المسجد كما أن المختلفين إلى مكة والمترددين إليها من الحطّابين وأهل الفاكهة يسقط عنهم الدخول بالإِحرام، وكذلك أسقطوا سجود التلاوة عن القرأة والمقرئين. المعلم بفوائد مسلم (1/ 448).
وقال النووي -رحمه الله-:
لو تكرر دخوله في المسجد في الساعة الواحدة مرارًا، قال صاحب التتمة: تستحب التحية لكل مرة، وقال المحاملي في اللباب: أرجو أن تجزئه التحية مرة واحدة، والأول أقوى، وأقرب إلى ظاهر الحديث. المجموع شرح المهذب (4/52).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
من أكثر تردده إلى المسجد، وتكرر، هل يؤمر بتكرار الركعتين؟ قال بعضهم: لا، وقاسه على الحطابين، والفكاهين المترددين إلى مكة في سقوط الإحرام عنهم، إذا تكرر ترددهم، والحديث يقتضي التكرر بتكرر الدخول.
وقول هذا القائل يتعلق بمسألة أصولية، وهو تخصيص العموم بالقياس، وللأصوليين في ذلك أقوال متعددة. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 291).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وظاهر الحديث أن التحية مشروعة ‌وإن ‌تكرر ‌الدخول ‌إلى ‌المسجد، ولا وجه لما قاله البعض من عدم التكرر قياسًا على المترددين إلى مكة في سقوط الإحرام عنهم. نيل الأوطار (3/ 85).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معقبًا على كلام ابن دقيق العيد:
في هذا الكلام نظر لا يخفى؛ إذ هذا القياس غير صحيح؛ لأن دخول مكة لمن لم يرد الحج والعمرة بغير إحرام جائز على القول الراجح، سواء تكرر أم لا؛ فقد دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح بلا إحرام، فالقول بوجوب الإحرام مما لا دليل عليه، فقياس دخول المسجد عليه مع وجود النص قياس فاسد، فالراجح ما رجحه النووي -رحمه الله-.
والحاصل أن تكرر الصلاة بتكرر الدخول هو الظاهر؛ لظاهر النص، والله تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (15/ 302).
وقال الإمام ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
إذا دخل المسجد بعد أن صلى ركعتي الفجر في بيته فهل يركعهما في المسجد؟ اختلف قول مالك فيه، وظاهر الحديث يقتضي الركوع، وقيل: إن الخلاف في هذا من جهة معارضة هذا الحديث للحديث الذي رووه من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا صلاة بعد الفجر، إلا ركعتي الفجر»، وهذا أضعف من المسألة السابقة؛ لأنه يحتاج في هذا إلى إثبات صحة هذا الحديث حتى يقع التعارض، فإن الحديثين الأولين في المسألة الأولى صحيحان، وبعد التجاوز عن هذه المطالبة، وتقدير تسليم صحته يعود الأمر إلى ما ذكرناه من تعارض أمرين، يصير كل واحد منهما عاما من وجه، خاصًا من وجه، وقد ذكرناه. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 289-290).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معقبًا:
أما الحديث المذكور فضعيف بجميع طرقه، وإن صححه بعضهم بمجموعها، فلا يعارض الحديث الصحيح، حديث عمرو بن عبسة -رضي الله عنه-: «صَلِّ ما بدا لك حتى تصلي الصبح» الحديث. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (15/ 296).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
لفظة «المسجد» تتناول كل مسجد، وقد أخرجوا عنه المسجد الحرام، وجعلوا تحيته الطواف؛ فإن كان في ذلك خلاف، فلمخالفهم أن يستدل بهذا الحديث، وإن لم يكن فالسبب في ذلك النظر إلى المعنى، وهو أن المقصود افتتاح الدخول في محل العبادة بعبادة، وعبادة الطواف تحصل هذا المقصود، مع أن غير هذا المسجد لا يشاركه فيها، فاجتمع في ذلك تحصيل المقصود مع الاختصاص.
وأيضا فقد يؤخذ ذلك من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجته حين دخل المسجد، فابتدأ بالطواف على ما يقتضيه ظاهر الحديث، واستمر عليه العمل، وذلك أخص من هذا العموم.
وأيضًا فإذا اتفق أن طاف، ومشى على السنة في تعقيب الطواف بركعتيه، وجرينًا على ظاهر اللفظ في الحديث، فقد وفينا بمقتضاه. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 290).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معقبًا:
عندي أنه لا معنى لإخراج المسجد الحرام من هذا الحديث كما يشير إليه آخر كلام ابن دقيق العيد -رحمه الله- فإن من دخله، إما أن يكون محرمًا بأحد النسكين، أو لا، فإن كان محرمًا بأحدهما؛ فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف، ثم يصلي ركعتين، كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن فعل بالسنة فقد عمل بحديث الباب؛ لأن المطلوب منه أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، وقد وجد، وإن لم يكن محرمًا، فإن أراد الطواف فكذلك، وإلا فليركع ركعتين قبل أن يجلس.
والحاصل أن المسجد الحرام كسائر المساجد في طلب الركعتين قبل الجلوس، تقدمهما طواف، أم لا، فتبصر، والله تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (15/ 300).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
إذا صلى العيد في المسجد، فهل يصلي التحية عند الدخول فيه؟
اختلف فيه، والظاهر من لفظ الحديث أنه يصلي، ولكن جاء في الحديث: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصلِ قبلها ولا بعدها»، أعني صلاة العيد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل العيد في المسجد، ولا نقل عنه ذلك، فلا معارضة بين الحديثين، إلا أن يقول قائل، ويفهم فاهم أن ترك الصلاة قبل العيد، وبعدها من سنة صلاة العيد، من حيث هي هي، وليس لكونها واقعة في الصحراء أثر في ذلك الحكم، فحينئذ يقع التعارض، غير أن ذلك يتوقف على أمر زائد، وقرائن تشعر بذلك، فإن لم يوجد فالاتباع أولى استحبابًا، أعني في ترك الركوع في الصحراء، وفعله في المسجد للمسجد، لا للعيد. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 290).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معقبًا:
لم يصل العيد في المسجد، ولا نقل عنه ذلك، هو كما قال، وأما ما رواه أبو داود، وابن ماجه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه أصابهم مطر يومًا، فصلى بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- العيد في المسجد، فضعيف؛ لأن في سنده عيسى بن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة مجهول.
وقوله: فإن لم يوجد ذلك فالاتباع أولى؛ أي: إن لم توجد القرائن الدالة على ما ذكره، فالاتباع بترك الركعتين في الصحراء، وفعلهما في المسجد له، لا للعيد، هو الأولى. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (15/ 301).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: بيان مشروعية الصلاة لمن دخل المسجد.
2. ومنها: بيان أنها ركعتان؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «فليركع ركعتين»...
3. ومنها: أن ظاهر هذا الأمر لمن أراد الجلوس، فمن دخل المسجد وخرج قبل أن يجلس لا يتناوله الأمر، وفيه خلاف بين العلماء...
4. ومنها: أن بعضهم استدل بقوله: «فلا يجلس» على أنه إذا خالَف، فجلس لا يُشرع له التدارك، والصحيح أنه لا تسقط عنه، بل يقوم فيصليها...
5. ومنها: أن هذه الصلاة التي تُصلى عند دخول المسجد تسمى تحية المسجد، قد جاء ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (15/ 287-288).

وينظر فتوى الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله – هل يصلي تحية المسجد إذا تكرر دخوله وخروجه؟ (من هنا)


ابلاغ عن خطا